مقاربةٌ لمفهوم الخطاب:
«إن تحديدَ المفاهيمِ الأدبيةِ مَهمَّةٌ ليستْ باليسيرة، خصوصاً عندما يكونُ ظهورُ المفهومِ ملتبساً يلفه غبارُ الغموضِ ومحاولاتُ التأويل. هذا ما يظهرُ عند محاولةِ طرحِ مفهوم الخطاب نقدياً، وللوقوفِ على هذا المفهوم ترى الباحثةُ أن يُجابَ عن الأسئلة التي تؤرِقها. وأول تلك الأسئلة سؤالان: الأول: ماذا يعني الخطاب: ما مضمونه ومكوناته، ما خصائصُه؟ والثاني: ماذا يعني الجسد؟
وإذا كان العنوان هو مدخل أولي للأرق، فإنّ محاولةَ تقديمِ الأسئلةِ هي الثقافةُ التي ينبنيِ عليها الجواب.»
مصطلحُ الخطاب Discourse
ما الخطاب؟
تجوالٌ في المعاجمِ وفي الدراساتِ العربيةِ الحديثةِ والمترجمةِ لتعريف معنى الخطاب:
عرف العربُ في الدراساتِ القديمةِ الأدبيةِ منها والنقدية، مصطلحي الخطابةِ والنثرِ، الأمرُ الذي يكشف عن أن مصطلحَ الخطابِ بالمفهوم الحديثِ والمتداولِ في الدراساتِ اللسانيةِ الحديثةِ لم يكُنْ متداولا. فـ(ابنُ منظور) يعرّف في اللسانِ الخطابَ على هذا النحو: «والخِطابُ والمُخَاطبةُ: مُراجَعَة الكلامِ، وقد خاطَبَه بالكلامِ مُخَاطَبَةً
وخِطَاباً، وهما يتخاطَبَان«(١) و(الزمخشريُّ) يقولُ عنه هو «المواجَهَةُ بالكلام»(٢) وفي المُعجَمِ الوسيطِ يرِدُ الخطابُ بمعنى : «الكلام والرسالة»(٣) وفي معجم الأخطاء الشائعة «الخطابُ: هو المكالمَةُ أو المواجهةُ بالكلامِ أو ما يُخاطَبُ بهِ الرجلُ صاحبَهُ ونقيضهُ الجواب.»(٤) وهذه التعريفاتُ تدلّ على أنّ الأدباءَ العربَ كانوا ينظرونَ إلى الخطابِ نظرتهم إلى الخطابةِ نفسِها، في حين نرى الأدبَ الحديث ينظرُ إلى الخطابِ نظرةً خاصةً سوفَ نتطرقُ لها لاحقا.
وقد ظهر «مصطلح (خطاب( في حقلِ الدراساتِ اللغويةِ في الغرب، ونما وتطوّر في ظلِّ التفاعلاتِ التي عرفتْها هذه الدراساتُ ولاسيما بعدَ ظهورِ كتابِ العالمِ اللغويِّ (فرديناند دو سوسير) :محاضراتٌ في اللسانياتِ العامةِ.(٥) متضمناً المبادىَء الأساسيةَ التي جاءَ بها (سوسير)، وأهمّها تفريقهُ بين الدالّ والمدلولِ، واللغةِ كظاهرةٍ اجتماعيةٍ والكلامِ كظاهرةٍ فرديةٍ، وبلورتُه لمفهوم[نسق] أو [نظام] الذي تطوّر فيما بعدَ إلى [بنية](٦).
ونظراً لتعدّدِ اتجاهاتِ الدراسةِ اللسانيةِ الحديثةِ ومدارسها، فقد تعددتْ مفاهيمَ هذا المصطلحِ، نوردُ بعضَها فيما يلي:
أ- خطاب: مرادف لمفهوم دي سوسير «كلام» وهو معناهُ المعروفُ به في اللسانياتِ البنيويةِ.
ب- وهو أي (الخطابُ) ما نُسبَ إلى فاعلِ، وحدةٌ لغويةٌ تتجاوز أبعادها الرسالة أو المقول.
ج- وبهذا المعنى يلحقُ الخطابُ بالتحليل اللساني، لأنَّ المُعَتبَرَ في هذه الحالةِ هو مجموعُ قواعدِ تسلسلِ وتتابعِ الجُمَلِ المكونةِ للمقولِ. وأولُ من اقترحَ دراسةَ هذا التسلسلِ هو اللغويُّ الأمريكيُّ (هاريس).
د- يتحددُ مفهومَ الخطابِ في المدرسةِ الفرنسيةِ لدى مقابلته بمفهوم مقول.
هـ- والخطاب حسب (بنفنست) هو كلُّ مقولٍ يفترض متكلما ومستمعا تكونُ لدى الأولِ نيةُ التأثير في الثاني بصورة ما. ونلاحظ من تعريف (بنفنست) للخطاب قربَهُ من مفهومِ الخطابة «فالخطابةُ تحتاجُ إلى خطيب ومستمعين، وهدف الخطيب التأثيرُ في سامعيه عن طريق فصاحتِهِ في الكلامِ وقدرتهِ التعبيرية عمّا يريد»(٧).
بل إننا إذا قمنا بتوسيع هذه العلاقةِ المتبادلةِ، ما بين الخطيبِ والسامعينَ، ونقلناها إلى الأدب الحديث، سنجد أن علاقةَ الخطيبِ بالسامع «قد أصبحت [كـ] علاقة الأديب بالقارئ أو الكاتب بالقارئ، حيثُ أخذَ الكاتبُ مكان الخطيب، وبدأ بتوجيه خطابه إلى القارئ للتأثير فيه، باستخدامِ كلِّ المحسّنات البيانيةِ والبديعيةِ في اللغةِ، والتي كان يستخدمُها الخطيبُ في لغة خطبتِه»(٨)
و-«ويمكنُ إضافةُ مفهومٍ للخطابِ بمقابلتِه بمفهومِ لغة كمجموعةٍ متناهية من العناصرِ مستقرةٍ نسبيا. فيكونُ الخطابُ عندئذ مجالا للإبداع تتشكلُ فيه وبطريقةٍ غيرِ ملحوظة سياقات تعطي قيما جديدة للغة. وهكذا فإنّ تعدّد معاني لفظةِ صيغِ خطابٍ ما، تتحولُ بالتدريج إلى ظاهرةٍ لغوية»(٩) فالدارسُ يجد أنّ الخطابَ يعني «الكلامَ المتبادلَ سواءٌ الشفويّ منه أو المكتوبُ، وبالتالي له طرفان: متكلّمٌ ومخاطَب، ويُرى من ذلك أنّ الحوار أو المواجهة صفةٌ ملازمةٌ لهذا المفهوم»(10)
وقد أسهم الشكليّون الروسُ بمساهمة توصفُ بالثورة في مجال قراءة النص الأدبيّ، حين نادوا بظهور علم جديد يُدعى بويطيقا الأدبِ، كمقابلٍ لبويطيقا (أرسطو). فبحثوا في البنية ونظام النصِّ «وفي ما يجعلُ من عملٍ ما عملا أدبياً، ومقولتُهم الشهيرةُ بأنّ موضوعَ العلمِ الأدبيِّ ليس هو الأدبَ وإنما الأدبية».(١١) ومن أجل الكشفِ عن بُنيةِ نظامِ النصِّ انطلق البنيويّون من مُسَلَّمةٍ تقولُ «بأنّ الأدبَ مستقلٌ تماما عن أي شيء إذ لا علاقة له بالحياة أو المجتمع أو الأفكار أو نفسية الأديب…إلخ لأنَّ الأدبَ لا يقولُ شيئا عن المجتمع، أما موضوعُ الأدبِ فهو الأدبُ نفسُه»(12) ويُقصدُ بنظام النصِّ الذي يجعلُ من العملِ الأدبيِّ عملا أدبيا في رأيِ بعضِ البنيويين الكيانُ أو الجسَدُ أو النظامُ اللغويُّ المستقلُّ الذي يولدُ بداخلِ النصِّ ويعيشُ فيهِ.
