توصف الرواية دائما بأنها فن موضوعي يقوم على معاينة الواقع وقراءة التاريخ وتفكيكه ومخاولة إسقاطه على اللحظة الراهنة المعيشة، وارتباط الرواية بالتاريخ ظل غالبا من السمات الملازمة لها منذ نشأتها، الأمر الذي ترتب عليه شيوع ما عرف بالرواية التاريخية في بعض المراحل، والتى يمكن عدها نوعا سرديا قائما بذاته، يمكن دراسة اشكاله وتطوراته وأنماط استدعائه لهذا التاريخ، وهو ما يمكن أن نضنعه مع أنواع سردية أخرى تقوم على تيمة «موضوعية» واحدة كما في الروايات التي تعالج علاقة الشرق بالغرب، أو موضوعة علاقة الفرد بالسلطة على سبيل المثال.
غير أن الجديد في رواية اساطير رجل الثلاثاء لصبحي موسى هو أنها تقوم على وجود ثلاثة مستويات زمنية يمكن أن نطلق على الأول زمن الكتابة الفعلية التي أنتهت كما يشير المؤلف عام 2008، وزمن التاريخ المكتوب بوقائعه وشخصياته وصراعاته والتي تنحصر كما تشير بعض فصول الرواية ما بين عامي 1974 و2001، مع إرتدادات قريبة لا تتجاوز حياة والد السارد في شبابه وعشقه لابنة عمة وطرد الإمام له، وحياة الشيخ/ السارد او منقذه من الضلال كما يصفة، والذي يستدعي بدوره حياة والده الفلسطيني، الأمر الذي يصل بنا إلى بدايات الاستيطان الصهيوني الفلسطيني، وأخيرا زمن الماضي البعيد المستدعى، والذي يرجع إلى عصر الرسول والصحابة، ويمتد شاملا العصريين الأموى والعباسي وصولا إلى عصر النهضة والصحوة الإسلامية الحديثة التي بدأها الأفغاني ومن خرجوا من تحت عباءته باتجاهاتهم المختلفة، فالتاريخ المستدعى هنا لا يقتصر على فترة محددة أو شخصية محورية، وبالتالى فإن فكرة الإسقاط السياسى غير واردة، فشخصيات الرواية لا تقوم باستدعاء هذا التاريخ الممتد والذي يشمل عدة عصور والعديد من الشخصيات بوصفها أحداثا بعيدة عنها، بل بوصفها حياة حاضرة تعيش بها وعليها وخلالها، وتردد أقوالها وتتخذ مواقفها وتجعل منها نموذجا «مثاليا» تستهدي به في حركتها وصراعاتها، ولهذا فإن التقسيمات الزمنية المعهودة: الماضي والحاضر والمستقبل. ليس لها وجود في العقلية الأصولية، فالماضي هو الأصل الذي ينبغي أن يستمر وأن يتكيف الحاضر والمستقبل على مقاييسه، وبناء على ذلك فإن هذا الماضي يتجاوز كونه كما عهدنا ذلك كثيرا حيلة فنية أو قناعا تختبىء الذات وراءه، أو موضوعا للتأمل أو للحنين، بل إن الشخصيات تحياه بوصفها جزءا منه وامتدادا له، مما يؤكد حس المفارقة بين هذا الوعي المفارق والحياة المعاصرة بقوانينها المختلفة وواقعها المغاير، وهو ما يتولد عنه أيضا الإحساس بالإغتراب سواء داخل الوطن أو بعيدا عنه ويفسر الإيقاعات المؤقتة والرحيل الدائم من مكان لآخر، والحقيقة أني أتحدث هنا عن هذه الشخصيات بعد انتظامها داخل فكرة الجهاد دفاعا عن أرض المسلمين التى تنتقص من أطرافها في أفغانستان على يد السوفيت «الملاحدة»، فإن السارد الرئيسي الذى شهدت حياته تحولا جذريا بعد تعرفه على أبي سعيد الفلسطيني الذي كان على صلة بوالد السارد وحلما معا بعالم إسلامي موحد.
