خلال نزهتين عائمتين ، فقط ، كنت قد قطعت سبعة آلاف ميل مشيا على قدمي دون اكل او شرب ، او حديث او نوم .
الطريق امامي كنداء ، لا يمسك وأنا أجرجر الرغبة في النوم الاخير الى برج قيل لي انه يستقبل الغرباء ومدمني العزلة مثلي صباح كل سبت . كنت أمشي وعيناي على السرابات الباردة التي يقطنها عواء الليل . ولا يبدو منها دليل انحدار او ارتقاء انما هي سلسلة من عتمات تبدأ ثم تبدأ ثم تبدأ ، وكلما طويت بعضا منها هلت اضعاف واضعاف هل هناك تراكم اشد عنادا منها كي يستوعب عصيانها المتكاثف ؟
لا أدري في جيبي ورق لن املأه الا عند مدخل البرج ، حين ساكون قد لففت الطريق والغيت العواء ونجوت من غوايات بنات الليل اللواتي يتمددن على ضفاف نزهاتي ملفوفات في اكفان حريرية براقة وعيونهن أبهي من عيون الجن يتنهدن فتضطرب الوديان ويسقط الشجر الاحمر في وهاد سحيقة تبتلع الصدى وتتبرق بالنكران وتنقلب السماوات
يغيب النجم تلو اخيه
تنفتح الحقائب السحرية ضاحكة
تهدي البنات تيجانا حارقة لكن رؤوس الليل أذكى
من دهاء الحقائب .
أمشي …
لا التفت ، لا اسمع ، لا اشهق ، لا اظمأ ، لا احتار ، لا اجلس ، لا اتفقد الورق ، لا اكتب : سأكتب في نهاية الطريق بعد ان اردع هذه المسافات الاسطورية سأضع أصابعي على الورق فينطق ويهتز من فرط النشوة
وسأعلو البرج حتى سطيحته
كي اختم المشي بالمشهد الجليل
لن أترك حرفا للتأويل
أو بصمة لحرب التركات
لاني اذ اختط هذا السبيل
مجإزفا بكل النزهات والمتع الخريفية ، مستهينا بالزمن وعائده
اعرف ان وصولي يفتح
خطوة أولى على درب الخلود المهمل
عبورا الى مصطاف النوم الابدي
اعرف واتصورني مضطجعا في الهواء
مفترشا ورقا لا يقرؤه سواي
شامخا كغموضي
وليس لي مسمع
لكي اشفق على أحد .
أو أستجيب لغير نداء جاذبيتي التي اشحنها الآن بغض البصر
عن غوايات الليل
وبالاصغاء المجيد
لانين السرابات ..
أعرف
وأختزن المشهد في صوان مخيلتي.. وافرح سيندثر المساء
ويخرج السبت الاليف من قمقمه فاتحا ذراعيه
لاحتضان النار في قدمي
ثم يحملني الى البرج السامق
مترنما بالنشيد الذي لم اكتبه بعد .
في النهاية الأولى للدوران الكوني أكون قد نمت فيريحني الصباح على على سرير الهواء ويدخل في ايابه .
