ترجمة:عبد السلام مصباح
شاعر ومترجم مغربي
خوان رامون خيمينيث شاعر إسباني، حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1965 عن مجموعة أعماله، ومن بينها عمله الغنائي الرائع “أنا وحماري Platero y yo”.
ولد في موغير ولبة بأسبانيا في 1881حيث درس المرحلة الابتدائية، وحين اجتاز امتحان التعليم الابتدائي 1891، التحق بالمدرسة اليسوعية حيث درس المرحلة الثانوية.
درس في جامعة إشبيلية القانون والرسم، لكنه تخلى عنهما، لأنه اكتشف أن موهبته كانت أفضل في الكتابة، لهذا اختارها وكرس نفسه للأدب، متأثرًا بـ”روبين داريو Rubin Dario”، والرمزيين الفرنسيين.
في سن الثامنة عشرة نشر أول كتابين له، ولكن وفاة والده، في نفس العام 1900، أدت إلى تدميره، فتعرض لعدة أزمات عصبية اكتئابية، دخل على إثرها المستشفى بفرنسا وبمدريد؛ في هذه المدينة استقر بشكل دائم.
قام برحلات إلى فرنسا والولايات المتحدة. حين اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)، ورأى كيف يتساقط حاملو الشُّعَل: اغتيالًا (غارسيا لوركا)، اعتقالًا (ميغيل هيرنانديث)، موتًا على الحدود (أنطونيو ماتشادو)، نفيًا (رفائيل البيرتي).. فاختار المنفى في الولايات المتحدة، كانت رحلته الأولى هاته، وتواصله مع الشعر باللغة الإنجليزية (ييتس، وويليام بليك، وإميلي ديكنسون، وشيللي) بمثابة علامة عميقة على هذه المرحلة، وأثناء إقامته بها تم تعيينه ملحقًا ثقافيًا، ولكن بعد مدة انتقل إلى كوبا وبويرتوريكو… وفي هذا البلد الأخير ، تلقى نبأ منح جائزة نوبل للآداب عام 1956.
يقسم النقاد مسيرته الشعرية إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الحساسة (1898-1915): تتميز بتأثير “بيكير Becquer”/ إلى جانب الرمزية والحداثة. في ذلك ، تسود أوصاف المناظر الطبيعية، والمشاعر الغامضة، والحزن، والموسيقى والألوان، والذكريات، وأحلام المحبة. إنه شعر عاطفي، حيث تتألق حساسية الشاعر من خلال كمال البنية الشكلية.
المرحلة الفكرية (1916-1936): اكتشاف البحر كدافع متعال، حيث يرمز البحر إلى الحياة والوحدة والفرح والحاضر الأبدي. كما أنه يبدأ تطورًا روحيًا يدفعه إلى السعي وراء التعالي. رغبة منه في إنقاذ نفسه في وجه الموت، يسعى للوصول إلى الخلود بالجمال والتطهير الشعري.
المرحلة الحقيقية (1937-1958): كل ما كتب أثناء منفاه الأمريكي.
في عام 1958 مات في نفس العيادة التي ماتت فيها زوجته. ثم نقلت رفاته إلى إسبانيا حيث دفن في مسقط رأسه.
أعماله:
– زنابق الماء 1900،قوافٍ 1902،بساتين بَعيدة 1904، مرثيات صريحة 1908، مرثيات حزينة 1910، وحدة رنانة 1911، متاهة 1913، أنا وحماري 1914، يوميات شاعر متزوج حديثا 1917، خلود 1918، شعر 1923، أغنية 1935، أصواتُ مُوشحي 1945، حيوان العمق 1949، ربوة القيلولة 1950، الساعة المنفلتة 1993.
هذه القصائد التسع غير المنشورة للشاعر خوان رامون خيمينيث؛ تنتمي إلى ديوان”رابية القيلولة” (1942/1950) الذي رفض الشاعر نشره خلال حياته، ولكن المؤسسة الحاملة لنفس الاسم ستقوم بنشره.
إنها قصائد الساعات الأخيرة، قصائد صنفها خوان رامون خيمينيث نفسه في المرحلة “الكاملة والحقيقية” من مراحل حياته الشعرية؛ قصائد تبحث عن تناغم الروح وتناسق الجسد.
وقد نشرت صحيفة ABC في ملحقها الثقافي الصادر يوم 04/06/1993 هذه القصائد كهدية/مجاملة لـ”ثانوية فرانثيسكو خينير دي لوس ريوس Instituto de Bachillerato Francisco Giner de los Rios” بمدينة “سيغوبيا Seguvia” التي قامت بجمعها في دفتر تحت عنوان: “الساعة المنفلتة La
hora conseguida”، وتحت إشراف خوسي لويس بويرطو Jose Luis Puerto”.
