[ أنا صديقي الوحيد
هكذا أنا
مكشوفٌ كسبُّورة
وغامضٌ كقاتلٍ تَسَلْسُلي..
حين لا أجد ما أفعله
أمسحُ على رأسي
كما يفعل المحسنونَ في دارِ الأيتامْ،
أنكُسُ قلمي السائلَ
لأرى كم بقيَ فيه من الحِبر..
اعتيادٌ لا أكثرْ
تماماً كاعتيادِ خطيبِ الجمعةِ
حين يدقُّ المايكرفون بأصبعه
ليتأكد من صدى انفعالاته التي تعملُ بالكهرباءْ..
كاعتياد مُدرِّس النَّحوِ
وهو يهزُّ عصا الرُّمَّانِ الرفيعةَ في الهواء
لتُصدِرَ صوتاً حاراً
يشبه صوتَ الريح
حين تدخلُ من شقوقِ النافذة
وهي في عَجَلةٍ من أمرها ..
لستُ حداثياً جداً
لا آكلُ بالشوكة والسكين
فأنا لستُ بصدد دخول معركة
ولا آكل بالملعقة
رغم كلمة الترحيب المحفورة عليها
أقول لنفسي :
أهلاً وسهلاً
وأضع الملعقة جانباً
حين أراها مصابة بالتهابات اللثة..
أتقيَّأُ أسئلةَ العابرين
كي لا أصابَ بعُسر هضم
لم يعد لديَّ مخزونٌ كافٍ
لمقاومة بكتيريا الأسئلة
أشعر أن حيويتي مضادة للحياة..
المرأةُ البشعةُ تحرك قلبي في فنجانها
كما لو أنها تحرِّكُ قطعة سُكَّرْ
تقول لي قارئة الفنجان :
اليوم ليس يوم حظِّك
قد يكون الجهاز مغلقاً
أو خارج نطاق التغطية ..
أنا صديقي الوحيد
حين أضع رأسي على المخدَّة
أحكي لنفسي حكاية
كي لا أتذكر البقَّال
والجزار
وكمَّاشة وزارة الكهرباء
لم أعد أتذكَّر من رواية مائة عام من العزلة
سوى الثلاثة الأيام بداخل الكوخ
وعصير المشمش المدهون على جسدٍ
يتمدَّدُ تحته الخشبُ لشِدَّة حرارته..
[ ثلاثة جدران تكفي
ثلاثة جدران تكفي
كي لا أشعرَ بالوحدة..
أسترخي كحبلِ غسيلٍ
مُثْقلٍ بهموم الصابونْ،
الجريدةُ تقول أنَّ كلَّ شيءٍ على ما يرام
أُصدِّقها مؤقتاً لئلاَّ أَضطرَّ لابتلاعِ قرصٍ منوِّم..
أتابعُ المباراة
رغم أن مفاصلي لا تسمحُ بذلك
فأكتشفُ أنني لا أشجِّع أحداً..
أستيقظُ على صوتِ خطيبِ الجمعة،
لم يعد يتحدَّث عن السياسة
منذ احترق منزلُه
بسبب ماسٍ كهربائي..
صار يتحدَّث عن نعمة الشوارع المسفلتة
ويشيد بالمناهج المدرسية
ولا ينسى تذكيرَ الناس
بفوائد السَّفر الخمس..
كأنه يروِّج لباصات النقل البرِّي..
قبل أن ينتهي
يشتُم الجبناءَ
الذين يدفنون رؤوسَهم في التراب
وهو يدفنُ رأسَه
في مخدَّة كبيرة محشوَّة بريش النعام..
يفعل هذا كلَّ مساءٍ
دون أن يلاحظ ذلك..
لهبُ الشمعة يغري بالتأمل..
أُمرِّرُ أصابعي على اللَّهب
فأتذكَّرُ ذلك الزاهدَ
الذي وجد نفسه ذات ليلةٍ
في غرفةٍ مُغلقةٍ
بصحبة امرأةٍ كلُّ ما فيها يقول له:
هيتَ لَكْ..
رائحةُ شواءِ أصابعه
كانت تُذكِّره بجهنَّم
وهو يقلِّبها على نار الشَّمعة بقلبٍ بارد!!
شتَّان بين ما يعتبره مصادفةً سيئةً
وأعتبره أنا ضربة حظّْ..
يدي اليسرى تذكِّرُني بطبيبة الجِلْدِ الأوكرانية..
لا أحد يدري حتى اللحظة
أنني غمستُها في الأسيد عمداً
لأحظى بلمساتٍ لا إرادية من الطبيبة
وهي تلفُّ الضُّماد على يدي
بحذرٍ شديدٍ كي لا تلمسها..
عبدالمجيد التركي
شاعر من اليمن