وراءَ الوجوهِ، وجوه الكثيرةِ،
طفلٌ تعلّمَ قبلَ الكلام
وُجوبَ التحيَّةِ للغرباءِ
وردَّ السلام.
أمامي وراءُ. وكلُّ العيونِ
عيوني. أخبِّئُ رأيي الصغيرَ،
أواري عن الضيفِ إبرةَ من
زوّجتني طريقتَها في اقتسام الصقيع،
وأجلسُ معتدلاً قاصرَ الرغبات،
شفيفَ اللجام.
أقولُ الحقيقةَ: لي إخوةٌ في
امتحان السراب:
لأنّي أحبُّكِ أعرفُ كيفَ
كذبتِ ولمّا تخوني أبانا،
وكيفَ تخلّيْتُ عنكِ نهارَ
التباس المدى والوجوه
على واجهات الزجاج
ولمّا أَخُنْكِ…
أمامي وراءُ. وكلُّ العيونِ
عيوني. أتكذب عيناكِ حين
تُزيغان مجرى الكلام؟
من الماء جفَّ اليقينُ وشقَّ اليبابُ
ثنايا العماء وذاك الطريقَ الوحيدَ إليَّ:
بلا رغبةٍ أو خطيّةْ،
رجمتُكِ بالغَيْب يا بنتَ جاري الشهيّةَ –
كنتُ صغيراً يسيرُ على قَدَميْن اثنتين،
بلا جسدٍ، دون ذكرى تمزِّقني:
في زمانِ انقراضِ الطبيعة والكائنات
حَبَوْتُ على أربعٍ قبلَ أنْ يستميلَ
يديَّ هباءٌ يُضيء السماءَ
وغَمْرَ الظلام.
أمامي وراءُ. وكلُّ العيونِ عيوني.
أأَسْلَمتُ نفسيَ أم أسلموها؟
أيجنحُ مثلي ربيُّ اليمامِ
وينسى هواه؟
أُعيدُ الكلامَ، كلامَ الجميعِ،
وأَجهلُ أنّي الرميُّ وأني صَداهُ –
لنرسيسَ وجهٌ وصفحةُ ماءٍ
وفي الريحِ همسٌ يقولُ أحبُّكَ
أنّى تولّى وحثَّ خطاه،
وكنتُ ضريراً يجولُ بحقلِ المرايا،
وعينايَ صفحةُ نرسيسَ تطفو عليها
الوجوهُ وتغرقُ فيها الوصايا،
على عكس ما شاءَ منّي الزمانُ
تقلَّبَ فيَّ السرابُ وقادَ إليَّ
سراباً سواه.
j h j
أُحدِّقُ في الماءِ قُرْبَ اليَمام
بلا رأفةٍ كان يطفو من القاعِ
ثوبٌ تُقلِّمُ قُضْبانُه الزُّرقُ صدرَ
البياضِ وتودي بعيداً بشرِّ الحسود…
هنالك من أَلْبَستْني ثيابَ الغريب –
تقولُ حكاياتُ شعبي سيحيا الوحيدُ
ويكبرُ بين البنات إذا أَرْضَعتْه
نهودٌ تدرُّ الذكورةَ ماءَ النجاة….
ويعلو… بلا رأفةٍ كان يعلو
على صفحةِ البئرِ هاجسُ من يملأُ
الماءَ صبراً ونقصاً: أريدُ يديكَ
لنقطعَ هذا الطريقَ… وتحمي خطايَ
من العرباتِ وطيش المصير…
سلام عليّ كيومَ وُلِدْتُ
ويومَ انتُخبت سميّاً
لحُلْمٍ قضى قبل حربين حرّاً
وماتَ من البردِ والجوعِ بِكراً،
نقيّاً، خفيفَ الهمومِ.
