يمثل المكان في الرواية، عنصرا مهما من عناصر السرد الروائي، ليس لأنه الفضاء الأفقي للنص فقط، حيث تدور الأحداث، ويتحرك الأبطال في دوائر متقاطعة، وتتضح معالم شخصياتهم وتنمو وتتحول، بل لأن المكان في كل أبعاده الواقعية والمتخيلة يرتبط ارتباطا وثيقا بالجانب الزمني والتاريخي للنص وشخوصه، بحيث ينتج عن التفاعل (الزماني- المكاني) منظومة سردية تنتظم في الشكل الروائي الذي تم اختياره لتقديم الأحداث والأشخاص، وتفاعلاتهم النفسية والحركية مع المكان.
ويقوم المكان في الرواية – بوصفه عنصرًا يتميز بخصوصية – بعدة وظائف في السرد لعل أهمها: تكوين إطار الحدث، وتحريك خيال القارئ لتصور الأمكنة، واستخدام المكان مع دلالته الرمزية ليكون مؤشرا للأحداث. بيد أن المكان يؤدي دوره البارز-عبر تحولاته المستمرة- في الكشف عن كينونة استمرار اللاثبات، فمن خلال المكان وما يحدث فيه وله يمكن قراءة التاريخ ومستجداته، بكل ما يحمل هذا التاريخ من أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية.
وحين نتحدث عن رواية، ونكون أكثر تحديدا لنبحث في تيمة المكان الروائي فيها، فهذا يعني أننا نبحث في التقاطعات بين: الجغرافي-التاريخي، والمتخيل، فالمكان في الدرجة الأولى – سواء كان واقعيًا أو متخيلًا – هو حيز ينتمي للجغرافيا المكانية، التي تتقاطع مع زمن النص – أي تاريخه، وفي هذا التقاطع يتكون الخيال الأدبي للكاتب، بمعنى أن المكان الموصوف في العمل الروائي لا يُشترط أن يتطابق مع المكان الواقعي في كل أبعاده وتغيراته، بل إن المكان المطروح روائيا يقابله مكان ذو جذر واقعي، يتشابه معه أو يحاكيه، لكن ليس من الضرورة أن يتطابق معه وهذا ما سنراه عند تحليل الأعمال المتناولة في هذه الدراسة.
ويرى جيرار جينت(1) أن حركة الحدث الروائي في النص السردي لابد أن تنتظم ضمن منظور مكاني يحيط بالحدث، بمعنى أنه لا يمكن أن تدور أحداث رواية ما دون تصور مدلولات واضحة لأماكن الأحداث، وما تركه هذا المكان من أثر في بناء شخصيات الرواية، وفي اختيار نُظم علاقاتها وردود أفعال أبطالها.
وفي كتابه «جماليات المكان»(2) يتحدث الفيلسوف الفرنسي «جاستون باشلار» عن أثر المكان في تكوين وعينا النفسي» فالمكان الأول في وجداننا العاطفي – سواء كان كوخًا أو قصرًا – يترك أثره في اللاوعي الذي يعيد إنتاج الصور عن ذاك المكان، ومع مرور الزمن لا تكون تلك الصور مطابقة غالبًا للواقع، بل إنها مطابقة لذكرى المكان في مخيلتنا». وقد أطلق «رولان بارت» على هذه التفاصيل المكانية – المركبة بين الواقعي والمتخيل – مصطلح «الأثر الواقعي» للدلالة على الأثر الإيهامي الذي تحدثه.
ويُعتبر عنصر المكان من أكثر عناصر النص إثارة للجدل عند تناوله في المعالجة النقدية، بسبب عدم تبلور منهج نقدي محدد لتحليل المكان الروائي، ولان هناك جدلاً حول مصطلحات عدة ظهر استعمالها في النقد عند مقاربة المكان الروائي، رغم أن هذه المصطلحات ظهرت بعد مصطلح «المكان» وهي: «المكان» و «الفضاء» و«الحيز»، وتوضيح ما بينهم من فروق. ويرى سعيد يقطين أن مصطلح الفضاء في السرد « ظل مفتوحا للاجتهادات وللتصورات المتعددة التي لم تصل إلى حد بلورة نظرية عامة للفضاء…. لقد ظلت وجهات نظر الباحثين تتأسس على قاعدة ما تقدمه أعمال روائية محددة، ولم يصل الأمر إلى إقامة تصورات كلية عن الفضاء الروائي»(3). أما عبد الملك مرتاض(4) فيحاول توضيح معنى « الفضاء» على أنه مرتبط بالمكان المطلق بما يشمله الفراغ أيضا، فالمكان يرتبط بمساحة جغرافية محددة، في حين أن الحيز محدد بشكل أكثر دقة ليكون مصغرا عن المكان بحيث يعني الحجم أو الإطار الخارجي لشيء أو لمكان ما. ويرى د. مصطفى الضبع أن المكان هـو ما يحل فيه الشيء أو ما يحوي ذلك الشيء ويحده ويفصله عن باقي الأشياء»(5).
ويوضح حميد الحميداني رؤيته للمكان بأنه « يختلف عن مفهوم الفضاء، إذ يشير الأول إلى حيز جزئي من فضاء شمولي، في حين أن الفضاء هو مجال عام حاوٍ لكل الأمكنة والأبعاد باختلاف مكوناتها، فالغرفة والبيت والمقهى والشارع هي أجزاء مكانية تشكل محتوى للفضاء الأعم»(6)
وانطلاقا من هذه المعطيات «يتخذ المكان أشكالاً ويتضمن معاني عديدة، بل إنه قد يكون فى بعض الأحيان هو الهدف من وجود العمل كله»(7) من هنا تسعى هذه الدراسة للبحث في مدلول المكان الروائي، بما يتضمن أمكنة الرواية، وأشياءها، وأماكن تحرك أبطالها كما يقدمها السرد، مُشكلًا حركة الحدث الذي يبني النصوص المتناولة في هذه الدراسة، مع استخدام مصطلح «المكان» تحديدا، لأنه الأنسب مع الهدف التحليلي من هذه الدراسة.
وتشمل الدراسة: رواية «العصفور الأول»(8)، للكاتبة أزهار أحمد، ورواية «الأشياء ليست في أماكنها»(9) للكاتبة هدى الجهوري، ورواية «سيدات القمر»(10)، للكاتبة جوخة الحارثي.
ومن الملاحظ أن للمكان حضورا بارزا في الأدب العماني عموما، وفي نتاج المرأة الكاتبة تحديدا، وهذا يبدو جليا في الروايات التي تتناولها هذه الدراسة، حيث يرى القارئ تفاصيل الأماكن بكل أبعادها الواقعية والمتخيلة، كبناء فني متنوع في الروايات الثلاث. كما حظيت بعض الأمكنة بخصوصية التعبير عن التحولات الجغرافية والتاريخية والاجتماعية كما في رواية «سيدات القمر»، حيث نجد للمكان حضورا بارزا منذ بداية النص وعلى امتداد صفحات الرواية، وذلك في تحديد مكان الحدث الأول في قرية «العوافي» ثم تتابع الأحداث بين مدينة «مسقط» و«القرية»، وما يتقاطع خلال السرد من تحولات طرأت على المكان في العقود الأخيرة.