– 1 –
ولا يسند إلى هواء
بل
إلى زمن
يَدٌ ضِدَّ النور،
قُلْت: “أَيُّها الإِنْسان”
لَسْنَا أَكْثَرَ مِنْ كِيسٍ رَهيف
مِنْ دَمٍ وَعِظَامٍ وَجلْدٍ وَدَبوس
حَقًا؟ يُمِكِنُ أَنْ يَقْتُلَنا.
يَدٌ ضِدَّ النور،
أَقولُ لَك: “أَيَتُها الْمَمْلوكَة”
“لَكِـن فِينَـا تَجْـرِي بَـذْرَة
قَدْ تُتْرَكُ خارِجَنا
مُنْعَتِقَةً مِنْ دَبوس.
الْمُسْتَقُبَلُ يَسْمَعُ فَقَط
صَوْتَ نورٍ وَإِيقاعٍ وَلَوْن
وَحْدَهُ لَنا وَبِدونِنا،
الصَوْت الذي لاَ يَحْتَاجُنا
لِنَكونَ نَحْنُ،
دَبّوسٌ وَمَوْت
دونَ جلْد، أُحْبولَةٌ وَدونَ مَرَارَة،
دونَ إِمْكانِيَّة
أَنْ تَكونَ شَيْئًا إِنْسانِيًا وَلاَ قُدُسِيًّا
الصَّدى الْمَنيعُ الْمُتَعَدِّدُ وَلا يُعاقَب،
اللاَّمادي، دونَ ظِلِّ لِلْعالَم،
الذي يُحَلِّقُ في فِكْرٍ لاَ في فَضاء،
وَلاَ يَسْندُ عَلى هَواءٍ بَلْ عَلى زَمان.
– 2 –
مِنْ زَنْبَقَةٍ في حَجَرَة،
مِنْ نَجْمَةٍ في وَرْدَة،
مِنْ حَياةٍ في حُلم،
مِنْ حُلْمٍ في حَياة، نَتَدَحْرَجُ مَعًا
ساقِطَيْنِ مِنَ السَّماء.
وَنَبْحَثُ عَنْ أَحْسَنِ ما فينا
قُبْلَةً قُبْلَة،
مِنْ تَناغُمِ الـروحِ
إِلَى تَناسُقِ الْجَسَد.
– 3 –
المنفلتة من التخريب
الساعَةُ الْعَذْبَة، الْمُنْعِشَةُ وَالرَّمَادِيَّة
مَلِيئَةٌ بِرَوائِحَ نَدِيَّة
وَأَغارِيد طُيور،
ساعَةٌ وَفِيَّة
مُنْفَلِتَةٌ مِنَ التَّخْريب،
بَعْدَ اسْتِيفاءِ الاشْتِياقِ كُلِّه!
حَياةٌ وَمَوْت
كَيْفَ يَتَغَيَّرانِ كامِلَيْن،
الاثْنَانِ راسِخَان
تَامَّانِ فَوْقَ الأَرْضِ
وَتَحْتَ السَّماء.
– 4 –
نبع
كَيْفَ يَسْتَجِمُّ الْماء
في نَفْسِه.
كَيْفَ يَنْدَفِعُ الْماء
لِيَكونَ أَكْثرَ صَفاءً،
لِيَكونَ مَزِيدًا مِنْ ذاتِه
لِيَبْقَ في نورِ الْماء!
كَيْفَ يرى الْماءُ في الْماء
الذِي يَسْتَحِمُّ في الْماء!
إنَّهُ يَخـرُج، يَحْرُج،
لَكِنَّ الْماءَ الصافي حَزينٌ وَلاَ مَرْئِي
الذي غَدا مِنْ شِدَّةِ الاِسْتِحْمام
رُوحَ مَاء.
– 5 –
لا تكن فقط للطفولة
أَنْتَ، ياصَباحَ الْغَد
لاَ تَكُنْ لِلطُّفولَة فَقَطْ:
أَيُّها الصَّباح،
ياوَرْدَةَ كُلِّ الْحَياة،
أَبَدًا لَمْ تُهْدِها الْحَياة،
دَوْمًا حاضِرَة،
فَتْحٌ سِحْرِي.
(أَنْتَ ، نورُ ظِلِّنا،
ظِلُّ مُنْتَجَعاتِ الْغِناء،
الْوَرْدَةُ الْمَرْئِية، كابْنَة
في أَيِّ مَكان
حَيْثُ يَكونُ الدَمُ رَمادًا).
