تناقلت وسائل الإعلام الدولية والعربية في الأسابيع القليلة الماضية خبرا ثقافيا مثيراً يتعلّق بالنشر الرقمي للأرشيف الشخصي للكاتب والروائي العالمي الكبير غابرييل غارسيّا ماركيز. فمنذ شهر ديسمبر الأخير أصبح جزء مهمّ من هذا الأرشيف متوفرا على شبكة الإنترنت بفضل المبادرة القيّمة التي أقدم عليها مركز «هاري رانسوم Harry Ransom Center «التابع لجامعة تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو من أرفع مراكز التوثيق الأدبي في العالم الذي يضمّ بين رفوفه أرشيفات شخصية لكبار الكتاب العالميين أمثال جيمس جويس وخورخي لويس بورخيس وإرنيست هيمنغواي وصامويل بيكيت وويليام فوكنر وغيرهم(1) . وكان المركز المذكور قد اقتنى حقوق الأرشيف من ورثة ماركيز مباشرة بعد وفاته في السابع عشر من شهر نيسان (أبريل) لعام 2014 بقيمة ما يفوق المليوني دولار (2)، و هي الصفقة التي أثارت وقتئذ نقدا ساخرا تردّد صداه في عدد من الصحف العالمية مفاده أن البقايا والمخلفات الأدبية لأشهر روائي لاتيني شديد المناهضة للإمبريالية الأمريكية تؤول في النهاية إلى الولايات المتحدة.
يشتمل الأرشيف الشخصي لـغابرييل غارسيّا ماركيز على مسودّات لبعض رواياته المشهورة مثل (مائة عام من العزلة) و(الحب في زمن الكوليرا) و(الجنرال في متاهة) و(عن الحب وشياطين أخرى). كما يحتوي الملف على قصص ومذكرات ومقالات ورسائل وقصاصات صحفية وسيناريوهات سينمائية وصور فتوغرافية وغيرها من البقايا الشخصية الحميمية لم يسبق الاطلّاع على معظمها من قبل. وفي إطار حملة أطلق عليه اسم (لنتقاسم غابو مع بقية العالم) قام مركز الوثائق الأدبية «هاري رانسوم» مؤخرا برقمنة حوالي نصف الأرشيف الشخصي لـماركيز وبثّه على الشبكة العالمية للمعلومات لفائدة عموم القراء والباحثين. وهكذا تمّ نشر 27.000 وثيقة اسغرقت عملية مسحها الضوئي وأرشفتها الرقمية مدة 18 شهرا. وهي الآن، ومنذ شهر ديسمبر الأخير، متوفرة بين يدي رواد الشبكة العنكبوتية باللغتين الإسبانية والإنجليزية. وتكمن أهمية هذه الوثائق، فضلا عن كونها تعكس مسيرة جهد جبار وعمل دؤوب لكاتب كبير من حجم غابرييل غارسيّا، في أنها تكشف عن الرؤية الحميمية لـماركيز تجاه عمله وعائلته وأصدقائه وعن بعض قناعاته السياسية الخاصة.
ومع ذلك، فإنّ ما نشره المركز الأمريكي للتوثيق الأدبي لا يكفي للاطلاع على كلّ البقايا الأدبية لهذا الأديب الكولومبي الكبير المُتوّج بنوبل في الآداب لعام 1982؛ ذلك أن الوصول إلى بعض التحف الأدبية المجهولة المتضمّنة في الأرشيف الشخصي للكاتب لا زال يفرض مشقة السفر إلى مدينة «أوستين» الأمريكية والقيام بزيارة فعلية لمركز الوثائق الأدبية «هاري رانسوم» الذي يمنح لزواره فرصة الاطلاع المباشر على كامل الأرشيف الورقي لـماركيز (3). ومن بين القطع الأدبية الثمينة في الجزء الذي لم يُنشر بعد من الأرشيف عملٌ روائيٌّ لم يجد لحدّ اليوم طريقه إلى القرّاء، على الرغم من أن ماركيز كان قد شرع في تأليفه منذ التسعينيات من القرن الماضي وترك منه في أرشيفه الشخصي عشر نسخ مرقونة على هيئة مسودّات أولية تسجّل مراحل نموّ وتشكّل هذا الجنين الروائي الذي لم يُكتب له الميلاد قط قبل وفاة صاحبه ولا بعد مرور هذه السنوات الأربع على رحيله.
الرواية المخطوطة لـغابرييل غارسيّا ماركيز تحمل عنوان (سنلتقي في أغسطس). ويبدو أن مشروع كاتبتها بدأ منذ التسعينيات، ذلك أنه في عام 1999 قام الكاتب بنشر الفصل الأول منها بجريدتي El País الإسبانية و The New Yorker الأمريكية، كما قرأه بصوته في أكثر من لقاء أدبي (4). غير أنه بعد ذلك لم يعد يسُمع شيء عن الرواية ممّا فسح المجال لتضارب الآراء حول ما إذا كان ماركيز قد انتهى بالفعل من كتابة الرواية أو أنه تخلّى نهائيا عن مشروع تأليفها. وبعد وفاته في السابع عشر من نيسان (أبريل) 2014، تناقلت مختلف المنابر الإعلامية خبر وجود نسخة متقدّمة مخطوطة من رواية تركها ماركيز تحمل عنوان (سنلتقي في أغسطس)، غير أنّ عائلة الكاتب لم تقرّر بعد ما إذا كان من المناسب نشرها وهي غير مُكتملة.