وإجمالا يمكن وصف الشخصيات المنتمية إلى الماضى البعيد أو القريب بأنها شخصيات مرجعية حيث ترد بأسمائها الحقيقية والوقائع التاريخية المعروفة التى شاركت فيها، كما يمكن وصف شخصيات الرواية المشاركة في أحداثها بأنها شخصيات «كنائية» تشير بوضوح إلى شخصيات حقيقية لكنها لا تحمل أسماءها الصريحة، فهي أقرب إلى الشخصيات المخلوقة أو الشخصيات الورقية بتعبيرات رولان بارت، وهذا يعني أن الرواية تجمع بين الحقيقي والتخيلي أو بين ما سماه د. رشيد يحياوى بالسرد التخيلى الممثل في الأساطير والخرافات والسرد غير التخيلي كما يبدو في أدب الرحلات واليوميات والمذكرات وتقارير الحروب مع ملاحظة أن هذا النوع لا يخلو تماما من أثر الخيال(1).
هذا التعدد الذى نراه على مستوى الزمن والشخصيات نجده كذلك على مستوى الأسلوب السردي، مما يحقق ما اسماة باختين بـ «البولوفينية»، فرغم أن الرواية مسرودة بضمير المتكلم من خلال السارد الرئيس الداخلي المشارك في الأحداث فإن معرفته تقترب من معرفة السارد الخارجي العليم، مما أتاح له إمكانية سرد قصة والده يتقريعاتها المختلفة وأحداثها الغريبة، كما اتاح أيضا التعدد الأسلوبي حيث يمكن التمييز بين ثلاثة أساليب : أسلوب السارد في شبابه وهو بشكل المتن او النغمة الأساس على مدار الرواية، وأسلوب السارد في شيخوخته، وأسلوب أبي سعيد الذي كان يتناوب السرد مع السارد الرئيس في بعض الفصول الروائية.
ولا شك أن غلبة ضمير المتكلم بصورة شبه مطلقة يجعل الرواية أقرب الى ما يسمى برواية الشخصية، كما يفسح المجال للغنائية، ومن ثم الشعرية التي تتجاوز فكرة الاهتمام باللغة والمجاز الى حيث تشمل المشهد والموقف السردي، كما يعد «الايقاع» الروائى تأكيدا لهذه الغنائية، وهو ما يتمثل في تكرار بعض العبارات المحورية في مواضع متفرقة من الرواية، وتماثل بنيه الفصول، حيث مالت في أغلبها الى القصر والتكثيف بالقياس الى ما هو معهود في الفصول الروائية، ولا يخلو النص الروائي «أساطير رجل الثلاثاء» من طابع ملحمي يتمثل في تلك الهجرة متعدده الاقطار والقوميات التي لا يضم أصحابها سوى ما يعرف بالاممية الإسلامية كي تتأكد هذه الملحميه من خلال حس المجازفة والمغامرة التي يبديها هؤلاء المجاهدون الذين يواجهون آلة عسكرية ضخمة بإمكانيات قليلة.
تبدو علاقه الشخصيات بالسلطة علاقة صراعية سواء كانت سلطات محلية أو أجنبية، وهو ما يظهر من قصة والد السارد الذي حالت قوة المال والنفوذ بينه وبين الزواج من ابنة عمه، كما يظهر في هذه القصة ذاتها تراتيب السلطة، حيث تتلاشى إراده شيخ القبيلة وابنه أمام إرادة الإمام، ويصبح والد السارد هو موضوع القهر الوحيد، حيث يتم ترضية شيخ القبيلة وابنه بامتياز الرعي في أرض جديدة، بينما أضاف الإمام «الميمونة» / الفتاة موضو الصراع إلى جواريه المائتين والتسعين، ولم يبق لمحمد / والد السارد سوى ما يشبه تحديد الإقامه على مسالك الصحراء، منتظرا الاجانب ذوي العيون الزرقاء والبشره الثلجيه كى يدلهم على الطريق إلى مساعدي الإمام، ويحصل منهم على طعامه وشرابه ودراهم يتركونها من أجله، وإن لم يأتوا فعليه أن يأكل الرمل والحصى دون أن يبرح مكانه.