إن حضور القرية والمدينة نجده أيضا في رواية « الأشياء ليست في أماكنها»، مع تسليط الكاتبة الضوء على كشف التباينات الاجتماعية والفكرية ومستوى الوعي المعيشي بين أفراد القرية، وأفراد المدينة، ومدى انعكاس هذا كله على وعي الأبطال. « فالمكان هو الكيان الاجتماعي الذي يحتوي على خلاصة التفاعل بين الإنسان ومجتمعه، ولذا فشأنه شأن أي نتاج اجتماعي آخر يحمل جزءاً من أخلاقية وأفكار ووعي ساكنيه»(11)
وفي رواية «العصفور الأول» يحضر المكان بمدلولاته النفسية أكثر منها واقعية، على الرغم من تحديد الكاتبة لأسماء أماكن معينة ومعروفة، تتبع خطوات بطل الرواية فيها. لكن دلالات المكان في «العصفور الأول» تتجلى في رصد الأثر النفسي الذي تتركه الأماكن، أو كيف تؤدي الأماكن دورها في الحفاظ على هوية الكائن من الزوال. فالمكان الأدبي كما يرى عبد الملك مرتاض « عالم بلا حدود، وبحر دون ساحل، وليل دون صباح، إنه امتداد مستمر مفتوح على جميع الاتجاهات، وفي كل الآفاق»(12)
العصفور الأول
يقوم المنظور الروائي في رواية «العصفور الأول» للكاتبة أزهار أحمد على فكرة الاغتراب النفسي في شخصية بطلها «مقرن النوري»، هذا البطل الذي يعاني من شعور مستمر بالغربة وسط أهله وبلده، والكاتبة هنا لا تحدد اسم البلد – على خلاف ما سنرى في الأماكن الروائية الأخرى، والتي ستذكرها في الرواية – بل تترك البطل ينطلق من مكانه المجهول الذي يتخذ في كل الأوجه صفة «المدينة» ليقرر في لحظة ما أن يسافر، وأن يمضي بعيدًا ليبحث عن ذاته، هكذا يرحل إلى الهند، ويخوض في رحلة طويلة بين مدنها وقراها، ليشاهد عوالمَ شتى من البؤس والفقر الشديد.
وتكون الهند بمثابة إعادة اكتشاف لذاته الأعمق، حيث يُعيد بطل الرواية صهر مخاوفه المتجمدة في موقد مضطرم من آلام البشرية التي لا يقدر على إيجاد حل لأي منها، لكنه عبر مواجهة هذا الرعب يتمكن من نزع نفسه من الذاتية المحضة ليتفاعل مع وجع الإنسانية الأكبر. يمكننا قراءة هذا المقطع من الرواية لإدراك المعاناة الداخلية التي تستحوذ على البطل، والتي يتقاطع فيها المكاني بالنفسي: «قلقٌ يضطرمُ في داخلي ويعبر بي من مدينةٍ إلى أخرى، ومن ضفة إلى أخرى، ومن مكيدة إلى أخرى. ولم أجد بعد الفكرة المناسبة.. فقط فكرة القتل تتخلل أحشائي، أما تنفيذها فهو الفكرة الأشد إرباكاً». (13)
أراد بطل الرواية أن ينجز حلمه في كتابة تجربته ليطلق عصفوره الأول، لكن بعد أن أدى ثمن الإنجاز من زمنه، وصحته، وطاقته، وصراعه مع ذاته ومع الحياة والعالم، فالبطل هنا يكتب عن الكتابة عبر معاناته الخاصة، وإن كان ثمة تجارب مسبوقة في الكتابة عن «الكتابة»، فإن رواية «العصفور الأول» تقدم هذه التجربة بلغة هي في حد ذاتها نحت في الإبداع، في الكلمة، وفي البساطة والتلقائية. إن اللغة في هذه الرواية تكاد تقترب في بعض تجلياتها من الموسيقى التي يحلم بطل الرواية بأن يكتب لغة تشبهها، لغة سلسة، منسابة بعذوبة، لكنها تتمتع بالتماسك الجزل الذي يؤكد قدرة الكاتبة على الإمساك بزمام التفاصيل والأحداث.
– المكان الروائي: مكونات وجوده ودوائره
تتميز رواية «العصفور الأول» بغزارة الأماكن الروائية المذكورة في النص، لأنها غير محدودة في قرية، أو مدينة، أو بلد واحد، بل تتشعب في الحديث عن أماكن عدة، تتقاطع في سرد البطل وذاكرته. ويأخذ المكان أهميته في هذا النص من كونه يشكل سببا محوريا في اختيارات بطل الرواية، وردود فعله.
وينتظم المكان الروائي في دائرتين رئيسيتين، الصغرى: تتمثل في البيت، المقهى، والمكتبة، وقبل أن يقرر بطل رواية «العصفور الأول» مغادرة وطنه للسفر حول العالم، كان يعيش في مثلث ينحصر بين بيته، والمقهى الذي يلتقي فيه صديقه «مالك»، والمكتبة حيث يغوص في عالم الكتب الأثير عنده. يقول: «أمضي ساعاتي بين المكتب والبيت والمقهى وأماكن عادية»(14). لكن المكتب – أي: مكان عمله – لا يظهر بصورة واضحة بل يمر عليه سريعا، في حين تحضر مواقف محورية مؤثرة في حركة السرد في البيت والمقهى والمكتبة.
– البيت: يمثل البيت في عالم «مقرن النوري» مكانًا مهمًا، لأنه امتداد لشخصيته، فبيته رغم صغر مساحته أنيق، مفروش بأثاث فخم على الطراز الإنجليزي، ويعتني بنظافته وترتيبه باستمرار. إذن يمكننا أن نكشف العلاقة الدلالية بين رغبة «مقرن» في معرفة بؤس العالم، وبين حياته المنظمة بعناية، مما يشكل حاجزا بينه وبين العالم لنقرأ هذه العبارات: «كان يُدير عينيه على الأثاث والجدران المغطاة باللوحات، مُستنكرا عدم وجود شبه بيني وبين كل أشيائي»(15). ثم يقول في موضع آخر: «لم أتخل عن شقتي، ولا عن أثاثي، عدا أنني بعت بعض الأدوات الكهربائية الزائدة، والأثاث الفاخر الذي لا فائدة منه إلا الشكل».(16)
– المقهى: ليس المقهى مكانًا زائدًا في حياة «مقرن النوري»، بل أساسيّ رغم صغر الفضاء السردي المتعلق به. ويحضر المقهى في حياته ليكون مكانًا لبداية تحول رؤيته للعالم، يلتقي صديقه «مالك» في المقهى الذي يفتح أمام عينيه أفقًا جديدًا لفكرته عن الكتابة، حين يطلب منه أن يقوم أمامه بأول تمرين على الوصف لنقرأ هذا الحوار:
(- صف لي الطريق كما تراه خارج المقهى.. الآن وبسرعة كما تراه.
تأملت الطريق خارج المقهى، ثم شعرت بالكلمات تنزلق من فمي.. قد يكون المقهى هو الحركة، والشارع هو الهدوء. إن تناغم الحياة بين الشارع والمقهى لا يمثل توافق الهدوء والحركة).(17)
هكذا يكون لقاؤه مع «مالك» في المقهى، وتمرينه الارتجالي على كتابة رؤيته للعالم بحرية، بعيدا عن هواجسه وأفكاره، وقلقه، بداية انطلاقة مهمة لكل المخزون الداخلي لديه.