– 6 –
النِّسْيانُ لَيْسَ ضَيَاعًا.
لاَ نَنْسى شَيْئًا
النِّسْيانُ بداخِلنا كَنْزٌ.
كَنْزٌ مَحْسوسٌ ضَياع.
نَحْنُ نِسْيانُ أَنْفُسِنا
نَحْنُ لا نَنْسى النِسْيان،
النِّسْيَانُ يَنْسانَا.
لَقَدْ ماتَ مُشْتَغِلًا.
أَقُول: أَيّ عَمَلٍ”حَياة”.
– 7 –
أريدُ أن أعْشق
بلا عُذر،
ألا أكون مَعشوقًا بذنبي،
أن أعْشق مَرة واحِدة
في النسيان.
حُب واحِد،
للذي لا وَحدَة له
فلتطفح الوَحدة.
فلتمُر بها وتجتازها،
حُب يَكون وحِيدًا
يَكون العالمَ أجمَع.
(عالمٌ واحد حيث نعيش
والذي خارجه
لم يَذكرْه أحَد)
أنا في الحُب
أنسى الكَون كله،
أنا في الحُب الكامل وحْدَه
محاطٌ باللاشيء،
في حب لا نهائي
مَنسي
من عاشق وعشيقة.
– 8 –
زمان ومكان
مَكانٌ وَزمَان
أَصْبَحا الآنَ ضِدِّي
في هَذا الظِّلِّ الْمَديد
لِجَسَدي الذي غَدا الآن
أَخًا بَطيئًا
لِهَذا النَهْرِ الْمُتَجَمِّد،
الذِي بقَدَمٍ راسِخَة
سَمِعْتُهُ مِنْ قَبْل،
أَخَذْتُهُ وَتَبِعْتُه…
ضَئِيل، رَطْب، ضائِع، أَجْوف،
خرْقَة، حَطَبَة…
طَويلٌ جِدًّا، أَلَم،
لِيَكونَ حُلَمًا.
– 9 –
لي فِكْرَةٌ ثابِتَة
لا شَيْءَ يُشْفي،
إِنَّها في الحَياةِ تقْتُلُني
وَعَلَيْها أَنْ تدْفِنَني.
1947
-10-
الطقس
سماءُ جدّ جَميلة
تبدو كَأرض.
(تدفعُكَ
لِتحَركَ قدَمَيك
ورأسك).
-11-
كون
جَسدُكِ: غيرة سَماء.
روحي: غيرة بَحر.
– روحي تفكرُ في سَماء أخرى.
جَسدُكِ يَحلُم ببحِر آخر.
-12-
الليل
النومُ كَجسْرٍ
يَمتدُّ مِن اليَوم إلى الغد.
تحتهُ، كَحُلم،
يَجري ماءٌ،
تجتاجُ روحٌ.
-13-
حي وميت
أرضٌ، أرضٌ، أرضٌ، أرضٌ.
والآن أنا، أنا، أنا، أنا.
سماءٌ صافِيَة،
يَومُ عُطلَة،
سانِدني في وهمي!
-14-
عدن
أبتسمُ
مُستلقِيًا في ظِلك،
عَلى جذع ناعم…
وتبدو لي
أن السماء فِنجانك،
زرقتها تهز روحي.
-15-
كشف أعظم
أنتَ لا تنام.
لا، أنا لا أنام.
نحن في نجوم نتكَلمُ مَع بَعضِنا.
نحن هنا
مَجدان
يَنعَكسان في سَلام الأرض.
-16-
الوقت
إذا مَشيتَ بسرعة،
سَيُحلق الوقتُ أمامَك،
فراشة مُراوغة صَغيرَة.
إذامَشيتَ ببطء،
سَيمشى الوقتُ خلفك،
ثورمُطيع وَديع.
-17-
فراشة من نور
فراشة نور،
رَحَل الجمال
حين أصِلُ إلى وَردَته.
أركض، أعمى، وراءها…
أمسِكُ بها نِصف هُنا وهُناك…
لَمْ يَبق في يدي
إلا شكل هُروبها!.
-18-
لبلاب
أنت مثل الزهرة
في أعلى غصن بالجنة.
يَفوحُ عِطرُك،
ما أنعَمَه!
من بعيد جدًا
كَما أتسَلقك
عَبر أعمق جذر الأرض،
قبلتي.
-19-
ليل
كجزء من قصائد خوان رامون خيمينيث ، تلك المكرسة للحب، مثل القصيدة التالية، تصف لنا من خلال الاستعارات، ذلك الشعور الذي يتغلغل في داخلك..
