يارا المصري
مترجمة مصرية
ميسون المصري: الجدرانُ غرفةٌ تخصُّها وحدها
ترسمُ شقيقتي ميسون غصنَ شجرةٍ على حائطٍ قربَ بابِ شقَّتِها، وحتى لا يبدو الغصنُ وحيدًا كما تقول، تستمرُّ في الرسمِ الذي أصبحَ شجرة، لكن متى فعلت ذلك، وهي المشغولة بتربية طفلين؟ هذا السؤالُ لا يخصُّ ميسون فقط، ولكنَّه يخصُّ كلَّ امرأةٍ تعيشُ بين الأمومةِ والعمل، بين الأمومةِ والكتابة، بين الأمومةِ وأيِّ نشاطٍ آخرَ كالرسمِ والعزفِ وحتى الأشغالِ اليدوية.
وتقول ميسون ردًا على هذا السؤال:
بدأتُ الرسمَ على الحائطِ بعدَ ولادةِ طفلي الثاني «أحمد». بعدَ انتظامِ نومِه ليلًا، وجدتُ فرصةً لعملِ شيءٍ أحبُّه. فرسمتُ فرعَ شجرةٍ بالأدواتِ المتوفرةِ عندي، ثم قررتُ إكمالَ الرسمِ على مساحةٍ أكبر حتى لا يبدو غصنُ الشجرةِ وحيدًا. كان الوقتُ بعدَ نومِ الأولادِ وقتًا لنفسي، وكان لا بُدَّ أن أجدَ لنفسي وقتًا بعيدًا عن متطلباتِ الأولادِ والبيتِ لممارسةِ هوايتي الأحب، والتي حين أمارسُها تغمرني السعادة، لأن لا علاقة لها بالبيتِ أو الأولاد، ويكون ذهني لي فقط.
وهكذا، كلَّما زرتُ بيتَها في القاهرة، ذكّرتني أغصانُ الشجرةِ المرسومةِ على الحائطِ قربَ البابِ بأوقاتٍ خصَّصتها لنفسِها للرسمِ بعيدًا عن مسؤولياتِ الأولادِ ورعايتِهم. أتخيلُها في المطبخِ تُعِدُّ كوبَ القهوة، وتُخرجُ الألوانَ وأدواتِ الرسمِ لاستكمالِ رسوماتِها التي امتدَّت إلى غرفةِ الأولادِ وصالةِ البيتِ لاحقًا.
إِذَن كانت «الجدرانُ» وقتَها «غرفةً تخصُّها وحدها»، وهكذا الحال مع كلِّ أمٍّ مبدعة، تجدُ لنفسِها زاويةً أو مكانًا حين يناديها الإبداع، إنْ كانت بالطبع على استعدادٍ نفسيٍّ وذهنيٍّ له. ولمَّا كانت تجربةُ الأمومةِ تفتحُ عوالمَ أخرى للمبدعة، تستطيعُ من خلالِها إدراكَ واختبارَ مشاعرَ مختلفة، وعلى مستوياتٍ متفاوتة، فكيف إِذَن يتشكَّلُ الإبداعُ مرَّةً أخرى بعدَ الأمومة؟
الأمُّ واحدةٌ بهمومِها وهواجسِها، والإبداعُ واحد، باختلافِ الثقافاتِ والبلدان، وهنا أقدِّمُ.. من واقعِ عملي كمترجمةٍ عن اللغةِ الصينية، وعلى اتصالٍ بعددٍ من الكاتباتِ والشاعراتِ في الصين.. شهاداتٍ قصيرةً تمثلُ إجاباتٍ متعددةً على سؤال: هل تؤثرُ الأمومةُ على الإبداع؟ شهاداتٌ قد تكونُ خجولةً أو حَذِرَة، ربما خوفًا من التصريحِ بما يجوُل في خاطرهن حقًا، أو ربما وجدن السؤالَ غريبًا لعدمِ طرحِه بشكلٍ صريح.