– المكتبة: تأخذ المكتبة أهميتها في حياة مقرن، من زاوية ارتباطها بذكرى محورية في طفولته عندما حضر مع والده ندوة عن الشعر الإنجليزي، وتركت تلك الندوة أثرها داخله، وفي علاقته مع الكتب، مما يستدعي عنده بإلحاح ضرورة عودته للمكتبة.. يقول: «قدت سيارتي طويلًا، حتى قابلتني واجهة المكتبة العامة، تذكرت أنني لم أدخل مكتبة منذ زمن، شعرت بيد تسحب جسدي إلى الداخل فانصعت لها».(18)
ينعكس الأثر النفسي لزيارته المكتبة حين يغوص «مقرن» في عالم الكتب، يستعيد ذكريات قديمة مع شاعره المفضل «تينيسون»، ثم يغادر المكتبة وهو يتمنى لو كان الرصيف مغطى بالأحجار الصغيرة كي يركلها حجرًا حجرًا، ويبدأ في طرح تساؤلاته كما فعل «تينيسون» منذ مائة عام. يقول: «ربما أتبع خطى «تينيسون»، وأكتب قصيدة أو رواية، فالتساؤل دائما يقود إلى شيء».(19)
أما الدائرة الكبرى للمكان، فهي تتمثل في العالم الخارجي، في المدن والأماكن التي سيكتشفها خلال رحلته، بعد أن قرر القيام بجولة حول العالم لمدة عام كامل. والملاحظ هنا أن الدائرة الأولى تشكل ثنائية تضاد مع الدائرة الثانية، فالبطل وقد ضاقت مساحة عالمه الحاضر، العالم المعقم الذي ينحصر بين أماكن تختصر الحياة في الدائرة الأولى بين: (البيت، المقهى والمكتبة)، ينفتح في دائرة المكان الثانية على العالم الخارجي، على بلد جديد (الهند)، ومدن يراها لأول مرة. ويصير المكان هنا مرتبطًا أيضًا بزمن المستقبل، وبانكشاف حُجب الوهم عن بصيرته، فالقارئ يكتشف أن «مقرن» غير مسكون بأماكن الماضي، لا يتعبه الحنين لبلده، بل نراه يتفاعل مع كل الأماكن الجديدة التي سيعيش فيها.
يطمح «مقرن» في أن يزور عدة بلدان على مدار العام الذي قرر الارتحال فيه، لكن رحلته لا تكتمل، لأنه يبدأ وينتهي في الهند، حيث تتفتح عيناه على كل وجوه البؤس والفرح الموجودة في الحياة، ولكن- ومن قبل سفره إلى الهند- يقدم البطل فكرته المسبقة عن هذا البلد حين يقول: «لطالما آمنت بأن الهند هي جنة النعيم، وأن الله يُعدها للمؤمنين، وأنها بعد القيامة ستصبح نظيفة ومغطاة بالزهور والنجوم والأنهار والفواكه»(20). هذه الفكرة المسبقة عن الهند ستتحكم في علاقة «مقرن» مع الأماكن في الهند، حيث سيخوض في عوالمها المتنوعة والشاسعة، ويصل حدًا لا خروج منه، فبعد وصوله إلى «دلهي» يجد المدينة مكتظة بالبشر والشوارع والشاحنات والباصات بالصخب والبشر،يغوص «مقرن» مع المرشدة السياحية «أنيتا» في شوارع مدينة «دلهي»، جاهلا أين ستنتهي خطواته.
يعيش بطل «العصفور الأول» في كثير من المواقف «الأماكن» بمخيلته، أكثر مما يعيشها في الواقع، يقرأ في كتيب سياحي عن ولاية «أوتارا براديش»، يحدد موقعها الجغرافي، طبيعتها، خصائصها، لنقرأ العبارة التالية: «رفرفت بحواسي، وانطلقت بخيالي إلى حقول الأرز التي مررنا بها، أقطف الأرز مع النساء والأطفال»(21).
تأخذ الأماكن طابعًا وصفيًا خارجيًّا عن الشوارع البيوت المساجد، الطرق، السيارات، النوافير، الحدائق، أي أن المكان والأشياء التي تؤثثه تستحوذ على السرد منذ الفصل الخامس، حيث التنقل في الحدث يصاحبه تغير في المكان في معظم الحالات. بل إن بطل الرواية يغوص أكثر في إحساسه بالمكان فيعطي آراءً توضح موقفه كأن يقول: «المكان الذي يغمرك جماله من نظرة خارجية، يكفي أن تعبره حتى لا يحترق كيانك بجمال آخر قد لا تعيه، فيتعبك تصور ما وراء هذا الجمال»(22) أو أن يتخذ قراره بألا يتوقف طويلًا أمام ضريح «تاج محل»، لأنه يود أن يجعل صورته آخر صورة يتذكرها عن الهند في مخيلته.
عند عبوره في «المدينة المفقودة»، يدخل «مقرن» إلى عالم الجوع، والفقر المدقع، مع مشاهد البؤس الجماعي، التي تقوده إلى تحليل أسباب الفقر ونتائجه، ورغم كل هذا يعود «مقرن» إلى ذاته الداخلية حين يجد في كل البؤس المنتشر حوله مادة خصبة للكتابة، يقول: «من هذه المدينة المنسية قد أنير العالم»(23)
المكان/ الدال: تحضر بعض الأماكن في رواية «العصفور الأول»، لتكون دليلا لحدث مهم، وهذه الأماكن ذات دلالة موضوعية، حتى إنها تكاد تكون حدثًا بحد ذاته لولا تدخل الراوي للتوضيح عن العلاقة بالمكان، أو أثره على ذاته، لذا يستخدم الراوي السرد التصويري الخارجي ليمثل الإحساس الداخلي نحو المكان، سواء كان عابرًا أو أساسيًا. ومن هذه الأماكن:
– المستشفى: مكان يتم ذكره ليدل على دخول «مقرن» في حالة مرضية، يقول: «في غرفة بيضاء تتدلى من سقفها مروحة كهربائية، فتحت عيني، لأدرك أنني في مستشفى».(24)
– المعابد: تصف الرواية زيارة «مقرن» للمعابد، ومراقبته ما يحصل فيها من طقوس، وما ستحدثه رؤيتها من ردة فعل نفسية، بعد مشاهد البؤس التي رآها، وتجربة المرض التي ألمت به، لكن زيارة المعابد لا تؤثر في داخله سوى في بعض السلام الداخلي، ويظل «مقرن» يُحس أنه لا يزال معلقًا بين السماء والأرض.
– مدينة فاراناسي: تتخذ هذه المدينة في النص بُعدًا رمزيًّا، لأن البطل يعمد إلى التطهر في ماء نهر الجانج العظيم، لكن بعد الاغتسال يحس بأن ماءه آسن. «فاراناسي» مدينة المعتقدات الكثيرة، فالاعتقاد الأول حولها أن من يمت فيها لا يعود للحياة مرة أخرى، لذا يأتي إليها الأتقياء في أواخر أيامهم. تلتقط عين «مقرن» هذه التفاصيل، وتختزن ذاكرته حكايا الأماكن، بحثًا عن حكايته الخاصة.. يقول: «الهند بلد الألوان، قوس قزح كبير يفترش سقف البلاد وأرضها»(25)
يصف «مقرن» ساحة المدينة القديمة في «فارانسي»، يصف الرهبان الملتفين باللون القرمزي، يتمتمون بصلاواتهم، يصف الزواج والعشاق، ولكن رغم كل هذا يحس أن روحه مازالت مقفلة يتضح هذا من قوله: «أحببت الإقامة في «فاراناسي»، لكن أيامي في «أوتارا براديش» ومدنها، تمر بسرعة، وقلبي لا يزال مقفلا. ويدي بالكاد تكتب شيئاً»(26)
– بيت زيفين، المكتبة، المستشفى: يُعتبر الفصل الثامن في رواية «العصفور الأول» من أكثر الفصول تصاعدًا في الأحداث، من جانب تقاطع الحدث مع الأماكن، ففي هذا الفصل يظهر بيت «زيفين»، الرجل الهندي الذي يلتقط «مقرن» من الشارع بعد مرضه، ويظل «مقرن» في بيته مدة خمسة أشهر، ما بين الوعي والغياب. تحضر في هذا الفصل أيضًا المكتبة كمكان دال على المعرفة في وصف «مقرن» لـ»زيفين»، الرجل الذي ينظف الشوارع نهارًا ويقرأ في كل يومين كتاب، تعيره له أمينة المكتبة مقابل أن ينظف لها المكتبة. ويتضح في هذا الفصل أيضا عمق الشقاء الروحي، الذي وصل إليه «مقرن»، حين تحضره الشرطة إلى المستشفى، بعد أن يعثروا عليه مريضًا وبملابس ملوثة قرب المطار، وفيما بعد سيصف وجوده في بيت «زيفين» بقوله: «لقد عشت في التيه شهورًا طويلة، لا أدري بما حولي ولا أعلم الزمان والمكان، أليست حياتي مع زيفين وعائلته اكتئابا؟»(27)
وهنا تعاود أنيتا الظهور في حياته، بعد أن ودعته في «فاراناسي»، وهنا أيضا يعود «مقرن» للتفكير بالمكان المرجع (وطنه)، ويناشد «أنيتا» مساعدته للعودة.
