توني موريسون – كاتبة أمريكية
ترجمة: أميرة الوصيف- كاتبة ومترجمة مصرية
لم يكن خطئي، لذا لا يمكنكم إلقاء اللوم عليَّ. أنا لم أفعل شيئًا على الإطلاق، وليس لدي أدنى فكرة كيف لهذا أن يحدث.
لم يستغرق الأمر أكثر من ساعة بعد ما قاموا بسحبها من بين ساقَيَّ حتى أدركت.
ثمة خطب ما، شيء ما كان خاطئًا تمامًا. لقد كانت سوداء للغاية، إلى درجة أخافتني، بشرتها سوداء كمنتصف الليل الحالِك…
أما أنا فلدي بشرة فاتحة وشعر رائع، ما نطلق عليه «الأفارقة ذوي البشرة الفاتحة»، وكذلك والد «لولا آن»، ليس هناك أحد في عائلتي بمثل هذا اللون.
أعتقد أن «تار» هي الأقرب لذلك اللون، ولكن الآن شعرها لم يعد يتماشى مع لون بشرتها.
ولكن الأمر هنا مختلف، شعرها عادي ولكنه مُجَعد مثل قبائل العُراة في أستراليا.
قد تعتقدون أن تلك المولودة انعكاس، ولكن انعكاس لمَن؟
كان يتوجب عليكم رؤية جدتي لأمي إذن، تلك المرأة التي قضت حياتها من أجل البيض، تزوجت رجلًا أبيض، ولم تنطق بأية كلمة لأي من أطفالها.
كانت تُعيد كل الخطابات التي تُرسلها لها أمي وخالاتي من دون أن تفتحها.
مؤخرًا، تلقوا رسالة بأنه لا يوجد أية رسائل من جدتي، ثم قرروا أن ينقطعوا عن مُراسلتها.
أغلب الخلاسيين المولودين من أب أسود وأم بيضاء يفعلون ذلك منذ قديم الأزل، ما داموا يمتلكون نوع الشعر الرائع، هكذا يكون تصرفهم.
هل بإمكانكم تخيل عدد الأناس البيض الذين يجري في عروقهم دم الزنوج؟
احذروا. عشرون بالمائة، لقد سمعت ذلك من قبل.
كان بإمكان أمي «لولا ماي» أن تقضي حياتها بسهولة، ولكنها اختارت عكس ذلك.
لقد أخبرتني أمي بالثمن الباهظ الذي دفعته نتيجة لاتخاذها هذا القرار عندما ذهبت برفقة والدي إلى المحكمة ليتزوجوا، كان هناك كتابان مقدسان، وكان عليهما أن يضعا يَدًا واحدة فوق الكتاب المقدس المخصص للبيض، واليَد الأخرى فوق الكتاب المقدس المخصص للزنوج.
الكتاب المقدس! هل تصدقون ذلك؟
كانت أمي خادمة لزوجين من الأثرياء البيض، وكانا يأكلان كل وجبة تطهيها لهما، ويصران على أن تقوم بفرك ظهريهما أثناء جلوسهما في حوض الاستحمام، والله وحده يعلم ما هي الأشياء الحميمية الأخرى التي أجبروها على فعلها، كان بإمكانهما إجبارها على أي شيء، أي شيء، بالتأكيد فيما عدا لَمس نفس الكتاب المقدس.
بعضكم على الأرجح، سيعتقد أنّ الأمر سيئ ومُحزِن أن يتم تصنيف الناس طبقًا للون بشرتهم، أصحاب البشرة الفاتحة لهم الوجاهة والأفضلية في النوادي الاجتماعية، في الأحياء، في الكنائس، في النوادي النسائية، وحتى في مدارس السود.
ولكن كيف يمكننا الحفاظ على ما تبقى من كرامتنا؟ كيف يمكننا أن نتجنب البَصق علينا داخل الصيدليات، كيف يمكننا تجنب اللكمات التي نتعرض لها في محطة الحافلات، كيف بإمكاننا تجنب المشي في المجاري، لنترك الرصيف للمارة ذوي البشرة البيضاء؟
كيف يمكننا تجنب دفع قرش للبقالة من أجل الحصول على الكيس الورقي الذي يحصل عليه المتسوقون البيض مجانًا؟؟
ناهيك عن السِّبَاب، أنا سمعت كل الشتائم، وأكثر! أكثر بكثير!
