تكشف المراسلات المتبادلة بين الكاتب الروسي الشهير انطوان تشيخون والممثلة اولنا كنيبر التي صدرت اخيرا باللغة الانجليزية (بترجمة من جين بينديتي) علاقة حب عميقة ممتلئة بالحزن والاحباط والامل.
هذه الرسائل الدافئة،التي انطلقت.بطاقة روحية عالية وانتهت بمسحة كئيبة، لم تستمر سوى خمس سنوات، ففي العام 6898 التقى تشيخون بأولنا وكان عمرها 30 سنة، وكان تم اختيارها لاداء دورار كادينا في مسرحيته "النورس ". كان تشيخون في الثامنة والثلاثين من العمر، وكان مريضا بالسل لكنه لم ينجز بعد عددا آخر من اعماله الادبية العظيمة. وفي العام 1899 لعبت اولنا دور يلينا في مسرحية "الخال فانيا"، ثم دور ماشا في "الاخوات الثلاث " ودور رانيفسكايا في "بستان الكرز". غير انهما تحابا في العام 1900 وبناء على طلبها تزوجها بهدوء في صيف العام 1901. وبعد سنة من ذلك اجهضت اولنا بطفلها البكر. وفي يونيو من العام 1904 توفي تشيخون. وقد شكل ذلك الحدث المفجع بداية فصل درامي مؤلم بالنسبة لها دفعها الى الاستمرار في تمثيل مسرحيات تشيخون على مدى 55 عاما.
لقد احبت اولنا تشيخون بقوة مذهلة على الرغم من انهما عاشا متباعدين تقريبا، اذ اقام تشيخون في يالطا بسبب اعتلال صحته والى جانبه اخته التي اشرفت على ادارة شؤون حياته هناك، كما انها كانت تستنكر اي تدخل من اولنا. غير ان زيارات اولنا كانت نادرة اصلا بسبب انشغالها التام بالعمل المسرحي وبعد المسافة بينها وبينه اذ كان الطريق بين موسكو ويا لطا يستغرق يومين.
في هذه الفترة تكشف الرسائل عن شعور بالاحباط: من يالطا المضجرة وطقسها البارد، من العمل المنهك في المسرح، من ضياع الرسائل، ومن الافتراق الطويل.
ويكتب تشيخون قائلا "لم تعد لي زوجة بعد، مع انها في موسكو، لا تنسني، لا تكبري ير غيابي". وتكتب اولنا له تقول انها تنوي ترك المسرح نهائيا فيجيبها "كلا، ابدا، ما دمت زوجا لك لا تتركي المسرح، انا سعيد بأن لديك شيئا ما تؤدينه وبأن لك هدفا في الحياة.. كما ادرك اني تزوجت من ممثلة".
ويبدو من رسائل اولنا انها كانت تعاني من التوتر والعمل الكثيف في المسرح اذ تكتب اليه قائلة ان "الآخرين يواسونني بالبقاء على خشبة المسرح وبأنه من الافضل لنا ان نظل مفترقين ".
وتنطوي الرسائل على وجهات نظرهما بخصوص اخراج بعض المسرحيات واراء حول تفسير الشخصية او سلوكها او الدور المطلوب من اولنا تمثيله، كأن تحدثه عن كيف ينبغي ان تتحدث ماشا في "الاخوات الثلاث " او كيف ينبغي ان تمشي، وهل تلك الحركة طبيعية او انها تشي بتعبير مختلف عما ينبغي ان تكون عليه الشخصية وغيرها من التفاصيل الدقيقة التي تتعلق بحرفة المسرح.
وبحسب هرموين لي فان شخصية اولنا كنيبر كثيرا ما تشبه شخصيات تشيخون المسرحية فهي عاطفية، مزاجية، حساسة، غير واثقة، وفي نفس الوقت تواقة للحياة، كان تشيخون يقول لها "احسدك على مرحك، عل صحتك، على مزاجك، احسدك على انك تستطيعين ان تشربي شيئا من دون ان تفكري في انك سوف تبصقين دما".
وتبدو الرسائل احيانا رقيقة ناعمة اليفة ممتلئة بالاعجاب المتبادل، وثمة الكثير من الاوصاف المضحكة التي يطلقها تشيخون على اولنا، اضافة الى الكثير من التفاصيل اليومية عن كيفية انشغالات يومه، عن الحديقة التي يرعاها، عن ملابسه، وشؤونه الخاصة. لكنه لم يكن يحب بعض اسئلتها مثل: ما هي الحياة ؟ فيجيبها ان سؤالها يشبه: ما هو الجزر؟. فالجزر هو الجزر وهي تشكوهنه بانه يلجأ الى النكتة دائما ولا يحدثها بجدية.
في أحدى رسائله يكتب لها قائلا: "السعال يستنزف طاقتي، افكر كثيرا بالمستقبل، واكتب بدون خماس، لكنك تستطيعين ان تفكرر بالمستقبل، كوني معلمتي".
غير ان رسائل اولنا تغدو كئيبة ومعتمة بعد الاجهاض الذي تعرضت له وبعد ان تدهورت صحة تشيخون تماما، كما ان شعورها بالذنب يزداد بسبب ابتعادها عنه.
فيكتب لها تشيخون الكثير عن احساسه بزمنهما الضائع فيقول: "انا بعيد عن كل شيء وقد بدأت افقد قلبي". وتكتب له اولنا قائلة "كم حياة يحيا الانسان ؟ وكيف ندعها تمني؟".
عندما بلغ مرض تشيخون درجة خطيرة سافرت اليه اولنا، وقتها توفي تشيخون بين يديها. وعلى الرغم من يقينها بموته الا انها استمرت تكتب له كما لو كان حيا، تكتب له عن اخبار المسرح، عن انقطاع رسائله، عن زياراتها لقبرا، وتقول "انطوان اين انت: هل حقا لن يرى احدنا الآخر بعد الأن ؟ لا يمكن ان يحدث ذلك ".
***
عبدالله ضحي (كاتب من الجزائر)