إعداد: هدى حمد
هل يُعقل أن تختبر الكاتبة أو الفنانة تجربة الأمومة -التي تجرحها عميقا- دون أن يمس ذلك كتابتها أو فنها بشيء؟ وهل تُلقي الأمومة بظلال أوجاعها وبهجاتها على الفعل الإبداعي حقا؟ كيف تغدو -الكتابة والفن- في دعوتهما للعزلة والانكباب شأنا مركزيا إزاء تشكل مركزية أخرى تدفعُ لاندماج كامل مع كائن يعتمل بداخلنا وخارجنا على حد سواء؟ يرى البعض أنّ الأمّ -الكاتبة والفنانة- لا تعود إلى ما كانت عليه بعد أن يشرخها الكائن الهش القادم إلى الحياة؟
ماذا أيضا عن الكاتبات والفنانات الكارهات للأمومة واللواتي يملكن أسبابهن الكافية لهجرها، فهنالك من ترى أنّ تحقيق ذاتها في الفن والأدب لا يقل أهمية عن تحقيقها في صورة الأمّ فيما لو اتفقنا أنّهما فعل خلق وتخليق. وكأنّ رفض الأمومة هو شكل من أشكال الحماية من انزلاق مُؤكد، نحو مشاعر متذبذبة واحتمالات غير مأمونة! وكأنّ الكائن الجديد في محاولته للاستحواذ علينا يُفوت علينا مشروعا ما!
كيف تصطدم المبدعة –بالخبرة العامّة- التي تقيس الأمومة من منظورها المقدس والمُغلق والمتوارث، وماذا عن الخوف الذي ينبعثُ فيها لحظة الاقتراب من الصورة النموذجية التي يصنعها الأدب والفن والتاريخ والأسطورة، دون الذهاب إلى الطرق الأكثر وعورة في قياس التجربة الفردية بكل مآزقها وخذلاناتها وحساسيتها!
تحاول مجلة عبر ملف من هذا النوع زعزعة الغموض الذي يلفنا منذ الدقائق الأولى لمجيء الذوات الصغيرة التي تقتاتُ علينا، لإعادة تأمل الهدوء الظاهري الذي تكتنفه عواصف ضارية مع قرار حضور الآخرين عبرنا؟ فالمسألة لا تتوقف عند الإنجاب، بل في التفكير المستمر بما يمكن أن نُحدثه في الطبقات الأعمق التي تُشكل هذا الكائن.. هذا النصّ.. هذه اللوحة!
تترجم لنا ماري طوق مقالا لافتا للفيلسوفة ماري روبير، والتي عند اكتشافها لحملها وجدت نفسها في مواجهة فراغ فلسفي، إذ اكتشفت أنّ الفلسفة كانت صامتة نسبيًّا بشأن الأمومة! وتتساءل سميحة خريس حول هذا الغول العظيم الذي يبتلع نساء الأرض راضيات مقبلات، رفقة غول آخر خفي يقضم الروح! وقد جلبت لنا المترجمة يارا المصري -عن اللغة الصينية- شهادات قصيرة بدت لنا حَذِرَة حول ما يجوُل في خاطرهن عن الأمومة!. ترجمت إدريسية بلفقيه مقالا يدور حول رواية آني إرنو «المرأة المجمدة»، إذ تتبعت خيط الصَّبِية التي كانتها يوما لتفهم كيف أصبحت امرأة محاصرة بين دورها كزوجة، ودورها كأم، ووظيفتها كمُدَرِّسَة للأدب الفرنسي!
أزهار أحمد -جوار تجربتها الشخصية- ترجمت مقالين، الأول: عن كاتبة من ستينيات القرن الماضي، كافحت من أجل كتابتها، والثاني: لأخرى كافحت للحصول على الأمومة دون خوف من تعطيل حياتها.
استبدلت باسمة العنزي الكتابة بالقراءة، فقد أخذها الكائن القادم إلى الحياة عن مشروعها رغم ما كان يصيبها من وخز تأنيب الضمير! بينما تعترف بشرى خلفان بأنّ الأدب وإن كان يجرحنا ويكشفنا ويفضحنا ويمتعنا، إلا أنّ الأمومة هي مكانها الأول الآمن الذي تريده من كل قلبها. ومن كتاب «رسالة لطفل لن يولد» للكاتبة الإيطاليّة: أوريا فالاتشي، تترجم دلال نصر الله فصلا، نرى فيه صورة المخاوف العارمة التي تجيش بصدر الأمّ.
نسمعُ صوت بطلة منصورة عزالدين في روايتها «أخيلة الظل» وهي تقول: «أن أحمل وأنجب طفلًا، يعني أن أذوب وأتحلل لأكون آخر، يتغذى عليّ»!. غدير أبو سنينة، تترجم مقطعا من نص طويل بعنوان «من أدبيّات عدم الإنجاب» للكاتبة التشيلية لينا مرواني، لتكشف عن صراعات معقدة مسكوت عنها. «كلما كبر الأولاد، يجب أن يتقلّص حجم الأمّ. لكن يبدو أننا نميل إلى الاستمرار في أن نكون عظيمات»، هذا ما تقوله كلاريس ليسبكتور، التي تقدمها لنا المترجمة صفاء جبران. محمد آيت حنا يترجم لنا مادة تربط بين الفن والأمومة منذ نهاية العصر الوسيط، وحتّى بداية العصر الحديث، والتحولات التي عبرتها.