خلط الشاعر والتشكيلي الاردني محمد العامري تسريد ذاكرته في كتابه «شجرة الليف»، بما مثل له من حنين وعودة الى الوراء في محاولة لتصفية حساب مع جماليات المكان الاول، والحليب والشجر والناس، كتب الشاعر العامري احتفاءه بالنباتات والحيوانات والطيور والنهر والبرتقال الذي كان يقف ليحرسه ليلا مع شقيقه علي العامري الذي عاد هو الاخر في وقت سابق ليصيد تلك اللحظات بقصائد تحاكي اللغة والطفل تحت شمس حارقة في اكثر الاماكن انخفاضا ومواجهة مع كل شيء في الاغوار الاردنية قرب نهر الاردن وبيارات البرتقال وافراح الناس البسطاء.
كتب الشاعر محمد العامري سيرته في «شجرة الليف» ممزوجة بحس الراوي، لم ينس التفاصيل، محاولا تقديم نفسه مرة اخرى عبر تسريد الذاكرة بلغة فيها من الشعر والسرد ما يكفي لان يتعلق القارىء بالكتاب، ويبدأ بحب النباتات والجبال والناس والطيور، يكاد هذا الكتاب يكون ردا جميلا لكل تلك الزهور والنباتات التي وجدت في حياة وذاكرة العامري مكانا لا تموت فيه.
تلك الشجرة التي تصدرت عنوان الكتاب يعرفها الجميع كما يقول العامري «ثمرة غريبة أشبه بنبت شيطاني، ثمرة لا تؤكل، ثمرة كبيرة على شكل كوز الذرة محشوة بألياف يصنعون منها ليفة الحمام»، وفي تسريد الذاكرة يصف الشاعر كل شجرة عايشها وكانت جزء من حقله الممتد، يصف الطرقات من المدرسة الى البيت من البيت الى بيارة البرتقال، وفي طريقه يسجل في مشهد بصري صار ثيمه اعماله التشكيلية حكاية المكان والجبال المفتوحة على كل الاسئلة لطفل كبر ويعود الى ذاك المكان طفل ثم يتركه ليكبر من جديد ويضيف الى نصوصه قصيدة توثق مسقط الرأس والحليب الاول، والمشاغبات والحرب التي وقعت بين المقاومة الفلسطينية والجيش الاردني مع (اسرائيل). ينتصر الاردني للفلسطيني والفلسطيني للاردني على عدو هش مكبل بالاصفاد داخل دبابته.
هي تلك القرية التي ولد فيها الشاعر محمد العامري «القليعات» في الاغوار الشمالية، هناك للجمال والخرافة وسؤال الحياة لهم معنى خاص، وتحت الشمس الحارة والحارقة، الجبال والتراب والسمك الجاري في النهر، كتب الشاعر تسريده كما عنونه على كتابه «شجرة الليف» الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، ووثق لكل من عرفهم في طفولته لاصدقاء واقارب واخوة واب وام واعراس، تناولهم بحب ابن المكان لمكانه، هم ابطاله الحقيقيون، وهم ذاكرته المتوهجه في قصيدته والوانه.
المكان تحت سوط السؤال في تسريد الذاكرة «شجرة الليف»، السؤال الوجودي عن معنى شجرة لا تموت، وعرس يمر ليشتبك فيه الجميع بفرح، عن جبال تقف خلف الناس حارسة لفطنتهم وصباحاتهم التي لا تعرف الا معنى الارض، وما يستجد بعد ذلك تفاصيل بسيطة في حياتهم اليومية، تلك الشخوص التي حاكاها العامري في كتابه تحمل صفات ابطال الرواية الكبرى في الحياة، كلهم كانوا على حبل غسيل واحد بالوان صارت لوحة القرية وخباياها، وللقرية في شجرة الليف تجليات، فهي القصص المكثفة والتي تتحول بفعل الزمن الى اسطورة تتفكفك بفعل الحب، لكنها تبقى عصية على التفسير ما يجعلها وثيقة يتناولها اهل القرية بين الحين والاخر، باعتبارها التاريخ الشخصي لكل واحد منهم.
فعلها الشاعر محمد العامري في «شجرة الليف»، أرخ لذاكرته ولمكانه المكتظ بالشجر والحجر والجبال والنباتات الموسميات والنهر قرب البيارة، للناس الذين نظروا في عين عقله وراحوا احياء او اموات.