ولكنّ ممّا يُؤخذُ على هذا الطرحِ الذي قدّمَهُ الشكليّونَ والبنيويّونَ هو إغفالُهُم وربّما تجاهُلُهم للبعدِ التاريخيِّ «أو التطوريِّ للأدب».(13) ومن هذا المنطلقِ فعلى القارئ وكذلك الناقدِ إذا أرادَ أن يصلَ للبنيةِ اللغويةِ العميقةِ في النصّ، ينبغي عليهما أنَ يَخلّصا «النصَّ من الموضوعِ والأفكارِ والمعانيِ والبُعْدَيّن الذاتيّ والاجتماعيّ، وبعد عملية التخلص أو الاختزال يتمّ التحليلُ البنيويّ أو تحليلُ النص بنيويا من خلال دراسةِ المستويات النحويةِ والإيقاعيةِ والأسلوبية»(١٤) فتكون مهمة الباحثُ بعد قراءة النصِّ الأدبيّ هي دراسة البُنى الحكائيةِ والإيقاعيةِ والأسلوبيةِ، وتقسيمُ النصِّ إلى وحداتٍ أساسيةٍ وثانويةٍ، وتحديدُ وظائفِ الشخصياتِ، ثُمَّ تحديدُ الإجراءاتِ التركيبيةِ التي فيها يتمَّ «تخليصُ النصِّ من جميعِ الإشاراتِ التي تدلَّ على المكانِ والزمانِ… كما يُخَلّصُ من فئةِ الشخوصِ وتوضَعُ بدلا منها فئةُ العوامل»(١٥)
لا شك في أنّ تعاملَ البنيويّةِ مع النصِّ الأدبيِّ بهذه الآلية العلمية لاكتشاف أدبيّته، وتركيزَ باحثيها ونقادِها على «إظهار التشابهِ والتناظرِ والتعارضِ والتضادِ والتوازيِ والتجاورِ والتقابلِ بين المستوياتِ النحويةِ والإيقاعيةِ والأسلوبيةِ والحكائية»(١٦) ، من شأنهِ أن يؤجّل اكتشافَ المعنى أو الدِّلالةَ في النصِّ الأدبيِّ، -لأنَّ تخليصَ النصِّ أو اختزالهُ من مجرّد نصٍّ إبداعيٍّ يحملُ فكرةً ويقول رسالةً ويسجلُ موقفاً من الناسِ ومن الكتابةِ ومن العالمِ، إلى مجرّدِ نصِّ لغويٍّ له وجودهُ ومنطقه ونظامُه الخاص- يضعُنا أمامَ سؤالٍ كبيرٍ يتعلقُ بدور المتلقي! أهوَ كائنٌ موجودٌ أم مُتَخَّيلٌ؟ وإذا كانَ موجودا فما دوره وما مهامّه التي يمكنُه أن يقومَ بها؟ وكيفَ يمكنُه أن يستقبلَ النص؟ وما الكيفيةُ التي يستقبلها فيه؟ وما الطمُّوحُ الذي يسعى نحوه، والبنيةُ التحتيةُ أو الخفيةُ لم تظهر أو تنكشف أو تُقرأ؟ يجيب البنيويّون على هذا السؤال من داخلِ النصِّ نفسه، فالنصَّ برأيِهِم : «يحاورُ نفسَه، والقارئُ هو الكاتبُ الفعليُّ للنص»(١٧) ولقد برزت العنايةُ الحقيقية بالقارئ، أول ما برزت واعية بمقصدها، في نطاق علمِ اجتماعِ يُعني بالظاهرةِ الأدبيةِ، فلئن ركزت الدراساتُ في هذا الاتجاهِ عنايتَها على تدخّل السياقاتِ التاريخيةِ في نشأةِ الآثارِ الأدبيةِ، فقد ذهبت، مع ذلك، إلى أن المجتمعَ لا يتدخلُ في الإنشاءِ الأدبيِّ، من حيثُ هو مصدرٌ لها فحسبَ، وإنما هو يتدخلُ فيها أيضا من حيثُ هو مُتَقّبِل يتلقاها»(١٨)
والباحثةُ تذهبَ في هذه الورقةِ إلى الاستفادةِ من بعضِ اكتشافاتِ التحليلِ البنيويِّ، لاسّيما ما قال به الناقد (لوسيان غولدمان)( ١٩) حين أفادَ من عالم النفسِ البنيويّ (جان بياجيه)( ٢٠) في تعريفه للبنيةِ، بأنها شموليةٌ ومتحولةٌ وتتميزُ بالضبطِ الذاتيِّ، وليست بنيةً ثابتةً بمعزلٍ عن الذاتِ وسيرورةِ التاريخ؛ وأكد (لوسيان) على معارضة الطرح الشكليّ والبنيويّ في نظرتهِما الثابتةِ والمنغلقةِ للبنية، والانطلاقِ بها إلى آفاق تنسجمُ مع التفسير الماركسي للتاريخ، فقالَ بمقولته المركزيةَ (رؤية العالم)، وهي في رأيه: «هذا المجموعُ من التشوّقاتِ والعواطفِ والأفكارِ التي تجمع جماعة-وفي الغالب أعضاءَ طبقةٍ اجتماعية-وتجعلهُم على تضادٍّ مع الجماعاتِ الأخرى»(٢١) كما أنَّ الباحثةَ لا تتفقُ مع كلِّ ما قال به البنيويّونَ لاسيّما في الجزء الذي يتعلقُ بانفصالِ الأدبِ عن الحياة، فلا أقف عند حدودِ الجملةِ وعدِّ النصِّ مجموعةٌ من الجملِ والأنساقِ المغلقةِ، وإنمّا نسعى لقراءةِ النصِّ أولا وثانيا وثالثا، قراءةً تُفضي بنا للسؤالِ عن دلالتهِ ومعناهُ والبحثِ في الإشكالاتِ التي فرضته والعواملِ المؤثرةِ في تشكيلهِ، كما أرى عدمَ ضرورةِ عزلِ الجانبِ الدلاليِّ المتعلقِ بالمعنى في الأدب.
ومن الخُطُواتِ الواسعةِ التي وسَّعَت من مفهوم الخطاب المحاولةُ التي قام بها الباحثُ (ميخائيل باختين)(٢٢)، حين نظرَ إلى عدم وجودِ انفصالِ ما بين الشكل والمضمون في الخطاب، فالشكلُ والمضمونُ شيءٌ واحدٌ داخلَ الخطاب، فعُدّ الخطاب ظاهرةٌ اجتماعيّةٌ وليس معنى لغويا مجردا، وبذلك يكونُ (باختين) قد نقلَ الخطابَ من دائرةِ اللفظِ المجرّدِ الذي قال به الشكليّونَ (تودوروف وبارت)(23) إلى المعنى الإنسانيِّ الشاملِ ومكوّناتِه المختلفةِ: من لغةٍ وأنظمةٍ وعاداتٍ وتقاليدٍ ودينٍ وفكر»(24)
واكتسب معنى الخطابِ في العلومِ الإنسانيةِ والفلسفيةِ دِلالةً واسعةً، لينتقلَ من دائرة «الكلام الذي يُقصَدُ بِهِ الإفهامُ، وهو اللفظُ المتواضعُ عليه»(25) و«ما يدلُ على الفكرِ الذي يتكوّنُ على مراحلَ عبرَ مسيراتِ اللغةِ، وصيروراتِها، وفقا للسّبُلِ العقلية»(26)، كما انتقلَ من «مفهومِهِ اللغويِّ المجرّدِ إلى مفهومِهِ الإنسانيِّ الأشملِ والقائمِ على كيفيةِ استخدامِ الإنسانِ لهذا المفهومِ ليدلَّ على ماهيةِ الكلامِ والفكرِ والعلاقةِ بينهما حيثُ يُعَّدّ الكلامُ أداةً للفكر»(27)
-ميشيل فوكو والتحولّ الداخليّ للخطاب.(٭)
تشيُّؤ الخطاب الفوكويّ:
إن النقلةَ النوعيّة لمعنى الخطابِ التي قدّمها (باختين) أرَّخت انبثاقةَ الخطابِ في النقد الحديث والدراسات الثقافية.(28) لكنْ لم يكن لمثل هذه النقلة أن تحدث لولا الباحثُ (ميشيل فوكو) الذي طوّر من معنى الخطاب وحيويّته في فضاءه وسلطته.
تاريخيا، تحدث فوكو عن الخطاب والممارسة الخطابية بدءاً من تاريخ الجنون(م)، ثمَّ استعمله في مولد العيادة(م)، «ولعلَّ أكبرَ مكانةٍ يحتلُّها الخطابُ في الدراسات السابقة عن أركيولوجيا المعرفة تظهر في الكلمات والأشياء(م)، حيث يحتل الخطاب مكانة بارزة ويغطي فترة كبيرة، هي فترة العصر الكلاسيكي كما يشكل ثقافتها ومنطقها» كما يقول الباحث الزواوي بغورة»(29)
لقد قدّم (ميشيل فوكو) نظرةً ثقافيةً للخطاب يصفها النقاد بأنّها تكاد تكونُ متميزة. ففي كتابه نظام الخطاب (١٩٧١م) يقول فوكو : «كلمة Discoures مصطلح لساني متميز عن نص وكلام وكتابة وغيرها بشمول لكل إنتاج ذهني سواءً كان نثرا أم شعرا منطوقا أو مكتوبا فرديا أو جماعيا، ذاتيا أو مؤسسيا، في حين أن المصطلحات الأخرى تقتصر على جانب واحد. وللخطاب منطق داخلي وارتباطات مؤسسية، فهو ليس ناتجا بالضرورة عن ذات فردية يعبر عنها أو يحمل معناها، أو يحيل إليها، بل قد يكون خطاب مؤسسة أو فترة زمنية أو فرعا معرفيا ما».(30) ماذا نستخرج من هذا التعريف؟ لا شك أننا نجد أنفسنا أمام تحول داخلي عميق لمعنى الخطاب، هذا التحول نتبينه في النقاط التالية:
١- «الخطاب يشمل كل إنتاج ذهني، وهذا الإنتاج الذهني يستوعب الفرد والجماعة والزمن»(31)
٢- الخطاب قابل عند (فوكو) «لأن يكون المسرح أو الساحة التي تتصارع عليها الإنسانية وبالتالي، فالخطاب إنتاج إنساني لا يشكله الفرد حتى ولو كان الناطق به»(32)
٣- الخطاب صراع من أجل السلطة، «إن الصراع بين الرغبة والسلطة له الدور الأكبر في هذا الإنتاج الخطابي»(٣٣)
٤- «الخطاب إذن هو التاريخ، هو الاقتصاد، هو السياسة، هو مجالات المعرفة الإنسانية وبالتالي لا بد إذن من تشكيلات لهذا الخطاب»(34)
وهذه الاستنتاجات تؤكد ما ذهب إليه (فوكو) حين يقول : «إن الخطاب شيء بين الأشياء وهو ككل الأشياء موضوع صراع من أجل الحصول على السلطة فهو ليس فقط انعكاسا للصراعات السياسية، بل هو المسرح الذي يتم فيه استثمار الرغبة فهو ذاته مدار الرغبة والسلطة»(٥٣) هنا (فوكو) يتجاوز دراسات العلوم الإنسانية والفلسفية والبنيوية، فيغدو الخطاب «ميدانا رحبا»(36)، وتصبح الممارسة الخطابية خاضعة لما يفرزه الميدان الرحب لمعنى الخطاب، فيعرف الممارسة الخطابية بقوله : «هي مجموعة من القواعد الموضوعية والتاريخية المعينة والمحددة دوما في الزمان والمكان، والتي حُددت في فترة زمنية بعينها، وفي نطاق اجتماعي واقتصادي وجغرافي أو لساني»(37)
وأرى أن عبارة «القواعد الموضوعية والتاريخية المعينة والمحددة دوما في الزمان والمكان» عبارة صادمة، لكونها تتعاضد مع فهم (فوكو) للسلطة المتجذرة في كل مكان، سلطة مهيمنة، متعاضدة ومتفشية بشكل لا متناه لدرجة يتعذّر مقاومتها أو تجنبها ناهيك عن مجرد تغيير مسار هيمنتها»(38)، كما أنها عبارة «متشائمة مكفهرّة» (39)، وتعليل ذلك بأنّ الشحنات التي تتضمنها العبارة الفوكوية تجعل من حتمية القواعد أمرا محسوما لا ينفع معه جدال أو نضال، وكأن تلك القواعد المعينة والمحددة دوما تشكّل تكتيكا استراتيجيا لفئة من الجيوش يصعب إزاحتها أو زعزعتها!