أما السلطة «المعولمة»ـ إن صح الوصف والتي تمثلت في القوة السوفييتية ثم القوه الامريكية فقد كان عداء الاصولية الإسلامية لها شديد الوضوح، غير أن تعمق الامر يكشف عن أن هذه الاصولية لم تكن أكثر من أداة في يد القوى الكبرى، وأما اصرار أبي عبدالرحمن / السارد الرئيسي على أن يكون تنظيمهم هو الذي يحدد وقت الهجوم على برجى التجارة العالمي ليس سوى إصرار على أمر ثانوي وشكلي لا يمنع تبعيه التنظيم لهذه القوى التي اعترفت بضرورة التعاون معها وتوظيف امكانياتها العلمية والمخابراتية، كما كان ذريعة قويه لتسويق الميديا الغربية لنموذج الإرهابي المسلم الذي يهدد السلام العالمي.
وعلى الرغم من إغراء هذه الموضوعية الفكرية لفكرة الادانة سواء لهذا الطرف أو ذاك، أو حتى مجرد التعليق، فان الكاتب لم ينزلق لغواية هذا «الحجاج» الأيديولجي وذلك بتغييبه لوضعية الراوي العليم الذى يصدر الأحكام ويقيم سلوك الشخصيات وأفكارها ومواقفها، واصطناع وضعية الراوي المشارك في الحدث والذي يتحول في بعض المواضع إلى المروي عليه من قبل أحد الشخصيات المحايثة له في السرد، ولم يكن ذلك مراعاة لفنية الرواية فحسب بل وسيلة لتعرية هذه الشخصيات وسبر أغوارها من خلال الموقف والسلوك والقناعة الفكرية، وصنع مجموعة من التقابلات اللافتة بينها كما في حالة «الصباح» و«أبي عبدالرحمن» حيث يبدو الأول برجماتيا لا يرى حرمانية في زراعة «الخشخاش» وبيعه، في حين يبدو «أبي عبد الرحمن» مثاليا يؤمن بضرورة اتساق الوسيلة والهدف حتى أصبحت شخصيتة أقرب إلى الشخصية «النمط» التي تتجاوز وجودها التاريخي المتعين إلى الوجود في «الوعي»، فهي في تصوري شبيهة إلى درجة كبيرة بشخصية دون كيشوت الذي خرج يحارب العالم الحديث بقيم العصور الوسطى، ولم يكن حب «أبي عبدالرحمن» للخير من قبيل المصادفة، بالإضافة إلى إيمانه بخواء الحضارة الحديثة التى لن ينقذها طبقا لقناعته سوى القيم الإسلامية تحديدا، الفرق الأساس بينه وبين دون كيشوت أنه لم يعترض على توظيف إمكانيات القوى الغربية وتوظيف رأس «المال» السياسي في سبيل تحقيق ما يؤمن به من قيم.
ولعله كان من اللافت حقا أن المثير الأساسى لهذه الشخصية وغيرها من الشخصيات الجهادية تمثل في صورة الاستعمار التقليدي القديم القائم على احتلال «الأرض» بالقوة العسكرية، بما يعني عدم تجدد وعي هذه الشخصيات بحيث يدرك أنماط الاستعمار الجديد الذي وقعت في شراكة وإكتفت بشكليات «الهوية» كما تراها، مما يدفعنا إلى القول أن الاصولية على هذا النحو لم تعد لها دلالة المشروع النضالي «الحقيقي» حين كانت ملجأ يحتمى به المستعمَر ( بفتح الميم) ضد الجهود الاستعمارية الرامية الى طمس معالم «التراث ومسخ الهوية» (3)
لقد حولت الأصولية الصراع من كونه صراع بين الاستقلال والتبعية كما هو حادث حقيقة إلى صراع دينى بين الإسلام والإلحاد في صراعها مع القوى السوفييتية،ثم بين الإسلام والمسيحية في صراعها مع القوى الأمريكية، ناهيك عن الصراعات المذهبية داخل الاسلام نفسه طبقا لرؤى بعض التنظيمات، فهل يمكن القول بأن الصراع الذى يحكم الرواية هو ما أطلق عليه روجيه جارودي «صراع الأصوليات» التى لم يجعلها قاصرة فقط على الأديان بل جعلها تشمل ما أسماه بأصولية «العلم» بتقنياته الجازمة ورفضة لأنماط المعرفة المخالفة لقوانينه؟
هذا سؤال يمكن اختباره من خلال الرواية، خاصة أن هذة النزعة الأصولية اليقينية ظلت من السمات التى تسيطر على العديد من الفصائل الدينية والسياسية وتدفعها إلى استخدام القوة تحت دعاوى ومبررات مختلفة، ولنتأمل هذه الوقائع التي تزخر بها الرواية والتي تكاد تحمل دلالة واحدة رغم اختلاف الدوافع والمبررات: الغزو السوفييتي لأفغانستان، الغزو العراقى للكويت، اقتتال الجيوش العربية على أرض اليمن، استدعاء القوات الأمريكية للمنطقة العربية، بحث تنظيم القاعدة عن أكثر الدول تهيئة لإقامة دولة إسلامية تكون منطلقا لتكوين عالم إسلامي يتجاوز الأقطار والقوميات، الغزو الصهيوني الاستيطاني لفلسطين.
