بداية نسلم بأنه لا صعاب أو معوقات تحول دون ثقافة الطفل.. أي دون ذلك النسيج المعقد من المعرفة والعادات والتقاليد والحياة والأخلاق والفن والقيم التي هي اكتسبها، صار عضوا في المجتمع.
والطفل منذ ميلاده، بل منذ تكون أجهزته الحسية، وهو جنين في رحم أمه.. نجده يكتسب تلقائيا عن طريق – حواسه – ما يميزه عن غيره من الميول والاتجاهات التي تحدد أبعاد شخصيته الثقافية والاجتماعية وما الى ذلك.
إلا أن الأمر الواقع – جد خطير – فيما يستقيه الطفل الآن من أنماط ثقافية غريبة ومتعارضة مع ثقافتنا العربية.. ذلك في غفلة من الأسرة التي انكمش دورها نسبيا نتيجة لتعرض المجتمع بأواخر القرن العشرين الى الكثير من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والثقافية، التي ترتبت عليها تحولات جذرية في بنية ووظائف مجمل مؤسساته هذا من ناحية، بينما يلاحقنا من ناحية أخرى عصر الانفجار المعرفي عبر وسائل الاعلام المختلفة، مما استلزم تكاتف النيات المخلصة – على وجه السرعة – من أجل تحجيم الآثار السلبية التي يكتسبها الطفل، ويتم تحديد مواصفات قياسية لما يجب أن يكون عليه المعين الثقافي الذي ينهل منه الطفل.
وقد جاءت "ندوة ثقافة الطفل" التي أقامتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ممثلة في (دائرة شؤون الطفل) خطوة هامة في طريق المشاركة المخلصة نحو مستقبل أكثر ازدهارا للطفل والمجتمع العماني. وليكن استعراضنا لمضمون ما جاء بمحاضراتها المختلفة متمثلا في الاجابة على عدة اسئلة أولا:
ما هي وسائل الثقافة ؟
نجد تنوع الوسائل ما بين وسائل مرئية كالقصة والكتاب والصحف والمجلات.. ووسائل سمعية: كالراديو والكاسيت.. ووسائل مرئية مسموعة: مثل التليفزيون والفيديو وقنوات البث المباشر والكمبيوتر، وقد تطرقت عفت الحارثي في محاضرتها عن "دور المكتبات في ثقافة الطفل " لأولى هذه الوسائل مستعرضة أهمية الكتاب ومميزاته وأنواع المكتبات وأهدافها وتلك الخدمات والأنشطة التي ينبغي تقديمها للطفل كالقصة.. والمسرح.. والندوات.. والمسابقات وسماع الموسيقى.. والرسم.. وأخيرا الأنشطة الإذاعية والصحفية، ثم اختتمت قراءة محاضرتها بكيفية سبل تطوير الخدمة المكتبية للأطفال في البلدان العربية، دون أي إشارة الى دور الجهود الذاتية التطوعية في المبادرة بطرح حلول سريعة غير مكلفة على المستوى الفردي، لسد ثغرات عدم وجود تلك المكتبات بقدر كاف في المدارس، وليكن تحت شعار.. كتاب من كل طفل لمكتبة مدرسته.
هذا فضلا عن تجاهل المحاضرة الاشارة من قريب أو بعيد لمسؤولية الأسرة في غرس حب الكتاب بنفس الطفل، الى جانب حتمية تكوين ركن مكتبي بسيط بكل منزل لاشباع احتياج الطفل للمعرفة والتسلية واكتشاف ما هو غامض عليه واكسابه كثيرا من القيم الاخلاقية المرغوبة والمهارة اللغوية والثراء اللغوي الى جانب تشويقه لتعلم القراءة والكتابة.
واستكمالا للاجابة على السؤال السابق طرحه، ننتقل لما أسهب الدكتور عاطف العبد، أستاذ الاعلام والرأي العام، في تناوله للتأثير السلبي لأهم وأكثر الوسائل الاعلامية انتشارا وجاذبية: التلفزيون.. الذي تجسد مضامين بعض برامجه الموجهة قصدا، للأطفال مثل الرسوم المتحركة، مشاهد للعنف تارة والمكائد غير الأخلاقية تارة أخرى، فيشاهدها الطفل ويختزنها لتظهر فيما بعد في سلوكه، حيث لاحظ.. وقلد ثم توحد.
وثمة شق سلبي آخر لتلك الوسيلة الاعلامية، يقع على عاتق الوالدين لانشغالهما عن الجلوس مع أطفالهما لمتابعة ما يتعرضون له طوال فترات مشاهدتهم – معظم إن لم يكن كل – ساعات الارسال، هكذا عديد وعديد من النتائج البحثية، ساقها المحاضر تسليطا لكل الأضواء على سلبيات ما تنقله قنوات البث المباشر، وبعض ألعاب الكمبيوتر التي تدمر كيان وهوية أطفالنا، كما أكد ما لهذه الوسائل الاعلامية من آثار ايجابية إذا ما أحسن الوالدان انتقاء ما يناسب أعمار ومستويات نمو أطفالهما.