– المرأة والمكان: يتزامن عند البطل اكتشاف الأماكن، مع اكتشاف آخر في داخله لمشاعر الحب، هو الذي يعترف منذ بداية قصته أنه لم يقع في الحب بعد. وسط كل هذا يظل مسكونا بهاجسه الذاتي، وهاجس انجذابه لأنيتا المرشدة السياحية التي ظلت برفقته طوال تنقلاته. وكما لو أن انتقالاته المكانية تدفعه لمناقشة ذاته عن طبيعة علاقته بالمرأة، هذه العلاقة المؤطرة بسياج من الخوف والفقد، منذ وفاة والدته، وتباعد أخواته، ثم غياب الحب من حياته، يقابل كل هذا السفر أي رؤية أماكن جديدة، واكتشاف قيمة الحب مع «أنيتا»، المرأة الهندية التي تجذبه لأسباب مبهمة، وتصير نظرته للمرأة عبر ربط وجودها بالكون ككل، لأنها تمنح السعادة والدفء، الجمال والشر، والشقاء والفرح. يختزل وجود المرأة عطايا العالم وهباته يقول: «أتكون المرأة الكائن الراقي الوحيد في هذا الكون؟، لأنها تحمل كل المتناقضات، وكل الشرور، لأنها تمسح الشر بابتسامة كما تفعل «أنيتا»، ولأنها تكسو الكون جمالأ من نظرة.. قد تكون الأنثى صلة الخالق بالكون، وصلة الأرض بالسماء، ودليل الحياة الأكبر»(28)
أماكن الإيهام بالواقع
كما ذكرنا من قبل أن بعض الأماكن يكون لها ذكر لتؤدي دلالة معينة، لكن ثمة أماكن أخرى تتخذ من خلال موقعها في السياق الروائي أدوارًا أخرى، كأن توحي بتطابق بين الواقع ومخيلة البطل، نجد هذا في حديث «مقرن» عن بيت الأستاذ عبدالله، حين يقول: «دهشت من فخامة البيت، حتى خشيت الحركة، كان ذوق الأستاذ عبدالله راقيًا في اختيار الديكور والأثاث، بيته يشبه البيت الذي أحلم به، كل قطعة تحمل ألواني المفضلة، الأحمر والذهبي، الخشب المصقول بنعومة، اللوحات المختارة بعناية. وكأن البيت أعاد لي زمن الحلم»(29).
وتحضر بعض الأماكن بصورة شبحية تتطابق مع رؤية «مقرن» لها، هذا ما سنراه أيضا في فكرته عن «المزرعة»، والتي يذهب إليها بحثًا عن السلام. وهناك يخوض تجربة عيش جديدة عندما يلتقي مع معين صاحب «المزرعة»، ويطلب منه أن يقيم معه لبعض الوقت، لتبدو هذه التجربة مرحلة أخرى من مراحل التيه التي يخوضها «مقرن» في مكان آخر، لكن هذه المرة ضمن بلده، وفي هذه المغامرة تحضر روح الخيال أكثر من ذي قبل، حيث التقاطع بين المكاني والمتخيل يكون أكثر وضوحًا، يقول: «تجولت في المزرعة، حتى شارف الوقت على الغروب. بحثت عن مفتاح الكهرباء وأنرت البيت والمزرعة، بهرتني الأضواء الناعمة والبرتقالية، الموزعة هنا وهناك. تخيلت نفسي في التايتنك».(30)
ويمكننا أن نأخذ من مكان المزرعة الكثير من الدلالات، حيث تشكل هنا رمزًا، للخصب، للنمو، بما يتماشى أيضًا مع مهنة «مقرن» كمهندس زراعي، ومع رغبته في كتابة رواية، فالكتابة هنا لا تبتعد في مضمونها عن إيجاد تربة خصبة ليزرع فيها كلماته، لكن الكلمات تأتي فعلًا على شكل رغبة ملحة بالقتل، القتل في سبيل القتل. تتداخل الأماكن في مخيلة «مقرن» بين بناية شاهقة أو صحراء بعيدة ينفذ فيها جريمة قتل «مالك» صديقه القديم. رغبة القتل، ثم مغادرة المزرعة، العودة إلى بيته، إحساسه بالضياع أسباب تقود «مقرن» إلى مكان آخر هو عيادة الطبيب النفسي، يقول: «حادثة المركز التجاري حسمت داخلي قرار أن أرى طبيبًا نفسيًا»(31). الملاحظ أن الأمكنة في الجزء الأخير من الرواية تتمحور حول عيادة الطبيب، بيت مقرن، والمستشفى، حيث المشهد الأخير بعد غيبوبة طويلة: «هكذا تمر حياتي بين غرق وإفاقة في مستشفى جديد». وفي هذه الأماكن تكمن دلالة الحالات النفسية التي عاشها «مقرن»، إنها ليست أماكن لهو، أو أماكن خارجية، بل إنه بعد كل هذا التيه يعود إلى بيته، إلى صراعه الأول مع أوراقه وكلماته، إلى طاولة صغيرة يترك عليها أوراق روايته المكتوب في أول سطر منها: «العصفور الأول».
رواية الأشياء ليست في أماكنها
تتناول رواية «الأشياء ليست في أماكنها» عالم الصديقتين منى وأمل، منذ سنوات الطفولة، وحتى تحول مسار حياة كل منهما في اتجاه معاكس لحياة الأخرى. تحكي الكاتبة بلغة عذبة ومتدفقة، عبر ثلاثة أصوات روائية هي: «منى»، «أمل»، و«محسن»، زاوية رؤية كل منهم للحياة والآخر. ومع كل شخصية نكتشف وجوهًا مختلفة للشخصيات الأخرى. تعبر كل ذات منهما عن طموحاتها، أحلامها، مخاوفها، وإخفاقاتها أيضًا. وستكون هذه الاخفاقات الداخلية هي السبب الأول الذي تستمد منه الرواية عنوانها.