لان لان: الشِّعرُ لن يكونَ أعظمَ من الحياة
هذا السؤالُ الغريبُ.. بعد أن تصبحَ المرأةُ أمًّا، هل يؤثرُ ذلك على إبداعها؟.. تجيبُ عليه الشاعرةُ «لان لان» قائلةً: «نعم بكلِّ تأكيد. في اعتقادي الشخصي، لن يكونَ الشعرُ أعظمَ من الحياة. لدي ابنتان توأم، وبعدَ ولادتِهما، توقفتُ عن الكتابةِ لمدةِ عامين تقريبًا، وركَّزتُ طاقتي ووقتي للاعتناءِ بملاكَي الصغيرتين. اكتشفتُ بفضلِهما سحرَ الحياةِ وقدسيةَ الرعاية. اختبرتُ معنى الحبِ والمسؤوليةِ المُطلَقَتين عبرَهما حقًّا، ومعنى روحِ العائلة. لقد كتبتُ ذاتَ مرِّةٍ عن اكتشافي للعالمِ من خلالِ عيونِ الأطفال، وكتبتُ أيضًا عن تصحيحِ الأطفالِ لمفاهيمي وبعضِ تحيزاتي الفكرية. كتبتُ قصيدةً ذاتَ مرَّةٍ عن مواساةِ طفلتَي لي وتضحياتهما، علَّمتاني أن أكونَ أمًّا وشاعرةً أكثر غِنَى، كما ساعدتاني على فهمِ وحُبِّ والدتي بصورةٍ أكبر، وتقديرِ حياةِ الأمهاتِ الأخرياتِ بدرجةٍ أفضل. رغم أنَّني فقدتُ بعضَ الوقتِ المخصصِ للكتابةِ في تربيةِ الطفلتين، لكن، أليسَت الحياةُ تغذِّي الشعر؟ كونُكِ أمًّا يعني أنَّ لدى الشاعرةِ مشاعرَ أكثرَ ثراءً وتعقيدًا تجاهَ العالمِ والحياة، وهذا لأنَّكِ ستصبحين جسورةً لحمايةِ الحياة، وستواجهين بشجاعةٍ الحروبَ والعنفَ الذي يضرُّ هذه الأرواح. سيشعُّ حبُّكِ للأطفالِ في الحياةِ بأكملِها، ستعاملين الآخرين بإنصاف، وتصبحين من دعاةِ السلام، ومناصرةً لحقوقِ المرأة، وشخصًا لطيفًا وشجاعًا، ومن مواطني هذا العالمِ المتحضرين. رغم أنَّ كوني أمًّا لا يضمنُ أنَّ الجميع سيكونون كما أتوقع، لكنَّه كذلك على الأقل بالنسبة لي.
أعلمُ أنَّ الإنسانَ المعاصرَ يتمتعُ بالحريةِ والقدرةِ على اختيارِ أنماطِ الحياةِ المختلفة، وكما أحترمُ الأصدقاءَ الذين لا يتزوجون أو ينجبون أطفالًا، فإنًّه بالنسبةِ لي، لو لم أنجب طفلتَيَّ، ربما لم أتمكن من كتابةِ تلك القصائدِ عن الأطفالِ والحبِّ والنضج.
تجاي يونغ مينغ: الاستمرارُ في الكتابةِ أمرٌ مهم
وعلَّقت الشاعرة «تجاي يونغ مينغ» في حوارٍ معها حولَ الأمرِ قائلة: «ازدهرَ الشِّعرُ الصينيُّ المعاصرُ بين النساءِ اللواتي وُلِدن في فترةِ الثمانينيات. هناك الكثيرُ من الشاعرات، وهن نشيطاتٌ للغاية. وقد لعبَ التسويقُ التجاريُّ دورًا في ذلك، ولكنَّ عددَ الشاعراتِ وحقيقةَ استمرارِهن في الكتابةِ أمرٌ مهم. ولا يمكنُ إنكارُ أنَّ المرأةَ مكبَّلةٌ بعدةِ طرق: فمتطلباتُ الزواجِ والأطفالِ تستهلكُ الكثيرَ من وقتِهن وطاقتِهن.»
هونغ ينغ: الضغوط أكثر على النساء
كما علَّقت الكاتبة والشاعرة «هونغ ينغ» كذلك في حوارٍ معها: «مشكلةُ الكتابةِ النسائيةِ هي أنَّ النساءَ يتعرضن لضغوطٍ أكبرَ بكثيرٍ من الرجال، فعليهن تربيةُ الأطفال، ورعايةُ أزواجِهن وكبارِ السِّن. كما يجبُ عليهن الخروجُ للعمل. يمكنهن الكتابة فقط في المساءِ وفي عطلاتِ نهايةِ الأسبوع، ولا يحصلن على أجرٍ كبيرٍ مقابلَ ذلك.»
وقالت هونغ ينغ في شهادةٍ خاصةٍ بنا: “تؤثرُ تربيةُ الأبناءِ بالطبع على الإبداع، لأنَّه لا يكون لديكِ الوقت للكتابة. بالنسبةِ لي، فأنا لا أستطيعُ التوقفَ عن الكتابة، كما لا أستطيعُ التوقفَ عن رعايةِ ابنتي، هذا النوعُ من العيش… وأعني الرفقة. هذا يعني بالنسبةِ لي أن أنامَ أقل، وأستغلَ هذا الوقتَ، ووقتَ نومِ طفلتي في الكتابة. وهكذا رافقتُ ابنتي في نموِّها، وألَّفتُ تسعةَ كتب، أي بينما كنتُ أحكي لها القصص، كنتُ أكتبُها أيضًا».