(سنلتقي في أغسطس) رواية متوسطة الطول (150 صفحة) تتألّف من خمس قصص قصيرة مُستقلّة تُؤلّف في مجموعها وحدة روائية متكاملة. كلّ فصل منها يحكي عن إحدى الزيارات التي اعتادت أن تقوم بها كلّ عام سيدة مثقفة حسناء في الثانية والخمسين من عمرها إلى قبر والدتها المدفونة بقرية كولومبية صغيرة وفقيرة تقع بإحدى جزر بحر الكاريبي. وفي كلّ زيارة تعيش البطلة مغامرة عاطفية حميمية غير منتظرة تغيّر تماماً من مجرى حياتها عند نهاية الرواية. ويبدو أنّ ماركيز يعود في هذا العمل الروائي الأخير إلى طرح موضوع الحب الذي كان قد تناوله في عدد من أعماله السابقة، فجاءت (سنلتقي في أغسطس) كآخر حلقة من سلسلة روايات بدأها ماركيز عام 1985 بـرواية (الحب في زمن الكوليرا)، ثم أعقبها في 1994 بـرواية (عن الحب و شياطين أخرى) وفي 2004 برواية (ذاكرة غانياتي الحزينات).
أقدّم للقارئ العربي فيما يلي الترجمة الكاملة للجزء الأول من هذا العمل الروائي الذي لا يزال رهين الأرشيف الورقي بمركز «هاري رانسوم» للوثائق الأدبية بجامعة تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية. أمّا الجزء الذي أقوم بترجمته حصريا بعد هذا التقديم فهو منشور باللغة الإسبانية في أكثر من موقع إعلامي وثقافي إلكتروني على شبكة المعلومات الدولية (5).
عادت إلى الجزيرة يوم الجمعة 16 أغسطس على متن عبّارة الساعة الثانية بعد الزوال. كانت ترتدي قميصا اسكتلانديا مربّع الخطوط، سروال جينز، حذاءً بسيطا منخفضَ الكعب بلا جوارب، مظلّة من نسجٍ صقيل، ولا شيء من متاع السّفر غير حقيبة شاطئية خفيفة.
على رصيف محطّة سيارات الأجرة المُصطفّة في طابور طويل، اتجهتْ مباشرة نحو سيّارة متهالكة علاها صدأ ملوحة البحر. استقبلها السائق بتحيّة من يعرفها سابقاً، ثمّ انطلق بها مُرتجّاً عبر أرجاء البلدة الفقيرة ذات المساكن القصبية المُسقفة بعجين الطين المخلوط بالتبن، وذات الأزقة المفروشة بالرمال البيضاء قبالة بحر ممتدّ لاعج. كان على السائق بين الفينة والأخرى أن ينزاح بالسّيارة كي يتفادى مرور خنازير مُندفعة وأطفال عراة يتسلّوْن باعتراض سبيل السّيارة وهم يُحاكون حركات مُصارع الثيران. عند نهاية البلدة، اتّجه السائق نحو طريق محفوف بالنخيل المَلَكِي حيث تمتدّ شواطئ و فنادق سياحية بين بحر مُنفتح وبُحيرة داخلية مأهولة بطيور مالك الحزين الأزرق. في النهاية، توقفت السّيارةُ عند باب فندق قديم متواضع.
بوّاب الفندق كان في انتظارها ليُسلمها مفتاح الغرفة الوحيدة بالطابق الثاني المُطلّة على البحيرة. صعدت السلّم بخطوات واسعة، ثمّ دخلت غرفةً بئيسةً تعبق برائحة مُبيد الحشرات ويحتلّ معظمَ فضائها سريرُ نومٍ عريضٍ. أخرجتْ من حقيبتها كيس الحمّام الجلدي، وكتابا ضخما وضعتْه على الطاولة وقد علّمت صفحاته بفاصل الأوراق العاجي. أخرجتْ قميص نوم حريري وردي وضعته تحت الوسادة، ومنديلاً من الحرير طُرزت على واجهته طيورٌ استوائيةٌ، وقميصا أبيض بأكمام قصيرة، وحذاء رياضيا مستعملا، ثمّ حملت معها كلّ تلك الأشياء ودخلت إلى الحمّام.
