مُنْذُ الْخُطْوَةِ الْأُوْلَى، عِنْدَ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ، رَسَمْنَا وِجْهَتَنَا بِدِقَّةِ رُمَاةِ نِبَالٍ وَ أَسْمَيْنَاهَا اللَّاوُصُولَ. الْحَقَائِبُ الْفَارِغَةُ الَّتِي حَمَلْنَاهَا
كَانَتْ مُجَرَّدَ خُدْعَةٍ لِجَعْلِ الْأَقْدَامِ تُؤْمِنُ بِفِكْرَةِ الْـمَشْيِ، وَلَفَائِفُ الْحَشِيشِ الَّتِي أَشْعَلْنَا كَانَ دُخَّانُهَا دَلِيلًا آخَرَ، تَحْتَ سَمَاءٍ تَتَّسِعُ
كُلَّ يَوْمٍ أَكْثَرَ. كُنَّا نَسِيرُ فِعْلًا، وَلَمْ نَكُنْ نَتَقَدَّمُ سِوَى بِمِقْدَارِ كَأْسٍ أَوْ كَأْسَيِنِ. أَجَلْ، كَانَ الْفَرَحُ هُوَ السِّرُّ، وَالنَّجْمَةُ الَّتِي كَانَتْ
تَحْرُسُ لَيْلَنَا بِوَفَاءٍ شَدِيدٍ كَانَتْ لَهَا ضَحْكَةٌ شَاهِقَةٌ وَخِصْرٌ يَسَعُ الْكَوْنَ. لَمْ نَشْتَهِ مَذَاقَ هَذِهِ الثِّمَارِ، لَكِنَّنَا صَنَعْنَا مِنْ عِظَامِهَا مَا
يُشْبِهُ الْـمُوسِيقَى، كُلَّمَا اشْتَدَّ السَّأَمُ عَزَفْنَا وَأَكَلْنَا أَطْرَافَ الطَّرِيقِ، وَكُلَّمَا اسْتَبَدَّ بِنَا الْعَطَشُ شَرِبْنَا عَرَقَ الْجِهَاتِ وَوَاصَلْنَا
الْـمَسِيرَ صَوْبَ الْوِجْهَةِ الَّتِي كُنَّا أَسْمَيْنَاهَا: اللَّاوُصُولَ.. حَيْثُ الْخُطْوَةُ الْأُوْلَى هِيَ دَائِمًا الْأَخِيرَةُ، وَحَيْثُ الْفَجْرُ هُوَ دَائِمَا نَفْسُهُ
– 2 –
أَغلقْ باب قلبكَ بإحكام
واسلك طريقا لا يعرفهُ أحد سواك
اصعد نحو الهضبة واقطف الزهور
إنسَ أنك كنتَ بشرا وكان لكَ لسان
أنتَ الآن عصفورٌ بجناح مكسور
أنتَ غيمة تحلق فوق أرض خراب
أنت ملاك محكوم عليه بالإنشاد
ستموت قرب النهر و بعد قرن
ستصنعُ لك الأسماكٌ تمثالا و تؤمن بك
الأسماكُ المؤمنةُ والنمل المؤمِنُ والطين
لكن ليس البشر
الحكمةُ هي أن العاصفة في خريف عمرها
تقبل يد الريح وتنحني إجلالا لهسيس هواء
لذلك أغلق بإحكام باب القلب
وافتح ذراعيك للقطار الذي يمضي ولا يلتفت
للفجر،الفجر الذي يعوي في السهول البعيدة
مثل ذئب جريحْ.
– 3 –
لديه ما يكفي من صمت لفرقعة أصابعه في الهواء
لدسّ قنينة نبيذ تحت وسادة ليل يهرّب لاجئين الى جحيمهم
لإشعال ذكريات قديمة بعود ثقاب و سيجارة
لإرباك حرف عٌثر عليه يهذي على ناصية كتاب يقدسه الغجر
للعب الورق رفقة صديقه المصاب بالألزهايمر
لإغراق مركب عطشان في حانة تصفر فيها أحلام بحارة شربهم اليأس
لديه ما يكفي و ما يلزم من صمت لانتظار ما سيأتي من أهوال في حياة لم تعد تعنيه.