ولكن بسبب لون بشرة أمي، لم يمنعها ذلك من أن تقيس القبعات، وكذلك لم يمنعها من استخدام حمام السيدات في قسم المخازن، أما أبي فكان بإمكانه أن يقيس الأحذية في الجزء العلوي من محل الأحذية، وليس في غرفة خلفية.
كلاهما لم يسمح لنفسه تجرع كأس «السود فقط» حتى ولو كانا يموتان من العطش.
أكره أن أقول ذلك، ولكن منذ الوهلة الأولى التي وقع بصري فيها على «لولا آن» في قسم الولادة شعرت بالإحراج!
البشرة التي وُلِدَت بها كانت شاحبة تمامًا كحالِ كل الأطفال اَلرُّضَّع، ولكن سرعان ما تغير هذا اللون.
كدت أفقد عقلي عندما استحال لونها إلى الأسود الغامق أمام عيني، أعترف أنني فقدت عقلي للحظة من الزمن -فقط ثوان معدودة- عندما حملت البطانية، وغطيت بها وجهها، وضغطت فوقها.
ولكن بالطبع، لم يكن بمقدوري خنقها، بغض النظر عن كمْ تمنيت لو أنها لم تولد بمثل هذا اللون البشع.
حتى أنني فكرت أن أتخلى عنها، وأضعها في إحدى دور الأيتام. ولكنني خشيت أن أصبح إحدى أولئك الأمهات اللواتي يتركن أطفالهن الرُّضَّع على عتباتِ الكنيسة.
مؤخرًا، سمعت عن زوجين في ألمانيا، بشرتهما بيضاء كما الثلج، رُزقوا بطفلِ شديد السواد! لم يستطع أحد تفسير ذلك.
لست متأكدة إن كان هذا صحيحا، لكن ما أنا مُتيقنة منه أن إرضاعها حليبي تمامًا كما لو أن زنجية صغيرة تَلتهم حلمة ثديي.
عندما عدت إلى المنزل، قررت اللجوء إلى الرضاعة الصناعية.
زوجي «لويس»، عند عودته للبيت كان سلوكه خارجًا عن السيطرة، نظر إليَّ وكأنني فقدت عقلي، ونظر إلى الرضيعة وكأنها قادمة من كوكب المشتري.
لم يكن زوجي رجلًا لعانًا، لذا عندما صرخ قائلًا «اللعنة! ما هذا بحق الجحيم!»، أدركت أننا في مأزق.
تلك الواقعة هي التي تسببت في وقوع الشجار بيني وبينه، دمرت زواجنا، بعد ما كنا قد أمضينا ثلاث سنوات زوجية جيدة معًا، ولكن بعد ميلادها، ألقى «لويس» اللوم عليَّ، وعامل الرضيعة «لولا آن»، وكأنها شخص غريب بالنسبة إليه، عاملها حتى أسوأ من الأعداء، لم يلمسها أبدًا.
لم أستطع إقناعه يومًا بأنني لم أخنه مع رجل آخر، كان مُتيقنًا بأنني أكذب عليه.
لقد تجادلنا وتجادلنا حتى أخبرته أنه من المؤكد أن يكون سوادها عائدًا إلى عائلته، وليس عائلتي، وهنا تحديدًا ساءت الأوضاع، حتى أنه تركنا وغادر، وكان عليَّ أن أبحث عن مكان أرخص لأعيش فيه.
بذلت قصارى جهدي، أدركت أنه ليس من الأفضل أن أقوم باصطحابها معي عند التقائي بالمُلاك، لذا تركتها مع ابنة عمي المراهقة لتجالسها.
لم أكن أقوم باصطحابها معي إلى الخارج كثيرًا، على أي حال؛ لأنني عندما أضعها في عربة الأطفال الرُّضَّع، وأدفعها إلى الأمام، كان الناس ينظرون إلى الأسفل، ويلقون نظرة خاطفة تأهبًا ليقولوا شيئًا لطيفًا، وعندها يعدلون عن ذلك، أو يقفزون للوراء قبل أن تتجهم وجوههم.
ذلك الشعور مؤلم، كان من الممكن أن أكون أنا جليسة الأطفال إذا تبادلنا الأدوار، وحصلت على لون بشرتهم.
كم هو أمر قاس أن تكوني امرأة سوداء، حتى لو كنتِ من الأفارقة ذوات البشرة الفاتحة، كم هو أمر قاس وشاق لامرأة سوداء استئجار مكان جيد في المدينة.
في التسعينيات، حيث وُلِدَت «لولا آن»، كان القانون يُجَرِّم ممارسة التمييز العنصري ضد المستأجرين، ولكن لم يكن المزيد من المُلَّاك يولون اهتمامًا لتلك المسألة.