يقول (إدوارد سعيد) ما يلي: «يبدو لي، أن المسار التأريخي، الذي أخفق (فوكو) في استيعابه بشكل تام والذي استحوذ عليه فكرياً وسياسياً في أواخر أيام عمره، كان ذا نمو مُطَّرِدٍ متماسك وأحادي الاتجاه. ولقد تزامن مع وجهة نظر (فوكو) هذه عدم ملاحظته لعامل هامّ ألا وهو المقاومة الوثّابة لطغيان السلطة… وعبّر (بيتر ديوز) عن هذا حين قال: رغم أن (فوكو) على بيّنة بأنّ المؤسسات ليست مجرد مؤسساتٍ مفروضةٍ، بيد أنّه كانت تعوزه العدّة والعدد للتعامل مع هذه الحقيقة التي يتمخَّض عنها ان اتباعِ نهجِ تقليدٍ سائدِ أو عُرفٍ جارٍ لا يعني ضرورةً وبشكل دائم ان مثل هذا السلوكِ يوازي الانصياعَ إلى السلطة.. ما لم نكنْ على بيّنةٍ من هذا التمييز فإن كل تحديدٍ سيؤول إلى إقصاءٍ، وكلَّ إقصاء، يُؤول بدورِهِ إلى مُمارسة السلطةِ ذاتِها»(40)
وَشَغلَ معنى الخطاب Discoures اهتمامَ العديدِ من الباحثين العرب والنقاد المعاصرين، وقد حاول كل باحث أو باحثة، أن يحدد مفهومه حسب رؤيتهِ وطرحهِ لموضوعه(41) فظهرت عناوينُ كثيرةٌ حاول بعضُها الاستفادة من ترجمة المصطلح في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، في حين حاولت الأخرى استعماله من دون ترجمات، فظهرت في الساحة عناوين (على سبيل الشاهد) : الخطابُ الشعريُّ، والخطابُ الروائيُّ العربي، والخطابُ النقديّ العربيُّ، والخطابُ العربيُّ المعاصرُ، والخطابُ السياسيُّ، والخطابُ الراديكاليُّ، والخطابُ القوميُّ، والخطابُ الناصريُّ…إلخ، وهي كلها تسمياتٌ متعددةٌ حاولتِ الاستفادةَ من منجزات العلم والحوار الثقافي والنقدي ما بين الحضارات.
والآن يبدو للباحثة أن الخطاب يتكون من شكل ومضمون، وإذا استخدمنا كلمات البنيويّينَ فالخطاب يتكون من متن ومبنى، وللخطاب فعاليته التي ينتجها الأفراد في المجتمع والبيئة، كما أن للخطاب رسالة يظهر معناها في النصِّ الإبداعيِّ، وأن ممارسة الخطاب تقتضي علاقةً أساسيةً ما بين هذه العناصر: المُرِسل، والنَّصّ، والمُرسَل إليهِ الخطابُ. فالخطابُ بهذا المعنى بنية متماسكة ومتجذرة في كل مكان، وما السلطة إلاّ شَكْلٌ من أشكال هذا الخطاب.
وبعد عرض هذه التعريفاتِ المختلفةِ لمعنى الخطابِ، يَنجلي سؤالٌ بحاجةٍ إلى تعريف مضَمونه وتوضيحة: ما الخطاب المسرحي؟
ما الخطاب المسرحي؟
عَبرَ الخطاب الأدبي، سوف ندخل إلى تعريف معنى الخطاب المسرحي. تعني عبارة الخطابِ الأدبيِّ فصلا لنوع معينٍ من الخطابِ عن أنواع أخرى. أو تعني على الأقلِّ بأنَّ وجودَ خطابٍ أدبيٍّ يفترضُ وجودَ خطابٍ غيرِ أدبيٍّ لكلّ من الخطابين مقاييس تميزه. والتعرّف في الخطاب الأدبي على هذهِ المقاييسِ يعني استخلاصَ أدبيّته وتبيّنِها، أي استخلاصَ جملةِ الشروطِ والخصائصِ والمقاييسِ التي تجعلُ من خطابٍ معينٍ خطابا أدبيا. وهو ما جعل بعضَ الدارسينَ المحدثينَ يرون بأنّ هدف علمِ الأدبِ ليس دراسةَ الأدبِ، بل دراسةُ أدبيّة الأدبِ. ذلك أنَّ الخطابَ الأدبيَّ لا يختصُّ بمضمون محدد كالخطاب السياسي أو الرياضي مثلا، فكل الموضوعاتِ والمضامينِ التي تشكلها العوالمُ المعنويةُ للغةٍ ما بإمكانها أن تشكل مادة مضمونه(42)
وقد مرّ معنا في التعريفات المختلفة للخطاب محاولة تحديد الشكليين الروس لمعنى أدبية الأدب، وانطلاقا من تصور (توماشفسكي)(43) وتمييزه ضمن المادة الحكائية بين أمرّين متلازمين هما : (أ) المَبْنى الحكائي، (ب) المتنِ الحكائي، فإنّ الخطاب هو «الطريقةُ التي تقدَّم بها المادةُ الحكائية»(٤٤) ويتوقف تقديم خطاب المادةِ الحكائية كما أشرنا عند الكاتب/ الكاتبة، على الموقف الثقافيِّ والفكريّ والأيديولوجيّ والعقائديّ، فتختلف الخطاباتُ هنا، باختلاف الاتجاهاتِ والمواقفِ. «فهناك إذن جانبانِ للخطابِ : ما يقوله الكاتب وما يقرؤه القارئ»(45)
وباتَ حضورُ القارئ بوصفه مكوّنا بنيويا في النص الإبداعي من المرتكزات الرئيسة في العملية الإبداعية. فالقارئ هو الذي سيعيد قراءة النص وفق ثقافته وهمومه وإشكاليات طموحه، ولكيْ يقومَ القارئ بهذه المهمة المركزية، فإنّه يتتبع القواعدَ والإحالاتِ المنتشرةَ والمتجذّرة في النص الإبداعي، ومن هذه الزاويةِ نستنتج أن الخطاب هو ما «يعبرُ عن فكرةِ صاحبهِ، فهو يعكسُ أيضا مدى قدرتهِ على البناء، وبعبارة أخرى فأنه لما كان كلُّ بناء يخضعُ، حَتْما لقواعدَ معينةٍ تجعله قادرا على أداءِ وظيفتهِ، فإنّ الخطابَ يعكسُ كذلك مدى قدرةِ صاحبهِ على احترامِ تلك القواعد» (46)
ما أريد أن أصل إليه هو أنّ لكلِّ خطاب إبداعيٍّ قناة تعبير تخصّه، فالأجناسُ الأدبيةُ الإبداعيةُ المكتوبةُ كالقصيدةِ والقصةِ والروايةِ، والمرئية كالسينما والتلفزيون، والمسموعةُ كالراديو، والفنونُ التشكيليةُ، كلها لها آليتها الخاصةُ بها التي من خلالها تنتج علاقتَهَا مع المتلقي، سواءٌ أكان هذا المتلقي جالسا في بيته أو في المقهى أو في سيارته، فكل خطاب من هذهِ الخطاباتِ السابقةِ التي أشرنا لها يحَملُ في نسيجهِ الداخليِّ مفرداتهِ التي تجعلُ علاقتَهِ مع المتلقي علاقةً قائمةً على التبادلِ.
والمسرحُ خطابٌ إبداعيٌّ يقولُ ما لا تقوله الخطاباتُ السابقةُ : كالقصيدة والقصة والرواية والموسيقى… إلخ، وقناة هذا الخطاب هو اللفظ «ففن المسرحيةِ يتوسل بالحوار dialogue، تفريقاً له عن السَّرد narration، والحوار معناه تبادل الكلام بين شخصين dialogue أو أكثر، وقد يكون في صورة حوار داخلي يتخذ على المسرح شكل الحديث المنفرد monologue)(47) ودعامةُ هذا الخطابِ في العرض المسرحيِّ هي الجسد. منّ هنا فإنّ الخطاب المسرحيَّ هو «النص الذي تم تثبيته بواسطة الكتابة»(48) ويتضمن هذا النص رؤية ومنهجا، لا يقتصران على الناقد وحده، بل مُبدِع/ مُبدِعة النص الأدبي؛ فالرؤية هي «خلاصةُ الفهمِ الشاملِ للفعاليةِ الإبداعيةِ في نواحي النسجِ والبنيةِ والدَّلالةِ والوظيفة» أما المنهجُ فهو «سلسلةُ العملياتِ المُنظَّمَةِ التي يهتدي بها الناقد للاقترابِ من الأهدافِ التي تنطوي عليها الفعالية الإبداعية»(49)
مدخل لمفهوم الجسد وقراءته:
أشرنا في معرض حديثنا عن المسرح وخطاب العرض المسرحي إلى أن الجسد هو دعامة خطاب العرض المسرحي. ولم يكن اختياري عنوان هذه الورقة (خطابُ جسدِ المرأةِ في المسرحِ العربيّ) مبنيا على رغبة في الفصل ما بين الجنسين: المرأة والرجل؛ لإيماني بأن الجسد الذي نراه فوق المنصة يتلفظ ويتحرك ويومئ ويتطوّح ويغرق ويبكي ويضحك ويُسلي ويذوي ويموت، هو شكل من أشكال القربان، ألم يقل (رولان بارت) بأن المسرح في وجه من وجوهه، هو احتفال بالجسد الإنساني؟ وقبله بخمسة قرون ألم يقل (شكسبير) بأن : الحياة ظِلٌّ يمشي، مُمثّلِ مسكينٌ يتبخترُ ساعتَه على المسرحِ، ثمَّ لا يسمعُه أحدٌ: إنَّها حكايةٌ يحكيها معتوهٌ ملؤها الصَّخَبُ والعنفُ، ولا تعني شيئاً! بل إن الدافع الحقيقيَّ وراء اختيارِ هذا العنوان (خطاب جسد المرأة) هو الإحساس الثقافي-إنّ صحَّ هذا التعبير- بأنّ الجسدَ الإنسانيَّ في المسرح، وجسد المرأةِ على وجه الخصوص، يُشكِّلُ علامة سيميائيةً ومفهوما متشعبا، فجسدَها «كان ولم يزل موضوعَ أبحاثٍ ودراساتٍ متنوعةٍ، له لغته الخاصةُ، وأدوارُه المتشعبة، كما له أبعادهُ النفسيةُ والاجتماعيةُ والثقافية»(50) وقد يعترض البعض على هذا التخصيص، فيقول لنا بأنَّ «كل شيء في العرض المسرحي علامة سيميائية»،(51) فنجيبه بأنَّ كل شيء في العرض المسرحي هو علامة، فالمرأة علامة، والرجل علامةٌ أيضا، ولكننا نُخصص القراءة النقدية عن خطابِ جسدِ المرأةِ لكونِهِ الجسدَ الأكثرَ وقوعا تحت جبروتِ الرمزِ(52)، «ففي الوقتِ الذي تسعى فيه المرأةُ إلى تأسيس ميثاقٍ أنثويِّ يحمي وجودَه المؤنثَ من تسلّط الثقافةِ الذكوريةِ، فإنَّ ميثاقا جسديا آخر يُعيدُ رفع رأسه ليضعَ الجسدَ الأنثويَّ بين قوسين، أو بين إيقاعين»(53) فأسئلةُ جسدِ المرأةِ وخطابُها في المسرح العربي كثيرةٌ وكبيرةٌ ومعقدةٌ؛ فبفعلِ الصورةِ الذهنيةِ التجريديةِ، لجسدِ المرأةِ في مدوّناتِ التراثِ والمجتمعِ والأجناس الأدبيةِ الثقافيةِ والصورةِ البصريةِ، باتَ من المُهمّ التخلي عن تقديم المرأة كنمطٍ أو نموذجٍ ساكنٍ غيرِ متحركٍ، كأن تأتي رمزا للوطن أو الأرض، وما قد يترشح عن هذا التنميطِ الوظيفيِّ من معانٍ وقيمٍ أخلاقيةٍ ومثاليةٍ ، تبتعدُ عن تقديمها ككائن دراميِّ أو إنسانِ حيّ، له كيانه النابضُ بالحياةِ والموتِ، وبالسلبِ والإيجابِ، وبالقوةِ والضعفِ.
