الظّنُّ عليلٌ، وغرّاتٌ تصهلُ بالمطر.
صميمُ الليلِ، صميمُ الكاهن،
والجثثُ المطلَّةُ على
السؤال، جثثي.
منكوباً بكم، انثرُ تخميناتي
على أضرحتكم يا أولي
الوجعِ العميم.
سالفكم، خَلَفَي، وسائسكم مروِّضُ
أخيلةَ أنيني.
عديماً، أهدُّ السواتر على سدنتها،
ناشداً قرارَ أكيدِ المنتهى.
تُعبّدني حيرتي إليكم، ويكسرني
قلقي الذي يعبُدني.
أشجاري الناميةُ في
صدوركم، تسردُ
سيرةَ غيبتي.
ها انا ذا، ألقي سروجي ولجامي
في نارِ المعبدِ، واشقُّ خلوتي جارياً
كنهرٍ يصهلُ بالفناء.
أحنُّ عليكمِ بشذرِ الحكايةِ،
إذ يرويني الوادي صراخاً قادحاً
مريراً، يزكمُ الأفق بالعويل.
محنةُ النهرِ أنه لا يمكنه العودةُ
لمنبعهِ، ومحنتي جهلكم بيّ وآلامي.
مذ ضيّقتم على الخيالِ وأوصدتم
المدافنَ على القلق، ضاقت بكم أسئلتي.
أعوذُ بكم من تيجانكم والأقنعة،
يا أباطرة الشمعِ، وهذرَ الخرافة.
الخيول في الوادي، مضرّجةٌ بالوحلِ،
وما من مجزرةٍ تطوي انتظارها المديد.
الخيول في الوادي، حنّطتها الرّيح،
وما من كاوٍ يكوي حوافرها،
ويفكّ أسرَ غرّاتها والجدائل.
الخيول في الوادي، أعماها خذرُ أحلامها،
ترثي مطر الأمسِ، وما من شاعرٍ ينهي
جنائزها بقبسٍ من قصيد الحجر.
الخيول في الوادي، وأرحامها مكتظّة
بالأوطان والثورات والحروب والمجازر.
أهي الخيولُ في الوادي؟ أم النصوصُ
المهدورةُ مجازاتها؟.
دَنَسي، دَنَسُ الرّمّان إذ تفتقت براعمهُ
على لهيبِ حلماتِ جنّيّاتِ
البابونجِ والبنفسج.
يكسوني الثلجُ، إذ أداري الليلَ
عن أوجاعه.
يُكسيني التُّرابَ فظائعَ
ترجماتهِ لنكدِ الماء.
والخيولُ في الوادي، وعواءُ النهايةِ
لمّا يزل، يساورُ البداية.
بيراعِ الزَمنِ الوحشِ، ينقِّبُ التيهُ
في مصاحفِ الثوراتِ العمياءِ عن فاجعتي.
بلسانِ النّحلِ، يزفني القصيدُ
الى خواتمِ الكلامِ الصّرصرِ، بادئاً فتحَ الأحمرِ على الأخضر.
استبيحكم، وعلى كتفي ليليَ الذبيحُ.
تستبيحونني وعلى أسنّة
رماحكم كبدي الذي يردد:
خيولٌ في الوادي…
أعيدوها الى عرائها، قبل ان تغتالها
وحشتها، وينهبُ السّكونُ بقايا ظلالها.
كبِدي النازفُ أغانٍ من جمرٍ وسمّاق،
يستشرفُ ضراوةَ العمشِ المتراكم
على أفئدتكم.
كبدي النازفُ، صوتهُ المغذورُ،
كياسةُ البددِ، أعيا الموتَ أنينهُ.
دبّوا من قيعانِ الوهم على
اسطح الفكرةِ، لتروا ما اقترفتموهُ
من نحرٍ وغدر.
فالخيولُ في الوادي، تسوسُ الموتَ،
أكيدها أكيدُ اليباب، وتخمينها
متونُ الهلاك.
بالضباب، تردمُ الأغنيةُ جراحها،
وبهشيمِ الوقتِ توصدُ يقظتها.
بما يكفي الفاجعة، ولا يكفي الخراب،
يستنجدُ الشاعرُ أترابهُ من الأبابيل
والحباري والغربانِ والبوم، موقداً
تحت لسانهِ جمرةَ الحلاّج ولوعةَ الجزيري.
الشاعرُ كنزُ الخيبةِ وصولجانها.
الشاعرُ؛ جرحٌ عنيدٌ، متأمّلاً الخيولَ
في الوادي، أعماها غبارُ الأقاويلِ البائدةِ.
تلكمُ فوانيسُ مجونهِ،
وهذي كثبانُ هذيانه.
بالنيابةِ عنكم وبالأصالةِ
عن حزنهِ، هو ذا يثأر لكم
من خوفكم.
لا تحسبوهُ ضريحَ سنينهِ،
بل هو ندمكم المكنون
في نبضِ الوادي.