-1-
فقيرٌ..
ولي نعجةٌ واحدة
أبيعُ..
حَصَى أنْجُمٍ
خامدة
أهشُّ الكواكبَ
– مثلَ خِرافِ الأميرِ –
بمِنْسأتي الزاهدة
وأنسجُ..
هذي الدروبَ قميصا
فتتبعُني نحوَ سوقِ المدينةِ
تتبعُني..
كلُّ هذي البيوتِ
الظلالُ..
(بأشجارِها الباسقاتِ)
السماءُ..
المآذنُ مُغرَورقاتٍ
ونهرٌ..
مِن الأوجهِ الغائباتِ
تُباركُه السفنُ العائدة
أنا..
– لا الأميرُ –
ابنُ غرناطةَ البِكْر
يملكُ هذي القصورَ
وأملكُ..
غيماتِها الشاردة
أُغنِّي لها ما تيسَّرَ منِّي
فيتبعُني..
ما تفتَّحَ منها..
ويتبعُه السيفُ حتى الفناء..
ليخبوَ..
في عُزلةٍ باردة..
…
…
أنا..
لا الأمير.
-2-
أُشَكِّلُ..
صلصالَ هذا الكلامِ
وأُحْيي..
تماثيلَه الهامدة
وأُوقِدُ..
– كي أصْطلي الغيبَ –
صوتي
فتأتي إلى خيمتي وافدة..
بلادٌ..
كأندلُسٍ مِنْ غيابٍ
بلادٌ..
مِن السنواتِ العجافِ
بلادٌ..
بأقنعةٍ جاحدة
فأبسطُ..
سُجادةَ الأغنياتِ
وأدعو الجميعَ
إلى المائدة
لَهُمْ..
خُبْزُ قافيةٍ غضَّةٍ
وزقزقةٌ..
مِنْ بياضٍ كليمٍ
ودمعةُ آلهةٍ
شاهدة
لَهُمْ..
مِزهريَّةُ ليلِ الغيابِ
وفضَّةُ لحنٍ بعيدٍ
وجيتارةٌ..
هشَّةٌ..
ساهدة
ولي..
ما تُواري الخريطةُ عنِّي
بسَوْءَةِ..
عاهرةٍ
كاسدة.
-3-
أُسمِّي القصيدة..غرناطةً
أسمِّي الترابَ..يقيني
وغربتَها..حكمتي الخالدة
وأتبعُ..
قافلةَ الأبجديَّةِ
ذاهبةً لأقاصي الغيابِ
ونحوَ دمِي عائدة
أُسمِّي القصيدة..غرناطةً
وأُشْهِرُ..
أبوابَها السَّبْعَ
أدخلُ ساحتَها..
وترا غائرا
في جراحِ موشَّحةٍ واقدة
وأرسمُ..
ضجتَها الحاشدة :
صباحا..
تمهَّلَ في الشرفاتِ
ليُصْغي لعاشقةٍ
ساهدة
ومئذنةً..
لم تزلْ والسماءُ
إلى اللهِ..
كلتاهما صاعدة
وبائعةَ الظلِّ للعابرينَ
والشاعرَ المتهيِّئَ للصمتِ
والفارسَ ابنَ الغُبارِ
والنخلةَ البِكْرَ
والغيمةَ الثيِّبَ الراكدة
أُسمِّي القصيدة..غرناطةً
وأُعلِنُ..
أنِّيَ عاصمةُ الحُزْنِ فيها
أُتَوِّجُني..
بالسرابِ الهشيمِ
وأنزفُ صحراءَه البائدة
أنا..
لا الأميرُ
له..
أُرجوانُ الضحايا
وبُرْجُ الحِمَامِ
وثلجُ الخُرافةِ..
وما قد تيسَّرَ منِّي..
لأعينِ حُرَّاسهِ الراصدة
ولي..
قُزَحُ الكلماتِ
بِلَّوْرَةُ الغيبِ
رُزْنامةُ التيهِ
أجراسُ
قافيتي
الماردة.
-4-
(يراني الأميرُ
بمِرْآتِه
فيُطفئُ..
نظرتَها الباردة
ويعرفُ..
أنَّ مصابيحَ غرفتِه
تعرفُ اسْمي
ويُصغي إلى الريحِ ترمي السلامَ
على العابرين بصوتي
ويعلمُ..
مَنْ في المدينةِ..
أنَّ الأميرَ يراني
أميرَ حقيقتِه الشاهدة
وفي الليلِ..
حينَ يُزِرُّ قميصَ البلادِ عليه
يُبْصرُني راحلا
والمدينةُ تتبعُني
فيخرجُ من حُلمِه
باكيا..
ليسألَ..
مَنْ أنتَ
أو..
مَنْ أنا؟
ومَنْ يكتبُ الآنَ سيرةَ مَنْ؟
وكيفَ..
تعدَّدَ فينا الشبيهُ
ومرآةُ أحلامنا..
واحده؟)
-5-
فقيرٌ..
ولي نعجةٌ واحدة
أُدَوْزِنُ هذه القُرى العابراتِ
وأمنحُها..
لحظةً راغدة
أُراسلُ..
أرضا ستأتي..
وطفلا سيأتي..
وشمسا إلى أحرفي صاعدة
وأحكي حكايا
أميرٍ
فقيرٍ
يجوبُ البلادَ
بأسمالِه
الرثَّةِ
الزاهدة.
————–
حسن شهاب الدين