هؤلاء المُلَّاك يختلقون أسبابًا لإبعادك، ولكني كنت محظوظة باستئجاري من السيد «لي هـ»، على الرغم من رفعه لقيمة الإيجار سبعة دولارات عن السعر الذي أعلنه سلفًا، بالإضافة إلى نوبة الغضب التي تتملكه إذا دفعت إيجارك متأخرًا دقيقة واحدة.
أخبرتها أن تدعوني «عزيزتي» بدلًا عن «أمي»، هذا أكثر أمانًا، لكونها بغاية السواد، وامتلاكها لهاتين الشفتين الغليظتين سيجعل من الغريب مناداتها لي بأمي، من المؤكد أن مناداتها لي بأمي ستشعر الناس بالحيرة، علاوة على ذلك امتلاكها لعينين ملونتين غريبتين، تبدو كغراب أسود بعيون زرقاء، وكأن ثمة شيئا غامضا بشأن عينيها.
ها نحن الاثنتان معًا لفترة طويلة، وما أدراك بمدى الشقاء والعناء الذي تَتكَبده امرأة هجرها زوجها.
أعتقد أن «لويس» شعر بالسوء قليلًا بعد ما تركنا وغادر بتلك الطريقة، لأنه بعد مرور عدة أشهر، عرف المكان الذي انتقلنا للعيش فيه، وبدأ في إرسال المال لنا مرة كل شهر، على الرغم من أنني لم أطلب منه المال، وكذلك لم أذهب إلى المحكمة من أجل المطالبة به.
حوالته البنكية، ووظيفتي الليلية في المستشفى، أخرجتني أنا و«لولا آن» خارج دائرة الرعاية الاجتماعية، والتي كانت شيئًا جيدًا، كمْ أتمنى لو أنهم يتوقفون عن تسميتها بالرعاية، ويعودون إلى استخدام تلك الكلمة، التي كانوا يستخدمونها عندما كانت أمي فتاة، حينها كانوا يطلقون عليها «إغاثة» والتي تبدو أفضل كثيرًا، كَمُتَنَفَّس قصير الأجل تحتاجه حتى تتمالك نفسك، علاوة على ذلك، أن موظفي الرعاية هؤلاء يتَّسِمُون بذات الوضاعة التي يتسم بها أولئك الذين يبصقون علينا في الطرقات.
عندما حصلت مؤخرًا على عمل، لم أعد بحاجة إليهم بعد ذلك، تمكنت من جمع المزيد من المال، أكثر من ذلك الذي كنت أحصل عليه من الرعاية.
أعتقد أن الخِسَّة ملأت رواتبهم الهزيلة، وهذا جعلهم يعاملوننا كالمتسولين، تحديدًا عندما كانوا ينظرون إلى «لولا آن»، ثم يحدقون في وجهي أنا الأخرى، وكأنني أحاول أن أخدعهم أو شيئا من هذا القبيل.
بدأت الأشياء تتحسن شيئًا فشيئًا، ولكنني لا زلت حريصة، كنت حريصة جدًا في كيفية تربيتها، كان عليَّ أن أكون صارمة، صارمة للغاية؛ لأن «لولا آن» تحتاج أن أعلمها كيف تتصرف؟، كيف تحني رأسها للأسفل وتبتعد عن المشاكل؟
في الحقيقة لا يهمني عدد المرات التي قاموا فيها بتغيير اسمها؛ لأن لونها بمثابة الوَصمَة التي ستظل تحملها إلى الأبد، ولكن هذا ليس ذنبي، لم يكن ذنبي، لم يكن.
أعترف بأنني أشعر بالسوء في بعض الأحيان عندما أتذكر كيف كنت أعاملها وهي صغيرة؟، ولكن عليك أن تفهم جيدًا بأنه كان يتوجب عليَّ حمايتها، هي لا تعرف العالم كما أعرفه، مع لون كلون بشرتها، ليس هناك أي دَاعٍ لتكون قاسية، ووقحة حتى لو كانت على حق.
لا يحدث هذا في عالم يُرسِلك إلى سجن الأحداث فورًا فقط إذا تشاجرت في المدرسة، أو قمت بالرد على الآخرين، في عالم تكون فيه أنتَ آخر مَن يوظفونه، وأول مَن يطردونه!