يوان يونغ بينغ: سيفٌ ذو حدَّين
وترى الروائيةُ والشاعرةُ «يوان يونغ بينغ» أنَّ تجربةَ الأمومةِ مميزةُ للغاية وتقول: كتبتُ بعضَ الأعمالِ عن الحملِ والولادةِ والأمومة، منها بعضُ القصائدِ وروايةٌ طويلة، بالإضافةِ إلى العديدِ من القصصِ القصيرةِ والمقالاتِ النقدية. ولم يقتصر الأمرُ على تجاربي ومشاعري الشخصيةِ كزوجةٍ وأمٍّ فحسب، بل أيضًا أفكاري وتأملاتي حولَ دورِ الأمومة.
بالنسبةِ للكاتبات، كونُكِ زوجةً وأمًَّا هو سيفٌ ذو حدين، فمن ناحية، ستخوضين بالفعل تجربةً حياتيةً فريدةً من نوعها، سواء كزوجةٍ أو أم، وهي تجربةٌ مميزةٌ للغاية، وأرى أنَّها واحدةٌ من التحدياتِ العديدةِ في الحياة. ومن ناحيةٍ أخرى، فإنَّ الوقتَ الذي تشغله الكتابةُ بالنسبة للكاتبات ودورهن كزوجاتٍ وأمهات، هو أيضًا مسألةٌ موضوعيةٌ للغاية. وحولَ هذه النقطةِ قدَّمت أليس مونرو، التي وافتها المنيةُ مؤخرًا، مثالًا على ذلك: كانت تكتبُ أثناءَ رعايةِ عددٍ من الأطفال. وهذا حلٌّ باعثٌ على الحزنِ إلى حدٍّ ما.
لا يمكننا أن نثبتَ إذا لم تكن أليس مونرو زوجةً وأمًّا، هل كانت ستحقِّقُ نجاحًا أكبرَ في الأدب، وهل كان سيتاحُ لها المزيدُ من الوقتِ للكتابةِ نتيجةً لذلك؟ مَن يعلم؟ نحن جميعًا نكيِّفُ حياتًنا إلى حدٍّ ما، كما أنَّ كوننا زوجاتٍ وأمهاتٍ هو أيضًا تسويةٌ من نوعٍ ما. ويوضحُ الشاعرُ روبرت فروست في قصيدتِه «الطريقُ الذي لم يُسلَك»، أنَّه ليس باستطاعتِنا أن نسلكَ طريقين في الوقِت ذاته. والافتراضُ هنا غيرُ موجود. ومن الجديرِ بالذكرِ أنَّ التغيراتِ الشاملةَ في بيئةِ الأنثى يمكنُ أن تؤدي إلى تغييراتٍ متزامنةٍ في حياةِ الأفراد. ومن هذا المنطلق، أتمنى أن تصبحَ بيئةُ بقاءِ المرأةِ أفضلَ بفضلِ جهودِها في مختلفِ الجوانب، وهذا لا يتطلبُ جهودَ الكاتباتِ فحسب، بل أيضًا جهود المزيدِ من الناس. بالنسبةِ لي ككاتبة، فإنَّ أكثرَ ما يعنيني هو إرادةُ أليس مونرو. لا أستطيعُ أن أتخيلَ ما إذا كان بمقدورِ مونرو غيرِ المتزوجة والتي ليست أمًَّا، أن تكتبَ تلك الأعمالَ الغنيةَ والعظيمة، هذا الافتراضُ غيرُ موجود.
تونغ مُوه: أصبحتُ أكثرَ وعيًا بهويةِ المرأة
تحظى الكاتبة «تونغ مُوه» بمساعدةٍ من والديها وزوجها في تربية ورعايةِ طفلِها، وتقول: حملتُ في عمرِ الرابعةِ والثلاثين، وسار كل شيء بسلاسةٍ من البداية حتى مراحله اللاحقة، ولم أتوقف عن الكتابة حقًّا إلَّا في الشهر الثامن من الحمل. وبدا أنَّ هويةَ الأم لم تقمع ذاتي وموضوعيتي ككاتبة، لذلك لم «أفقد نفسي» أبدًا.