قبل أن تُعدّل من هيئتها، خلعتِ القميص الأسكتـلـندي وخاتم الزواج والساعة اليدوية الرجولية التي تضعها على معصمها الأيمن. رشّت وجهها بالماء حتى تزيل عنها غبار السفر وتطرد عن جفونها أرق القيلولة. عندما انتهت من تجفيف وجهها، حدّقت في المرآة مُتفحّصة نهديها المستديرين النافرين رغم حملها ووضعها مرتين، وعمرها الذي أشرف على طوره الثالث. بأطراف أصابعها جذبت وجنتيها إلى الخلف لترى نفسها كيف كانت في عمر الشباب وتتفرّج على وجهها بعينين صينيتين وأنف أفطس وشفتين حادّتين. على عنقها بدأت تلوح أولى التجاعيد التي لا سبيل إلى التخلّص منها. كشفتْ عن أسنانها المنضودة النظيفة بعد وجبة الغذاء التي تناولتها على متن العبّارة. عطّرتْ ما تحت إبطيها الحليقين، ثم ارتدت قميصا من القطن الناعم طُرزتْ على جيبه باليد أولى حروف اسمها الكامل (أ.م.ب). فكّت بالمشط شعرها الهندي المُنساب حتى الكتفين، ثم عقفته بمنديلها على هيئة ذيل فرس. في الأخير، مرّرت على شفتيها قلم الفازلين المُرطّب، مسحتْ حاجبيها المُستقيمين بأنامل بلّلتها بطرف اللسان، زخّت وراء أذنيها بعض عطرها القوي، ثم واجهت المِرآة كسيّدة كاملة الأنوثة في خريف العمر.
بشرتها التي لا يبدو عليها أيّ أثرٍ لمساحيق التجميل لا تزال تحتفظ ببريقها الأصلي، وعيونها الزَّبَرْجَديّة تُقيم في غور جفوف برتغالية لا عُمر لها. دقّقت في ملامحها وبالغت في العناية بتفاصيل مظهرها إلى أن شعرت بالرضى والارتياح. عندما وضعت الخاتم في أصبعها والسّاعة اليدوية بمعصمها أدركت تأخرّها عن الموعد. لم تبق غير ستّ دقائق تفصلها عن موعد الساعة الخامسة. مع ذلك، وهبت دقيقة منها للحظة حنين تأملت خلالها طيور مالك الحزين الأزرق تحلّق بأجنحة ساكنة فوق بخار البحيرة الملتهب، بينما غيوم داكنة آتية من جانب البحر تنصحها بأتخاذ الحذر وأخذ المظلّة معها.
سيارة الأجرة كانت في انتظارها عند مدخل الفندق. اتجهت بها عبر الطريق المحفوف بالنخيل إلى أن وصلت إلى فسحة بين الفنادق حيث يُقام سُوق شعبيّ في الهواء الطلق. توقفت السيارة عند محلٍّ يبيع الورد. الزّنجيّة المُكتنزة هبّت مذعورة من قيلولتها فوق أريكة شاطئية لتقدّم بين ضحكٍ وتمتمةٍ إكليل الورد للمرأة الجالسة في المقعد الخلفي لسيارة الأجرة كانت قد كلّفتها بإعداده منذ الصباح. بعد مسافة قصيرة، عرّجت السيارة نحو طريق وعر يصعد في اتجاه مسلك من الحجارة الناتئة. عبر الهواء المخنوق بحرارة الجوّ، كانت تشاهد اليخوت الترفهية مصطفة داخل المرافئ السياحية، العبّارة التي تقفل راجعة في عرض اليمّ، وجه المدينة البعيد الغارق في ضباب الأفق و بحر الكاريبي المفتوح بلا نهاية.
على قمة الهضبة تثوي مقبرة الفقراء الحزينة. دفعت الباب الحديدي الصدئ بلا أدنى جهد، ثم سارت وهي تحمل بيدها باقة الورد في طريق تغطّي أكوامَ الأتربة المُتراكمة فوق قبوره شجيراتٌ مُلتفّةٌ، ومُخلفاتٌ من خشب التوابيت، وبقايا عظام لفحتها أشعة الشمس. بدتِ الرّموس متشابهة داخل المقبرة المُهمَلة التي تتوسّطها شجرة «السيبا» العظيمة الأغصان. أرضية المقبرة ذات الأحجار الناتئة تؤذي بطن القدم رغم الواقي المطاطي الصفيق أسفل الحذاء، بينما أشعة الشمس الحارقة تخترق نسيج المظلة الأملس. تنبعثُ عظاءة من بين الأشجار الكثيفة، تتوقّف قبالة المرأة زائرة المقبرة، تُحدّق فيها هنيهة، ثم تختفي نافرة.
شعرتْ بالإرهاق وبالعرق يُبلّل جسدها وهي تنتهي من تنظيف ثلاثة قبور قبل أن تفلح في التعرّف على الشاهدة الرخامية التي تحمل اسم أمها وتاريخ وفاتها قبل تسع وعشرين سنة. اعتادت أن تحمل لأمها جديد أخبار الأسرة، كما حملت إليها ذات يوم أسرارها الشخصية علّها تُعينها على اتخاذ قرار الزواج. بعد أيام قليلة، اقتنعتْ بأنّ جواباً وصلها عبر رؤية منامية صادقة وحكيمة. شيءٌ مشابهٌ وقع لها كذلك عندما ظلّ ابنُها لأسبوعين بين الحياة والموت على إثر حادث سير خطير. إلا أن الجواب لم يأتها هذه المرة عن طريق الحُلم، وإنما من خلال حوار عابر مع امرأة مجهولة دنتْ منها في السوق بلا سبب مُحدّد. لم تكن خرافية التفكير، وإنما كان لديها اقتناع عقلي راسخ بأنّ التّوحّد الروحي مع والدتها مستمرٌّ لا محالة بعد موتها. لذلك ألقت على أمّها أسئلة الزيارة السنوية، وضعت إكليل الورد على القبر، ثم انصرفتْ وهي على يقينٍ من تلقّي الأجوبة في اليوم غير المنتظر.