ومن ناحية أخرى هناك نصوصٌ تُظهِر أشكالاً وأدوارا وظيفية للمرأة؛ فنجدها على سبيل الشاهد: المرأة الحرّةَ، والجاريةَ، والأمَّ، والزوجةَ، والأختَ، والابنةَ، والعاشقةَ، والمعشوقةَ، والوفيةَ، والغادرةَ، والزاهدةَ، والبخيلةَ، والكريمةَ، والماكرةَ والغيورَ، والكاهنةَ، وهناك نصوص أخرى يغيبُ فيها جسدُها ويحضرُ فقط الإشارةُ إليها وفْقَ سياقِ المعانيِ والقيمِ الأخلاقيةِ، فيُرْمَزُ للكرامة بها وحَدَهَا، وكأن الرجلَ بلا كرامة!
فكيف قُرِأَ جسدَ المرأةِ كمدخلٍ لتشَّكُلِ خطابِ الجسدِ-جسدِها-؟
من أجل الوقوف على هذه القراءةِ سوف ننطلق من المعجمِ، ونبحث في مادتيِّ (جَسَد وبَدَن) للكشف عن أبعاد الدلالة:-
«الجسد: جسم الإنسان». «والجَسَدُ: البدن». و«بَدَنُ الإنسانِ: جسَدهُ. والبدنُ من الجَسدِ، والجمعُ أبدان»، ولكنه يعني أيضا: «الجسدُ: هو الذي لا يعقلُ ولا يميزُ، إنما معنى الجسدِ معنى الجُثَّةِ فقط» وورد هذا المعنى في تفسيرِ ابن سيده لقوله تعالى: «فأخْرَجَ لهم عِجْلا جَسَداً له خُوار». ويأتي الجَسَدُ: بمعنى الدَّمِ اليابسِ. كما يعني الجَسَدُ أيضا: «الثوبَ المُجْسَدَ إذا صُبغَ بالزعفران، ويقال للزَّعفران: الرَّيْهُقان.» «والمَجاسِدَ: جمع مُجْسَد، وهوَ القميصُ المُشَّبعُ بالزعَفرانِ. والجَسَدُ أيضا: من الدّماءِ ما قدَ يبس فهو جامد» ويعني المِجْسَد أيضا: الثوبَ الذي يلي جسدَ المرأةِ فتعرقُ فيه. وقال ابنُ الأعرابي: المَجاسِد جَمعُ المِجْسَدِ، بكسرِ الميم، وهوَ القميصَ الذي يلي البدن». «والبَدَنةُ: من الإبل والبقر كالأضحيةِ من الغنم تُهدى إلى مكةَ، الذكرُ والأنثى في ذلك سواء». ويأتي البَدَنُ بمعنى: «شِبْهُ دِرِعٍ إلا أنه قصيرٌ قدْر ما يكونُ على الجسد فقط، قصيرُ الكُمَّينِ. وبَدَنُ الرجلِ: نسَبَهُ وحَسَبُه»(54)
فما الدلالاتُ المترشحةُ عن هذهِ المعاني؟
أولا- يُسجلُ معجمُ لسانِ العربِ للعلامة ابنِ منظور هذه الحادثةَ في حديثِ الشعبي: «قيل له إنّ أهل العراق يقولون إذا أعتق الرجلُ أمَتَه ثم تَزوَّجها كان كمنْ يَرْكبُ بدَنته؛ أي من أعتقَ أمَتَه فقد جعلها مُحرَّرة لله، فهي بمنزلة البَدَنةِ التي تُهدى إلى بيت الله في الحجّ فلا تُرّكبُ إلا عن ضرورةٍ، فإذا تَزوَّج أمَتَه المُعْتَقة كان كمن قد رَكِبَ بَدَنته المُهداة»
نلحظُ أنّ الحديثَ عن المرأةِ جيء به كخَبَر مبثوثٍ لتأكيدِ السياقِ الاجتماعيِّ والثقافيِّ للجماعةِ، فالمرأةُ في هذه الحادثَة هي جاريةٌ مِلُكُ صاحبِها أو سيدِها، كالبَدَنِ من الإبل التي هي مُلُكٌ لسيدها، فإذا أعتقَ السيد جاريتَه، أصبحَتْ حرّة للهِ تعالى، ولكنْها لا تكونُ سيدةَ نفسِها أو ذاتِها. والإبلُ المهداةُ تكونُ محررةً أيضا لوجه اللهِ تعالى. إنَّ تشبيهَ صورةِ المرأةِ بالحيوان في هذهِ الحادثةِ، إرثٌ ثقافيٌّ نجده في مدوّنات التراثِ العربيِّ، كالجاحظ وأبي الفرج وفي السيّر الشعبيّة العربيّة التي تزخر بهذه التشبيهات «فالجاحظُ يشبهُ المرأةُ اللفاءَ الضامرةَ البطنَ بالحيةِ، لأنّ خَلْقَ هذه مجدولٌ لا ترهّلَ فيهِ، وسيرُها مستقيمٌ غيرُ متراخ»(٥٥)
ثانيا- وتظهرُ التحليلاتُ للأسماءِ والمعاني هنا «أن الجسدَ ليس مؤثِّماً وإن كان نبعَ إثْم أحيانا؛ كما هو عائقٌ. وتكثرُ المكوِّناتُ في لاوعينا الجماعي التي لا تضعه في قيمة رفيعة. ومن تلك المكوِّنات: قصصٌ وحكايا شعبية، وبعض التفسيرات لمعتقدات دينية حول جسد المرأة، والتأثيماتُ الفقهية له أو اعتبارُه حاجزاً يمنع التحقق والكمال»(56) كما تكشف هذه التحليلاتُ عن مدى توّغل الطابعِ العلائقي للكلام عن الجسد بين طرفين، فكلُ «علاقةٍ مع الآخرِ تقعُ في إطار لاوعيٍ جماعيةٍ، حيث توجدُ وتتجسدُ الخرافاتُ والأنماطُ البدائية؛ مثلا تشكيلات صورِ المرأةِ وعلاقتُها بالخرافات ورسمُها على شكل حيةٍ يأتي من خلال المخيِّلةِ والأوهامِ، ويُنظر إليها كمادة أو كشيء، وليس كذات»(57)
ثالثا- كما تكشفُ التحليلاتُ أيضا: أن «البدنَ بما هو رغبةٌ وشهوةٌ أو جمالٌ والتذاذٌ يُفصح عن وجودِه في لذةِ الخطابِ؛ فالالتذاذُ في الحديثِ عن اللذةِ ومحاولةُ البحث عنها والتعرّفُ إلى حقيقِتها هو نوعٌ آخر من اللذةِ كما يقول ميشيل فوكو»(58)
إنَّ الصورَ المتعددةَ للمرأةِ وجسدِها التي تزخرُ بها المدوّناتُ التراثيةُ والأساطيرُ تؤكدُ على أنَّ الجَسَدَ في الأدبِ العربيِّ عامةً قد «فازَ بمكانةٍ هامّةٍ في مختلفِ الأغراضِ: الغزلُ، الوصفُ، الرثاءُ، الهجاءُ، المدحُ، فهو، بصفِته شكلا تدركُه الحواسُّ، حاضرٌ بإلحاح في عمليتي الإبداعِ والتلقّي»(59) فإذا تحرّكنا من مَسْرَحِ المُعْجمِ، فإننا نستجلي حضورَ الجسدِ في النصوصِ العقائديةِ الإسلاميةِ التي جعلتِ الجسدَ «يستقطبُ مختلِفَ العباداتِ ومقاصدَها إذ يستجمعُ معانِيَ الطهارةِ بالوضوءِ والاغتسال، والصبرِ بالصوّم، والتوبةِ بالحجِّ والتكاملِ الاجتماعيّ بالزكاة، والضراعةِ إلى اللهِ والاعترافِ بوحدانيته بحركاتِ الجوارحِ في الصلاةِ أو بالشهادتين»(60) وتؤسسُ المعاجمُ والنصوصُ العقائديةُ الإسلامية لخطابٍ للجسدِ يخرج عن إطارها إلى إطار الفلسفة وأصحاب المذاهب والمتصوفة المسلمين لم يفتهم «أن يُحيطوا الجسد-كلٌّ حسبَ مذهبه-بصفات شتّى، لعلّ أكثرها شيوعاً وتواترا صفة الوضاعةِ بسببِ عجزه عن السيطّرة على العالم أو صفة العرضيةِ لأنه زائلٌ ومفارقٌ لجوهره الذي هو الروحُ أو الله»(61)
يبدو مما تقدم أنَّ الجسدَ مكوّنٌ يَصْعَبُ قراءتُه «قراءةُ الجسدِ أعقد؛ ولعلها ستكونُ عاملَ إخراجِ مكبوتاتٍ وتجاربٍ قديمةٍ، وانجراحاتٍ ورضّاتٍ وذكرياتٍ مدفونةٍ إلى الوعي»(62) ويمكننا القولُ إنّ الجسدَ حاضرٌ في الثقافةِ العربيةِ بقدر ما هو غائبٌ، وأنَّ الخطاب ينبئ عنه بقدرِ ما يحجُبُه، ويتسترُ عليه.
