الغياب
أكثر سرعة من الصوت، تشق الطائرة
متن السماء الى شطرين
العصافير الأكثر مهارة في عزفها المنفرد
من الآن، سترتاب في أغاريدها.
أسقط من جناحي الشجاعة تخونني
كلما فكرت فيك من أجل خلاصي.
كلام الطلل
أود المجيء الى قربك
لاشيء أجده حقيقة
لا الحجر، لا العلم ولا المسافات
إن خفقة جناح عصفور في السماء البالغة الجمود
أطول عمرا من المدينة بجدرانها الاسمنتية الزاحفة.
كان لابد أن أنكسر قبل أن أفقد أوهامي
اليوم
متأكد أنا، من أن خلاياك تصغي إلي
حين أتحدث لغة الأطلال ذات المحاني المتعددة
أتحدث في خلدي، ولكن في الحقيقة لا شىء لسواك
العادي
أول أن أكون بقربك
مثل بيت شعري طليق بكامل وداعته
أود أن تروي لي- على مهل- أشغالك وحياتك
وأحيانا- بشكل نادر- أيام الأعياد.
سندون النزهات. الحياة بكاملها
ستنغدو كلمة طبيعية وإما الصمت
ظهيرة حائرة
من الصباح الى المساء يصنع المطر تخريفته
لم أصخ السمع، والآن قد عاد الصمت
الأشجار، أصدقائي شدهوا
وهم يتسكعون في ماضيهم
كما لو أن الروح الضنينة دوما تترك الذكريات
تتراكض
وهي تسلم المطر من جوهرة الى أخرى
لا أحد أراه على مدى البصر،
أحمق أنا:
وقلبي- مفتوحا على مصراعيه- على أهبة
اللحاق بأول ظل قد يمر.
المحطة
مشيا على الأقدام وصلت
بالمحطة المتشحة بالحداد
على الجدار الاسمنتي يافطة: "القطارات رحلت
أمس، السكك فككناها "
شبابي الذي انقضى ثملا
معطل على الدوام، ولكن في جسدي ثمة الجوهر
الذي ينشد السكون، ولا يلتمس سيرة ذاتية
خلايا المخ المقنوهة
والفقرات المنهوكة
تجلب الأحلام البليدة
الروح لم تتعرف على صورتها في مرآة قاعة الانتظار
تتموج رائحة تبغ عتيق، الريح تعصف تحت الباب
الشاعر
الشاعر فرانسوا فيون لم يتوار عن الموت دونما سبب لقد
أتى منقضا على القصائد التي تركها
هنا ومنتزعا جسده أيضا وروحه.
إذا ما عثر عليها ذات وقت.
أذكر صدفة أحد المفقودين
(فلان ذاك الذي جرب حياة المجانين)
وها هو فجأة جالس قبالتي
يشبه نفسه بعينيه ولحيته وشعره
يتكلم، ينطق الحقيقة الساطعة بلغته العصية
لم نعش عبثا حينما نخلف وراءنا
لطخة على ورق أو اسما في التاريخ
آخرون كثيرون كانوا خونة أو قتلة
ومع ذلك لم يستبق أحد منهم أي ذكرى
حتى في محاضر المحاكم
فيا أيها الحكام الجبابرة، وبقية اللصوص
أيها الطغاة والوعاظ المراؤون
أنظروا كيف يأخذ الشعراء ثأرهم
بالمخاطرة بحياتهم
وبحريتهم النفيسة
بتسمية الأشياء بأسمائها!
الشعراء موجودون،
ما من أحد يقدر على محوهم، حتى ولو بقوة النسيان.
صور طبيعية
ورقة شجرة التفاح تنفصل شيئا فشيئا. قدر لامرد له، منذ الأزل. الشجرة لفظتها دون أن تقول لها شكرا. منذ أمد بعيد انبثقت عن الشجرة، هي ذاتها ، قدر محتوم أيضا. الشجرة أرادت ذلك، الورقة انولدت دون مشيئتها، لقد أجابت بنفسها حين طولبت بذلك. الشجرة شخص ما. في هذا الوقت ذاته، كان للعالم عطر آخر، الضوء كان ينساب. الليالي الشعثاء انعطفت الى النهار. فيما بعد جاء وقت الأزهار. النحل ثم الثمرات الخضراء. الزغب الناعم كان لا يزال يكسو جلدها قبيح بروز البقع الصدئة. الوقت مر متسارعا، لقد انفلت الوقت، اليوم لا مناص من السقوط. هذا المساء ستسقط. الشجرة لم تمتعض الشجرة ماكثة. لكل شيء معنى، الشجرة تعرف ذلك.