أنهتِ المهمّة بنجاح. ثمان وعشرون سنة متتالية وهي تقوم بنفس الواجب في السادس عشر من كلّ شهر أغسطس في نفس الساعة ونفس غرفة الفندق، ومع نفس السائق ونفس بائعة الورد، وتحت نفس أشعة الشمس الحارقة بنفس المقبرة المتواضعة .. كلّ ذلك من أجل وضع إكليلٍ من الورد الطريّ على قبر أمّها. بعدها، لا يبقى لديها ما تفعله إلى غاية الساعة التاسعة صباحا من اليوم الموالي عندما تقلع رحلة العبّارة في طريق العودة.
اسمها أنا ماكدالينا باتش. أكملت عامها الثاني بعد الخمسين من الميلاد، والثالث بعد العشرين من زواجٍ ناجحٍ برجل أحبّها فارتبطت به دون أن تُكمل دراستها الأدبية وهي يومَها لا تزال عذراء بلا سوابق غرامية. كان والدُها مدرّس موسيقى، ثم صار مديرا للمعهد الموسيقي البلدي في الثناية والثمانين من عمره. أما والدتُها، فكانت مربّية أطفال شهيرة بالمدارس الابتدائية ذات المنهاج المونتيروسي. وعلى الرغم من كفاءتها المهنية، ظلت قنوعة لا تطمع في شيء إلى آخر رمق من حياتها.
ورثت أنا ماكدالينا عن أمّها رقّة العيون العسلية، وخصلة التقليل من الكلام، وذكاءً يُسعفها دوما في ضبط مزاجها الحادّ. أمّا الدّفن بالجزيرة، فكان رغبةً الأمّ أوصتْ به ثلاثة أيام قبل احتضارها. أنا ماكدالينا أبدتْ منذ الرحلة الأولى استعدادها لمرافقتها إلى هناك، وإن لم يكن أحدٌ يطمئنّ إلى سلامة السفر إلى الجزيرة، بل لم تكن هي نفسها واثقة من القدرة على النجاة من أخطارها. مع ذلك، وفي أول ذكرى موت أمّها، رافقت أنا ماكدالينا والدها إلى الجزيرة من أجل وضع الشاهدة الرخامية على القبر. أفزعها العبور على متن قارب تقليدي بمحرّك خارجي استغرق حوالي أربع ساعات في قطع لجاج بحرٍ لم يتوقّف لحظة عن الهيجان. راقها منظر الشواطئ الممتدة برمال ذهبية مُحاذية لأدغال عذراء، كما راقها صخب أصوات العصافير المدوّية ومشهد طيور مالك الحزين وهي تحلّق كالأشباح فوق ركود البحيرة الداخلية. بالمقابل، أحزنها حال القرية الفقيرة إذ كان عليهما أن يقضيا ليلتهما في العراء فوق سرير مُتأرجح مُعلّق بين شجرتي موز هندي، كما أحزنها حال عدد من الصيادين السّود بأذرع مبتورة جراء انفجارات سابقة لكتل الديناميت. وفوق كلّ هذا وذاك، وعلى الرغم من كل شيء، تفهّمت أنا ماكدالينا رغبة أمها عندما شاهدت من أعلى قمة المقبرة روعة وسحر العالم. كانت تلك بداية الالتزام بأداء واجب وضع إكليل الورد على القبر كلّ عام طالما سمح لها العمر بذلك.
أغسطس أكثر شهور العام قيظا وموسم تهاطل الزخات المطريّة القوية، لكنها أخذت رحلتها إلى الجزيرة في هذا الشهر مأخذ العهد الذي ألزمت نفسها بأدائه منفردة دون رفيق. كان ذلك شرطها الوحيد الذي وضعته أمام شريكها قبل الزواج، وقد تقبّله الشريك مُتفهّماً بذكائه أن الأمر يتعدّى إرادتها.
هكذا شهدت أنا ماكدالينا عاما بعد عام كيف تطورت الواجهات الزجاجية لفنادق الجزيرة، وكيف انتقل العبور إليها من القوارب الهندية التقليدية إلى الزوارق الميكانيكية الحديثة وبعدها إلى العبّارة. كانت تشعر بأن لديها ما يكفي من الأسباب لتعتبر نفسها من أقدم الأهالي الأصليين للجزيرة.
