هذه الطرق التي تئز كل يوم
من خطوات الكسالى والموهومين
وتزأر على الفقراء والمعذبين
تملأ كأسها من خيوط الشمس
والأحلام
فتوزع صهدها على المّارة والأشجار
ويوقف الحنين الذي أتوق
إلى شواطئه
كأعمى فقد طريقه
في الظلام.
إنه بيتي الصغير
هذا الجسد الملتوي بين الجبال
وأنا أذرعه
كمن يلاحق فراشة أيامه
وقد أغوتها اللعنة
نحو الهلاك.
لن تكتمل صحبتي كثيرا
مع هذه الشجرة المسمّاة بالحياة
لأنني أضعت قنديل الحذر
خلف جدار الطفولة
الذي سقط مع آخر قطرة
في مصبّ النبع
دون أن يسجل آخر إشراقة
في دفتر هذا العالم
ودون أن ادرك
أن الخيبات تقتل الزمن
الذي خبأته
في مندوس الفرح.
أنظر إلى المرعى الجبلي
خلف نافذة قطار
علّي أقطف بعضا من نجوم الفرح
لأصنع منها حزاما
أستعين بطلقاته
وانا عائد لأحصي الخيبات
في المجهول.
كيف أميز الحياة
التي أعيشها الآن
إلا بقليل من العمر
مرّ في المرآة
وانا أتلمس وجهي
لا جديد
سوى أن المرآة
تغيّر مزاجها فهجرتها
وأصبحت العذوبة
شجرة بلا ظل.
هذه الأفواه التي أراها تخاطبني
وتلك الشجرة بجذعها
المشبّع بالمياه
كلها لحظتي العابرة بحزن
أودّ لو أقبّل تلك الأفواه
قبل أن
تسقط ورقة
فأحسبني انطفأت.
وأنا أصوب نظري للبعيد
فتاتان تقعيان أمامي
شعرهما المتطاير
يظلل بؤبؤ العين
كما لو أن منجلا
جزّ حزمة السنوات
في جدولين من الحياة
حيث أنّ القابلة
هجّرتني إلى غربة
لم تتجانس مع روحي.
كم هو الإله ملغز
أرواحنا في بقعة كونية
وأجسادنا في الأخرى
ترى …
هل هو في لحظة امتاع أبدية؟
البرد قارس
ولكنه لا يحمل الضباب الذي أحب.
قالتها ورحلت
الفجر يرسل
سلسلة من العتابات الضوئية
تنسل بين سعف النخيل
التي تشبه أصابع مشلولة.
ذهبت وكأنها موسيقى
لم أعرف كنهها بعد
حيث إن العزف الإلهي
مدّ أوتاره نحو قلقنا المتوارث.
قليلا من البهجة أطلّت علينا
من وراء ستارة مجهولة في الذكريات
انتشلت منّا الحذر
وانطلقنا نسرد التاريخ والصور
وبالرغم من عصافير الشوق
التي حلّقت في سمائنا
إلا أن جحافل القلق
توزع مهماتها بقسوة
على طاولة البراءة التي
صفّت عليها سنين الأحلام والخيبات
لم نستطع امتطاء قوافل الذاكرة
خشية أن يخيبنا الحنين
مثل ثفل القهوة المنسكب.
وكلما رغبت أرواحنا
كان الحظ عنكبوتا
ينسج مصائرنا في الغابات المظلمة.