لم تكن «لولا آن» تعرف شيئًا من هذا، لم يكن لديها أية فكرة كيف للونها الأسود هذا أن يُخيف الناس البيض، لم تكن تعرف أنهم سيتأهبون لسخرية منها، ولمحاولة خداعها.
ذات مرة وقعت عيني على فتاة في مكان ما، كانت بشرتها شديدة السواد تمامًا كدرجة لون بشرة «لولا آن»، وكان عمرها لا يزيد على عشر سنوات، قام أحد الأولاد البيض بعرقلتها ومحاصرتها، وعندما حاولت الفتاة أن تدافع عن نفسها وتقفز، قام ولد آخر بوضع قدمه على مؤخرتها، ضاربًا على ظهرها مرة أخرى.
هؤلاء الأولاد يحملون بطونهم أمامهم، ويمشون في وضع انحناء، وهم ينفجرون من الضحك.
بعدما تمكنت الفتاة من الفرار، والهروب بعيدًا، كانوا لا يزالون يقهقهون، يشعرون بالفخر الكبير بأنفسهم.
إذا لم أكن أراقبهم من نافذة الحافلة، لكنت قمت بمساعدتها، وحاولت دفعها بعيدًا عن هؤلاء الحثالة من البيض.
عليك أن تفهم، أنني إذا لم أقم بتدريب «لولا آن» كما ينبغي، لما كان لها أبدًا أن تعرف كيف تعبر الطريق، وكيف تتجنب الأولاد البيض، ولكن الدروس التي قمت بتعليمها إياها أتت ثمارها، وها هي الآن تجعلني فخورة بها تمامًا كما الطاووس.
لم أكن أماً سيئة، يجب عليك أن تعرف ذلك، ربما قمت ببعض الأشياء الجارحة لمشاعر طفلتي الوحيدة، ولكن كل ذلك بسبب البشرة السوداء، لذلك كان يتوجب عليّ حمايتها.
في البداية لم أستطع تقبل كل هذا السواد، ولم أحاول قط أن أعرف مَن هي؟ وأن أحبها ببساطة!
ولكنني أحبها. أنا بالفعل أحبها. أعتقد أنها تتفهمني الآن. أعتقد ذلك.
في آخر مرتين، عندما رأيتها، كانت تبدو على ما يرام، مذهلة، مدهشة، جريئة، واثقة، كلما أتت لتراني، كدتُ أنسى أنها سوداء حقًا، وذلك لأنها استطاعت أن تستخدم لونها لصالحها، وأنها استطاعت إبراز جمالها في تلك الملابس البيضاء الرائعة.
علمني ذلك درسًا هامًا، كان ينبغي علي معرفته منذ البداية، أن ما تقدمه لأطفالك مهم… الأطفال يتذكرون ما تقدمه لهم دومًا ولا يمكنهم نسيانه.
لقد تركتني وحدي تمامًا في ذلك السكن الفظيع، وابتعدت عني بمقدار ما أوتيت من قوة، تأنقت وتزينت، وحصلت على عمل كبير في كاليفورنيا، لم تعد تتصل بي ولم تأتِ لزيارتي، ولكنها ترسل لي المال واللوازم بين الحين والآخر، ولكني لم أعد أراها منذ فترة طويلة، ولم أعد أتذكرها.
أنا أفضل هذا المكان «دار وينستون» كإحدى دور رعاية المسنين الكبيرة والمُكَلفة خارج المدينة.
دار الرعاية خاصتي، صغيرة، مريحة، رخيصة، مع خدمة تمريض أربع وعشرين ساعة، وطبيب يأتي لزيارتنا مرتين في الأسبوع.
عمري ثلاثة وستون عامًا فقط، صغيرة جدًا على أن أوضَع تحت الرعاية، ولكني أُصِبت بمرض عظام مريع، لذلك العناية الجيدة ضرورية.
الملل أسوأ من الضعف، وأسوأ من الألم، ولكن الممرضات ودودات للغاية.
إحدى الممرضات قبلتني على خدي، عندما أخبرتها أنني سأصبح جدة قريبًا، ابتسامتها ومجاملاتها الرقيقة تُلائم شخصًا على وشك التتويج.
لقد أطلعتها على الملحوظة التي أرسلتها لي «لولا آن»، حسنًا لقد وقعت عليها «العروس»، ولكني لم أعِر أي انتباه لذلك، بَدَت كلماتها طائشة جدًا: «احزري ماذا حدث؟ أنا في غاية السعادة لأزف إليكِ تلك الأخبار، سأرزق بطفل قريبًا، أنا متشوقة جدًا جدًا، وآمل أن تكوني مثلي أيضًا».