عندما عادت إلى الفندق في ذاك المساء، استلقتْ على الفراش مُتجرّدة من ثيابها غير سروال داخلي مطرّز. استأنفت قراءة الكتاب الذي بدأته أثناء الرحلة. يتعلّق الأمر برواية «مصّاص الدماء» الأصلية لكاتبها برام ستوكر Bram Stoker. كانت تعشق القراءة، فقد قرأت بنهمٍ كلّ ما يروقها من روايات قصيرة بمختلف أصنافها، مثل رواية (سيرة لازاريو دي طورميس) و(الشيخ و البحر) و(الغريب). و في السنين الأخيرة، على حافة عقدها الخامس، صارت تميل إلى قراءة الروايات العجائبية. سحرتها منذ البداية رواية (مصاص الدماء)، غير أنها في ذاك المساء، أذعنت لأزيز المروحة الكهربائية المعلّقة في سماء الغرفة، فاستسلمت للنوم والكتاب فوق صدرها. ساعتان بعد ذلك، استيقظت على وقع ظلام دامس، تتصبّب عرقا، بمزاج معكّر وجوع شديد يمزّق الأحشاء.
لم يكن استثناءً أن تنزل إلى مقهى الفندق وقد اعتادت أن تفعل ذلك منذ سنوات. المقهى يظل مفتوحا إلى غاية العاشرة ليلاً، وقد نزلتْ إليه أكثرمن مرّة من أجل تناول شيء ما قبل النوم. لاحظت أن عدد الزبائن كثير في هذه الساعة مقارنة بالمرّات السابقة، والنادل لم يكن هو نفسه. طلبت ساندويشا بلحم الخنزير وجُبناً بخبزٍ مشطورٍ مع قهوة ممزوجة بالحليب. عندما ناولها النادل طلبها، انتبهت أنها مُحاطةٌ بنفس الوجوه المُسِنّة التي ألفتها مذ كان الفندق يوجد وحيدا بالقرية وبموارد هزيلة مثلها تماماً. بالمقهى هناك طفلة خلاسية تؤدي أغاني «البوليرو» العصرية، وإلى جانبها أغوستين روميرو، العجوز الأعمى الذي يصاحب غناء الطفلة بولع وانفعال وهو ينقر على نفس البيانو ذي نصف سلمّ المفاتيح كما عزف عليه منذ الليلة الأولى لافتتاح الفندق والمقهى.
أكملتْ وجبتَها بسرعة. ضايقها شعور بالمهانةُ وهي تتناول طعامها وحيدة بلا جليس، غير أن صوت الموسيقى الهادئ وعذوبة ترنيم الصبيّة أراحها وخفّف من قلقها. عندما عادت إلى نفسها، انتبهت إلى أنّ ثلاث طاولات فقط ظلّتْ مشغولةً بالزبناء، وفي الطاولة المقابلة لها، يجلس رجلٌ مختلفٌ لم تنتبه إليه لحظة دخوله إلى المقهى. كان يرتدي بذلة من الكتان الأبيض ذكّرتها بزمن والدها. شعره فضي وشاربه مستقيم ينتهي بأطراف حادة. يضع على الطاولة قنينة «براندي» وكأساً نصفها ممتلئ. كان يبدو رجلا وحيدا في هذا العالم.
شرع البيانو في عزف مقطوعة «ضوء القمر» لديبوسي، وذلك بتعديل جميل يناسب إيقاع موسيقى «البوليرو». الطفلة الخلاسية تؤدّي الأغنية بانفعال انساقت معه أنا ماكدلينا فطلبت كأس «جين» بقطع ثلج وقليل من المياه الغازية؛ إنها الكأس الوحيدة الذي تُطيقها وتسمح لنفسها بتجرّعها من حين لآخر. اعتادت على الاستمتاع بالشراب فقط صحبة زوجها، فهو شارب بارع مرح، يعاملها بكامل ودّ ولباقة العاشق المتيّم.
من أوّل رشفة، تغيّر العالم من حولها. شعرت أنها على أفضل ما يرام. جرّيئة، مُبتهجة، قادرة على كلّ شيء ونشْوَى بفعل الخلطة المُقدّسة بين الموسيقى والكحول. ظنت أن الرجل الجالس بالطاولة المقابلة لا يُعيرها اهتماما، لكنّها عندما صوّبت النظر إليه للمرة الثانية بعد رشفة الكأس الأولى، فاجأها أنه يُبادلُها النظرات. أحسّ الرجل بالخجل. بالمقابل، ظلت هي تحدّق فيه وهو ينظر بصبر نافذٍ إلى ساعته اليدوية ذات السّلسلة، يرمي بنظره جهة الباب، ثم يطلب كأسا أخرى. كان يشعر بالارتباك لأنه يعلم أنها تحملق فيه بلا هوادة. واجهها بنفس النظرة. ابتسمت له دون تحفّظ، فحيّاها بإمالة طفيفة من رأسه. لحظتها قامت من مكانها، اتجهت صوب طاولته وداهمته بأسلوب ذكوري:
– أتسمح بأن أدعوك لشرب كأس ؟
أحسّ الرجل بالتصدّع، و قال:
– إنه شرف لي.
ردّت عليه:
– يكفيني أن يكون في ذلك متعة لك.