تعريفان جانبيان:
تبين ليِ من خلال العرض السابقِ عن الجَسَد ومكبوتاته، وتطلّعاته للحرية، ونظرةِ المعجمِ والمدوناتِ التراثيةِ والنصوصِ العقائديةِ والفلسفيّةِ مرافقة مفهومين لمعنى الجسد، هما: (أ): الذاتُ. (ب): النفسُ/ الروحُ ومجاهلُها. فما الذات؟ وما النفس/الروح؟ لماذا يحضر هذانِ المفهومانِ متلازمَيّنِ حين يرِدُ الحديثُ عن الجسدِ؟ فما أن يًطْلِقَ الإنسانُ لفكرِه العِنانَ في جسدهِ، حتى يتحسس حضورَهما، وفي حضورهما ذلك يشعر بغيبِتهما، أو لنقلْ بعدمِّ قدرتِه على الإشارةِ إليهما بسُبابته! فما القوةُ التي يتمتعان بها؟ وهل لهذينِ المفهومينِ عِلاقةٌ مباشرة بالإنسان وبالشخصيّةِ المسرحيّة؟ وما مدى التقابلِ والتضادِّ ومدى التقاطع؟
أ-الذات
في التمييز الذي يقدمه الفيلسوف (كارل يسبرز) بين الآنيةِ Dasien وبين الوجودِ الماهَويّ Existenz يضَعُنا أمام واقعةٍ أساسيةٍ حين يقول : «أن الإنسانَ هو الحقيقةُ الأساسيةُ التي أستطيعُ إدراكَها في العلم: فهو يتصفُ بالحضورِ والقربِ والامتلاءِ والحياة. وفي الإنسانِ وبه وحدَه يَصبحُ كلُّ ممكنٍ واقعاً. لهذا فإنَّ إهمالَ الوجودِ الإنسانيّ، أو تغافلَه؛ معناهُ الغَرَقُ في العَدَم»(63)
إن مفهوم الذاتِ يتضمنُ في النهايةِ، معنى الوجودِ الإنسانيِّ الذي لا يتمُّ التعرفُ عليه إلا من خلالِ إدراكهِ. إدراكِ الإنسانِ لذاتهِ، وإدراكِه لِما حولَه من موجوداتٍ، ومِن ثمَّ إدراكُه لكلِّ الوجودِ الذي من حولِه. والذاتُ يعرّفها علمُ النفسِ بأنَّها جسمُ الفردِ الذي يكون جزءاً منها، لأنها قابلةٌ للامتدادِ لتتضمنَ كل ما يدخل في مجال حياة الفرد: بيتُه، وما يمتلكَه ليدافِعَ عنه، وكذلك آراؤه ومعتقداتُه. والذاتُ ليست قاصرةً على الجسمِ، ولكنَّها تتضمنُ المادياتِ والمعنوياتِ، وتتكونُ الذاتُ نتيجةَ التفاعلِ الاجتماعيّ والتنشئةِ الاجتماعيةِ. فالذاتُ عبارةٌ عن مجموعةٍ من الاستجاباتِ وردودِ الأفعالِ في الإنسانِ نفسه. هل معنى هذا أنَّ الجسدَ إذا حلَّ مكانَ جسدٍ آخر يكونُ قد حلّ مكان ذاتِه؟
«يستطيعُ كلَّ جسدٍ أنَّ يَحُلَّ مكانَ أيِّ جسدٍ آخر. لكنَّ (أنا) لا تحل مكان (أنا) أخرى. ولا هو يمكنُه أنّ يكونَ إلا هو. الأجسادُ تملاْ فراغاتٍ في المكانِ، أما الأنا والأنتَ والْهَو فإنها تنتمي إلى عائلةٍ لغويةٍ أخرى نسمّيها: ذوات. فالذاتُ ليست الجسدَ، ومع ذلك يصيرُ انتماءُ الجسدِ لها وإليها»(64)
وفي الاستجاباتِ وردودِ الأفعالِ ينشأُ الكلامُ «فالكلامُ عالمُ الذاتيّةِ ومرآتُها وإنَّ شخصيةَ المتكلمِ تتحّررُ فيه وتُخلقُ، وإنَّ ذاتَ المتكلمِ لا تصلُ إلى الآخرِ وتكشفَ له عن نفسها إلّا بالكلام، فإنَّ هذا الواقعَ لا يكونُ إلا بوجود الآخر، ولا يكونُ للكلامِ وظيفةٌ إلا بوجودِ الآخر، خياليّا كانَ هذا الآخرُ أو واقعيّا»(65) وسوف يتجلّى هذا المعنى الفلسفي للذات في الدراسة التطبيقية للنّماذج المنتخبةِ بوضوح شديد.
ب-النفسُ/ الروحُ ومجاهلها.
يقول الباحثُ (الوائلي) معرّفاً النفس: «أمّا النفسُ فما هي إلاّ العواطفُ بنوعيها الإيجابيةِ والسلبيةِ، وما الغرائزُ إلا صدى انفعالاتِ العواطفِ، وبعبارة أخرى إنها الحركاتُ العضويةُ الناتجةُ عن الانفعالاتِ العاطفيةِ، ولا وجودَ للغرائز بدون عواطِفِها، ومن الممكنِ وجودُ العواطفِ بدونِ غرائزِها»(٦٦) وأن «الذاتَ والأنا اسمانِ مرادفانِ لكلمةِ الروح، لعدمِ تصوّر وجودِ أحدِهما بدون الروح، وعدمِ تصوّر الروحِ بدون كل منهما… فإذا قلنا الروحُ فإنّما نقصدُ العقلَ بملكاته العقليةِ الخمسِ والنفسَ بعواطفِها وغرائزِ عواطِفِها. وعلى هذا فالروحُ أشملُ من العقل وحَده، وأوسعُ من النفسِ وَحدها»(67) ويربطُ باحثٌ آخر البحثَ في مسألةِ النفسِ والروحِ ومجاهِلِها بمشكلةِ الإنسانِ والألوهيّةِ: «فالجسدُ والنفسُ هما المادةُ والروحُ، الأرضُ والسماءُ، المحسوسُ والمَجرَّد، المخلوقُ والخالقُ، الفانيِ والسرمدي»(68) كما يربِطِها ببحثهِ عن قضيتهِ الأولى هي: «قضيةُ الجسدِ، أو قضيةَ الجَسَدِ الحَيّ، هي إذن قضيةُ الإنسانِ المُفَكّرِ الأولى؛ هي الإنسان[ومحاوَلاَتُهُ التساؤل]: ماذا نحنُ؟ وماذا سنكونُ؟ من أينَ أتيّنا وماذا سيُحلُّ بنا؟ ما هي الحياةُ وما هو الفكرُ؟ ما هي المادّةُ التي يتكوَّنُ منها الجسدُ وما هو مآلُها»(69)
يمكنُ ليِ أن أسَتنجَ بهدوء بأنَّ البحثَ في مجاهِل النفسِ والروحِ، بحثٌ إشكاليٌّ يتصل اتصالا قويا بمنابع الأسئلة الكبرى عن الوجود والماهيةِ. كما يتأسّسُ الكلامُ عنهما ليتّسعَ ليشملَ بعد ذلك الكلامَ عن التجربةِ الشخصيةِ المنبنيةِ على التفرّد والفردانيّةِ كوجود خاصٍ متميزٍ، ومقدرةِ تلكِ الشخصيةِ أنّ تختار إمكانيتَها في الوجودِ، فما هو الإنسانَ؟ الإنسانُ هو الإمكانيةُ؛ بمعنى إمكانيةِ أنّ يكونَ ما يشاءُ، وفي الوقتِ الذي يختارُ «فليستِ المسألةُ إذن هي كيفَ أنني كائنٌ في هذا العالمِ، بقدر ما هي (المسألة) أنّ أكونَ ما أنا عليه كائنٌ حقا، دونَ أنّ يشوبَ هذا التأكيدَ أيُّ تفضيلٍ قِيمِيّ، أنطولوجيّ أو أخلاقي»(70)
بعدَ هذا العرضِ لمفهومي الخطابِ والجسدِ، سنقومُ باستجلاءِ خطابِ النصّ المُنَتخب، الذي اقتضت رؤيتنا المنهجيةُ أن تجيبَ على سؤالِ أساسيّ هو: لماذا سعدالله ونوس؟ يحتكمُ جوابُنا لاعتبار مهمّ هو: إن النصَّ الوَنّوسيَّ يشكلُ منطقةً خَصِبةً ومفازة كبيرة لتجسيد بُنَىَ تفتح ثيماتٍ عديدةً لعلَّ من أهمِّها: القهرَ والعبوديةَ والحبَّ، هذا على مستوى البُنى المركزيةِ. أمّا من الناحيةِ التَّقَنّيِةِ الشكليةِ فتمثّلُ تجربتُه استخداما موفقاً لتوظيفِ أساليبِ التغريبِ المسرحِيّ.(71)
النصُّ: طقوسُ الإشاراتِ والتحوّلات ٩٣-1994
أ-البناءُ الِدّرامِيّ للنص.
المَبنْى والمتْن: وصفُ المادةِ الحكائيةِ المُتَرَشّحَةِ عن مُسْتوى الأقول.
ضْمنَ المادةِ الحكائّيةِ المكوَّنةِ من مَتْن ومَبنى يَحكيِ لنا (سعدالله ونّوس) في حكايةِ مسرحيتِهِ طقوسِ الإشاراتِ والتحولات، إشاراتٍ وتحولاتٍ أودَت بمصائرِ الشخصياتِ إلى نهاياتٍ مختلفةٍ وغيرِ محسوبة: فمن حيثْ المتنُ وغرضُه Fable يخبرُنا المؤلفُ حسَبَ النظامِ الوقتيّ والسببيِّ للأحداثِ، حكايةً أوردَها المجاهدُ الشاعرُ (فخري البارودي) في مذكراتِه عن : «كيف استعَرَ الخلافُ بين مُفتي الشامِ ونقيبِ الأشرافِ فيها، أيامَ الوالي (رشدي ناشد باشا)، وكيف تجاوزَ المفتي الخلافَ الشخصِيِّ، ومدَّ يدَ العونِ للنقيبِ حينَ أوقعَ به قائدُ الدَّرَكِ آنذاك، وقبضَ عليه وهو يَقْصِفُ مع خليلةٍ له»(72)
والمتّنُ هو كما عرّفه (توماشفسكي) قائلا : «إنّنا نُسمّي مَتْنا حِكائّيا مجموعَ الأحداثِ المتّصلةِ فيما بينَها، والتي يقعُ إخبارُنا بها خلالَ العملِ. إنّ المتنَ الحِكائيّ يمكنُ أنّ يُعْرَضَ بطريقةٍ عملية، حسبَ النظامِ الطبيعيِّ، بمعنى النظامِ الوقتيِّ والسببيِّ للأحداثِ، وباستقلالٍ عن الطريقةِ التي نُظِمَتْ بها [تلكَ الأحداث] أو أدخِلتْ في العمل»(73)
إذا أمْعَنّا التدقيقَ في حكايةِ ذلكَ الخلافِ نجدُه خِلافَاً قدّ شَكّلَ خلفيةً أو بِساطَاً جيء به كجدارٍ للحكايةِ الأخرى، وهذا ما يؤكدُهُ المؤلفُ حين يوردُ إشارتَه التالية: «هذهِ الحكاية هي النواةُ التي بُنِيَتْ عليها هذه المسرحية (طقوسُ الإشاراتِ والتحولاتِ) واستقيتُ منها معظمَ شخصياتِها، وإن افترقَتُ عن الباروديِّ في التأويلِ والمغزى»(74)
إذنْ هناكَ مستويانِ مُتَمّيزانِ في هذا العمل:
المستوى الأول: هو مذكّراتُ (فخري البارودِيّ) وفيها جوهر الخلافِ الذي اسَتَعرَ بينَ المفتي ونقيبِ الأشرافِ.