أعتقد أن عامل الإثارة يتعلق بالطفل نفسه، وليس بوالده، لأنها لم تشر إلى والده على الإطلاق، أتساءل إن كان لونه أسود مثلها؟، لو كان الأمر كذلك، ليس عليها أن تقلق مثلما كان الحال معي، الأشياء تغيرت قليلًا الآن عما كنت صغيرة، الناس السود الآن أصبحوا على شاشات التلفاز، في مجلات الموضة، في الإعلانات، حتى في بطولة الأفلام.
لم يكن هناك عنوان للمُرسِل على المظروف، لذلك فإنني أعتقد أنني لا زلت الأم السيئة في نظرها، تلك الأم التي يتوجب عليها معاقبتها إلى الأبد حتى ذلك اليوم الذي ستلقى فيه حتفها.
في الحقيقة، كانت طريقتي حسنة النية تلك ضرورية جدًا لتربيتها، أعرف أنها تكرهني، لم يعد هناك أي علاقة بيننا، اختزلت علاقتنا في إرسالها المال لي، يتوجب علي أن أقول إنني ممتنة جدًا من أجل المال، لأنني لن أكون مضطرة للتوسل من أجل خدمات إضافية، مثل أحد المرضى.
إذا أردت أوراق لعب جديدة من أجل لعبة سوليتير، بإمكاني الحصول عليها، وألا أكون بحاجة إلى اللعب بأوراق البطاقات القذرة المُمزقة في قاعة الانتظار، وأيضًا بإمكاني شراء علبة الكريم الخاص بوجهي، أنا لست مغفلة، أنا أعلم أن المال الذي ترسله لي ما هو إلا طريقة لتطلب مني أن أبقى بعيدًا عنها، وأن أتقبل ما تُبقيه لي بارتياحٍ وهدوء تام.
إذا بدوت عصبية، غير ممتنة، ربما جزء من ذلك، لأني أشعر داخلي بالندم، نادمة على كل الأشياء الصغيرة التي لم أقم بها، أو التي قمت بها على نحو خاطئ.
أتذكر عندما جاءتها دورتها الشهرية الأولى، كيف كانت ردة فعلي حينها، أتذكر عدد المرات التي صرخت فيها عندما كانت تتعثر أو تسقط شيئًا ما، أعترف بأنني كنت مستاءة ومصدومة للغاية من رؤية بشرتها السوداء لحظة ميلادها، أعترف بأنني في بادئ الأمر فكرت في…
لا… لا، عليَّ أن أدفع تلك الذكريات بعيدًا بسرعة، ليس هناك أية فائدة أو جدوى من تذكرها.
لقد بذلت قصارى جهدي تحت الظروف القائمة، عندما تخلى زوجي عنا، «لولا آن» كانت عبئًا ثقيلًا، ولكني حملته جيدًا.
أعرف بأنني كنت قاسية عليها، أنت تراهن بأنني كنت كذلك، بمرور الوقت، أصبحت «لولا آن» في الثانية عشرة ثم الثالثة عشرة، كان يتوجب عليَّ أن أكون أكثر قسوة معها، لكنها كانت ترد عليّ، كانت عنيدة، ترفض أن تأكل ما أطهيه لها، كانت تُزين شعرها، عندما كنت أقوم بتضفيره لها، كانت تذهب لمدرستها وتُفلِت شعرها، وتتركه حُرًا طليقًا، قمت بتحذيرها بشأن الأسماء التي سينعتها بها الناس.
لا تزال بعض أساليبي في التعليم، تترك بصمتها، انظر كيف أصبحت «لولا آن» الآن؟ امرأة ذات حياة مهنية ثرية، هل تصدق ذلك؟
والآن، أصبحت حبلى، خطوة جيدة «لولا آن»، لو كنتِ تعتقدين أن الأمومة عبارة عن غناء وجوارب صغيرة وحفاضات وأحذية للرضيع، فأنتِ في طريقكِ لمواجهة صدمة عظيمة، أنتِ وزوجكِ مجهول الاسم، لا أعرف إن كان زوجك أو عشيقك أو أيًا مَن كان.
وأخيرًا، استمعي إليَّ، أنتِ الآن على مشارفِ أن تكتشفي بنفسك ما يتطلبه الأمر، وستكتشفين بنفسك كيف هو العالم؟ وكيف سيتغير عندما تصبحين أمًا؟
حَظًّا طيبًا، وليَكُن الله في عون الطفل!