وقبل أن تُنهيَ ردّها، كانت قد اتخذتْ لنفسها مكانا بالطاولة وراحت تملأ كأسا له وأخرى لها. كانت تقوم بذلك بكامل الطلاقة والإتقان إلى درجة أن الرجل لم يفلح في انتزاع القنّينة من يديها ويمنعها من سقاية نفسها بنفسها. قالت له:
– « في صحّتك !».
استجاب لها بقرع الكأسين، وبجرعة واحدة شربا معا نخب اللقاء. شرِق الرجل وأخذه سُعال حادّ هزّ كلّ كيانه إلى أن تركه سابحاُ في دموعه. أخرج منديله النظيف المضمّخ بعطر «لابندا»، وراح ينظر إليها من خلف العَبَرات. خيّم بينهما صمت طويل إلى أن انتهى الرجل من تجفيف دموعه واستعادة صوته. عندها بادرته بسؤال:
– أمتأكد من أنك لست في انتظار أحد ؟
أجابها بلا أدنى تفكير:
– لا .. كان لقاء عملٍ، لكن يبدو أنها لن تأتي.
أجابته بنبرة متحفظة مرتابة:
– « أعمال !؟ «.
ردّ عليها بلهجة الواثق من كلامه:
– « لستُ هنا من أجل شيء آخر».
فرمته بجرأة غير معهودة:
– « أظنها الآن في بيتها».
استطردتْ في ترويضه بلباقتها الرقيقة. حاولت التكهّن بعمره، لكنها أخطأت بزيادة سنة واحدة: ستّ وأربعون سنة. حاولت التعرّف على بلده الأصلي من خلال لكنته ، فلم تفلح في ذلك بعد ثلاث محاولات. حاولت الاقتراب من مهنته، غير أنه عاجلها بأنه مهندسٌ مدنيٌّ، فظنّتها حيلة منه لصرفها عن النفاذ إلى حقيقة مهنته.
تحدّثا عن شجاعة فكرة إخضاع مقطوعة موسيقية مقدسّة لديبوسي إلى إيقاع البوليرو، إلا أنه لم يلحظ من ذلك شيئا. أدرك أن معارفها الموسيقية غزيرة، بينما لا تتعدى ثقافته الموسيقية معزوفة « نهر الدانوب». أخبرته أنها بصدد قراءة رواية «مصّاص الدماء»، أما هو فلم يقرأ الحكاية سوى في نسخةٍ للأطفال عندما كان صبيا، ولا يزال مُعجبا بفكرة «الكونت» الذي تحوّل إلى كلبٍ وهو ينزل من السفينة بمدينة لندن. أثناء الكأس الثانية، أحست أنّ مفعول شراب ماء الحياة و»الجين» قد أصاب زاوية ما من قلبها، فكان يلزمها ضبط النفس حتى لا تفقد صوابها. توقّف العرضُ الموسيقيُّ على الساعة الحادية عشرة، ولم يبق غيرهما في انتظار الانصراف وإغلاق المقهى.
أحسّتْ لحظتها أنها تعرفه كما لو عاشتْ معه منذ الأزل. كانت تعلم أنه شخصٌ نظيفٌ، أنيقُ الملبس، ذو يدين خرساوتين زانهما بريقُ الأظافر الطبيعي. تيقّنتْ أنها شغلَتْه بعيونها العسلية الكبيرة التي لم تحدْ بهما لحظةً عن عيونه، كما أدركت أنّه رجل طيبٌ وقليلُ الجُرأة. شعرتْ أنها تملك من السيطرة عليه ما يكفيها للإقدام على الخطوة التي لم تخطر لها و لو في الأحلام طيلة حياتها. وقد أقدمت عليها بالفعل دون تردّد:
– لنصعد إلى الغرفة !
أجابها بتواضع مُلتبس:
– لا أقيم بهذا الفندق.
وقبل أن يُكمل جوابه، نهضت من مكانها، رنّحت رأسها قليلا لتُقاوم أثر السّكْر وقد سطع بريقُ عينيها اللامعتين، ثمّ قالت:
– أصعدُ أنا أولا بينما تتكفّل أنت بأداء الحساب. الطابق الثاني، رقم الغرفة 203، على يمين السلّم. لا تطرق الباب، يكفي أن تدفعه.
صعدت إلى غرفتها وقد انتابها قلقٌ لذيذٌ لم تشعر به منذ آخر ليلة لها كفتاة عذراء. شغّلت المروحة الكهربائية المُعلّقة في سقف الغرفة دون أن تشعل المصابيح. شرعتْ في خلع ملابسها في الظلمة ونثرها على الأرض من باب الغرفة إلى الحمّام. عندما أشعلتْ أباجورة منضدة الزّينة، كان عليها أن تُغمض عينيها وتتنفّس عميقا حتى تُهدّئ من روعها وتُسيطر على ارتعاشات يديها. غسلتْ على عجل فرجها، إبطيها، أصابع قدميها العطنة بفعل مطاط الحذاء. لم تُفكّر في الاستحمام قبل موعد الإيواء إلى فراش النوم على الرغم من فظاعة العرق وحرارة النهار. لم يبق لديها وقت لتنظيف أسنانها بالفرشاة. ألقت فوق اللسان نزرا من معجون التنظيف ثمّ عادت إلى الغرفة التي لم يكن يُنيرها غير ضوءٍ خافتٍ ينبعث من فوق منضدة الزينة.
