قد تسكن المدينة في قلوب الناس، رغم تناقضاتها الحادة وترافقاتها الحميمة، غير أن المدينة العجيبة التي أبدعها الفنان موسى عمر ضمن قوانينه العفوية الخاصة، تسكن عالما رؤيويا، تتشكل على مفترقاته اعترافات المشاهدين وحواراتهم الصامتة، فيما تمنحهم الدواخل فرصة التنفس في فضاء آخر يفرضه حق الانفتاح والامتداد خلف (عالم المرايا) حيث تتوزع صوره وأشكاله المتناثرة على مساحة حدسية واسعة من الصعب تمثلها أو تقليدها، لأنها تتمثل في كينونة هي أقرب الى جواذب الحب منها الى أي شيء آخر.
غير أن ما لا ترده العين في هذه المشاهد، ليس إلا تلك الانعكاسات الأولى للفطرة الانسانية التي اعترف بها الفن الحديث وضمها الى مكتشفاته الجديدة، ثم أحلها المقام الأعلى من سلم الأولويات سواء بسواء مع المبتدعات العفوية للطفولة.
وهكذا نجد أن الفنان حينما يصبح وحيدا أمام موديله الداخلي، فانه سيختار بحرية مطلقة ما شاء من طلاسم ورموز وبنى وتأليفات شكلانية دونما احتساب لأيما قاعدة يمكن ارتهانها بوجود معياري سابق، وهذا يعني بأنه قد أصبح كلا موحدا مع نموذجه الماورائي دون افتقاد لتماميته بالأنا..
وكضرورة لهذه الرؤية، أصبح الفنان يمتلك طاقته الاستثنائية في استدعاء أحلامه الذ كروية الماضية، كما أصبح قادرا على فرض موقفه التلقائي على الرسم أيضا، وهو ما قاده في النهاية الى استدراج تلك الرواسب الغامضة في لغة التشكيل الى سطح الرؤية البصرية وإيصاد المساحات أمام تدفق الألوان وتعامد الخطوط ليحقق بذلك إعلاء فعل الحدس على معادله العقلاني، حيث يحل الد سم كطاقة توصيل جمالية مثلى محل الشعور ليس كشاهد على ما رأى، بل كمتنبئ لما كان فيه قبل أن يولد حافز الفن في الذات. فيما يكون الفعل الفني كير مترافق مع سيئة من سيئاته، وهي تحويل الفنان من نبوئي ينشر بثه التلباثي على بعدين من سطح أبيض إلى ناسخ مرئيات. وهو إذ يفعل ذلك، فانه يقوم من جانبه بإزالة الكثافات اللونية كن وجه يختفي في الأعماق، ليجعل منه حركة جوا نية مؤثرة تتجه في خط تناغمي متسام إلى الأعلى، حيث جدران المدينة البيضاء بانتظار الفن ليجعل منها بساطا حواريا للألوان.
لا مساحات محددة في جداريات الفنان موسى عمر، فالامتداد هو نفسه مؤلف من رؤى. ونحن ما نزال ندور في فلك من قدرات التشكيل التي سرعان ما نكتشف بأن ما فيها هو إيحاء بوجود رابط جوهري بالزمان، لذلك فان ظهور هذا النمط البصري في جداريات (القضية) لا يمثل تكاملها عند الرقم الرابع من التسلسل، وانما في الجدار الأخير لمدينته المفترضة، وهو في هذه الحال، لن يجد ضيرا إذا ما شاركته في إتمامها ريشات مجموعة من الأطفال ! إن الانتقال بين هذه المراحل التي تقدمها تجربة الفنان موسى، يمكن أن يشكل تأكيدات لضمور القصديات الواعية في طريقة بناء الرموز البصرية وتحويلها إلى عالم يعتمد على الاستنتاج والملاحظة، حيث يبدأ الضوء المنبثق من عتمة التوترات وظلمة الحلول البعيدة، وتشترك الموجودات في انجاز لوحات ونوافذ رؤية مجازية يعلقها الفنان بانتظام في فضاء الايهام، ليبعث إلى ذهن المتلقي قبل عينيه، ما يدور في دواخل نفسه من انكشا فات تفصح عن سعة عالمه الداخلي المشحون بالصور والرؤى والأحلام.
موسى عمر
ساهم بشكل مباشر في العديد من الفعاليات والمناشط الفنية مثل البيناليات والتريناليات والمهرجانات في باريس وأمريكا وإيطاليا والصين والقاهرة وبنجلاديش والشارقة والهند وبريطانيا واليابان ولبنان وتركيا وتونس وهولندا والمكسيك والنمسا وتايبيه واستراليا وسويسرا والخليج العربي… وأحرز من تلك المناشط العديد من الجوائز والميداليات والشهادات التقديرية والحي كان أخرها في المعرض الوطني للنحت والجرافيك لمناسبة أولمبياد سيدني باستراليا (المركز الأول 1999). كما أحرز جائزة الابداع الكبرى من المعرض السنوي للجمعية العمانية للفنون التشكيلية 1999، كما أحرز جائزة تقديرية في معرض 25 فبراير بدولة الكويت 1998، كما أحرز جائزة تقديرية في المعرض السنوي للجمعية العمانية للفنون التشكيلية 1996، والمركز الثاني في معرض مجلس التعاون للشباب بدولة الكويت في عام 1997 وأحرز المركز الأول في معرض مجلس التعاون للشباب بدولة قطر في عام 1995. وهو عضو في العديد من المؤسسات الفنية في السلطنة وخارجها: الرابطة الدولية للفنون التشكيلية (اليونيسكو)، وعضوية الجمعية العمانية للفنون التشكيلية، ومرسم الشباب والنادي الثقافي.
وشارك في معظم الحلقات الداخلية والخارجية مع كبار الفنانين، وايضا استخدمت بعض أعماله في أغلفة المجلات الثقافية والدواوين الأدبية، وله العديد من المقتنيات داخل وخارج السلطنة.
نوري الرواي (رئيس رابطة نقاد الفن التشكيلي في العراق)