تعتبر فاطمة المرنيسي رائدة النضال النسائي المغربي. إنها إحدى أكبر المثقفات العربيات، المعروفة والمكرسة بفعل كفاحها دفاعا عن حقوق النساء في المغرب والعالم العربي. وكانت، هي الممتلكة لناصية اللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية، تتمتع بثقافة واسعة وبمعرفة عميقة للأدب العربي، ومنه كانت تغترف حججها لمواجهة الأبيسية والظلامية.
هي أول امرأة مغربية تجرأت على تحليل القرآن، والأحاديث النبوية والفقه بهدف الطعن في صحة بعض التأويلات الخاطئة التي تشكل مصدر أصناف اللامساواة والتمييز التي تعاني منها المرأة المسلمة، وهو ما قامت به مدعمة تحليلها بالحجج والبراهين الدامغة. لقد وجهت في «الحريم السياسي»، بشجاعة وجسارة، سهام النقد إلى بعض الروايات التي نسبت الى أبي هريرة وهي الأكثر معاداة للمرأة، تلك الأحاديث التي تولد عنها تهميش النساء المسلمات وتعرضهن للتمييز. وبقدر ما جعلت قوة حججها الاستدلالية حول الموضوع المحافظين يصبون جام غضبهم عليها، بقدر ما زودت نساء باحثات بالجرأة الضرورية لتحليل الفقه الذي ظلت المسلمات مقصيات منه. وأعتقد، من جانبي، أنها شرعت بالفعل بابا كان موصدا.
لقد هشمت الكثير من المحظورات بواسطة مؤلفاتها التي تتميز صياغتها، دائما وبدون استثناء، بغنى المراجع وقيمتها. فـ «الجنس والإيديولوجيا والإسلام» (1983) هو أول كتاب نسائي في القرن العشرين تناول مسألة الجنس في الإسلام. كما أن الجمهور لا يعلم أنها نشرت، في سنة 1986، مؤلفا وقعته باسم مستعار: فاطنة آيت صباح، حللت بين دفتيه بدقة الحب، والرغبة وتمثل النساء في خطابات مختلفة منتمية للإسلام. وقد اكتشفت شخصيا مدى سعة العلوم الجنسية العربية من خلال كتاباتها ومراجعها البيبليوغرافية.
كانت فاطمة جد كريمة، ومتواضعة. عرفت دائما كيف تخلق حركية استثنائية حولها، محفزة العديد من الأشخاص على الكتابة، مشجعة إياهم وواضعة رهن إشارتهم شبكة علاقاتها الواسعة.
لقد انخرطت بتفان في العمل الجمعوي، مولية اهتمامها، منذ سنوات 1990، للساكنة القروية عن طريق مبادرات عديدة منها خلق القوافل المدنية. منذ مدة يسيرة، عدت من زيارة إلى إحدى مناطق الأطلس الكبير البدوية، أيت إكتل حيث كانت فاطمة قد قضت عدة أسابيع لاكتشاف المنطقة تلك، منطقة تكفل سكانها أنفسهم بتدبير شؤونهم للتخلص من الفقر، عن طريق تنظيماتهم الجمعوية، وفاطمة وسمتهم بـ « Ait débrouille » (مدبرو أمرهم) ونشرت كتابا تكريما لهم. لقد افتتنت بقسوة ظروف عيشهم وبإقدامهم على اتخاذ مبادرات جماعية حسنت شروط حياتهم. إن اسم فاطمة المرنيسي منحوت في الذاكرة بتلك القرى، والسكان يذكرونه بمحبة وإعجاب وحنين. لقد كانت تؤمن بالكائن البشري وبقوته، وهي تقول في هذا الصدد: « الدول المتوفرة على رأسمال اجتماعي وافر هي التي ستحقق الفرق في مواجهة غيرها، في رحم العالم المتغير، الغامض والمعولم. الرأسمال الاجتماعي يشكل ثروة في حد ذاته، ثروة رامزة للعمل والتغيير المبنيين على الثقة والمشاركة».
فنانون تشكيليون كثر يدينون لها بنجاحهم. إذ كانت تنقب لدى الناس عن مواهبهم ونزوعاتهم، وتبذل قصارى جهدها لكي تدفعهم إلى الأمام عبر تشجيعهم وتأطيرهم.
آخر نشاط لي مع فاطمة كان مندرجا في إطار ما أسمته «مجلس الحب». شرحت الأمر لي قائلة: «يتم الحديث كثيرا، في الوقت الراهن، عن العنف، والحروب، والأزمات الاقتصادية، والطلاق والنساء المعنفات… لا يتم الحديث بما فيه الكفاية عن الحب والسعادة. أريد أن نحقق التوازن، أن نتحدث أيضا عن النجاحات. ثمة حب في وسط الأزواج، وهناك أزواج يحترمون شريكات حياتهم. فلنتحدث عن هذا إذن!» بسرعة، تكونت مجموعة حولها، وأصبحت تلتقي بشكل منتظم، محور لقاءاتها شهادات أزواج يحبون بعضهم البعض ويستطيعون الحديث عن علاقتهم بدون بؤس، ممجدين الحب، كما كانت فاطمة تبتغي. هي ذي كانت فاطمة. تبعث الطاقة الإيجابية، تحفز، تنصت للجميع بدون أي تمييز، بإيثار على النفس وتواضع. ونظرا لذكائها الحاد، فروح الدعابة لديها كانت مرهفة، بل مثيرة أحيانا، وقهقهاتها معدية.
فاطمة ساهمت بقسط وافر في تحرر المرأة ومكنت نساء مجايلات لي من الكتابة بكل حرية.
أما على المستوى الإنساني، فكانت متواضعة وصريحة إلى درجة مدهشة. في آخر مرة تناولت وجبة الغذاء في ضيافتها، أهديتها فواكه جافة. استقبلتني وهي تسخر مني قائلة: «أنتم البيضاويون، ألا يمكنكم أن تكونوا غير متكلفين وأن تستجيبوا للدعوات فارغي اليدين؟» نادت بعدها خادمتها المنزلية لتقول لها: «أنظري ما الذي أحضرته سمية معها! أكرر لك دائما أن البيضاويين رسميون أكثر من اللازم». طلبت من الخادمة المنزلية أن تقسم الفواكه إلى ثلاثة أقساط، الثلث الأول للمستخدمة، والثاني للسائق والثالث لفاطمة. ونحن نتناول الغذاء، عبرت لها عن تهنئتي على الطاجين، فقالت لي بأنه علي أن أثني على خادمتها المنزلية، ونادتها لكي تستمع مباشرة إلى مديحي. عقبها قالت لي: «علينا دائما أن نعبر عن الامتنان لمستخدمينا وأن نثمن مجهوداتهم.» فاطمة كانت تحترم الكرامة الإنسانية، وكانت تحظى بالتقدير بفعل هذه الخصلة الحميدة.
ترجمة: سعيد عاهد