كانت الأشهرُ الأولى من الرضاعةِ الفترةَ الأصعب؛ الاستيقاظُ ليلًا لإرضاعِ الطفل، وعدمُ الحصولِ على قسطٍ كافٍ من الراحة، وعدمُ توفرِ الوقتِ أو الطاقةِ للتركيزِ على الكتابة. وقبل أن يبلغَ طفلي عامين ونصفَ العامِ من العمر، كانت أولويتي الاعتناء به، وكانت رعايتُه أمرًا هينًا، لكنَّها استهلكت أيضًا طاقةً كبيرة. وحين أكملَ العامين ونصفَ العام، أرسلتُه إلى حضانةِ الأطفال.
وساعدتني عائلتي أيضًا. كان والديَّ يبيتان معنا أحيانًا للاعتناءِ بالطفل، كما يتولى زوجي أيضًا مسؤولياتِ رعايتِه. ولأنني وزوجي كاتبان، وليس لدينا وظيفةٌ أخرى تتطلبُ التنقل، لم يحدث أن اعتنيتُ بالطفل بمفردي.
يبلغُ عمرُ طفلي الآن أربعَ سنوات، وأشعرُ أنَّه عندما يكبر، سيشاركُ والدَه في أدوارٍ أكثر، وسأتحرَّرُ شيئًا فشيئًا من «التقيد» بالطفل. والآن أستطيعُ القراءةَ والكتابةَ خلالَ النهار حين يكون طفلي في روضةِ الأطفال.
أصبحتُ أكثرَ وعيًا بهويةٍ المرأةِ بعد أن أصبحتُ أمًّا. وأعلمُ أنَّ وضعي جيدٌ مقارنةً بالعديد من الأمهاتِ/الكاتبات، وأدركُ كذلك أنَّ العديدَ من الأمهاتِ يعانين من صعوباتٍ هائلة، ورغم أنَّني لم أختبرْ هذا الأمرَ من قبل، فإنَّ كوني أمًّا جعلني أكثرَ حساسيةً تجاهَ وضعِ النساءِ الأخريات.
الفنُّ قناةٌ لنقلِ المشاعر
وفي حوارٍ آخرَ مع ثلاثِ فناناتٍ صينياتٍ حولَ الإبداعِ والأمومةِ1 قُلنَ: «أن تصبحي أمًّا، لا يعني تغييرًا في الهويةِ والمسؤولياتِ فحسب، بل ساعدهنَّ كمبدعاتٍ أيضًا على إدراكِ علاقتهنَّ بالعالِم حولهن. ولإضافةِ بُعدٍ أكثرَ ثراءً وأكثرَ خصوصية، قد يكونُ الإبداعُ الفني هو القناةَ الأكثرَ ملاءمة لنقلِ المشاعرِ التي لا يمكنُ التعبيرُ الدقيقُ عنها باللغة.»
غينغ شُيِّيه: منظورٌ أشمل
الحملُ والتربيةُ طاقةٌ موِّلدة للحياة، هكذا ترى الفنانة الصينية «غينغ شُيِّيه» وتقول: «إنَّ رحلةَ النساءِ من أفرادٍ مستقلاتٍ وكاملاتٍ إلى أن يصبحن أمهاتٍ رحلةٌ مختلفةٌ تمامًا. بالنسبةِ لي، لم يسبب ذلك الكثيرَ من الضغطِ فحسب، بل منحني أيضًا منظورًا أكثرَ شمولًا، بعد أن وسّعت هذه التجربة مداركي في الحياة، اختلفت ملاحظتي ومعرفتي بها، وأصبحَ ما أراه هو العلاقةُ بين الحياةِ البشريةِ بأكملِها وبين عالمٍ أكبر.
أثناءَ الحَمْلِ وتربيةِ الطفل، رأيتُ طاقةً أقوى ومولدةً للحياة، بما في ذلك كيفيةُ «بدءِ» نبضِ قلبِ الطفلِ وتشكيلُ لغتِه وقدراتِه الإدراكيةِ تدريجيًا. الطفلُ قريبٌ منِّي، ولكنَّه مستقلٌ عنِّي أيضًا، وحبُّ الأمِّ للطفلِ مبنيٌّ على احترامِ استقلاليتِه واحترامِه كفردٍ حي.
وفيما يتعلقُ بتأثيرِ ولادةِ طفلي على إبداعي، أولًا، من حيث الزمانِ والمكان، كان لدي في الأصلِ بُعدٌ كاملٌ للغايةِ يتمحورُ حولَ حريةِ عملي، وكان حسبَ تقديري الخاص. ولكن بعدَ ولادةِ الطفلِ بدا أنَّ الزمانَ والمكانَ بأكملِهما مجزَّآن ومضطربان، ولكن خلالَ هذه العملية وكما وردَ في موضوعِ هذا المعرض «إعادةُ التشكيل»، فإنني كأم، نضجتُ أيضًا وبدأتُ في إعادةِ تشكيلِ علاقةٍ جديدةٍ بيني وبين الحياة والإبداع. كما أنَّني بعدَ أن أصبحت أمًّا، ومن حيث المحتوى والأساليبِ والإبداعية، اكتسبت فهمًا جديدًا لجسدي ووجودِنا كبشر.
