فريرا كولار-شاعر برازيلي
فريرا كولار (اسمه الأدبي خوصي ريمبار فريرا)، شاعر ومسرحي وكاتب ومترجم وناقد فنّي، أحد عمالقة الأدب البرازيلي ومناضلي اليسار. عرَف فريرا المطاردة والنفي وناضل بجسده وقلمه وكتب أشعارا أكسبته شهرة ومجدا استحقه في بلده وفي العالم.
كتب فريرا «قصيدة جريئة» أثناء محنته ونفيه بالأرجنتين . وقد لاقت هذه القصيدة (ضمن ديوان شعري كامل) دويا كبيرا وانتشارا واسعا في الوسط الأدبي والفني ببلاده.
جَميلةٌ جَميلَةٌ
أكثْرُ مِنْ جَميلَة
لَكِنَ ماذا كانَ اسْمُها؟
لا هيلينْ لا فيرا
لا نارا لا غَبْرِيّيـيلْ
لا تيريزا لا مارِيّا
اسْمُها كانَ…
ما اسْمُها بِالفِعْل؟
لَقَدْ ضاعَ
في الجَسَد البارِدِ
لَقَدْ ضاعَ في ارتباكِ الأيّامِ واللّيالي العَديدَةِ
لَقَد ضاعَ في زَحْمَةِ الأشياءِ التي حَدَثَتْ
في كَوْكَبَةِ الأبْجَدِيّةِ
في ليالٍ مَكْتوبَةٍ بالطَبْشورِ
أَقْراصِ عيدِ الميلادِ
آحادِ كُرَةِ القَدَمِ الجميلَةِ
وَفَياتٍ مَسيراتٍ اجتماعاتٍ
روليتْ بيلياردو بوكَرْ
لَقَدْ غَيَّرَتْ وَجْهَها شَعْرَها عَيْنَيْها وضَحِكَها
بَيْتَها وزَمانَها: لَكِنّها في داخلي هِي
ضائعَةٌ في داخلي
اسْمُكِ
في بَعْضِ الأَدْراجِ
إنَّهُ الحياةُ المُنْفَجِرَةُ عَبْرَ كُلِّ شُقوقِ المَدينَةِ تَحْتَ
ظِلالِ الحَرْبِ:
الجيسْتابّو الفيرْمارتْ لارافْ لابيليتْزكريغْ
الطائراتُ المائِيَّةُ قَوارِبُ الطوربيدِ الطابورُ الخامِسُ
النازِيّون الشيّوعِيّونُ المراسِلُ إيسّو المناقَشةُ عِنْدَ
البقّالِ الكيروزين بَديلُ الصابونِ السوقُ السوداءُ
التَقْنينُ انْقِطاعُ التَيّارِ الكَهرَبائِيِّ أَكْوامُ الخُرْدَةِ
الإيطاليُّ المَقْتولُ
ساحَةُ خْوانْ ليشْبونْ رائِحةُ البارودِ المدافِعُ الألمانِيَّةُ
تُرْعِدُ في اللّيالي العاصِفَةِ
فَوْقَ مَنْزِلِنا.
لِأَجْلِ أَبي الَّذي يَبيعُ تذاكِرَ اليانَصيبِ، لأجْلِ العَمِّ الذي
يَسْرِقُ القصديرَ مِنَ السّكَكِ الحَديديّة، لِأجْل الأَبِ نوكو
الذي يَصْنَعُ سَجائرَ رَديئَة، لأجْلِ الرَّقيبِ كونْزاكا الَّذي
يَشْرَبُ ماءَ الحَياةِ مَمْزوجًا بالعَسلِ و يضاجِعُ و نافذَته مَفْتوحَةٌ،
لأجْلِ خَروفي الصّغير المُطيعِ
لِأجْلِ [ بَلَدي] البرازيل، تَحِيَّةً!
ستالينجراد لا تَزالُ تُقاوِمُ
كُلَّ صباحٍ جَديدٍ
على النوافذ في زوايا الأزِقَّةِ في العناوينِ الرئيسةِ للجرائدِ
لَكِنَّ الشِّعْرَ لم يَكُنْ موجودًا بَعْدُ
نباتاتٌ. حيواناتٌ . روائحٌ . ملابِسٌ
عُيونٌ. أذْرُعٌ. نُهودٌ. وُجوهٌ. أفواهٌ
زُجاجٌ أخْضَر، زُهورٌ، ياسَمين.
درّاجةٌ هوائيةٌ يوم الأحد
وطيّاراتٌ وَرَقِيَّة.
موسيقى في الشارِعِ.
حِدادٌ.
رَجُلٌ مَيِّتٌ في السّوقِ
دَمٌ بَشَرِيٌّ عَلى الخُضَرِ.