فتعيش «أمل» عبء لونها الأسمر، لأنها تنحدر من عرق مهجن، فلا هي حرة، ولا هي عبدة. لكن هذا العبء يقودها إلى تجاوز القيد بحثاً عن الحرية. في حين تعيش أمل واقعًا نمطيًّا في كونها فتاة نموذجية، تسعى لتصدير الصورة المثالية عن حياتها، سواء في دراستها، أو في اختيار الزوج، أو في تربيتها لابنتها، ولكن كلا البطلتين «منى» و«أمل»، لديها معاناتها الخاصة، وتنظر للأخرى في مرآة خفية من الغيرة. فـ«منى» تعتبر «أمل» أكثر حرية وسعادة منها، لأنها جريئة وقادرة على التحرك بحرية، على القراءة، واكتشاف عوالم الجسد السرية، أما «أمل» فترى أن «منى» نقية العرق، بيضاء البشرة، ابنة عائلة سعى إليها محسن الشاب الذي أحبته «أمل»، وتخلى عنها ليتزوج من صديقتها «منى».
أما «محسن» فيعيش تناقضه الخاص، فهو شاب صموت منطوٍ، عانى من قمع والده، درس في بريطانيا، لكنه لم يتمكن من تحقيق تحرره الداخلي. يحب «أمل» ويقيم علاقة معها، لكنه يختار الزواج من «منى»، البنت التي تناسب طموحاته الاجتماعية.
هكذا يكون الأشخاص في غير أماكنهم، يعانون من حكايا لم تكتمل، ويغمضون أعينهم ليلًا على أحزان يحاولون تجاهلها كي تواصل الحياة مسيرتها، في الهيئة التي يريدها المجتمع. حياة براقة من الخارج، وفارغة من الداخل.
وإن كانت «أمل» قد خرجت عن ظاهرة إرضاء المجتمع، في اختيارها حياة حرة ومتمردة، إلا أنها لم تتمكن أيضًا من تحقيق أي نوع من السعادة، أو الرضا الداخلي. ويظل العنصر المشرق في الرواية الطفلة الصغيرة ابنة «منى»، التي تشغل مساحة جيدة من السرد، كي تمثل العامل الاستشرافي الإيجابي للحياة المقبلة، بالرغم من التجاذبات النفسية لـ»منى» التي تجادل ذاتها عن طبيعة علاقة الآباء والأبناء.
المكان الروائي: مكونات وجوده، ودوائره
في محاولة تحليل تيمة المكان في رواية «الأشياء ليست في أماكنها»، لا يمكن أن نغفل كلمة الأماكن التي تطرحها الكاتبة مع عنوان الرواية، فالعنوان يحيل القارئ إلى الأشياء والأماكن. إذن يكشف عنوان هذا العمل عن حيزه المكاني القائم على أشياء وأماكن وعلاقات مبعثرة، تقاوم تأطيرها في الإطار الذي يريد لها المجتمع أن تكون فيه.
المكان الروائي الخارجي الذي تجري الأحدث فيه يتنقل بين مسقط المدينة، وبين القرية التي تقيم فيها «منى» و«أمل»، ولكن الأماكن الصغرى في هذا النص تتخذ مدلولات أكثر بعداً، لأنها ستؤثر في نمو شخصية البطلتين كما سنرى.
الدائرة الكبرى للمكان: مسقط، القرية
– مدينة مسقط: معظم الأحداث تدور في القرية. لكن في أماكن متفرقة من السرد يظهر اسم المدينة بوضوح كأن تقول الكاتبة على لسان «أمل»: «أكدت عليها مرارًا أن «منى» على علم بالأمر، وأنها شجعتني على الذهاب إلى مسقط للبحث عن فرصتي. وافقت أمي على المبيت خارج المنزل بصعوبة، لكنها رفضت مجددًا أن أذهب في تاكسي»(32) أو أن تقول في مكان آخر: «أرسل لي «محسن» يخبرني بأنه سيؤجر لي شقة في مسقط»(33). ترادف المدينة هنا الحرية، وتفتح حالة جديدة من الوعي، عند البطلتين، اللتين تختاران في تقاطع مدهش نفس الرجل «محسن» ليكون لمنى زوجًا، ولأمل عشيقًا، لكن في الوقت ذاته يكون هذا الرجل هو بوابة المدينة بالنسبة لهما الاثنتين، وكما لو أن «منى» و»أمل» وجهان لعملة واحدة، تفكران بالحرية، ولكن لكل منهما طرقها الخاصة، فـ»منى» توافق على الزواج من «محسن»، لأنه سيأخذها خارج القرية، إلى مدينة مسقط، أما «أمل»، فترضى أن تعيش معه كعشيقة مقابل حريتها بعيدًا عن القرية أيضا، لنقرأ هذا المقطع الذي تحكي فيه «أمل» عن رؤيتها للمدينة: «تعرفت على كل شيء في المدينة: حضرت حفلات موسيقية لم أحلم بها من قبل، ودخلت السينما، زرت أغلب المطاعم فيها، تعرفت على وجه آخر للحياة، واكتشفت أننا في القرية لا نعيش سوى موتنا البائس».(34)
ترادف المدينة الحياة عند «أمل»، الحياة بكل ما فيها من فنون، واكتشاف ومغامرة. لكن رغم هذا تجد «أمل» في المدينة روح القرية، حين تلاحظ مراقبة الآخرين لها وهي تدخن، تقول: «حتى في هذه المدينة، يأكل البشر بعضهم البعض بالانتباه إلى تفاصيلهم الصغيرة، دخنت إلى أن احترقت رئتي» «أتخفى جيدا تحت جلد المدينة كالصراصير الهاربة».. «امرأة تسكن وحدها في المدينة، وتدعي أن أعصابها من الفولاذ».(35)
أما المدينة في حياة «منى»، فتحضر من رؤيتها الخاصة لها، فـ»منى» تعيش في عالمها الخاص، ضمن أوراقها، وفي رؤاها وتخيلاتها عن الواقع، لأنها منذ صغرها تحاول الهرب من الحقائق، حتى في علاقتها مع الوطن هي تريد الهرب من رؤيتها الواقعية له كمكان تسبب في سفر والدها إلى الخارج، لأنه لا يجد فيه عملًا. وفي مكان آخر تصف علاقتها مع المدينة قائلة: «لم يكن الحب هو الذي أتى بي إلى هنا يا «حازم». إنها المدينة. كنت بحاجة إلى رجل يقلني إلى المدينة، لأتنفس. جميع أقاربي في قريتنا الصغيرة كانوا يعملون في القرية ذاتها، لهم الأفكار ذاتها.. إنهم نسخ من ألوان متعددة.. كان «محسن» الرجل الوحيد الذي يقرأ الكتب».(36)
هكذا يتقاطع حلم المدينة بين «أمل» و»منى»، وإن ظلت «منى» بعيدة عن التلامس الفعلي مع واقع المدينة، بل تراه عبر زجاج عازل، وتكتفي بمراقبة الشوارع، والوجوه، والجنسيات الكثيرة التي تمر من شارع بيتها، لكن صلتها مع المدينة تظل ضئيلة، وتتشابه مع علاقتها بزوجها «محسن»، الذي يظل بعيدًا ومتنائيًا عنها.
– القرية: تمثل القرية مكان النشأة بالنسبة للبطلتين، حياة الطفولة، وسنوات الصبا كانت في القرية، وضمن عوالمها المتكررة، لذا فكلا البطلتين لم تتمكن من التحرر تمامًا من سيطرة القرية بكامل عوالمها الضيقة، ورغم انتقالهما للحياة في مسقط، إلا أن الذاكرة الأولى في وعيهما البدائي بالحياة ومكوناتها تتحكم بهما وبأفكارهما وردود أفعالهما. ويتمثل هذا في موقف كل منهما من المجتمع وما سيقوله، وكيف سيدين سلوكياتهما بشكل أو بآخر.. فـ»منى» – مثلًا – حين تتفق مع زوجها على الانفصال، تفكر في العودة إلى بيت أهلها في القرية، لكنها تخاف من ردة فعل أمها..