لم تنتظر ضيفها حتى يدفع الباب، بل سارعت إلى فتحها عندما استشعرت وصوله. أصيب الرجل بالدهشة:
– « يا إلهي !».
لكنّها لم تُمهله في الظلمة: انتزعتْ بذلته بحركة عنيفة، خلعتْ ربطة عنقه وقميصه وراحتْ ترمي بها من فوق كتفيه إلى الأرض. وبينما هي تُجرّده، كان أريج «لابندا» القوي يعطّر هواء الغرفة. حاول أن يُساعدها في البداية على نزع ملابسه، لكنّ جرأتها وسلطتها منعته من ذلك. عندما أضحى بين يديها عاريا إلى حدّ خصره، أجلسته على السرير ثم انحنتْ على رُكبتيها تخلع حذاءه و جواربه. في نفس الوقت قام الرّجل بفكّ إبزيم الحزام، فما كان منها إلا أنْ سحبت السروال من تحته تماما دون أن يبالي أحد منهما بسقوط المفاتيح وحفنة الأوراق المالية والقطع النقدية التي تناثرت فوق أرضية الغرفة. وفي الأخير ساعدته على إزاحة التّبان من بين ساقيه لتلاحظ أنّه وُهب أقلّ ممّا يملك زوجها، الرجل الوحيد الذي عرفته في حياتها، غير أنه مع ذلك كان يبدو يقظا شامخا.
لم تمنحه أدنى فرصة للمباردة. امتطته بلهفة والتهمته بأنانية دون حتى أن تفكّر فيه. شعرا بالإنهاك وهما يتمرّغان في صبيب العرق. ظلت مستلقية فوقه تقاوم أولى وخزات الضمير تحت دفق الحرارة والضجيج الخانق الصادر من المروحة الكهربائية المعلّقة في السقف. عندما انتبهت إلى أنه يتنفس بصعبوبة، أفسحت له مساحة من تحت جسدها. حينئذ نزلت من فوقه، واستلقت على ظهرها إلى جواره، بينما ظلّ الرجل جامدا إلى أن استطاع عند أول نفس أن ينبس بسؤال:
– لماذا أنا بالتحديد ؟
– لأنك مكتمل الرجولة.
– شرف لي أن تأتي المبادرة من سيّدة مثلك.
أجابت بدعابة:
– ألم يكن الأمر ممتعاً ؟
لم يردّ عليها. اضطجعا معا على وقع أصوات الليل. كانت تُسمع من الغرفة المُشرفة على غبش البحيرة رفرفةُ أجنحةٍ قريبة. سألها:
– « ما يكون ؟».
حدّثته عن عادات طائر مالك الحزين الأزرق أثناء الليل. بعد ساعة طويلة من الوشوشات التافهة، أخذت تتحسّسه مليّاً بأناملها من أعلى صدره إلى ما تحت بطنه. تحسّسته بملامسة القدمين على امتداد ساقيه. اكتشفت أنّه مكسوّ بشعيرات جعداء لدْنة ذكّرتها بعشب الأرض في شهر نيسان. بدأت تستفزّه بقبلات رقيقة تطبعها خلف أذنه وعلى عنقه، ثمّ تبادلا اللّثم بالشفاه لأوّل مرّة. لحظتها، بدا لها مثل عاشق وله رفعته بمهل إلى أقصى درجات الهيجان. استغربت كيف لأيادٍ في غاية الصلابة أن تثير فيها كلّ هذا الإحساس الرقيق. وعندما حاول أن يطأها باتّخاذ الوضع المألوف، صدّته مُمانِعةً خشية أن يُنغّص عليها معجزة اللقاء الحميمي الأوّل، غير أنه تمكّن بكامل الحزم والصرامة من إخضاعها لرغبته ومشيئته، ثمّ راح يمنحها كلّ الحبّ.
كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل حين أيقظتها قصفة رعد ارتجّت لها أرجاء الغرفة، بينما افتكّتِ الرّيحُ مزلاج النافذة. سارعتْ إلى قفلها لتشاهد من خلال وميض برق خاطف هيجان البحيرة، كما شاهدتْ من خلال الأمطار اكتمال البدر في الأفق وخفقان أجنحة طيور مالك الحزين الأزرق في قلب العاصفة.
