(1)
أَخْرَجوا الشاعر من ديوانه بهدف التشريح المدرسي
أمام التلاميذ
أَخْرَجوا الشاعر القتيل من قبره بهدف التشريح الطبّي
أمام الوُرَثاء
أَخْرَجوا الشاعر من قبره بهدف التشريح الإديولوجي
في البرلمان
تكفَّلَت رئاسة الحكومة
بالحفر في ديوانه
لبناء النشيد الوطني
أَخْرَجوا الشاعر من قبره
بِأَمر وزارة السياحة
وضعوا تمثاله في قلب الساحة العامة
ليأخذوا صورة سياحيّة
وازدهرت تجارة الوَرْد في ذِكْراه
بنوا حديقةً ومكتبةً حول قبره
فتكاثر القُرّاء والعُشّاق
أَخْرَجوا رأس الشاعر
كَبَّرُوا حجم رأسه ألف مرّة
ووضعوا التمثال على ذُرْوَة الجبل ليراه القاصي والداني
(2)
الورثة اكتشفوا أنّ نشاط الشاعر صار كثيفا بعد موته
الأبناء لم يشعروا باليتم
أبوهم صار حيّا حين مات
أشفقوا عليه من فرط الشغل
طمأنهم رؤساء الأحزاب:
«أبوكم لم يمت لأنه يحيا في النشيد الوطني»
زوجة الشاعر
أقنعوها:
«أنت أرملة الشعب»
وكان التلفزيون الحكومي لا يكفّ عن عرض دمعتها الْمُكَـبَّرَة
وقد تمازجت مع صورة الشاعر
شفّافة داخل دمعتها
في احتضاره المستحيل
وفي ذكرى الرحيل.
(3)
تعِبوا من رؤية صورته الشمسية
فعادوا إلى صُوَرِه الشعريّة
فَرَكُوا أعينهم الْمُجْهَدَة
وقرّروا أن يتصفحّوا ديوانه
تجوّلوا في سطوره
وبين السطور وَجَد ناقد في وزارة الداخلية
أنّ القصائد محشوّة بألغام خفيّة
قد تنسف سياسة الدولة وأمْن المواطن
توجّهوا إلى وزارة التعليم
أَخرجوا قلمه من جسم البرامج المدرسية
أغلقوا كتابه أمام التلاميذ
أَحْرَقوا كُـتبه
أخفوا نتائج التشريح الطبّي
واختفت الحديقة والمكتبة في عمارة المقاول
وقبل أن يحطّموا تمثاله
أمروا الأطفال بالبصاق
نادوا كبير المقاولين حتى يَجْتَثَّ الحديقة والمكتبة والقبر
(4)
ساعة
قرّروا أن يُدخلوه إلى القبر من جديد
وجدوه أَكْبَرَ من قبره
سألوا:
«إذن كيف كان قبل أن يُخْرِجوه ؟
هل كبر خارج القبر ؟
أم أنّه لم يدخل إلى القبر ؟
أم شُبِّه لهم أنّهم دفنوه
كبر الشاعر واستعصى على العودة للقبر»
(5)
نسي ناس القرية
تاريخ ميلاده
سأل ضابط الحالة المدنية
دخل إلى التاريخ ولم يشاهد أحد خروجه
ونسي عمدة البلدية أن يسجّله في دفتر الوفيات
عادوا إلى أطلال الشاعر
لم يتعرّفوا على موضع القبر
(6)
حين
عادوا إلى بيوتهم فرحين مسرورين
وجدوا الشاعر وهو يفتح بيته من جهة النور
وفي يديه علبة مفاتيح لآفاق جديدة
نسي الشاعر أن يفتحها حتى لنفسه
قال لهم
« تفضلوا»
قالوا له:
«اخرج من هنا»
أَحرقوا ديوانه
أَطردوه من البيت
من مكانه في البيت
فوجد الشاعر نفسه
في مكانته
في
عين المستقبل
(7)
قال الصحفي
إنّ الأطفال شاهدوه
على هيئة نسر وهو يشقّ سماء المشاعر
وسمعته نساء القرية
وهو يسري
خارج القرية
وداخل قلوب الفراشات الصغيرة
مثل
أغنية من أغاني الحياة
منصف المزغني
شاعر من تونس