حكايات كثيرة وأماكن ومواقف، تجمعني بحلمي، هو الأكثر قدرة على سردها، أكثر إدهاشاًَ ونضارة ومرحاً.. حلمي الذي يحيل أكثر المشاهد مأساويّة وحزناً إلى ضحك ومرح لكنه الضحك الذي يشبه البكاء..
من (القاهرة أو زمن البدايات)
قصيدتان
حلمي سالم
حضور بدر السيّاب
يجرجرون رئاتهم على شرفاتٍ مفتوحةٍ،
أما فئران قرضِ الرئاتِ،
فقد اطمأنتْ إلى عشاءٍ شهيٍّ،
وسرّبتْ إلى الفتى نشيدَه:
«لكَ الحمدُ مهما استطالَ البَلَاءْ»
ساعتها:
أطلّ من المروحيّة التى على السطوح:
خيالُ بدر شاكر السياب.
كأنه هو الذي قال:
يا جماعةَ الخير:
سنُجري على الجسم مسحاً
حتى تشفَّ الأمعاءُ والعظامُ
عن ذاتها،
ويصبحَ البنكرياسُ بلورةً،
وحتى يتجّلى الحجابُ الحاجزُ
عن جوهر الشعراء.
هنا جسدٌ نقيٌّ
إلا من بقعةٍ سوداءَ واحدةٍ،
تحت الصدغ الأيمنِ.
ولذلك غمغمَ الفتى:
«لك الحمدُ إن الرزايا عطاء»
فظلوا يجرجرون رئاتهم على
شرفاتٍ مفتوحةٍ،
بينما فئرانُ قرضِ الرئاتِ،
مطمئنةٌ إلى العشاء.
عند هذا المنحنى من مساراتِ القلوب
نكون قد وصلنا إلى حلاوة زمان،
ففيها: سرابٌ التريكو،
وفيها: ابن عمي يعود من عتاقةٍ
في خرقةٍ،
وفيها بقيّةٌ من ليلى مراد.
كابتشينو
كان كرسي الخيزران واطئاً،
فحطَّت شلتْةً من أجل راحةِ الفقرات،
بينما تقطرتْ من الخدّين سمرةُ
مختومٌ عليها:
صُنع في مصر.
قال فتىَ: الكابتشينو علامةٌ
على وحدة الأضداد،
فطارت صبيّةٌ إلى انقسامِ الأهلِ
واعتلالِ الزراعاتِ
في أرض قفْط.
جدّدَ الجرسونُ جمرةَ النارجيلةِ
فاستيقظتْ حساسيةُ الرئتين.
لا عليكَ يا حبيبي: ليس مطلوباً سوى
أن نَذرَّ
بعضَ التوابل على الروح كي
تصيرَ الهزائم مبلوعةً.
تحدثتْ فتاةُ عن خطورة العواطفَ
على مستقبل
الأجنّةَ، وعن ضرورة البتر
عند الجرّاحين. تبسَّمَ الجرسون
وهو يغير المبسمَ، ثم قال: دارتْ
معاركُ عند الزعفرانة
قبل أن تصيرَ منتجعاً للباحثين
عن نقاهةِ العظام والباحثين
عن تدوير ثروةٍ.
كانت الكابتشينو تصعّدُ البخارَ على وجهينْ،
بينما رجلٌ سيء السّمعة يقبِّلُ المجرى
الذي بين نهديْن،
ويحكي كيف اغرورقتْ عينا أبٍ صَلبٍ
وهو يحضن
الصبيَّ الخارجَ قبل برهةٍ من الحبس.
أقصتْ شالَها قليلاً لكي تمثلَ
حادثةَ الحبيب في فجر جمعةٍ،
الغرفتان في المستشفى القبطيّ
متجاورتان:
غرفةُ الولدُ الذي تحطّمتْ ضلوعه
في فجر جمعةٍ،
وغرفةُ الكهل الذي انسدَّ شريانه التاجيٌّ
بعد سهرةِ المخدرات،
ألم نقلْ أن الكابتشينو علامةٌ
على وحدة الأضداد؟
من هنا حطّتْ شَلْتةً من أجل راحة الفقرات،
بينما تقطرّتْ من الخدّين سُمْرةٌ.
قال عابرُ: لا تمنحوا اسماً لليمام
الذي يطير من شجرةٍ
لشجرةٍ في باحةِ المقصف.
ولا تضطربْ يا حبيبي:
سيجيء الملحّنون آخرَ الليل
يجمعون الفتاتَ الذي تساقطَ
من أفواه المحبّين،
لكن راسخةً في علوم النفس قالت:
ثمةَ سبعُ فوائدَ في بناء سَدٍّ أمام فيض الماء.
كانت الكابتشينو لا تزال دافئةً،
فقال عابرٌ: طِبتَ حيّاً وميتاً
أيها الغرام.