المستوى الثّاني: فهو التّأويلُ والمغزى، ويتمُّ الكشفُ عنهما بواسطةِ الحَمولةِ الفكريّةِ التي أُلقيتّ على أكتافِ الشخصياتِ، أو أبطالِ هذا العمل، وهذا لا يتعارضُ مع ما صرّح به المؤلفُ في افتتاحيّةِ النصّ، حين قال عن شخصياته بأنّهم : «ذواتٌ فرديةٌ تَعْصِفُ بها الأهواءُ والنوازعُ وتُرهقُها الخياراتُ، أفراد لهم ذواتُهم ومعاناتُهم المتفردة والشخصية»(75)
إنّ (سعدالله ونّوس) باختياره هذا الشّكْلَ الكتابيّ للنصّ الدِّراميّ يؤكّدُ على جوهرِ اللَّعِبِ المسرحيّ، فهو كعادته في مسرحياتٍ سابقة؛ نذكر منها على سبيل الشاهد (سهرةٌ مع أبي خليل القبّاني-1972م، منمنمات تاريخية-1993م) يستقي الحكايةَ من «مصدر تاريخيّ مُحَقّقا بذلك شيئا من تغريبِ المَشْهد، إذ يعيد إلى الأذهان أنّ هذه الحكايةَ هي حكايةُ من الماضي يمكنُ التحققُ منها في أحدِ المصادرِ التاريخية»(76)
في المستوى الثاني ينبني المَتْن الحِكائيُّ للمسرحية فـ«يتألّف من نفسِ الأحداث [لنذكر أنَّ المقصود هنا بالأحداث هو الخلافُ الذي استعر بين مفتي الشام ونقيب الأشراف]، بيد أنه يراعى نظامَ ظهورِها في العمل، كما يراعى ما يتبعُها من معلوماتٍ تعيِّنها لنا»(٧٧) ومراعاةُ ظهورِ نظامِ الأحداثِ في العملِ هو انبناؤه وانتظامُه وَفْقَ البناءِ التتابعيّ للأحداث. «إن ما يميزُ نظامَ الصّوْغ هذا، أن المتنَ فيه، يترتّب في الزمانِ على نحو مُتوال بحيثُ تتعاقبُ مكوِّناتُ المادّةِ السرديةِ [الحكائية]جزءاً بعدَ آخرَ، دونَما ارتدادٍ أو التواءٍ في الزمان» (78)
وعلى الرَّغْمِ من تغريبيَّة المشهد الذي بَنى عليه (سعدالله ونّوس) هيكَل نصِّه الدِّرامِيّ نجدُنا أمام توافقِ رؤيةٍ مسبقة إنّ لم تكنْ جاهزةً لبناء النص عنده، على عكس ما نجده في بعض النصوص المتأخرة حيثُ بلغَ التغريبُ في المشهد المسرحيّ خروجا على البناءِ الكلاسيكيّ للحَدَث، كمسرحيّةِ أحلامٍ شقيّة مثلا!. فما يُمَيِّز الصَّوْغ التتابعيّ ونظامَه أنّه من «أبسطِ أشكالِ النثرِ الحكائيّ التخيّلي»(79) ويبدأُ هذا الصَّوْغ كما هو معلومٌ بمكوِّن ثابت: بدايةٍ/ وسطٍ/ ونهايةٍ، يُراعى فيها القالبُ الأرسطيَّ ولا يَحيدُ عنه.
وفي المستوى الثاني أيضا تُحْكى هذه الحكاية:
نقيبُ الأشرافِ يلهو مع الغانيةِ (وردة)، ويتمُّ اكتشافُهُ وتجريسُه على بَغْلَة، وسَجْنَه مِنْ قِبَل قائدِ الدَرَك بتدبير من المفتي. ثم يذهبُ المفتي إلى زوجةِ النقيبِ (مؤمنة بنتِ السيّد محمّد الخزار) ليتفق معها على حيلة مُلَخَصها هو أن تتزوّق وتتهيّأ للخروج إلى السجن حينَ يهبطُ الليل، ليتمَّ استبدالُها بالغانيةِ التي جرَّسوها مع زوجِها نقيبِ الأشرافِ، فتنقلبُ الورطةُ على قائِد الدَرَكِ حينَ يعلمُ الوالي في الشامِ والناسُ عامّةً، أنَّه قُبِضَ على النقيبِ وزوجتهِ.
إننا نشهدُ في هذه المسرحيةِ تقلباتٍ مفاجئةً في دَواخلِ الشخصياّت، واندفاعاتٍ يَصَعْبُ تفسيرُها من خلال الأحداثِ نفسِها، ومن ذلكَ على سبيلِ الشاهدِ:
(-) نقيبُ الأشرافِ (عبدالله) تصيبه جذبةٌ قويةٌ يتحوَّل على أثَرِها إلى متصوّف يهملُ أمورَ الدنيا وشؤونَ أهلِها، فَسَلكَ دَرَبَ الصوفيّة على غير طريقةٍ تُعرفُ أو شيخٍ يرشدَه.
(-) العَفْصَةُ. وهو أحَدُ الرِّجالِ المحسوبينَ من رجال المفتي (محمد قاسم المرادي) يتحول من رجل أبضاي إلى رجل حليقِ الشواربِ، ناعمِ الوجهِ يتعمّدُ التخَنْثَ بحركاتهِ وكلامهِ، وحينَ يصدّه (عباس)، يَشنق نفسَه بحبل في خطوة كانت محتومة لا فرار منها.
(-) المفتي يصدر بعض الفتاوى- تعبير المجتمع الكلاسيكي-تقضي بأن:
-«يهدر دم البغايا نساءً كانوا أم رجالا. ويخصُّ بالذكر تلك البغي التي تدعى ألماسَة» -«ويحرم أن تتزين امرأة بزيها أو تتجمل على غرارها»
-«ويحرم أن تسمى أي بضاعة باسمها وما وجد منها يتلف»
-«ويحرم قراءة الكتب غير الدينية ومن وجدت لديه مثل هذه الكتب فليحرقها أو فليسلمها للمفتي»
-«ويحرم الغناء والرقص وكل ما ينتسب إلى الخلاعة أو يؤدي إليها»
-«ويأمر المسلمين بمهاجمة الأماكن التي تصنع فيها الخمور، ويحل لهم إحراقها وإهراق خمورها، ويأمر بالقبض على من يشرب الخمر وجرِّه إلى المحكمة الشرعية لإقامة الحد عليه»
فما يلبثُ إلا أن يتراجعَ عنها؛ إذ يُصَابُ بسَقم يصلُ به إلى حدّ التلفِ، يجعله يقرّرُ لملمةَ ما بقىَ مِن عزمِهِ لإعلان فتوى أخيرة تبطلُ كلَّ الفتاوي السابقة.
(-) مؤمنة ابنة السيد محمد الخزار، تتحوَّل بمحضِ إرادتِها واختيارها الكامليْن إلى بائعةِ هوى، فتستبدلُ باسمِها القديم آخرَ جديدا هو ألماسة «وتثيرُ في البلاد فتنة تعصفُ بأهواء الناس وتسلبّ لبَّ المُفتي وكذلك تخطِفُ عقولَ جميعِ التجارِ والنساءِ كما تخطِفُ لبَّ الوالي نفسِه الذي يأمرُ خَصِيَّهُ باتّخاذ الإجراءاتِ كافةً لكي يضمنَ حمايتَها فلا تصابَ بسوء أو مكروه»(80)
وهذا ما يظهر لنا من تبدّلاتٍ وتحولاتٍ للشخصياتِ في مستوى التأويل.
خطابُ الرؤيةِ الدراميةِ للنصِّ ومقولتُه المركزية
تتجسد الرؤيةُ الدراميةُ للنصِّ لاستجلاءِ المقولةِ المركزيةِ من خلال منظورِ المؤلفِ لمادّةِ نصِّه الدراميّ، الأمر الذي يفيدُ خضوعَ تلك الرؤيةِ لإرادةِ المؤلفِ وموقفهِ الفكريِّ والوجوديِّ والمعرفيِّ، سواءٌ أكانتْ تلك الرؤيةُ موجودة في الواقع الاجتماعيِّ والثقافيِّ والسياسيِّ أم اقتصرتْ على النصّ وموقفِ المؤلفِ في النصّ من الكتابةِ الدراميةِ نفسِها. فالرؤيةُ كما سنلاحظُ في أثناء التطبيقِ لا تُسفر عن الموقف الخاص للمؤلف إزاءَ عالمِ نصّه الدراميّ وشخصياتِه فحسب؛ بل وكذا موقفه من العالم أيضا.
كما أنّ أيةَ خصائصَ أو أفكار قد ننسبها إلى الشخصيات الدرامية وفق رؤية المؤلف بطبيعةِ الحال، عليها ألا تنسينا انتماءَها إلى عالمِ تخيّليِ في المقامِ الأولِ والنهائيّ، هو عَالُم النصِّ الدراميّ المكوَّن من أنساقٍ شتّى تتدخّل في الرسالة نفسِها أو المقولةِ الكليةِ للنصّ التي تتضافرُ مع عدد من الإشاراتِ والإحالاتِ لكشفِ المقولةِ المركزيةِ أو دعمِها أو دحضِها.