وسؤالنا الثاني في هذا العرض حول:
ما مدى مسؤولية الأسرة تجاه ثقافة أطفالها؟
ينحصر "دور الأسرة في ثقافة الطفل " كما جاء بمحاضرة لها نفس المسمى في ضرورة قيام الأسرة بدور "الفلتر" الذي يحول دون تسرب ما لا يتناسب من بين ذلك الكم المعرفي الهائل لثقافات الشعوب الأخرى التي تطالعنا عبر قنوات البث المباشر وألعاب الكمبيوتر ونتيجة لدوام صحبة الطفل مع المربية والخادمة أو السائق أجنبي الجنسية، متمثلا فيهم نماذج سلوكية يقتدي بها لكنها تتعارض مع تعاليم ديننا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا العربية.
وأضافت محاضرة "تنمية الحس الجمالي لدى الطفل" التي أعدتها وناقشتها كاتبة هذه السطور الدكتورة أميرة عباس، مدرس علم نفس تربية الطفل، أن كل أسرة مطالبة بتنويع مداخل تثقيف الطفل خاصة بمراحل نموه الأولى التي تتذبذب فيها قدراته التصورية، مما يستلزم جذب انتباها السمعي البصري اللمسي الشمي التذوقي، أي مخاطبة حواسه الخمس كشرط جوهري لتطوير مدركاته السمعية البصرية اللمسية الشمية والتذوقية تمهيدا لفرس القيم التربوية والاخلاقية.. وتوصيل كافة المعارف والمعلومات والمفاهيم والمهارات التي تنمي الطفل وتعده لمرحلة المدرسة.
وتتوزع تلك المسؤولية فيما بين الأم والأب والمعلمة والقيادات المسؤولة بأجهزة الدولة المختلفة.. وتبرز مسؤولية الأم كحجر زاوية في تثقيف حواس طفلها جماليا من خلال التزامها بنظافة ونظام
وتنسيق وتجميل البيئة المنزلية كمستوى بصري يدركا الطفل ويتعوده تلقائيا.. فيسلكه ويرفض ما عداه. كما أن سماع الطفل لكل ما هو مهذب من الفاظ التعامل معه، وفيما بين أفراد الأسرة بعضهم البعض، ليغرس فيه قاموسا لغويا لا يحوي أي نشاز تستاء سماعه الأذن، وما ينطبق على كيفية تنمية الحس الجمالي لحاستي الطفل البصرية والسمعية يعمم على حواسه الأخرى.
كما تطرقت نفس المحاضرة لمسؤولية المعلمة في الاشراف على مدى اتباع الطفل لعادات النظافة الشخصية السليمة.. وحفاظه على نظام فصله.المدرسي واضافة اللمسات الجمالية له في المناسبات المختلفة، ودوام القيام برحلات خارجية يتذوق خلالها الطفل جمال الطبيعة.. وقبلا من هذا وذاك تكون المعلمة قدوة حسنة في الشكل وأسلوب التعامل كي يحتذى بها.
ولم يغفل ما للمفردات البيئية الطبيعية والصناعية من تأثير – قوى غير مقصود – على حس الطفل الجمالي. فكما دام تنسيق وتجميل الطرق العامة ببستنة جانبيها واضافة اللمسات الفنية والجمالية على مرمى البصر وتعوده النظافة بشوارع مدينته ورؤيته لسلال المهملات أينما ذهب.. واختفاء تكدس السيارات وازدحامها وتسابقها الجنوني في غيبة من رجال شرطة المرور.. كل ذلك بلا شك يمثل المفردات الثقافية التي يستقيها الطفل ويتشكل سلوكه بها سلوكا حضاريا أو غير ذلك.
ويحين الحين لطرح سؤال أخير عن:
ما هي حقوق الطفل الثقافية،لدى المجتمع الدولي والمدرسة كمؤسسة اجتماعية ثانية في حياة الطفل؟
بادىء ذي بدء، استمتع الحضور بـ "ندوة ثقافة الطفل" التي نحن بصدد التنقيب في ثناياها.. بعرض مادة فيلمية حول «اتفاقية حقوق الطفل »، وقد تم توظيف آراء مجموعة من الأطفال ليشيروا بأصابعهم ويصرخوا بأعلى الصوت ضد انتهاك أبسط حقوقهم في أن يلتزم القائمون على صنع بنود قائمة حقوقهم في البقاء.. والتنمية.. والحماية.. والمشاركة، بمتابعة مدى تحقق ما جاء بها.
أما عن المؤسسة الاجتماعية الثانية التي تتقاسم مسؤولية ثقافة الطفل.. فهي المدرسة، تلك المؤسسة التربوية بنمطها التعليمي الثقافي – المقصود – الذي اتسع ليشمل مجموعة من الأنشطة التربوية المدرسية التي تضم المكتبات والمسرح المدوسي والصحافة المدرسية والرحلات التي يتم توظيف بعضها – عن لسان عيسى شهداد في محاضرته عن "دور الأنشطة التربوية في ثقافة الطفل" – بحيث تمت صياغة وطرح بعض الوحدات المدرسية المقررة بالمناهج الدراسية، فتعددت وتنوعت أشكال القنوات الثقافية التي تلقي كل الاستجابة لدى الطفل وتتيح له المنافذ المختلفة لإطلاق قدراته الابداعية، التي تحدثت عنها الدكتورة صالحة العيسان في محاضرتها حول تنمية هوايات الأطفال وقدراتهم الابداعية.
اميرة عباس ( استاذة علم النفس بجامعة المنيا – مصر)