بانتي هولابا PENTTIHOLAPPA
شاعر روائي، ودارس ، وصحفي ومترجم في مجال الشعر والرواية ، ولد في 11/8/1927 بـ(يليكمنكي YLIKIMINKI ) شمال فنلندا بمنطقة أولو OULU ذات الغابات الكثيفة .
باشر الحياة العملية في سن مبكرة حيث لم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة من عمره . عصامي متمرد، لم تثنه مشاغل الحياة عن التعلم ، فدرس عدة لغات في سنة 1950 نشر ديوانه الأول : مهرج في رواق المرايا. كتب مترجمه الى الفرنسية ، غابريال روبورسي GABERIEL REBOURCET "إن المنحى الأكثر خصوصية في شعر هولابا يوجد في عمله الأول : مهرج في رواق المرايا. طاقة داخلية مشحونة لدى هذا الرجل المرهف ذي العينين اليقطتين على الدوام إزاء العالم . عبوة ناسفة بالغة الوداعة ، تنتظر من الصدفة ان تفتح لها الطريق التي من خلالها تظفر بحرية مطلقة وبما يكفي من الهواء (…) هرلابا مؤلف مسرحي مثلما هو شاعر ، نصوصه عبارة عن تمشهدات للروح حيث نرى كل التغيرات المفاجئة التي تشكل حياته الخفية والسرية ، وهي تتكون وتتلاشى من اجل ان تبلغ الذروة فيما بعد داخل التمزق الفجائي للتناسق الجلي ". خلال الخمسينات كان هولاها ضمن المنشقين عن التحديث مبشرا بهواء الأدب الفرنسي الأكثر حرية ، لقد استطاع في اعماله الغزيرة التي بلفت مرحلة النضج ان يحافظ على طريقته دون تنازل ، وهو يتحكم جيدا في نفسه الشعري وصوته الشخصي.
تخصبت تجربته أثناء اقامته في باريس من 1960 الى 1966 أسس لدى عودته فنلندا مجلة ثمانية سياسية (أجانكوثا / اللحظة الراهنة ). ثم اعبر فيما بعد محرر زاوية (هلسنجين سالوماث ) أكبر صحيفة فنلندية . من سنة1960الى 1961، شغل منصب الكاتب العام للكتاب الفنلنديين ، كما كان رئيسا لعدة منظمات ثمانية ، وفي سنة 1972 تقلد منصب وزير الثقافة في الحكومة الاجتماعية الديمقراطية ،وهو الآن نائب رئيس نادي القلم الفنلندي. نشر هولابا 26 كتابا من بينها 14ديوانا : (آثار الاصبع في الفراغ 1992)، (موقع الرسو 1994)، (لاتخف 1997). ترجمت بعض أعماله الشعرية والروائية الى لغات عديدة من بينها الفرنسية التي صدر منها ديوانان : الاهداء (منشورات باب لوزان 1989) الكلمات المديدة (غاليمار 1991)، ومن هذا الديوان قدمنا بعض النصوص لقراء مجلة " نزوى"
الهوامش
* المعلومات البيوغرافية مستقاة من كتاب المهرجان الخاص بالشعراء المدعوين الى المهرجان العالمي ، الذي نظمه بالدار البيضاء ، بيت الشعر في المغرب وذلك من 23الى 22لم 9/ 1998. ومن ديوان "الكلمات المديدة " المترجم الى الفرنسية .
* النصوص المترجمة مأخوذة من ديوان "الكلمات المديد" الصادر بالفرنسية عن دار (شعر / غاليمار).
ترجمة: سعيد هادف (شاعر من الجزائر)