لمّا عادت إلى الفراش أحست بقدميها تتشابك بملابسهما المخلوعة. ألقت بملابسها فوق أرضية الغرفة لتجمعها لاحقا، بينما علّقتْ بذلته فوق الكرسي ووضعت عليها القميص وربطة العنق، طوت سرواله بعناية حتى لا تتسبّب في تضغين خطوطه، ثمّ وضعت فوقه المفاتيح والمطواة والنقود التي تساقطت من الجيوب. أصبح هواءُ الغرفة أكثر انتعاشا بفضل العاصفة، فقامت بارتداء قميص نومها الوردي المنسوج من حرير خالص مُثير لجلدها. الرّجل الرّاقد على جنبه بساقيه المُلتويتين بدا لها كطفل يتيم بحجم كبير. لم تقو على مقاومة ما انتابها من شعور بالشفقة عليه. استلقتْ خلف ظهره، عانقته من خصره وبخار جسده المُضمّخ بالعرق يصل إلى أعماق روحها. أطلق الرّجل تنهيدة عميقة وبدأ في الشخير. لم تنم سوى لحظات. استيقظت على عطّل المروحة الكهربائية بعد انقطاع تيار الكهرباء ولم يعد يُنير الغرفة غير لمعان الخضرة المحيطة بالحيرة. ظلّ الرجل يشخر إلى جانبها بأصوات غير منقطعة. بحركة شقيّة راحت تنقر على ظهره بأطراف أناملها. توقّف مفزوعا عن الشخير ، بينما وحشه المنهوك بدأ ينتعش ويعود إلى الحياة من جديد. غادرته للحظة، وبخلعة واحدة ألقت بقميص نومها على الأرض، لكنّها عندما عادت إليه، أدركت لا جدوى ألاعيبها وقد رأته يتناوم حتى لا يُخاطر بنفسه للمرة الثالثة. انحازتْ إلى الطرف القصيّ من السرير، ارتدتْ قميصها من جديد وغطّت في نوم عميق مُولّية ظهرها للعالم.
استيقظت كعادتها عند الفجر. ظلت لحظة مُستلقيةً شاردةً بعينين مُغمضتين، غير قادرة على تحمّل نبض آلام نهديها ولا نكهة الرائحة الكريهة التي تفوح من فمها. استشعرت قلقا من شيء مجهول يتربّص بحياتها. نبّهها هديرُ المروحة إلى عودة تيار الكهرباء وقد غدت الرؤية واضحة داخل الغرفة بعد انبلاج فجر البحيرة.
فجأة، كصعقة الموت، داهمها وعيٌ صادمٌ بأنها قد أفحشتْ وضاجعتْ لأوّل مرّة في حياتها رجلا غير زوجها. عادت لتنظر إليه مذهولة من فوق كتفه، غير أنه لم يكن هناك، كما لم يكن أًبداً في الحمّام. أشعلت مصابيح الغرفة لتكتشف اختفاء ملابسه، بينما ملابسها التي ألقتْ بها على الأرض كانت مطويةً هناك وموضوعةً فوق الكرسي بكلّ حنان. لم تنتبه إلى أنها لا تعرف عنه أيّ شيئا، حتى اسمه. كلّ ما تتذكّره من ليلتها الطائشة، تلك الرائحة من عطر «لا بندا» الخفيف المنبعثة في الهواء الذي طهّرته العاصفة. عندما أخذت الكتاب من فوق الطاولة لتحفظه داخل الحقيبة، انتبهت إلى أنّ الرّجل قد دسّ لها بين صفحاته المُرعبة ورقة مالية من فئة عشرين دولاراً.
– انتهى –
هوامش:
(1) تأسّس مركز «هاري رانسوم» للوثائق الأدبية في الخمسينيات من القرن الماضي. و يملك اليوم ما يُقدّر بـ 42 مليون مخطوط و 5 ملايين من
الصور الفوتوغرافية مليون كتاب نادر و أكثر من مائة ألف من الأعمال الفنية.
العنوان الإلكتروني للأرشيف الرقمي لجامعة تكساس:
http://www.hrc.utexas.edu/
وضمنه يوجد الأرشيف الخاص بغابرييل غارسيا ماركيز على الرابط التالي:
https://hrc.contentdm.oclc.org/digital/collection/p15878coll73/search
(2) أكبر أرشيف لكاتب لاتيني معاصر يقوم المركز الأمريكي باقتنائه. يتألّف الأرشيف من 78 صندوقا من الوثائق و 43 ألبوما من الصور
الفوتوغرافية و 22 دفترا تشتمل على ملاحظات و تعليقات و قصاصات من صحف لاتينية، فضلا عن ثلاثة حواسيب شخصية.
(3) في عام 2015 تمّ فتح الأرشيف في وجه زوار مركز «هاري رانسوم» للوثائق الأدبية الذي أصبح يستقبل حوالي عشرة ألف باحث و وطالب سنويا
من مختلف بلدان العالم.
(4) انظر في هذا الشأن التقرير الذي أعدّته الصحفية الإسبانية روسا مورا على الرابط التالي:
http://torontoforumoncuba.weebly.com/uploads/5/1/8/5/5185218/en_agosto_nos_vemos.pdf
(5) انظر نموذجا من هذا النشر الإلكتروني للفصل الأول من الرواية على الرابط التالي لصحيفة La Vanguardia الإسبانية:
http://www.lavanguardia.com/cultura/20140420/54405144781/gabo-en-agosto-nos-vemos.html
غابرييل غارسيّا ماركيز
تقديم و ترجمة: رشيد الأشقر *