آغرون شيلي1
الزمن السرمدي
يقع مقهاي المفضل بالقرب من الكاتدرائية
هناك أنصت إلى رنين أجراس الكنيسة
إلى مشاهد الماضي،
إلى الناس المستعجلين الذين لا يمتلكون الوقت لعدّ المزامير
فهم ببساطة يلتقطون صورًا بصرية ،
حاملين معهم ذكريات أسطورة لا يعرفونها
لا يعلمون شيئا عن الصلاة تغمرها العواطف
هناك أجلس مرة بعد مرة
الساحة ذاتها بآلاف المنحوتات،
بالمحاربين يرتدون عباءة القرون الوسطى
بالدمى التي تتلاشى في بخار القهوة
ربما هو اليأس المتراكم لتضحيات الجيل
سوط العقاب.
للجميع ذوي النظرة القاسية
مثل الحواريين الذين ولدوا ثم ماتوا
قهوتي بسيطة جدًا
طاولة وكرسيان
يجلس على أحدهما غيابي
ونظرة تتشرب السماوات تجلس على الكرسي الآخر.
هكذا في سفرنا حول العالم
ربما تأتي من الماضي الرهباني
غابات من الناس يجتمعون حول صليب القدر
ربما يأتي
وقتٌ للهمهمات التي تملأ الكاتدرائية.
سآتي غدًا بالتأكيد..!
سآتي غدًا بالتأكيد
ما إن يظهر غروب الشمس في الأفق
ويصل أول خطوط الشفق إلى المدينة فاتحًا ذراعيه،
عندما تمهد الشمس الطريق للنجوم
ونبدأ الحديث عن عالم آخر
عالم تقبل فيه السماء الأرض
سآتي غدًا بالتأكيد
كما اعتدت أن آتي
إلى المروج حيث يخضر الربيع
ما من دموع، تعبثُ بأمطار الخريف بعد اليوم
لأنها تذيبني
وتحملني بعيدًا مثل أوراق الشجر
قادم أنا قادم… بالتأكيد
بغموض
هذا الصرح الذي شيد في ذهني بهذه الروعة
عصيّ على الهدم!
غارق برمته في المطر الرخامي
في الجسد
في الروح
في عاج العيون.
برعم الخشخاش
لقد برعمت زهور الخشخاش
ها هي تلمّع شفاه الربيع بأحمرها المجنون
تقبل النسيم العليل
لتفكك البتلات واحدة تلو الأخرى
ثم تتفجر أزهارًا من ثدي الأرض.
من العروق تقطر دماء أرواحها
لتجلبَ للغد المزيد من الحب.
معًا برفقة الريح
لماذا تختبئ من زرقة السماء
سينزل الرب من جديد
ويتبع ذاك الضوء في الطابق الأخير
ثم يثمل بوحيه،
ستملأ الليرة الحبال الموسيقية،
جميع الطوابق الفرعية
تعرِف الروح، بينما تراوغ أثناء طيرانها،
أنك كالعادة ستقود العالم إلى الجنون.
ستصير الصرخة صدى عاصفًا
ويقلّد الأثير
ظلال حشرة تغويها حورية
تدور حول سبعة بحار،
وعندما تسترخي الموجة البيضاء على الشاطئ
حيث تخطو الآلهة،
سيعلو الأجنحة جمالٌ أحمر
يضيء الحياة بأسرها.
ما من قلم
ولا حبر
ولا قلم رصاص
يمكن أن يصف
ما اشتعل وخمد كما شاءت الأقدار والحروب المطفأة مثل هيليني2
لا شيء يصف الأجنحة المشرعة التي تعبر بوابات الشمس
حيث فتحت بابًا
للذي جاء مثل إله أخير
ثم ضاع مع الريح.
الصورة الصاعدة
الوقت يمضي قدمًا
فهو لا يعرف كيف يوقف عقارب الساعة
ولا كيف يغيّر مصير الطريق الذي اختاره.
طويلٌ هذا الخفقان، مثل صوت أجراس الكنيسة حيث احتشد
أو مجرد جزء مما يختفي في الهواء.
ثم مرة أخرى تظهر ذات المرآة
وقارٌ
يدٌ باسم الأب والابن والروح القدس
للفرسان الذين سفكوا دماءهم على كل حجر منتصب
والقديسين على قبة يصطادون الشياطين
الذين نزلوا إلى الأرض الآن
أراهم يحتفلون
أرى الفيضان الهائل
بحرٌ صعد من الهاوية
ونوح يدفع سفينته
ليضع حدًا للأمل الذي نسجه على الأرض
للجشع الجديد الذي يعيد بناء حيواتهم من قاعدة الألم
التي ستهدم مرة أخرى في الجحيم الذي ينتظرهم
الوقت يمضي قدمًا
يميل برأسه إلى الوراء،
نحو مغفرةٍ
تنقذ الروح من فتنة جسدية آثمة
وخارج الجلد
وُشومٌ بوجوه مشوهة،
أصنام مشتعلة،
مراسي السفن في حروب القراصنة الصليبية
بسوتانها3 يلوّح في مهب الريح
تقيم الصلوات من أجل المرض
فما من شيء يمكن أن يكون أكثر من بشري
سوى صورة الطين التي شيّدت بكلّ هذا الجهد.
الهوامش
آغرون شيلي، كاتب وشاعر ألباني. عضو في الرابطة الألبانية للكتاب، وعضو في رابطة الكتاب العالميين، في ولاية أوهايو، الولايات المتحدة. من أعماله: «خطوات كلارا» (رواية)، «ما وراء الستار الرمادي» (رواية)، «صورة خاطئة» (رواية)، «ممر بريء» (شعر). نال شيلي العديد من الجوائز الأدبية العالمية المرموقة.
الهيليني: لقب يطلق على الخبير بالحضارة اليونانية
السوتان: نوع من الملابس يرتديها بعض القساوسة الكاثوليكيين.