في الحوار الافتتاحيِّ في المشهد الثاني من المسرحيةِ يَجري توضيح دورِ الخطابِ الدراميّ الرئيس في تركيبِ السياقِ الذي سَوف يبلورُ من خلاله المؤلفُ، بتصاعدِ الأحداثِ وتتابعِها، كشفا مبدئيا أو خيطا لرؤيتِهِ الدراميةِ ومقولتهِ المركزيةِ:
المفتي: «المسألة هي أنّ النظامَ في هذه المدينةِ يرتكزُ على مراتبَ وتوازناتٍ. وما يضبطُ كلَّ شيء هو عددٌ من المناصبِ التي ينبغي أن تحفظ حُرّمتها، وتصانَ هيبتُها. كما أنّ هيبةَ الدولةِ واحدةٌ ومتضافرةٌ، فكذلك الحال في مدينة الشام… إنّ الرجلَ عدوِّي، ولكنّ نقابةَ الأشرافِ مرتبةٌ تسِندُ مرتبتيْنِ وهيبتُها تعزِّز هيبتي. حينَ وَضَعْتَ العمامةَ الخضراءَ على رأس قَحْبَة، أهنْتَ الأشرافَ، وأهنْتَ عمامتي أيضا ومن يعاملُ نقيبَ الأشرافِ بهذا الاستخفافِ، قد يعاملُ المفتي لدى أولِ خلافِ بالاستخفاف ذاتِه»(81)
تكشفُ النظرةُ الاستقرائية العامّة إلى النتاج المسرحي لدى (سعدالله ونّوس) بروزَ منظومةِ السلطةِ كقضيةٍ أو مقولة مركزية وأساسية يتحالفُ على إبرازها تضافرُ ثلاثِ طبقات هي : طبقة رجالِ الدولة، وطبقةُ التجار، وطبقةُ الناسِ المتنفذينَ، ومِن الممكنِ أن يندرج بينهم أيضا الناس العوامُّ والدهماءُ والبسطاء.
في طقوس الإشارات والتحولات يمكن تقسيم الشخصيات وتوزيعُها ضمن هذا التصور إلى الفئات الثلاث التالية:-
(١) فئةِ رجالِ الدولةِ ويمثلها : الوالي ومن معه من رجال الحاشية والبلاط.
(٢) فئةِ الرجالِ الأشرافِ ويمثلها: عبدالله ومؤمنة ووالدها وأخواها صفوان وعبدالرحمن، ومندوب الأشراف في المدينة صفوت العابدي…
ويمكن أن يندرج تحت هذه الفئة من الطبقة الاجتماعية فئة التجار ومن في حكمهم من المتنفذين والمستفيدين في السلطة، ويمثلهم في النص: دقاق الدودة إبراهيم، حميد العجلوني، وأهل السوق عامة كالعطارين وعمال المقاهي.
(٣) فئةِ الناسِ العاديّين من البسطاءِ والفقراءِ والشحاذينَ والكتّاب، ويمكنُ أن يندرجَ تحتَ هذه الفئةِ من سياقِ البعدِ التواصليّ في المسرحية مع الفئتين السابقتين: الناسُ المتصوّفونَ والدهماءُ والدراويشُ أصحابُ الطُّرُقِ والبدعِ على غير طريقٍ تُعرَفُ، وأهلُ السوقِ والنساءُ بائعاتُ الهوى واللّوطِيّونَ ويمثّلهم العفصةُ وعباس وسمسم.
وتجدرُ الإشارةُ هنا إلى أنّ هذه الفئةَ من الناس، الذين يستقرون في قاع المجتمع وقَعرهِ يمكنُ أن تتشكلَ منهم خلايا مقاومةٍ تواجهُ الفسادَ العامَّ في المنتشرَ جسدِ المجتمع.
يقول الباحثُ (فخري صالح) عن هذهِ المسرحيّةِ ما يلي: «إن مسرحيةَ طقوسِ الإشاراتِ والتحولاتِ تقومُ بالتنويعِ على طبيعةِ السلطةِ وتحالفاتِها أيضا، وتبدو استكمالا لمسرحيةِ (المَلكُ هو المَلك) أو بالأحرى توسيعا لإحدى ثيماتها، الحكايةُ مأخوذةٌ من مذكّراتِ الشاعر (فخري الباروديّ)، لكنَّ ونوّسأ يقومُ بتحويرِ مغزى الحكايةِ، إذ يشدّدُ على طبيعةِ السلطةِ المنظّمةِ التي تتمثلُ قوتُها في طبيعةِ التحالفاتِ التي تقيمُها بين أركانِها»(82)
إنَّ السلطةَ التي تستعبدُ الأفرادَ كفكرةٍ عندَ المؤلفِ، هي سلطةٌ يصعُبُ مقاومتُها والنَّيْلُ منها أو الإطاحةُ بها، لكنّنا في موقف الشخصيات-بعضِها وليس كلُّها- نعَثرُ على مقاومةٍ وثّابةٍ لطغيانِ السلطةِ المهيمنةِ والمتعاضدةِ والمتفشيّةِ بشكلٍ لا متناه في مجتمعِ دِمشقَ الذي يَفترضُه النصُّ، وتحقّقُ فعلِ مقاومةِ السلطةِ قد حدثَ أو تمَّ بواسطةِ اللَّعبِ بالجسدِ «واللعبةُ هي استعراضُ القوةِ وإظهارُ المقدرةِ وتأكيدُ الوجودِ، أي تجسيدٌ الاستراتيجيةٍ في السيطرة»(83) خطيرٌ وغيرُ محسوبةٍ نتائجُه.
وللمبدعِ / أو المؤلفِ الدراميّ الحريةُ في صِياغةِ نصّهِ لكي يعبِّر بدقةٍ ووضوحِ متلازمينِ عن الفكرةِ التي يريدُ إيصالهَا إلى المتلقي. بحيثُ تكونُ اللغةُ / الحوارُ بصفة خاصةٍ حواراً حاملاً لهواجسِ المؤلفِ ومجسداً لرؤيتهِ الفكريةِ، وينطبقُ التأكيدُ نفسُه على الشخصيات الدراميةِ من حيثُ هي «تنظيمٌ ديناميكيٌّ متكاملٌ بتركيبٍ موَحَّد لخصائصَ نفسيةٍ وفكريةٍ تتجسدُ بسلوكِها في الأحداث وبما يميزُها اجتماعياً وفكرياً وسياسياً، وتظهرُ قيمتُها من خلالِ تفاعلِ بِيئتِها الداخليةِ والخارجية»(84)
وعَبْرَ هذينِ التكوينينِ البُنْيويّين (اللغةِ والشخصيةِ) ينبني الحوارُ درامياً لكونِه الأداةَ الرئيسةَ والثابتةَ في النَصّ-نَصّ الكتابةِ والقراءةِ- ومن خلالِ الحوارِ يكشفُ المؤلفُ عن عوالمِ شخصياتهِ وتحولاتِها الداخليةِ، كما أنهُ يبرهنُ على المقدمةِ المنطقيةِ للأحداثِ المتخيَّلةِ في عالمَ النصّ.
في النص: طقوسُ الإشاراتِ والتحولاتِ، اغتذتِ الشخصياتُ بالفكرة المركزيّة للمؤلفِ الدراميّ وهي قوةُ السلطةِ وطبيعةُ تحالفاتِها. يقول الباحثُ (فخري صالح) : «إنَّ التقلباتِ العاصفةَ التي تضربُ حياةَ الشخصياتِ في طقوسِ… هي بمثابةِ ثورةٍ على فهمِ (ونّوس) نفسِه للسلطةِ، بوصفِها ذاتَ طبيعةٍ جوهريةٍ لا تتغيَّرُ إلاّ بتغيُّر الظروفِ والأحوالِ الاجتماعيةِ…إنَّ الكاتبَ يُشّددُ من خلالِ حواراتِ الشخصياتِ والأحداثِ على أنّ السلطةَ تحميِ نَفسَها من الناسِ عَبْرَ الحفاظِ على تحالفِها بغضِّ النظرِ عمّا بَيْنَ أركانِها من الخِلافِ والضغينةِ، لعلمِها أنّ قوتَّها تكُمنُ في تحالفِها في وجهِ المحكومين»(85)
وإذا كان الباحثُ يشدِّدُ هنا على أنَّ السلطةَ تحمي نفَسَها من الناسَ عَبْرَ الحِفاظِ على تحالفِها أو عَبْرَ إحلالِ قوى سلطويةٍ جديدةٍ محلَّ القوى القديمةِ، فالباحثةُ تودُّ أنَّ تؤكدَ على أنّ المقولةّ المركزيّةَ في هذهِ المسرحيّةِ إنَّما هي الحُرّيةُ، وأنَّ نيلهَا قد تمَّ تشخيصُه دِراميّاً بجسدِ مؤمنة / ألماسة، وهذا ما سنكشف عنه في العنوانِ القادم.
ج-خطابُ جسدِ مؤمنةَ / ألماسةَ وإنتاجُ المعرفة:
كشفت النظرةُ الاستقرائيّةُ والتحليليةُ في الُمعجم لمادتي (جسد / بدن) كما قد أشرنا في ثنايا هذهِ الدراسةِ «أنَّ الجَسَدَ ليس مُؤثَّماً وإنْ كان نبعَ إثمٍ أحيانا؛ كما هو عائق»(86)
والهدفُ من هذا العنوانِ: خطابِ جسدِ مؤمنةَ / ألماسةَ وإنتاجَّيتِه للمعرفةِ سَعْي الباحثةِ للوقوفِ على بعض أسئلةِ النصِّ نفسِه، ومناقشتِها، ومن بينِ أهمِ تلكِ الأسئلةِ التي يثيرُها النصُّ ولا يتوقفُ عندها ما يلي:
(-) بأيّ معنىَ نفكرُ في تحرّرِ الجسدِ عندَما نعتبرهُ تجربةً تؤسّسُ كشفا جسديا للذاتِ وخطابا تأسيسياً لإنتاجِ المعرفةِ؟ ألمْ يتمَّ اكتشافُ نقيبُ الأشرافِ لذاتهِ عن طريق الجسدِ؟ وكذلك العفصةُ والمفتي ووردةُ ومؤمنةُ؟
(-) ألا تكشف لنا تجربةُ مؤمنةَ / ألماسةَ في مراتبِ عبورِها من البراءةِ إلى الخطأ بعداً وإيضاحاً يعملُ عكسَ اتجاهِ السالكِ العارفِ في مراتِبِ الصوفيةِ، بل ويساعُدنا على تبيّنِ ما يعتملُ في داخلِ النفسِ البشريةِ من تناقضاتٍ تؤديِ بها إلى مزيدٍ من الكشفِ والتَجلي أو التطلعاتِ المختلفةِ كالجنون مثلاً، سواءٌ اختلفنا معها أو اتفقنا؟
(-) وأخيراً ما قيمةُ القدَرِ الذي يلتهمُ ضحاياه الجاهزين للقائِه والمستعدّين لهدمِ الدفاعِ عن حياتِهم؟ تمتعتْ مؤمنةَ / ألماسةَ بجاهزيةٍ عاليةٍ / متعالية فوق قدريّةِ الموتَ وذلكَ باختيارِها لموتِها الشخصيِّ وإرغامِ المجتمعِ على الاستجابةِ لموتِها.
ولْنَبَدأ الفحصَ عن ماهِيةِ خطابِ جَسَدِ مؤمنة / ألماسة ومراتبِ عبورِها من البراءةِ إلى الخطأ.
نتعرفُ من خلال الحوار الدائرِ ما بينَ مؤمنةَ ووردةَ في المشهد الثاني من فصل المصائرِ على الخلفيةِ الاجتماعيةِ التي نشأتْ فيها شخصية مؤمنة.