– تقول: «لا أستطيع الذهاب إلى القرية، ستموت أمي فور رؤيتها لي في هذه الساعة المتأخرة من الليل».(37)
أما «أمل»، فتظل مجروحة من النظرة الدونية التي تعامل بها أهل القرية معها، رغم تحررها، عملها، إقامتها في المدينة، واندامجها في وسط مجتمع جديد. ويتضح هذا في الحوار الطويل مع «منى» حين تأتي لزيارتها.. تقول: «أنسى؟ ماذا أنسى يا «منى»؟ أنسى أن والدي يقبل يد والدك في العيد وبعد صلاة الجمعة، ليأخذ البركة منه، وكأنه إله. أنسى أن أمي لا تستطيع أن تتأخر عن أي امرأة في القرية، لأنه ينبغي عليها أن تلبي طلبات الآخرين، قبل طلبات أبنائها.. طوال حياتي أردت أن أعمل في مكان بعيد لأجد نفسي التي تعبت من البحث عنها في الكتب والأفلام الرخيصة، وحتى الجيدة».(38)
الدائرة الصغرى للمكان: البيت، المزرعة
– البيت: يؤدي البيت دورًا مهمًا في الحياة ككل. إنه مكان السكن والدفء، وفي هذا النص يحضر البيت في أوجه متعددة في حياة الأبطال. «منى» تعيش في بيت بارد مع زوج لا تحبه، فالبيت في حياتها تحول إلى مكان للعيش ليس إلا، مكان لاستمرار الحياة، تراقب من نافذته الحياة، تعبر أمامها دون أن تقوى على فعل شيء يغير من حياتها، أما البيت في حياة «أمل»، فمساحة تكتظ بأجساد إخوتها الكثر.. تقول: «دخلت إلى الغرفة التي اشترك فيها مع بقية أخوتي الأحد عشر، وجلست في ركن بعيد لأتابع القراءة».(39) في حين يكون البيت بالنسبة لمحسن مكان يهرب منه لأنه يشك بخيانة منى، لنقرأ ما يلي: «فتشت مذكراتها وأوراقها الصغيرة، فتشت أدراجها، خزانتها، والأماكن المغلقة»(40). يهرب «محسن» أيضًا من الشقة التي استأجرها لأمل، ولا يجد فيها مسرته كما في السابق.
– المزرعة: تمثل المزرعة بالنسبة لأمل، ومنى، مكانا للحرية. وإن كانت أمل توقفت عن اعتباره كذلك بعد تفتح مراهقتها على عوالم أخرى ويظهر هذا حين تقول لمنى: «سيأتي إليك ما هو أجمل من المزرعة»(41). لكن منى تظل طواقة للذهاب إلى المزرعة، للرسم هناك، ورؤية الأفق المفتوح، ويحول بينها وبين هذا ملاحقات أمها المستمرة، وإحكام قبضتها عليها.. تقول: «طلبت مني ألا أذهب للمزرعة بعد اليوم»(42). ويكون حرمان «منى» من الذهاب للمزرعة بمثابة مصادرة لروحها، لأحلامها الباطنية، وتخيلاتها الغامضة عن الحياة.
ولعل أبرز الدلالات – في العلاقة مع المكان- التي تظل حاضرة على مدار النص في « الأشياء ليست في أماكنها»، هي حالة الإغتراب المكاني المتماشية مع اغتراب داخلي، ويكون السعي نحو المدينة لا كمكان اختياري، بقدر ما هو حاجة للتعويض عن الحرية التي يبحثون عنها جميعا (أمل، منى، محسن). من هنا تحضر المقارنات بين حياة القرية، وحياة المدينة، لكن كل التساؤلات المتشعبة والحائرة التي يكشفها الأبطال عن ذواتهم تذوب أمام حاجتهم للبقاء في المدينة، والغوص في عوالمها أكثر، بحثا عن انعتاقهم من ذكريات مؤلمة، ومن حاضر يزيد في اغترابهم.
رواية: سيدات القمر
تمتد رواية «سيدات القمر» على مساحة سرد زمنية تصل إلى قرن كامل، يتناوب فيه السرد شخصية عبدالله، وراو خارجي، يقدم ما تخفيه الشخصيات من تفاصيل، ويكشف هواجس وخفايا باطنية لأحداث وتواريخ قديمة.
كما تتميز «سيدات القمر» بقدرة سلسة على توظيف التاريخ العماني، بما يتقاطع مع التطور الاجتماعي والجغرافي في سلطنة عمان، حيث ترصد الكاتبة بعين حساسة علاقات إشكالية، تنسجها من خلال مهارة في الوصف الداخلي والخارجي، عبر تطور الشخوص وتنقلاتهم الزمانية والمكانية، وحالات تجاذباتهم النفسية وتحول مواقفهم من الحياة. إذ لعل أهم ما ترصده هذه الرواية هو تأثير التطور الحضاري، والعمراني على السلوك الفردي. سيلاحظ القارئ هذا الأمر منذ الصفحات الأولى، حين ترفض البطلة «ميا» أن تلد على يد نساء القرية، وتصر علي أن تضع مولودتها في المستشفى رغم سخرية أمها من هذا الفعل.. تقول الأم: «اذهبن أنتن إلى مستشفيات مسكد، تصبحن فرجة للهنديات والنصرانيات».(43)
أما موقف «ميا»، فنلحظه في العبارة التالية: «قالت «ميا» لولد التاجر «سليمان» حين أصبحت لا تستطيع النوم من تكور بطنها: «اسمع أنا لن ألد هنا على أيدي الدايات، أريد أن تأخذني لمسكد».(44)
وعلى الرغم من أن «ميا» ستبدو – مع تتابع الأحداث – شخصية ذات آراء تنتمي للزمن القديم، إلا أن «ميا» في زمانها يتم النظر إليها على أنها حداثية مقارنة طبعًا بأمها والجيل السبق. إذن يمكننا القول بأن «سيدات القمر» تعمد إلى تأمل التطور السريع المتلاحق في الذات العمانية خلال تحولاتها المدنية، عبر متابعة تفصيلية لسلوك الأبطال ومواقفهم من الحياة في اختياراتهم الشائكة أحيانا، كما فعلت «لندن» ابنة «ميا» حين تخفق في اختيار زوجها، رغم تحديها لعائلتها وفرضه عليهم، إلا أنها تعود وتخلعه لتتخلص من عقبة وجوده المؤلم في حياتها، لتواصل حياتها من جديد.
المكان الروائي: مكونات وجوده
يستمد المكان أهميته في رواية «سيدات القمر» من تقديمه حركة التاريخ عبر المكان. وأعني بحركة التاريخ تلك النهضة العمرانية والاجتماعية التي شهدتها السلطنة في مدن مختلفة. وكون الرواية تغطي ما يقارب من مائة عام من تاريخ عُمان، فإن ذكرها للأماكن شمل أحداثا تاريخية مفصلية مثل معاهدة السيب المبرمة في العام 1920، والتي قسمت عُمان إلى «عُمان الداخل» وتحكمها الإمامة، و»حكومة مسقط وبعض المناطق الساحلية التابعة لها»، ويحكمها السلطان المدعوم بالإنجليز، وقد ظلت الاتفاقية محترمة زمنًا حتى وقع السلطان اتفاقية مع شركة بريطانية للتنقيب عن النفط في منطقة تابعة للإمامة في صحراء فهود».(45)
ويمكننا من هذا المقطع الموجز الإلمام ببعض التحولات المكانية التي عنى بها النص، فمن جانب هناك حديث عن عُمان الأمس والتقسيمات التي كانت موجودة، ثم ما أعقب ذلك من طفرة اكتشاف النفط، وما سيتلوه من مستجدات على مستوى المكان والمجتمع.