لا أصادق أحدا
أستوفي شرط المناعة
لا ثوب لي كي اصدق غزل الفواري
وسبيلي ماجن كحزن المجانين
هل كان علي ان اخلع الطريق ؟
أم أداهن قدمي واطو السراب القادم مستبشرا بمنارات يؤرجحها كذب بحري ؟
هل ثاب دمي ؟
هل باعني ظلي للاسمنت البليغ ؟
هل زارني الحشد المعبأ بالياقوت القاتل ؟
فهرعت الى سريري
واشتريت الزمن مقابل واحة
لا تذروها ريح الهوام
لاشيد جثتي من جديد
ولا ضحك من غيرة الموت على
وارتاح من العنكبوت الذي يجالسني
ويحتفي بنومي في هودج النار يحرص
الخوازيق على صمتي يشتم
دخولي وخروجي الى روضة الحبور
لا أصادق أحدا
ألحم الليل بالليل
وارى في السراب الافقي الاول عجوزا
قرطبية كنت قد مسا دفتها في بدء الخليقة على متن زورق يربط بين سبع قارات في بضع ثوان ترقص بعينيها السائحتين ثم تنشر جسدها الوردي فوق الاشجار
تقذف الهواء باهات ملساء
تحنط العميان وتشل الريح
وتسكرني فلا استجيب
لاني لا أرى زورقا يعيدني الى موجي الاول اهرب من كتفيها الساحليين وارتطم بعناقيدها اقضم الحلمة تلو الحلمة تلو الحلمة ولا اسيل
فأغرق في الضحك السوريالي
أكيء على نبحي الدفاق
أغسل بصري في مرآة الذكرى
واعرف ان السرير جاهز الآن
اراه
منقوشا بالاسود والسماوي والاحمر الزاهي
مصونا بأعلى نجم
مرجوما بالانتظار
لكن ، كيف لي ان ازيح جسدها الفائض عن سبيلي ؟
مخاطر بازدحام الوقت عل باب خلوتي ؟
أم أعاشر الزلزال اللطيف ؟ أم
ام أنسى ورقي قبل الصعود ؟
أنغمر في ما نذرت روحي لبلوغه الغي حديث العين وحديث الذاكرة وحديث الليل وحديث التوقعات المغرورة و
وانساق مع الرغبة في الاسترخاء الاخير
لان الدوخة عابرة بالوانها والجلوس على عتبة المستحيل مسعى
تداولته قبل ان تسيخ الصبية القرطبية وقبل
أن تذوي الارض
بسبع نزهات
ولكن ها ان الجمعا يذيب الطريق
ويعيد الزوارق الى مداراتها
ويعيدني الى المنزل المائي
ويحشوني بالخرافات الذهبية
ويعلمني كيف
كيف تنطق الباء حاء والحاء باء
ويولجني كهوف العطش الندية يزرع الشمس في صدري
وينحث ظهري مخور البلور الحامية ينهيني عن السير
فأضرم شمسي في جسد العجوز أتسلق حبال المطر السري انقذ السرابات انقذ السرابات من فيضها وادعو الليل الى
مراساتها لتمنحني
مرة أخرى تلك القدرة على ائتمان الكلمات لا زال في جيبي متسع للزحف
رغم أني أخاف أن ينفد صبر سريري ، يعترض رغبتي جسد آخر قرطبة أخرى
او رسول من غيرة الموت علي في النهاية السابعة من طوفاني بالصوان استفيق فلا أبصر كأن العمى يسكنني
أتحسس عيني فلا اعثر على شيء
لقد أضحى رأسي جزيرة رملية
بها شجر قميء وابار بلا رنين وليل سرمدي
وحدهما اذناي تنفتحان الآن على اصداء
موسيقى لم اكتبها بعد
وهدير حربي يعصف بي
كأني في خلوتي أسفل البرج
والهدير طلعة السبت الاليف
وأني ارفع خلسة كنبة بوذية الى قبة التسامي
قبل أن تصحو الخليقة من حدادها
مستأنسا بأحضان النار
مستطيبا لدوتة الهواء وكرم السرير
لا أبصر ، لا أبحث عن رأسي وعن ليلي
أتجمع كموجة محروقة داخل أخدود سحيق
أهتر في مجرى الشك وفي ارتطامي بنفس
الهضاب التي اربكت سيري
فأقضم الحلم تلو الحلم تلو الحلم
لعلني أعود الى معتكفي أو أفتح بصري في وجه النار واستعيد
ألوان السرير
لا أمشي
أقف وسط السراب محاصرا بالذكرى القرطبية
وبليل البهاء المهجور
أصرخ من قعر الاخدود
كأني غريق والعناقيد الحية دانية ألمسها فتستعصي على يدي
ملساء كذاكرتي ومفعمة بالعناد ..
هل أصغي الى نداء الطريق ؟
أم أدعو السرير الى هوائي ؟
عزيز الحاكم (كاتب مغربي)