التاريخ هو المشاهد والشهادة وما قدمه معرض المكتشفات الأثرية العمانية الذي نظمته وزارة التراث القومي والثقافة بالنادي الثقافي في شهر فبراير الماضي هو دليل على عراقة الحضارات التي تعايشت وتفاعلت علي الأرض العمانية وتركت لنا موروثا نعتز ونفتخر به فمن العصور الحجرية والألف الثالث قبل الميلاد قدم المعرض نماذج لما تم التنقيب عنه واكتشافه خلال العقود الثلاثة الماضية فالأرض العمانية من أقصاها الى أقصاها حبلى بالكنوز الأثرية ولا أدل على ذلك من تنوع المكتشفات وتعددها وتعديها الى كافة مناطق سلطنة عمان. فالكشف عن المخبوءات والكنوز والمسكوكات يمكن أن يقدم المزيد من المعلومات والقراءات الجديدة والمهمة عن التاريخ العمان بدليل أن المعرض لم يحصر المكتشفات من مدافن ومواقع بمكان محدد فما أثبتته تلك المكتشفات وهو مؤشر أولي وحقيقي بأن عمان كلها متحف وأن المواقع الأثرية منتشرة في معظم أجزائها وما تم الكشف عنه ليس الا قليلا من كثير اذن المعرض قدم بعروضه تلك نماذج أثرية حية تروي. حضارة العمانيين عبر تاريخ طويل من العراقة والتفاعلات الحضارية منها حصن بهلا التاريخي وموقع بات الأثري الذي ضمتهما منظمة اليونيسكو عامي 1987 و 1988 فمن قائمة التراث العالمي كما أن المكتشفات الاثرية من موقع خور روري في محافظة ظفار الذي يمتد تاريخها من القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن الأول الميلادي وتم في موقع سمهرم الكشف عن خمسة نقوش حجرية كتبت بالابجدية العربية الجنوبية لتصف تأسيس المدينة التي بنيت لتأكيد السيطرة علني تجارة اللبان حيث ازداد الطلب عليه خلال النصف الثاني من الألف الأولى قبل الميلاد نتيجة استهلاكه المتزايد في بلاد ما بين النهرين وسوريا ومصر وروما واليونان. وهناك مكتشفات تسجل مدافن بوشر في محافظة مسقط والتي يرجع تاريخها للالفيتين الأولى والثانية قبل الميلاد ومدافن الواسط من الألف الثاني قبل الميلاد ويسجل المعرض كذلك عبر مكتشفاته الأثرية لآثار قلهات الاسلامية. أما كنز سناو الذي اكتشف في عام 1979 فتتواجد منه في المعرض نقود فضية أقدمها قطع نقدية ساسانية ترجع لعهد هرمز الرابع / كسرى الثاني كما يظهر المعرض روعة آثار البليد في محافظة ظفار ومستوطنة صحار التي تعود لفترة ما قبل الاسلام وكذلك مستوطنات بهلا الأثرية.
كما ضم المعرض مكتشفات أثرية هامة من سمد الشأن تجسد اساليب الازمان القديمة من خلال جرار فخارية من العطايا والمرفقات الجنائزية لقبور سمد والميسر ويرجع تاريخها للفترة من 300 ق.م الى 793م. وفي سمد عثر على هيكل لجمل صغير تتدلى من عنقه قلادة خرزاتها من الزجاج والمحار والحجر وهي أشياء تعود الى العصر الحديدي المتأخر.
كما ضم المعرض مكتشفات أثرية من رمال الشرقية ووادي الحواسنة بولاية الخابورة وموقع حنون بمحافظة ظفار، ومكتشفات أثرية من منطقة رأس الحمر بمسقط الذي يمثل موقع حضارة الصياد العماني في فترة بداية العصر الحجري الحديث. كما توجد في المعرض متفرقات أثرية أخرى لمناطق مختلفة من السلطنة منها موقع رأس الجنز في الشرقية ومكتشفات أثرية بوادي الجزي وغيرها. ملاحظة:
كم هو رائع أن يقدم المعرض تلك المكتشفات وكم هو رائع الجهد الطيب الذي بذل لاتمامه وانجاحه والوصول به الى مبتغاه وان يرى الناس والافراد المهتمون تاريخهم وان يطلع دارسو التاريخ على أحوال تلك الحقب السحيقة من التاريخ العماني كمادة للبحث والدراسة.
هذا التقديم ربما يقود الى سؤال موجه الى وزارة التراث القومي والثقافة والجهات الحكومية المتخصصة وكذلك جامعة السلطان قابوس بضرورة وجود متحف لما تم اكتشافه من آثار عمانية منذ بدء بعثات التنقيب ويكون هذا المتحف منارة استقطاب لكل من يرغب في معرفة تاريخه العماني وحضارته الضاربة في العراقة والقدم.
وكم يفرحنا لو تم أيضا تشكيل فريق تنقيب عماني يرتبط ارتباطا بتلك الجهات المذكورة وبعض الكليات في الجامعات الخاصة التي تدرس التاريخ والحضارات القديمة.
(ط.م)