الدائرة الكبرى للمكان
تحضر مدينة «مسقط» في خلفية المشهد المكاني في «سيدات القمر»، في حين تحتل بلدة «العوافي» الدائرة الكبرى للمكان، لأن الأبطال جميعهم ينطلقون إلى أقدارهم من تلك البلدة الصغيرة. وإن كان الجيل الجديد يحاول الاستخفاف بالبلدة، كما حدث حين يقول سالم لأبيه عبدالله: «مسقط بلدنا ما العوافي؟.. لماذا لا نقضي كل الإجازات في مسقط؟»، فيأتي رد أخته «لندن»: «الموجود في العوافي ولا يوجد في مسقط هو المقبرة، فمعظم سكان مسقط لا يُدفنون فيها بل في بلدانهم الأصلية»(46). أما الأب عبدالله، فيقول: «قضيت عشر سنوات بعد زواجي وأنا في الطريق من مسقط إلى العوافي، ومن العوافي إلى مسقط، رفض أبي أن ننتقل تماما لمسقط، من سيعمر البيت الكبير؟».(47)
تمثل بلدة «العوافي» الجذر الأساسي للأبطال ولكل الأحداث الرئيسية في هذا النص، في حين يظل كل ما يدور في مدينة مسقط كما لو أنه طارئ على الحدث، فالأب عبدالله – مثلًا – يتذكر كيف أنه لم يكن يسهر خارج البيت، في حين أن ابنه سالم يتأخر في السهر مع أصدقائه في المقاهي، وهذا ما يسبب الرعب لعبدالله، ويجعله يحس بأنه صار يشبه أبيه، الرجل المتسلط الذي حاول طوال عمره الفرار من تأثير سلطته حتى بعد موته. على الرغم من أن عبدالله يرافق ابنته «لندن» إلى شاطئ «السيب»، ويستمع لها وهي تحكي له عن ندمها في اختيار أحمد، وقرارها الانفصال عنه. ويتخلل حديث عبدالله مع ابنته وصف للمدينة، وما يحدث فيها من تحولات.. يقول: «كانت التحديثات على شاطئ السيب قد اكتملت، الطريق الساحلي الجديد يمتد حوالي أربعة كيلو مترات بأرصفة طويلة أنيقة لوقوف السيارات، وأرصفة للمشاه، وأعمدة للإنارة التي تحاكي برج العرب بدبي».(48)
كان هذا التطور في المدينة متزامنًا أيضًا مع تحولات في بلدة العوافي، حيث عرفت مصابيح النيون الطريق لكل بيت في العوافي، وحلت البيوت الإسمنتية بدل البيوت الطينية، صار الناس يتابعون التليفزيون، وصار دكان حمدان يحفل بألوان مختلفة من الأقمشة لم تعرفها العوافي من قبل.
ونقرأ أيضا: «فيما مضى كانت بيوت العوافي تخلو تمامًا كل نهارات الصيف، حيث يذهب الجميع، صغارًا، وكبارًا إلى المزارع، هربًا من الحر، ويعودون مع الأنسام الطرية أول الليل، أما الآن في أوائل الثمانينيات، فلا حاجة لهذه الهجرة الجماعية، فالمراوح الكهربائية، والمكيفات في بعض البيوت أغنت عن ذلك».(49)
ثمة مكان آخر لا ينبغي إغفاله ونحن نتحدث عن دائرة المكان الكبرى، ألا وهو «الجبل الأخضر»، إذ على الرغم من المساحة القليلة التي يشغلها في السرد، بحيث لا تتجاوز الصفحتين، إلا أن التوقف عند هذا المكان مهم من الجانب التاريخي، حيث تذكر الكاتبة أن الإمام غالب الهنائي وأتباعه من القبائل المتحالفة معه اعتصموا في «الجبل الأخضر»، ثم تحكي عن الحرب التي دارت هناك مع الإنجليز، وكيف تكون نتيجتها سقوط أكثر من ألفي شهيد في الجبل الأخضر.
المكان والشخصيات
ترتبط شخصيات رواية «سيدات القمر» بالأماكن، وتترك آثارها فيها، تحكي عنها، تصفها في كل ما يحدث لها من تحولات زمنية، لذا فلا يمكن الحديث عن المكان في هذا النص دون التوقف أمام الشخصيات الرئيسية التي تمسك زمام الأحداث.
– عبدالله، الطائرة: يدور جزء كبير من أحداث الرواية على لسان عبدالله، الذي يتخذ مكانه في القصة من قلب الطائرة، ليسرد رؤيته للأحداث، وهو معلق بين السماء والأرض، ففي كل مقطع سردي يفتتحه عبدالله هناك تأكيد على وجوده في الطائرة. ويستمر السرد على هذا الشكل حتى الفصول الأخيرة، حين يقول عبدالله: «أنا لست في هذا المقعد المعلق بين السماء والأرض، أنتظر وصولي الوشيك لفرانكفورت، أنا في حجر ظريفة في الحوش الشرقي من البيت الكبير، عيوني مفتوحة على القمر الكبير، وظريفة تمسد شعري وتحكي»(50).
تظل شخصية عبدالله على مدار النص متأرجحة بين مسقط والعوافي، بين تسلط أبيه، وحبه لزوجته «ميا» التي لا تكترث لمشاعره، وبين علاقته ببناته وابنه سالم. وربما لكل هذه الأسباب اختارت له الكاتبة أن يظل – في جزء كبير من السرد – في قلب الطائرة معلقًا بين الأرض والفضاء، لنقرأ قوله: «أرى من نافذة الطائرة، سيل الأنوار يسيل من المدن على البحر.. لا يشبه سيل العوافي الذي أغرق زيدا».(51)
– ظريفة، العوافي: تشغل العبدة ظريفة حيزًا من ذاكرة عبدالله، وهي المراة التي ربته بعد موت أمه، كبرت معهم وعاشت بينهم حتى صارت فردًا من العائلة، بل إن الكاتبة توضح في بداية الرواية أن ظريفة هي العبدة الوحيدة التي كانت تتشارك في مائدة السيدات. وهذه الحظوة تجعل ظريفة مرتبطة ببلدة «العوافي». إنها أرضها ومكانها الذي لم تعرف سواه، حتى حين يغادر زوجها حبيب لمكان آخر لا تفكر في اللحاق به والحصول على حريتها، لأن قيد الأرض يشدها أكثر من قيد الحرية، تقول: «كيف تتركين العوافي يا ظريفة، وأنت لا تكاد تعرفين غيرها من بلاد الله.. أنت ولدت عبدة لأن أمك كانت عبدة، وهكذا.. ولم يسرقك أحد، والعوافي بلدك، وناسها ناسك»(52)
– سالمة، البيت: تمثل سالمة الماضي، بكل طقوسه. سالمة والدة ميا، التي تنتمي مكانا وزمانا للعوافي، نراها تتحرك على مدار النص في بيوت تحتوي خبراتها في الحياة، ومعارفها، وطرق تربيتها لبناتها.. تقول: «أحست لوهلة أن اللون الأزرق الزيتي المطلية به الغرف أغمق مما يجب، لكنها آثرت أن تبقى ابنتها النفساء فيها، لأنها دافئة.. كما أن الوسائد والطنافس مطرزة ومكسوة بالمزراي(53). أو تقول في موضع آخر: «كم من السنوات انقضت وهي متكئة على جدار المطبخ الخارجي، تسمع شجار العبدات داخل المطبخ ونكت العبيد وصياحهم»(54).