مَست دَمعَتي ونجمَة
فجأة
شكلَتا دَمعَةً واحِدَة،
وأصبَحتا نجمَة واحِدَة.
صِرتُ أعمى،
والسماءُ بالحب عَمياء.
كان كل شيء ولا شيء آخر،
العالمُ يَستحِق نجمَة،
نورَ دَمعَة.
-20-
أنا لست أنا
أنا لَست أنا.
أنا هَذا
يَمرّ بجانبي دونَ أن أراه،
أحيانًا سَأراه
وَأحيانًا أنسى.
الصامِت، هادئ، حين أتكَلم
الذي يَغفرُ، دَمِث، حين أكرَه.
الذي يَمشي حَيث لَست أنا،
الذي سَيبقى واقِفًا حين أموت.
-21-
اليوم الجميل
مثلما نجد القصائد المخصصة للألوان، في استعارة ، نعود للخوض في الرمز الأنثوي.
هذا المنظر من الداخل يلفنا بجلده.
وفي كُل شيءٍ أنتِ عاريَة،
رأيت فجرًا وَردِيًا،
وصَباحًا سَماويًا،
رَأيت مساءً أخضر،
ورأيتُ لَيلًا أزرق.
وفي كُل شيءٍ أنتِ عاريَة،
عاريةٌ في الليل الأزرق ،
عاريةٌ في المساءِ الأخضر
وفي الصباح السماوي ،
عاريةٌ في الفجر الوردي.
وفي كُل شيءٍ أنتَ عاريَة.
-22-
قبلة العالم
سَأقبّلكِ في الظل
دون أن يَلمسَ جَسَدي جَسدَك.
(سأزيحُ الظلْمَة
كَي لا أدخلَ نِسيان السماء).
هُو في العَدم المُطلق لِكل شيء،
يوجَد فقط،
عالمٌ جَديد،
قبِلَتي.
-23-
سأولد من جديد
سَأولدُ مِن جَديد حَجرًا،
وَسَأظلُّ أحِبكِ كامرَأة.
سَأولدُ مِن جَديد ريحًا،
وَسَأظلُّ أحِبكِ كامرَأة.
سَأولدُ مِن جَديد نارًا،
وَسَأظلُّ أحِبكِ كامرَأة.
سَأولدُ مِن جَديد رَجلًا
وَسَأظلُّ أحِبكِ كامرَأة.
-24-
أغنية
(حور أبيض)
فوق، يُغني عُصفورٌ،
وَتحت الماءِ يُغني.
-روحي
تتفتحُ فوق وتحت-
عُصفورٌ يَهز نجمَة،
ويَهوى الماءُ زهرَة
-روحي
ترتعِش فوق وتحت-
-25-
ليلة الفرح
هناك تذهب الرائحة
من الوردة!
هناك يذهب الضوء
من القمر!
خذها في الامتلاء الخاص بك!
هناك يذهب الغناء
من الدفق!
خذها في حريتك!
-26-
إنها روحي
لَسن أنتن،
أيتها المِياه الذهَبيَة الغزيرَة،
التي تجري لِسقي السرخس،
إنها روحي.
لَسن أنتن،
أيتها الأجنحَة الخفيفةُ الحرة،
التي تنفتحُ على قزَحِيَة خضراء،
إنها روحي.
لَسن أنتن،
أيتها الأغصان اللينة الحمراء
التي تتأرجح في ريح بَطيئة،
إنها روحي.
لَسن أنتن،
أيتها الأصوات العالية الواضحة،
التي ترسِلُها لَكُنّ شمسٌ غاربَة،
إنها روحي.
-27-
أبريل
في الحضور بُلبُل.
– وماذا أيضا؟
الحَورُ في سَماءٍ زرقاء.
– وماذا أيضا؟
السماءُ الزرقاءُ في الماء.
– وماذا أيضا؟
الماءُ في وَرقةٍ جَديدَة.
– وماذا أيضا؟
الوَرقةُ الجَديدةُ في الوَردَة.
– وماذا أيضا؟
الوَردةُ في قلبي.
– وماذا أيضا؟
قلبي في قلبك!
-28-
في تلك القُبلة
في تِلك القبلَة،
غرست فمَك في فمي
شجَيرة وَردٍ التي
جُذورُها تأكلُ قلبي.
كان الخريف
سَماءً واسِعَة
خطَفت بشمْسِها،
كُل زخرُفِ الحَياة
في أعمدة البَهاء.
أقبَلَ صَيف جاف.
شجَيرة وَرد.
مَضى كُل شيء!
فتحَتْ في عَيني، ببطء،
بُرْعُمان مِن ألَم.