السيد شعيب الوافي
قاص هندي
في سوق الخيشوم، وكما هي العادة يشتغل شماس الرجل البالغ الخمسين من عمره بجد ونشاط كأنه مستمتع بالعمل، يمد يد العون والمساعدة للجميع ولم يكن يبخل بجهده فيما ينفع الناس، ويقدم المشورة لمن يحتاج، تجاربه في الحياة متعددة، ومستواه الدراسي جيد، وانخراطه في العمل النقابي والجمعوي يجعله مستشار الجميع، وكان من الصعب عليه أن يرى مهموما من الناس ويتجاوز مساعدته.
كان من عادته أن يوزع الابتسامات، ويزرع الأمل، ويبحث عن حل، رغم مشاكله الخاصة، التي هي وحدها كفيلة بأن تجعله يحمل هما تنوء بحمله الجبال، كيف لا وهو والد لطفلين من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومع ذلك يحسن توزيع وقته وبرنامجه بين العمل والبيت والنضال، هو في نظر مجموعة من أصحابه بطل السوق بلا منازع ومركز السعادة لمن وقع في الهم، بطل المشاعر الإنسانية والتضامن الاجتماعي.
لكنّ تأزّم الوضع الاجتماعي أثّر على الجميع، فقد ساد الغلاء والفوضى في طول البلاد وعرضها، وقلت المداخيل، وانخفضت فرص العمل، بل تعطل الكثيرون، فصرخ الناس منتفضين وانهمكوا ووحدوا جهدهم للخروج عن بكرة أبيهم ضد الحكومة، لتغيير حكومة المفسدين، وكان شماس دائما في طليعة المناضلين وبذل كل مجهوداته ومساعيه آناء الليل وأطراف النهار.
وفعلا تمت الاستجابة،وعمت الفرحة والسرور، واستبشر تجار سوق الخيشوم، وأيقنوا أن شماس كان على صواب حين نادى فيهم: حي على النضال، فالحق يؤخذ ولا يُعطى. وأجريت الانتخابات ونجحت فيها وجوه أخرى ممن أمطروا الناس بوابل من الآمال، بل غيّر اللاعبون الأماكن، في ملعب لا يتغير ولعبة قواعدها لا تتبدل، المهم ارتاح الناس وظنوا أنه الخلاص عندما سقط من كانوا سبب الأزمة، وهتف الجميع: تحيا الأمة وليسقط الفساد، تحيا الديمقراطية التي اقتلعت الفساد، سيعود الرخاء للبلاد وينعم العباد بالخيرات، وتعود عجلة الاقتصاد إلى طبيعتها في الدوران في الاتجاه الذي يعيد العدل ويقطع حبل الاستبداد.
خطبت الحكومة الجديدة في الناس معلنة خطتها الجديدة لتغيير الماضي، ووعدت بالسخاء والرخاء والوفاء، فعاش شماس وأصحابه نشوة الانتصار، فسيعود العدل وتوزع الثروة وتمنع الرشوة.
لكن ما هي إلا أيام معدودة، حتى اشتد الخناق على الرقاب، وازداد الضيق والهرج، وهبطت عقبان الفوضى على جثث الناس، وتمكن الفساد، وتوطن الاستبداد، وفشى الغلاء، كل ذلك بدعوى إحكام التدبير وحسن التنظيم.
أراد شماس معاودة الكرة، فنادى مع المناضلين: حي على الثورة، فالحق يحتاج إلى صبر وشهامة، والمؤمن بالمبادئ لن تخور عزيمته مهما واجهته العثرات، واختبرته الاخفاقات.
لم يكن المختار وحده من له نفس طويل للنضال، فهناك الكثير من الرجال، على وعي بأن وطنهم يستحق أن يعيش في أحسن حال.
فلما كثرت الوشوشات هنا وهناك، وتأكدت الحكومة الجديدة أن الحياة بدأت تدب في نفوس المواطنين، طلب الحاكم من أئمة المساجد، أن يخطبوا في الناس بشيء من الصرامة، فالوقت جد والناس في أشد الأزمة، وروحهم أشد ما يكون حاجة إلى الماء، فلتكن خطب الجمعة عن صلاة الاستسقاء، فالفصل صيف حار، لذلك “ادعوا الناس إلى الاقتصاد في الماء، فالصيف والغلاء جاء من إسراف الناس في الماء”.
اندهش شماس والصامدون معه على ثغور النضال، القابضون على جمر المروءة، في زمن الفحش والجور، من خبث الحاكم في تحويله البوصلة، وضربوا كفا بكف، وصاحوا بأصواتهم المبحوحة: اللهم أعنا على البلاء الذي نزل بنا، يحيا سيد شماس، اللهم غيثا يحيي النفوس، ويزرع الأمل، يحيا الشعب، يحيا الشعب.