– لندن: لندن هي إحدى الشخصيات الرئيسية في النص، وكما يتضح من اسمها الذي هو اسم عاصمة بريطانيا، فإن هناك دلالة رمزية في شخصيتها. ذاك الانجذاب الشديد من ميا نحو الحضارة، ونحو حبها الذي فقدته، جعلها تطلق على ابنتها اسم لندن. ويتحقق حلم ميا حين تصير لندن طبيبة، تعيش وتعمل في مسقط، تخوض قصة حب فاشلة، وهذه دلالة أخرى على منحنى التجريب في الشخصية، وعدم امتلاكها الخبرة والنضج في اختياراتها.
المرأة والمكان
ومن المهم جدًا – في هذا العمل – التوقف على طبيعة علاقة المرأة بالمكان، والمرأة بالرجل، وعلى الرغم من أن بلدة «العوافي» هي قرية صغيرة، يعيش الناس فيها بفطرتهم، إلا أن نماذج العلاقات الدائرة على أرضها، فيها نوع من الرقي والإحترام، خاصة في العلاقة بين المرأة والرجل، سنلاحظ هذا حين تصر ميا على تسمية ابنتها لندن، لا يتدخل زوجها عبدالله في قرارها رغم سخرية عائلته من الأمر، في حين أن لندن ابنة ميا حين ترتبط بعلاقة حب مع رجل من المدينة، يدعي التحرر والثقافة فإنه يقوم بضربها قبل أن تصبح زوجته، وهنا يكون تعقيب ميا الأم: «يضربك؟ في العوافي كلها ما سمعت عن أحد يضرب امرأته غير فريح السكران»(55).
سنلاحظ نموذجًا آخر من العلاقات المتطورة، بين عزان زوج سالمة ونجية البدوية، في علاقتهما المفتوحة، واتفاقهما علي أن ما يجمع بينهما هو العشق فقط.. تقول: «كانت الرؤية بينهما واضحة منذ البدء: العلاقة الحرة. هذا ما أراده كلاهما: الحرية في العلاقة».(56)
هناك أيضا موقف عزان من ابنته خولة عند رفضها الزواج من العريس الذي تقدم لخطبتها وإصرارها على انتظار ابن عمها. لا يجبرها على القبول، بل يطمأنها أنه لن يحدث إلا ما تريده هي. مثل هذه العلاقات تتكرر في أكثر من مكان في النص، فتبدو معظم الشخصيات الذكورية في « العوافي» بعيدة عن التسلط، تمارس نوعًا من الوعي في التواصل مع المرأة، وعي فطري لا ينطلق من أي شعارات مستوردة عن المساواة وحسن المعاملة، بل من الإحساس بالآخر واعتباره مرآة للذات.
وإن كانت الرواية تبدأ في صفحتها الأولى مع ميا، فإنها تنتهي مع عبدالله على شاطئ السيب في مسقط، يقود سيارته اللكزس، ويتأمل حياته الماضية. وتختم الكاتبة روايتها بمقطع فانتازي يتداخل فيه الواقع بالخيال، والماضي بالحاضر.
الخاتمة
هكذا نجد أن المكان له دلالته الواضحة في الرواية العمانية النسائية، ويقوم بوظائفه في تكوين إطار الحدث والمخيلة الروائية ومؤشراً للأحداث، سواء كان المكان واقعياً أو متخيلاً، محدداً أو عاماً. فيدخل المكان في النسيج الروائي للكاتبة العمانية، فلا تهيم في الفضاء المطلق للأفكار الفلسفية المجردة، بل إنها ترتبط ارتباطاً رمزياً وثيقاً بالأرض وما تمثله من خصب ونماء ورسوخ تلمساً لواقعها.
المصادر و المراجع
1- جيرار جينيت وآخرون،» نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير»، ترجمة: ناجي مصطفى، منشورات الحوار الأكاديمي والجامعي، الطبعة الأولى 1989.
2 – غاستون باشلار، جماليات المكان، ترجمة: غالب هلسا،بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والتوزيع والنشر، 1978،ص 50
3- سعيد يقطين، قال الراوي: البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1997، ص 237، 238.
4 – مرتاض عبد الملك، في نظرية الرواية، بحث في تقنيات السرد، عالم المعرفة، عدد 240، ديسمبر1998، ص 142.
5- مصطفى الضبع. استراتيجية المكان, القاهرة, الهيئة العامة لقصور الثقافة, أكتوبر 1998م, ص60.
6 – حميد الحميداني، بنية النص السردي، من منظور النقد الأدبي،الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 2000.
7- حسن بحراوى، بنية الشكل الروائى، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، 1990- ص 33
8 – أزهار أحمد، « العصفور الأول»، دار الجمل- بيروت، 2009
9- هدى الجهوري « الأشياء ليست في أماكنها»، جائزة الشارقة للإبداع الأدبي الدورة 12- 2008
10- جوخة الحارثي، « سيدات القمر»،، دار الآداب- بيروت، 2010
11 – ياسين النصر، الرواية والمكان، دار السؤون الثقافية العامة – بغداد، الطبعة الأولى 1986، ص 16- 17
12 – عبد الملك مرتاض، مرجع سابق، ص 57.
13- العصفور الأول، ص 157 14- مصدر سابق ص 23
15 – المصدر نفسه ص: 27 16- المصدر نفسه ص: 29
17- المصدر نفسه 22 – 23 18- المصدر نفسه ص: 17.
19- المصدر نفسه ص 18 20- المصدر نفسه ص: 39
21 – المصدر نفسه ص: 54 22- المصدر نفسه ص: 56
23 – المصدر نفسه، ص: 57 24- المصدر نفسه ص: 60
25 – المصدر نفسه ص 66 26- المصدر نفسه ص: 68
26 – المصدر نفسه ص 72 27 – المصدر نفسه ص: 166.
28 – المصدر نفسه، ص: 75، 76 29 – المصدر نفسه، ص: 108
30 – المصدر نفسه، 117 31 – المصدر نفسه ص 160
32 – رواية « الأشياء ليست في أماكنها» –مصدر سابق- ص 22
33 – المصدر نفسه، ص: 26 34- المصدر نفسه- ص: 27.
35- المصدر السابق، ص: 27. 36 – المصدر السابق ص: 61.
37- المصدر السابق ص: 92. 38- المصدر نفسه ص: 79.
39 – المصدر نفسه، ص: 10 40 – المصدر نفسه، ص: 35
41 – المصدر نفسه، ص: 70 42 – المصدر نفسه،ص: 77
43- رواية « سيدات القمر» مصدر سابق، ص: 11
44- المصدر نفسه، ص 11 45- المصدر نفسه ص: 131
46 – المصدر نفسه، ص ص: 54- 55
47- المصدر نفسه، ص: 54 48 – المصدر نفسه ص: 53
49- المصدر نفسه ص: 58 50- المصدر نفسه،ص: 208
51- المصدر نفسه، ص: 90 52 – المصدر نفسه، ص: 111
53- المصدر نفسه، ص: 23 54 – المصدر نفسه، ص: 99.
55- المصدر نفسه، ص: 56. 56 – المصدر نفسه ص 80.
لنـــا عبد الرحمــــن
كاتبة وأكاديمية من لبنان