– 4 –
كل ما أحتاجه الآن هو الصمت
نعم , الصمت ولاشيء آخر
الصمت الطازج الذي ينفثه صباح في سماء
الصمت منثورا في قطعة فلين تطفو على الماء
الصمت الذي يكفي عازف ساكسوفون يأكله حزن لحنه القديم
الصمت في صدر ليل مصاب بالأرق و النبيذ
الصمت الحر حاملا لنشيده الأزلي
الصمت ملفوفا في نسمة كالشوكولاطة في فم طفلة تداعب قطتها
الصمت الأخف من صفحة كتاب تتصفحه عارضة أزياء في أقل من دقيقة
الصمت متوجا بحريقه
الصمت رابضا في محطة قطار ينتظر
الصمت مضيئا لنوره الأبهى في عيون أعمى يعبر الشارع
الصمت و لاشيء غيره
و لتكن الكلمة المقدسة التي تليه مجرد كلمة سكرانة في الحب
و لينته هذا الصخب الطويل في لحظة أو لحظتين
هكذا و بدون مسدسات كاتمة للصمت.
– 5 –
افتح تلك النافذة الكبيرة على ذلك الليل الأكبر
افتح فمك المخروم على هذا الهواء و اقذف به بعيدا
أنظر إليه جيدا و هو يطير، إنّه بلسانين
لسان يدهن كبريتا بصمت و آخر يشعل صوتا بصوت
تأكّد و أنت تغلق تلك النافذة الكبيرة أنك تركت شيئا ما منك في فم الليل وأغنية ستحزن كثيرا لأجلك،
آه من ذاك العذاب الكبير الذي يسيّج جدران الدم والعروق
العذاب الكبير هو أن تموت و في قلبك نافذة لم تفتحها وهواء لم تمسسه بحب.
– 6 –
تنضج اللحظة عندما تهجر البذرة قشرتها
عندما تتشقق محارتان و يسقط عشب من حجر
عندما يتقدم حشد في مواجهة حشود
عندما تقف دمعة على خد جلاد
عندما ينصت نهر الى خريره عند المصب
و عندما يختفي شاعر خلف كلمات بلا ظلال
– 7 –
لم أعد أنتظر أيّ شيء
و لم يعد بوسعي
أن أنتظر أيّ شيء
الكلمة الوحيدة التي تبقت
في حلقي هي
كفى
القطرة التي لا تتلوها قطرة
كفى
الظل الذي يعصر ظله
إلى ما لا نهاية
كفى
الصمت الذي يجرح
قلبي و يتعثر بلسانه
كفى
الحياة التي تركتها خلفي تصرخ
كفى
الموت الذي يتهادى أمامي الآن
كفى
كفى
– 8 –
رسالة إلى bob segard
لن أقلب الصفحة يا بوب سيجار , سأقلب فقط كأس النبيذ هذا من على الطاولة ,سأضع السكين في قلب برتقالة ترقص في إناء الفضة وقبل أن أغادر سأصفع الجدار بلوحة على الجدار وأرمي النافذة في الهواء , لن اصرخ كما يفعل المعذبون , لن أهرب كما يفعل هواة المنافي , لن أتماثل للندم لأنه لم يعد يليق من كثرة ما أدمنه الشعراء في قصائدهم الخفيفة على اللمس.
أريد فقط أن أحرس حديقتي الصغيرة كي لا تذبل أزهارها البيضاء. صديقي البستاني العجوز الذي توفي بالأمس أخبرني ذات ليلة وهو يسقي خياله بالكحول بأن كثرة الماء قد تفسد الأزهار , وها أنا أمشي في هذا الصباح الذي لا يصلح أن يكون صباحا , أمامي جوقة عميان يحرسون شجرة عنب قديمة ويغنون تلك الأغنية التي وجدوها نائمة في عيونهم ,
Turn the page
لا يا صديقي بوب , سأمزق الصفحة و أمزق التي قبلها و التي بعدها
أحرق الكتاب كله و أشعل لفافتي ,
واضعا رجلا على رجل
أجلس و أتفرج
كمال أخلاقي *