عالَمٌ لا صَوْت لَهُ، شيءٌ مُبْهَمٌ.
لا بيلاكْ لا ريمونْد. بوقٌ يَصيحُ عالِيًّا، قيثارةٌ
بَسيطَةٌ؟
لا بوق، لا قيثارةٌ يونانيةٌ. اكتشَفْتُ ذلِكَ لاحِقا: مُجَرَّدُ صَوْتٍ آدَمِيٍّ.
صَوتُ أحَدهم، صوتُ الجسَدِ الغامِضِ، المتُقاطِعِ مَعَ البَرْقِ. الجَسَدُ.لَكِن ما هو الجسَد؟
جَسَدي مَصْنوعٌ مِنْ لَحْم وعِظام.
تِلكَ العِظامُ التي أَسْتَطيعُ رُؤْيَتَها. الفَكّانِ الأَضْلُعُ
هَيْكَل عَظْمِيٌّ بَسيطٌ يُدَعِّمُني في الفضاءِ
الذي لا يَسْمَحُ لي بالانْهيارِ كَكيسٍ
فارغٍ
الذي يَحْتوي على جميع الأَحْشاء التي تَعْمَلُ
كَأَنابيبَ و لَقَّاطاتٍ
التي تُكَوِّنُ الدَّمَ الذي يَصْنَعُ الجَسَدَ و الفِكْرَ
والكلماتِ
والأكاذيبَ
والمُداعباتِ الأكثرِ حُنُوًّا الأكثَرِ فُجْرًا
والأشْرَسِ إحساسًا
لِتَنْفَجِرَ مِثْلَ مَجَرَّة
في مَرْكَزِ فَخِذَيْكِ في أَعْماقِ
لَيْلَتِكِ الجَشِعَةِ
رَوائِحُ السُّرَّةِ والمَهْبِلِ
رَوائحٌ صَعْبٌ تَشْفيرُها
كَرُموزٍ
مِنَ جَسَدِكِ من جَسَدِي
جَسَدٌ
الذي يُمْكِنُ أن يُمَزّقَهُ سَيْفُ
شَظِيَّةٌ مِنِ زُجاجٍ
شَفْرَةُ حِلاقَةٍ
جسَدي مَليء بالدَّمِ
الذي يَرْويهِ كَقارَّةٍ
أَوْ حديقةٍ
مُتَدَفِّقًا في ذراعَيَّ
في أصابعي
فيما أنا أتَحَدّثُ أَسيرُ
أَستَحْضِرُ ذكرياتي
دَمي يَصْنَعُ غازاتٍ أسْتَنْشِقُها
مِنْ سَماواتِ المَدينةِ الغريبةِ
بِمساعَدةِ أشْجارِ الطائِرَةِ
وقد يَتَسَرَّبُ – دون قَصْدٍ– من مِعْصَمي
المَفْتوحِ
جَسَدي
الذي مُمَدّدًا على سريري أَراهُ
كَمِثْلِ كائِنٍ في الفَضاء
الذي طولُهُ 1,70 مِتْر
الذي هو أنا: هذا الشيءُ الراقِدُ
بَطْنٌ ساقانِ قَدَمانِ
كلّ واحدَةٍ منها بِخَمْسَةِ أصابِعَ ( فلماذا ليس ستة؟)
رُكْبَتانِ كاحِلان للحَرَكَةِ
لِلْجلوسِ
لِلنُّهُوضِ جَسَدي الــ 1.70 مِتر هو بُعْدي في العالم
جَسَدي المَخْلوق مِن الماءِ
ومِن الرّمادِ
الذي يَجْعَلُني أُشاهِدُ أَنْدروميدْ، سيريوسْ، ميكيرْ
و يَجْعَلني أَشْعُر بِالاخْتِلاطِ
بِكُلِ هذه الكُتْلةِ من الهيدروجين و الهيليوم
الذي يتفكك و يندمج من جديد
دون مَعْرِفةِ السبب جَسَدٌ
جَسَدٌ جَسَدي جَسَدٌ
الذي يَمْلِكُ أنْفا كهذا وفَمًا
عَيْنَيْن
وطَريقة مُعَيَّنَة في الابتسام
والتّحدُّث
التي تُحَدّدها أمي على أنها لابنها
التي ابني يُحَدّدُها
على أنّها لوالده.
جَسَدٌ الذي إذا تَوَقَّفَ عَن الحركة يخْلُقُ
حَدَثًا جسيما في العائلة:
لأنّه بدونه لم يَعُدْ هناك من خوسي ريبمار فرّيرا
لَمْ يَعُدْ هناك مِنْ فرّيرا كولار
وسَيَتمّ نِسْيان عَدَدٍ لا حَصْرَ له من الأشياء الصغيرة
على الكوكب
إلى الأبد.