الحدث الفني الأكثر أهمية الذي شهدته العاصمة السورية مؤخرا هو افتتاح معرض فنان الكاريكاتير اللامع علي فرزات في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق.
في هذا المعرض يؤكد علي فرزات سكانته العالية كفنان كاريكتير هجاء من نوع فريد، كما يؤكد نضج أدواته الفنية وتفتح سوهبته ، وعمق تفكيره. فلوحاته في هذا المعرض تشبه البحيرات العميقة العذبة ، كونها تجمع الشفافية والعمق ، بمهارة تلامس الاعجاز!
منذ حوالي ربع قرن وقواء الصحف السوريون يدمنون على ارتشاف رسومات علي فرزات مع قهوة الصباح. وما يدلل بشكل هويح وواضح على اتساع شعبية فرزات ، هو أنه ، قد نقل مزاجه الكاريكاتوري الى قر ائه ، فقد جعلنا ندمن قراءة الجريدة اليومية من آخرها مبتدئين بكاريكاتيره الذي كان ينشر في صفحة الثورة الأخيرة ، ثم انتقل الى الصفحة الأخيرة من تشرين.
منذ حوالي خمسة عشر عاما بدأ فرزات ينشر رسومه في الصحف العربية ، فذاع ميته عربيا وعالميا، وصار يعد أحد أهم رسامي الكاريكاتير العرب إن لم يكن أهمهم على الإطلاق.
ولد الفنان علي فرزات في مدينة حماه السورية عام 1946، ودرس الرسم في كلية الفنون الجميلة بدمشق ، وشارك في اثنين وعشرين معرضا فرديا ومشتركا في سورية ومصر وتونس والمغرب وكندا وفرنسا وروسيا وبلجيكا وإنجلترا واليابان وسويسرا.
في عام 1980 فاز بالجائزة الأولى للفنانين الشباب في مهرجان الغرافيك الدولي بألمانيا. وفي عام 1985 فاز بالجائزة الثالثة في مهرجان غابروفو الدولي الذي شارك فيه فنانون من ثلاث وخمسين دولة. وفي عام 1987 فاز بالجائزة الذهبية في المسابقة العالمية التي أقيمت في صوفيا تحت شعار ( الحرب على الحرب ).
في عام 1991 فاز بالميدالية الذهبية لاستفتاء جريدة الشرق الأوسط كأفضل رسام كاريكاتير عربي.
وفي عام 1994 اختارته لجنة مورج السويسرية كواحد من أهم الرسامين في العالم وتم تكريمه ، وعقب ذلك تلقى دعوة من جامعة الألزاس السويسرية لإقامة معارض متجولة في الألزاس وليون.
وتقوم دار (لاسوي) الباريسية ، حاليا، بإعداد كتاب عنه يضم 400 لوحة له ، ويقوم رسام اللوموند الفنان المعروف جان بلانتو برسم مقدمة للكتاب ، تجسد بلغة الكاريكاتير، أبرز المحطات في حياة علي فرزآت.
أعلنت موهبة علي فرزات عن نفسها في وقت مبكر، فعندما كان طالبا في الصف الثالث الإعدادي، أرسل كاريكاتيرا كان قد رسمه الى إحدى الصحف ، فما كان من صاحب جريدة (الأيام ) ورئيس تحريرها المرحوم صفوح بابيل إلا أن نشر الكاريكاتير في الصفحة الأولى تحت المانشيت مباشرة.
ومنذ ذلك اليوم احترف علي فرزات فن الكاريكاتير ولم يتخل عنه أبدا.
يتميز كاريكاتير علي فرزآت بأنه يخاطب الناس بلغة الصمت ، وهو يعتقد أن الكاريكاتير الصامت أكثر وقعا من الكاريكاتير الذي يعتمد على الكلام المكتوب. وهو يطمح الا يكون كاريكاتيره بعمر الجريدة اليومية التي ينشر فيها. لذا فهو لا يركز على الأحداث الأنية ، بل يطرق ما هو أعمق في الانسان والمجتمع !
وهذا الكلام ينطبق على لوحات معرضه الأخير. فاللوحة تعطيك نفسها خلال لحظة واحدة ، لكنها تبقى عالقة في داخلك ، تفعل فعلها كدواء بطيء المفعول. كثيرا ما تضحك ! لكنه ضحك له نكهة البكاء!
– مكتب فخم ضخم ، ليس خلفه أحد، والى جانبه سلة
مهملات مليئة بالمراجعين المجعدين !
– غريق يلفظ أنفاسه ، وحشد من السادة المتأنقين يحيون
حفلا خطابيا تضامنا معه على الشاطيء!
– ميكروفون ينتهي بإنشوطة مشنقة ! كرسي ضخم تحته زنزانة !
غصن الزيتون الذي ينمو في يد منتظر السلام الى أن يتحول الى غابة ملتفة
حوله !
– قلم ريشته إصبع يبصم !
– حيوانات تتفرج بذهول واستنكار على معارك ينقلها التليفزيون !
– رجل يضع قناع حمار كي يستطيع التفاهم مع حمار زي شأن !
-رجلان راكعان لهما شكل فردتي الحذاء!
– جلاد يقطع أحد أطراف أحد السجناء، ويبكي على مسلسل ميلودرامي يرده في التليفزيون !
– امرأة عيونها وفمها على شكل ثقوب القفل وزوجها يحمل المفاتيح بيده!
-انسان متوحش ، ضار، يطارد ذئبا مذعورا مسكينا!
-جنرال مقيد بكرسي الحكم وسجين سياسي مقيد بالأصفاد!
– مصيدة فئران كبيرة ، في داخلها رغيف وصحن من
الفاصوليا وأمامها موظف محدود الدخل !
– فارسان يقتل كل منهما الآخر بوحشية بينما حصاناهما يتحابان !
هذا هو عالم فرزات في آخر تجلياته في عدد يوليو 1988 من مجلة العربي، قال لي علي فرزات عندما تقابلنا في باب (وجها لوجه ).
لم ما أعرفه هو أنه يجب علي أن أكون صادقا مع نفسي ، أن أتمثل الواقع بدقة ودون تزويق ، هذا من حيث المضمون أما من حيث الشكل ، فأعتقد أن الشخوص التي تعايشني وأعبر عنها تفرض علي أسلوبا معينا في الرسم ، ليس غريبا عن مضمونها، فالشكل عندي يواكب المضمون باستمرار.)
ومعرض علي فرزات الجديد هو خطوة جبارة على درب فنان صادق ، يعرف ما يريد!
لكن التحدي الجديد الذي يواجه علي فرزات الآن هو أن الواقع العربي أصبح كاريكاتيريا، أكثر من أي كاريكاتير!
حسن. م. يوسف (كاتب وصحفي سوري)