j h j
أُحدِّقُ في الماءِ قُرْبَ اليَمام
فيُومضُ نجمٌ ويرحلُ من
يلحَنُون بلفظِ الكلام
كمن ربّياني صغيرا –
قسوتُ على الصخرِ حين
التبستُ عليّ وحين رأيتُكَ
في المهدِ تطفو على صفحةِ الماءِ
بين أيادي العذارى ولمّا تكنْ
صالحاً أو طريداً نبيّا…
سأُصلحُ ما أفسدَ الجسرُ
حين تخلّى عن الضفّتين
وشقَّ العبارةَ نصفين
بين التخوم…
بأقصى المدينةِ كنّا نسيرُ
ونلهثُ خلفَ قطارِ الحجاز
تقولُ: نسينا التزوّدَ بالماءِ
قبل الهروب! وأين الخيولُ؟
ضللنا الطريقَ، وسرنا، ركضنا
لهثنا، عطشنا جنوباً وعكسَ
اتّجاه الكروم….
سلامٌ عليَّ كيومَ وُلِدْتُ
ويومَ اتَّهمتُ الرياحَ ولم
أتّهمني بمحوِ خطايَ عن
الدربِ محوَ الرسوم.
j h j
أُحدِّقُ في الماءِ قُرْبَ اليَمام
وأحلمُ أنّي أطير:
تجدِّفُ خلفَ الأميرِ الصغيرِ
نيازكُ تزرعُ راياتِها كالنخيلِ
وتُقسِمُ بالحربِ بين النجوم…
سلامٌ عليَّ كيومَ وُلِدْتُ
ويومَ كبرتُ… سلامٌ لعجزي
أمام صغيرٍ يسمّي الهواءَ
إلـه السماءِ وفاتقَ
ضرع الغيوم.
j h j
أُحدِّقُ في الماءِ قُرْبَ اليَمام
وأحلمُ أنّي أحبُّ: هناك
تُشادُ من القشِّ عروةُ حبٍّ
عصيِّ الفِصام…
تلاعبَ فيك الخيالُ فكم مرَّةٍ قُلْتَ:
فرَّتْ من الحُلْمِ أختُ الجناحِ لئلاّ
تقولَ: يعلّمني الحبُّ ما لا أحبُّ –
فطوقي رحابٌ وبرجُ الحمامةِ
قبضُ الرياح…!
وتطفو بلا حكمةٍ أو رَويَّةْ
أكاليلُ أختي الجميلةُ حين حَملْنا
وَقودَ الشتاءِ وسرنا معاً متعبين
نَسُبُّ احتجابَ الأشعَّةِ، طولَ الطريقِ
ووزنَ الوجوم.
وتطفو بلا حكمةٍ أو رَويَّةْ
كواكبُ ليلِ الصغيرِ عليكِ –
أروِّضُ هذا الزمانَ المريضَ
وأزدادُ كفراً بقصَّةِ ضلعي المقوَّسِ
أنّى انحنَيْتِ ومهما انكَسَرْتُ…
ومهما انكسرتُ… أحيكُ بإبرةِ
كعبك جرحي النديَّ ليرجعَ
قلبي كيومَ وُلِدْتُ:
أكنتُ أحبُّكِ حين كَذَبْتِ
وصدَّقتِ قلبي الشريدَ
كهذا الغمام؟
j h j
أحدِّقُ في الماء بين الركام
وأختارُ مثلَ المُحرِّرِ ما يَصْلُحُ اليومَ للنشر،
لونَ الثيابِ، قميصَ السواد،
عُرىً فُتِحَتْ لترى الروحَ إحدى النساء،
وهاويةً ما أحدِّقُ فيها وراءَ الهوامشِ
خارجَ طيّاتِ هذا الكتاب؛
ويمدحُ نفسِيَ –كي يمدحوها–
مجازٌ يُزيِّنُ شكلَ الغلاف،
وسطرٌ أخيرٌ يفضُّ الغبارَ
ويمسحُ هذي الوجوهَ،
وجوهي الخفيَّةَ،
مثل السموم.