كان الثاني عشر من أبريل الماضي موعدا للإعلان عن إضافة نوعية، وكيفية للنص التشكيلي العماني المعاصر، فقد أقيم في ذلك اليوم أول معرض لخريجي قسم التربية الفنية في قاعة المعارض الكبرى بجامعة السلطان قابوس والذي يمثل النشاط الختامي لحياتهم الاكاديمية بالجامعة، والبداية الأولى للمشاركة الفاعلة داخل الحركة الثقافية العمانية كفنانين يملكون التزاما حقيقيا نحو ذواتهم ومجتمعهم للتعبير عن دواخلهم ومجالهم ، لمواجهة غياب التثقيف البصري وإشاعة أجواء الثقافة الجمالية متخذين من نتاجاتهم وفعلهم قواعد للبث .
في ذلك المعرض تم الإعلان عن ولادة مجموعة من الفنانين هم الجيل الأول من الفنانين التشكيليين العمانيين الذين تأهلوا تأهيلآ أكاديميأ داخل مؤسسة تعليمية معنية بالأمر حيث قضت هذه المجموعة أربع سنوات بالجامعة منخرطة في عمليات تعليمية منهجية منظمة تزخم بممارسات فنية شاملة سواء على المستوى الأدائي التقني لتقصى وتملك الأدوات والأصول الأساسية، وصقل طرائق التعبير، أو على المستوى الإبداعي المحمل بتوجهات ورؤى ذاتية واعية ومتفردة .
والرصد الأولى لأعمال هذا المعرض يلقى الضوء على تعدد مجالات الممارسة الفنية – الذي هو بالضرورة ملمح أساسي للعملية التعليمية بأقسام وكليات التربية الفنية عموما – حيث احتوى المعرض على أعمال تصويرية منفذة بخامات تقليدية مثل الألوان الزيتية وألوان الجواش والألوان المائية، بالاضافة إلى بعض الخامات غير التقليدية مثل الأكريلك وقصاصات الورق والأقمشة والعجائن التي تغذي اللوحة التصويرية بقيم نحتية. ونجد أيضا أعمال الرسم المنفذة بالفحم وأقلام الرصاص السوداء والملونة، وأيضا الخزف ، والتشكيل المجسم بخامات متنوعة، وطباعة المنسوجات ، والنسجيات اليدوية سواء بتقنية الكليم أو السجاد، والرسم على الزجاج بالوان السيلكا، والمشغولات الفنية المنفذة بخامات بيئية تقليدية بثينة الرواحي : تصوير وأخرى مستحدثة. كل هذه المجالات ، تمت ممارسة التعبير الإبداعي من خلالها في أساليب وتقنيات متنوعة ومتعددة وبدرجة عالية من الحرية ، يشير اليها التفرد الشخصي في الأسلوب لكل فنان بالرغم من ممارسته لمجالات مختلفة، حيث
نستطيع أن نرصد بيسر وسهولة الملامح المميزة لأسلوبه واتجاهه فالرؤية التي يقدمها في أعمال التصوير هي نفس الرؤية التي يشمها في أعمال التشكيل المجسم أو الخزف أو الطباعة، ولا تكون هناك اختلافات بين هذه الأعمال إلا ما تصدره الخامة والتقنية من أحكام خاصة.
ورغم التفرد الذاتي في التعبير الفني لدى كل فنان منهم ، فإننا نستطيع أن نكشف عن ظواهر شائعة لدى مجموعات منهم ، فبعض هؤلاء الفنانين قدم مجموعة من المعالجات الفنية هى في مجملها ضرب من التعبير عن خلجات ونوازع النفس وطموحاتها في البحث عن معادل جمالي للعلاقات المتشابكة بين الفرد ومجاله . وقد تجلى هذا التعبير باكثر من أسلوب ، فمنهم من يقتحم سطح اللوحة بعفوية شديدة مثل الفنانة خديجة الكلباني والفنانة عايدة البلوشي اللتين استخدمتا الخامات والأدوات بمباشرة واضحة دون التوقف عند اتقان الصنعة الحرفية في الأداء في استرسال تحركه وتدفعه عوامل جوانية، ولذلك جاءت أعمالهما مشحونة بطاقات تعبيرية دافقة، وعلى العكس منهما، قدمت كل من نصرة الوهيبي وأمل الفارسي ، وفخرية خلفان وسميرة اليعقوبي أعمالا تتسم بدقة الصنعة والحرفية العالية، لكنهن قدمن أيضا تعبيرا مشحونا بالانفعالات ، زاد من كثافته . التركيز على الدرامية التي تحققها توظيف القيم التعبيرية للون وقيم الغامق والفاتح والظل والنور.
كما قدم كل من محمد العامري ، وفتحية المخيني وأمل العامري مناظرمن البيئة العمانية تتسم بمسحة شاعرية غالبة،ساعدعلى تكثيف الشعوربها اختيار لحظات ضوئية معينة كجوعام لهذه المناظر بالاضافة إلى اختيار موضوعات أليفة إلى النفس العمانية مثل الصيد، والوديان ، وعيون المياه الطبيعية،هذه المناظرقدمت في معالجات تصويرية أونحتية تلتزم إلى حد بعيد بالواقع المرئي للعناصروالأشكال .
وقد قدمت مجموعة من هؤلاء الفنانين رؤى خاصة من خلال مداخل تجريبية للبحث عن متغيرات جمالية جسيدة من ذلك ما قدمته عايدة الهاشمي وخولة الفارسي في التشكيل المجسم والتصويروالأشغال الفنية وما قدمته بثينة الرواحي وندى الفارسي في التصوير والطباعة والنسيج.
وقد تميزت أعمال التشكيل المجسم والأشغال الفنية والتعبير عن رؤى إبداعية متفردة.
بتوليف عديد من الخامات في صياغات ومعالحات فنية تحترم معطيات الخامات وطاقاتها التعبيرية والبنائية ، كما في أعمال جيهان الخزيري ونادر مبارك . كذلك أعمال الخزف التي تفصح عن تحكم مهاري عالي الحرفية يؤكد قدرة هؤلاء الفنانين على امتلاك تقنيات هذا الفن ، بالاضافة إلى وضوح توجه تراثي كان دافعا إلى ظهور مسحة تعبيرية في هذه الأعمال . وأيضا أعمال الطباعة والنسيج التي نفذت باساليب تقنية متعددة مثل الطباعة بالاستنسل والبصمات والعقد والربط ، ونسجيات الكليم والسجاد والمزاوجة بينهما. كذلك أعمال الرسم التي جاءت في معالجات تتسم باتقان الصنعة والتعبير عن رؤى ابداعية متفردة.
واذا كنا قد استقبلنا هذه المجموعة من الفنانين وأعمالهم بحفاوة لها مشروعيتها وتستندالى خلفية تعليلية واضحة وحقيقية واذا كنا نعتبر هذه المجموعة جيلا جديدا من الفنانين يمثل اضافة الي النص التشكيلي العماني, فاننا ننتظر منه أن يعلن لنا عن ملامح وتوجيهات الخطاب الفني الذي يتبناه والفعل المجسد لهذا الخطاب داخل الحركة الثقافية العمانية.