والحقيقة أن الوصول إلى «الأصولية» الإسلامية تحديدا يمثل رحلة وعي شاق تتوازى مع رحلة أصحابها أقصد هذه الأصولية إلى افغانستان وغيرها من الأماكن بحثا عن إمكانيات تحقيق «حلم» العالم الإسلامي الواحد، فإذا ما توقفنا أمام السارد الرئيسي نموذجا نجده قد مر بطفولة ناعمة وشباب لاهٍ يقول عنه «لم أكن راغبا في أقصى من هذا، فأطياف المحبين الذين همت بهم يمكنني أن أراها في البارات والصالات والعرى المنتشر بطول البلاد وعرضها (يقصد مدينة لندن) يمكنني القبض على بشار وعمرو بن ربيعة وعمارة بن الوليد والمنخل اليشكري وغيرهم» ص 22، وهى مقدمات لم تكن تنبىء بما سوف تؤول إليه حياته على يد أبي سعيد، غير أن شخصية السارد حتى وهي على هذه الصورة اللاهية كانت تحمل من السمات ما يؤهلها لحياة الزهد والجهاد التى عاشها فيما بعد، وكأن هذه الحياة اللاهية هى الغواية التى يهرب بها من حقيقة نفسه كما يظهر في قوله «كأنني كنت أود الهرب من نفسي، أود أن أصبح شخصا لا أعرفه، لكنه يشبه أبي وأمي وعمارة والمنخل وكل من سمعت عنهم في القصص، كنت في نهاية الليل أقود العربة كرمح انطلق من قوسه» ص25، ولعل هذا الاقتباس يوضح أننا أمام شخصية تعيش خيالاتها وأحلامها أكثر مما تعيش حقيقتها ولا فرق جوهريا بين خيالات وأحلام هذه الحياة اللاهية وخيالات وأحلام مرحلة حلم الدولة الإسلامية، يكفي أنه كان يعيش ما يسمعه من قصص في المرحلتين، فلم يزد على أنه استبدل بشخصيات المرحلة الأولى شخصيات جهادية تناسب المرحلة الثانية، على أنه من المفيد أن نتأمل التشبيه الوارد في الاقتباس السابق حين يقول «كنت في نهاية الليل أقود العربة كرمح انطلق من قوسه» فهي صورة تجمع بين منتجات الحداثة والوعي البدوي الذي يعيش زمن الرمح والقوس، مما يعمق القدرة السابقة عن انفصال الوعي والاحلام والخيالات عن واقع الحياة، مما يدفعنا إلى القول عموما أنه ليس من الإيمان بايدولوجية ما فحسب بل الحوار معها لاكتشاف تناقضاتها، ولم يكن التوسير مبالغا حين جعل الايديولوجيا عندما تدخل في سياق المقدس مناقضة للعلم، وهذا بالفعل ما يسم الأصوليات الواردة بالرواية سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، وبهذا المعنى يصبح من الوارد ان يتباهى السارد في شيخوخته مع شخصية الرسول فيصبح الكهف أشبه بالغار، ويصبح ما ينطق به إلهاماً اقرب إلى الوحي على نحو ما يظهر من هذا الحوار بينه وبين مجد الدين «قلت: تريد قاعدة لاستقبالهم وتدريبهم ثم توجيههم إلى أماكن القتال؟ قال :بالضبط : قاعدة! ثم ضحك، سألته علام الضحك؟ قال : كنا نتحدث سيدي عبدالله وأنا عن هذا الحلم ولم نجد الكلمة التى تعبر عما نحلم بها، وها أنت قد نطقت بها، قلت: مصادفة تستحق الضحك حقا، قال : بل الإلهام» ص137، وفي موضع آخر يصبح دعاؤه شبيها بدعاء الرسول «اللهم إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي» ص327، ويصبح المهدي المنتظر عند الشيعة موازياً لحلم الدولة الإسلامية عند الأصوليه الجهادية، بل سببا رئيسا من أسبابها، لأنه هو الذى سيملأ الأرض عدلاً بعد ان ملئت جورا. كما يصبح التأويل الخاطىء أيديولوجية سلطوية زائفة تقوم على توظيف الآيات القرآنية لصالحها، فحين شاور المنصور أصحابه في قتل أبي مسلم الخرساني قالوا «لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا» ص 116، وحين بلغ موسى الهادي نبأ مقتل إبراهيم بن عبدالله قال «الله يعلم أنهم أحق بها منا، لكنه الملك ………… ولو جاءنا رسول الله وحاربنا عليه لحاربناه وقتلناه» ص116.فنحن هنا امام عملية إسقاط لوحدانية الله على الاستبداد والإنفراد بالسلطة وليس أدل على ذلك من قول الحراس الذين قتلوا أبا مسلم الخرساني للمنصور «الآن أصبحت الخليفة وحدك لا شريك لك» ص117
إن ما أشرت إليه من تعدد الأساليب داخل الرواية ومزجها لسمات الملحمية والشعرية والدرامية التي تقوم على تقابلات الشخصيات وصراع القوى المتباينة يجعلنا نقول أن الرواية بصفة عامة هي الفن الوحيد الذي لا شكل له، أو بتعبير آخر هي الفن الوحيد الذي لا يعرف الشكل الثابت والنهائى فهى نص مفتوح على الأجناس الأدبية والفنية، إنها كما يقول واسيني الأعرج» أكثر الأشكال الفنية جرأة، ولا مقدس لديها بما في ذلك شكلها الأدبي الخارجي الذي يتحول باستمرار بنيوياً، تاركا مكاسبه الاولى وفتوحاته للتاريخ « (4) ومن هنا يتجاور في هذه الرواية السرد التاريخى الذي يقوم على رصد معلومات حقيقية، والسرد التخييلي، وسرد الأحلام التى يعيشها السارد الرئيسي، والسرد القائم على التوهمات، ومن ذلك قوله «رأى التماثيل تسعى وتتحرك كأنها تمارس الحياة، دقق في وجه واحد منها فوجده السلطان عبد الحميد جالساً على عرش الخلافة في الأستانة وأمامه جمال الدين الأفغاني» ص122، فبغض النظرعما يقال أنسنة الجمادات وتوظيف تقنيات الفن السنمائي، فإن الأمر كله يقوم على السرد التوهمى الذى يعيشه السارد بوصفه واقعا حقيقيا، كما أنه يساعد على آلية الانتقالات الزمنية المتباعدة حيث أمكنه من خلال هذه الحيلة الفنية الانتقال إلى زمن السلطان عبد الحميد وجمال الدين الأفغاني، وهو ما يتوازى مع ما أشرت إليه من آلية الانتقالات المكانية،حيث تحولت الأماكن كلها إلى مجرد إقامات عابرة. وأخيرا فنحن امام رواية متميزة تؤكد من خلال موضوعها وتشكيلها خصوصية الرواية العربية، وتستحق المزيد من القراءات النقدية التى تستكشف جمالياتها المتنوعة والثرية.
مراجع:
1ـ « السرد وأسئلة الكينونة» جمع وإعداد حاتم التهامي الفطناسي صـ65 كتاب دبي العدد 77 فبراير 2013
2ـ « أساطير رجل الثلاثاء» صبحي موسى صـ 16 الهيئة المصرية العامة للكتاب سلسلة كتابات جديدة.
3ـ « أثر الإرهاب في الكتابة الروائية» مخلوف عمر مجلة عالم الفكر صـ 317 المجلد الثامن والعشرون العدد 1999.
4ـ « السرد واسئلة الكينونة» صـ 21 مرجع سابق.