من ناحية، وبسبب جائحة كوفيد-19 وتجربةِ إنجابِ الأطفالِ في السنواتِ الأخيرة، فقد اكتسبتُ الكثيرَ من الأفكار. ومن ناحيةٍ أخرى، اكتسبتُ أيضًا فهمًا أعمقَ للفلسفةِ والعلوم، ولا سيما فيزياءَ الكم والعلومَ الوراثيةَ البيولوجية. كما أشعرُ أنَّ نظرتي للعالمِ تمرُّ بتحولاتٍ جذريةٍ من خلال مرافقتي لطفلي والقراءةِ والدراسةِ بمفردي.
تجانغ يي: متمردة في الطفولة
وتقولُ الفنانةُ «تجانغ يي» كنتُ متمردةً للغايةِ في طفولتي، ولم تكن علاقتي بأمي منسجمة. بعدَ أن أصبحت أمًّا، بدأتُ أيضًا أشعرُ بالتوترِ ولازمني شعورٌ بالقلقِ بشأنِ عدمِ الاعتناءِ جيدًا بهذه الحياةِ الصغيرة.
السببُ وراءَ سفري إلى الخارجِ للدراسةِ هو أنَّني في ذلك الوقت لم أكن أعرفُ من أنا، ولكن بعدَ إنجابِ طفلي أصبحتُ أكثرَ شجاعة، على أملِ كسرِ الأعرافِ التي يفرضُها المجتمع، وأن أصبحَ قدوةً لطفلي بطريقتي الخاصة، حتى يتمكن من النمو ليصبحَ شخصًا حرًّا وشجاعًا.
يمكنُ النظرُ إلى إبداعي على أنَّه مزيجٌ وتوسيعٌ لنوعين من الإنتاج أولًا، وتجربةٌ وإدراكٌ يعتمدان على الإنتاجِ الخاص، أي العلاقة بين دوري كأمٍّ وطفلي في التفاعلِ بيننا. على سبيلِ المثال، بعد أن أنهيت تجوالي في نيويورك وبكين ولندن، وعدت إلى بكين، بدأتُ أقضي المزيدَ من الوقتِ مع ابني، فكانت إبداعاتي تتمحورُ حولَ لحظاتِ الأمِّ وابنِها. في السنواتِ الأخيرةِ، وجدتُ نفسي محاصرةً دونَ وعيٍ في النموذجِ التقليدي للآباءِ الصينيين الذين يؤدبون طلابَ المدارسِ الابتدائيةِ بصرامةٍ، ويسيطرون عليهم كما هو معتاد. كفنانة، فإنَّه من المتناقض تمامًا كسر قواعد الإبداع، وأيضًا تأديبُ الأطفال في كلِّ كبيرةٍ وصغيرةٍ كأم. وعادةً ما أدخلُ الدورَ النمطي دون وعي. وهذا يجعلني أشعر بالقبح الشديد، كما لو أنني فرضت عليه قوةً من نوعٍ ما.
البحثُ عن المكان والوقت
إنْ كان ثمَّة مشتركٌ في شهاداتِ هؤلاء المبدعات، فربما هو البحثُ المستمرُ عن «المكان»، والقبضُ على القليلِ من الوقتِ المتسرِّبِ من بين الأصابع، والذي بِفَقدِه، لا يكونُ بالضرورة باعثًا على الإحباط والغضبِ دائمًا، فهو من التجربة. والتجربةُ بشهادتهن علَّمتهن أمورًا عن الإبداع، وأعادت اكتشافَ علاقتِهن به وبالكتابة مجددًا. وهنا، يتراجعُ نكرانُ الذاتِ المتوافقِ مع مسؤولياتِ الأم، ليحلَّ محلَّه اكتشافُ الذات، وعزلةٌ يفرضُها الإبداع بكلِّ أشكاله، والتي تبدأ، في حالةِ شقيقتي، لحظةَ إغلاقِ البابِ على الأطفال، والاتجاه إلى الحائطِ لترسمَ غصنًا جديدًا في الشجرة.
الهوامش
المصدر: https://mp.weixin.qq.com/s/dodwiReSMwOEIWHeDugCFA