مؤمنة: «أريد أنّ أصيرَ غانية» وردةُ تنفجرُ: «أجئت تتفقسين عليّ! هل كُتبَ علي أنّ يلاحقنّي بيتكم بالإهانةِ طَوالَ عمري! من درّبني وأسلكني هذا الدربَ! أتذكرين.. لا.. لا تذكرين، أو لعلّك لا تريدين أن تذكري! ألم أكنْ خادمةً لديكم! ألم يكنْ الشيخُ الجليل.. أبوكِ هو الذي علّمني طبقاتِ الفسقِ ومراتبَه قبل أنّ أحيضَ، ثم تناوبَ عليَّ الابنُ مع الأبِ، ثم ألقيا بي في الشارعِ لأن العِرْقَ دسّاس، ولأنّ حركاتيِ تنمُّ عن فِسق مبكرٍ».
مؤمنة» (تنهضُ بدورها مذهولةً، وكأنّها تحدّثُ نفسَها) : وإذنّ أنتِ واحدةٌ منهن. من ذلك السّربِ الطويلِ الذي تعاقبَ على حِضنِ الوالدِ، والشيخُ الجليلُ لا تشبعُ طبيعتُه ولا تستكين.»(87)
اجتماعيا يكشف الحوارُ السابقُ الذي دارَ بين الاثنتين عن موقفِ الأسرةِ تِجاهَ المرأةِ الغانيةِ بشكلٍ عامّ ووردةَ بشكلٍ خاصّ، وتحديدا سلوكِ الأبِ والابنِ (الرجلِ) اللذيْنِ ألقيا بها في الشارعِ كالبهيمةِ، لأنّ جسدَها مفتاحُ الغوايةِ والفسادِ والعُهرِ؛ فالجسدُ هنا «ما زالتْ تحكمُه سلطاتٌ عديدةٌ، هذه السلطاتُ الهائلةُ والمجرّدةُ تجسدُ شيئا واحدا ألا وهو الخوفُ من الجسدِ والرهبةُ تِجاهَ قدراتِه، والخوفُ من انفلاتِها. فيكونُ انتصارُها سقوطا للعقلِ وللحقيقة»(٨٨) ولمنظومةِ المجتمعِ الكلاسيكيةِ وتركيبتِهِ العقليةِ.
واجتماعيا أيضا: «ما من نظام اجتماعي إلاّ ويُنْتجُ نظاماً جسدياً خاصاً به، يقومُ بدور جدليِّ في إنجازِ نظامٍ ثقافيِّ وترميزيِّ خاصّ بتشكلهِ وتشكيلهِ الاجتماعيّ في فترةٍ تاريخيةٍ وظرفٍ سياسي»(89)
وكثيرا ما يتقاطعُ هذا الاجتماعيُّ مع الطّعنْاتِ التاريخيّةِ الثلاثِ التي تعرّضَ لها الجسدُ عبرَ تدوينِ التاريخ: كانت الطعنةُ الأولى موجهةً له من قبَلِ الميتافيزيقيا الأفلاطونيةِ حين أعتّبر (أفلاطون) الجسدَ عائقاً أمامَ معرفةِ الحقيقةِ والمُتَعِ الخيريةِ والجمال. والطعنةُ الثانيةُ: وجَّهَتْها اكتشافاتُ العلمِ الحديثِ. أما الطعنةُ الثالثةُ فكانت من السلطةِ، وحين أقرّ (فوكو) أنَّ ثَمَّةَ تواطؤاً بينَ المعرفةِ والسلطةِ، فإنه شرّعَ الأبوابَ ليفتحَ للممارسةِ النقديّةِ مدخلاً جديداً بحيث لا تتوجّهُ تلكَ الممارسةُ إلى مساءلةِ النتائجِ، بل تتَجَهُ إلى مساءلةِ الأسّس، كما تصبحُ الممارسةُ النقديةُ عندَه «بديلا أو حضورا لتحريرِ ذاكَ المكبوتِ وتعريةِ الصمتِ المضروبِ حولَه»(90) ومن هنا يبدو أنّ محاولةَ استجلاءِ جسدِ مؤمنة وقراءتِه في تلك الخارطةِ محاولةٌ لتجاوُزِ المكبوتِ والمسكوتِ والخَفَيِّ غيرِ المُعْلن في جسدِ المجتمعِ وفعاليةِ النفسِ وتشوُّقاتِها، كما أنّها وسيلةٌ لإنتاجِ قراءةٍ أخرى ولفئةٍ اجتماعيّةٍ تَنْخَرُ في المجتمعِ بُغَيةَ الوصولِ إلى سبيلٍ مِن سُبُلِ المعرفةِ؛ معرفةٍ تهدِمُ كلَّ ذلك المكبوتَ الذي تحالفتْ تِجاهَهُ السلطاتُ المتحالفةُ ومطالبتُها بمزيدٍ من الإيضاحِ تأريخيّاً حولَ كل ما كان ممنوعاً وَمْقصيّا ومبعداَ ومهمِشاً، وحولَ ما أُجبِرَ على أنّ يكونَ صامتاً على حدِّ تعبيرِ (محمّد علي الكبسي).(91)
ويكشفُ الحوارُ الذي يدورُ بينَ مؤمنةَ وأبيها (محمد رسمي الخزار) في المشهدِ الخامسِ عن تلكَ القوةِ العنيفةِ التي تسكُنُ روحَ مؤمنةَ، جسَدَها، بدنَها، كما ويكشفُ لنا أيضاً قوةَ الصراعِ الداخليِّ مع الرغبةِ؛ الرغبةِ التي هيَ جوهرُ كلِّ الشّهواتِ.
تقولُ مؤمنةٌ لأبيها: «…ولم أذكرْ ما ذكرتُ كيْ ألومَك أو أدينَك. أردّت أنّ تكونَ مواجهتُنا في الضوء، وأنّ يكونَ حوارُنا صريحاً لا يموِّهُهُ نفاقٌ أو رياء. علَّمتني كيفَ أتلمسُ جسديِ وكيفَ أكتشفُ ينابيعَه. ورغم أنكَ تستنكرُ ذلك، فإنّي أعتبرُ ما تعلمتُه فضلاً كبيراً وكنزاً ثمينا»(92)
وتعلو نَبرةُ الحوارِ أو حِدَّتُه ليمارسَ الجسديُّ تِجَاهَ محمولِهِ إكراهاً بنيويّا بلغةِ (رولان بارت) «بحيثَ لا يُرغَمُ أنّ يكونَ جميلاً في مظهرِه، بل في سلوكِه أيضا»(93) وهذا السلوكُ الذي تُرِغمَّ مؤمنة / ألماسة جسدَها، بدَنَها، ذاتَها، على السيرِ فيه، هو أنْ تتبَّع الغوايةَ والشهوةَ حتى النهايةِ، وأنْ تظلَّ فيها حتى آخرِ لحظةٍ. تقولُ للمفتي رافضةً طلبهُ الزواجَ منها: «كنتُ أنتظرُ أيَّ صُدْفَة كيْ أتبعَ غِوايتي. وما أفعلُه هو خياري وَحدي»(94) وعلى الرغم من معرفِتها المُسَبَقةِ بخاتمةِ مصيرِها إلاّ أنّها لا تأبَهُ لذلك المصيرِ المحتومِ، فكلَّ الأجسادِ محكومةٌ بالموتِ، ومؤمنةُ كانتْ تعلمُ أنها ميتةٌ؛ لأنها يجبُ أنّ تموتَ، فتمجيدُ «الجسدِ والاعترافُ بمستطاعِهِ غيرِ المحدودِ لا يمثلانِ تغافلاً عن سلطةِ القَدَرِ وحتميةِ الموتِ، بلْ هَوَساً به وذُعراً منه»(95) في آنٍ.
ولكنْ لماذا كان يجبُ على ألماسة/ مؤمنة أن تموت؟
في واقعِ الأمرِ إن خطابَ جسدِ مؤمنة / ألماسة لم يكنّ لتِتوَّفرَ له سوى إمكانيّتين:
(-) الأولى: هي أن تكونَ ما تشاءُ وفي الوقتِ الذي تشاء.
(-) الثانية: هي أن تكونَ الحكايةَ المقاومة.
وحول هاتينِ الإمكانيتينِ سنتناولُ محوَرَ الامتدادِ اللغويِّ للخطابِ والحكايةِ والزمنِ.
ما الإنسانُ إلا إمكانيةُ أنّ يكونَ ما يشاء. هكذا تكلم القديسُ (أوغسطينيوس) منذُ زمنٍ بعيد. ويُتطلّبُ لتحقيقِ هذهِ الإمكانيةِ الوعيُ بالقدرةِ على الكلامِ والكفاءةِ في استثمارِ اللعبِ.
فالجسديُّ ينْبوعُ، الاختلافُ والمطمورُ منه أكثر بكثير ممّا يظهرُ منْه وعَنْهُ(96) ووحَدها اللغةُ مفتاحُ الولوجِ إلى تحقيقِ كلّ الإمكانياتِ الممكنةِ والمتاحةِ للكائنِ الناطق. فشهرزادُ نطقتْ منذ زمن بعيدٍ كيْ تواصلَ الحياةَ وتعملَ على تثبيتِها، وذلك في زمنِ ما قبلَ الكتابةِ (كتابةِ المرأة)، حيثُ لم تكن المرأةُ تحكي وتتكلمُ وتكتبُ، أي لم تكن تؤلفُ، وشهرزادُ حكَتْ مدافعةً عن الحياةِ ولكنّها كانت أيضا تواجه الرجلَ، ومعهُ تواجهُ الموتَ من جهةٍ، وتدافعُ عن قيمِها الأخلاقيةِ والمعنويةِ من جهة أخرى»(97)
في ظلِّ الإمكانيةِ الأولى والتحقّقِ من تحررِ الذاتِ والعيشِ تحت ظلالِها يبدو تحولُ شخصيةِ مؤمنة إلى شخصيةِ ألماسة أمراً يسهُل فهمُه وقَبولُه على اعتبارِ أنّ الشخصيةَ المركبةَ الأبعادِ تكونُ قابلةً ومهيأةً للتطورِ والانتقالِ والترحلِ الدائمِ. ولكنْ هل يجيزُ لنا هذا أن نقول صيغةً أخرى كـ: يبدو تحولُ (جسدِ) مؤمنةَ إلى (جسدِ) ألماسةَ؟ فكيفَ يتحوّلُ الجَسدُ؟ كيف نقول مثلا: أنا جسدي يحوّلني أو يكلّمُني أو يُخاطبني؟ وما قيمةُ هذا التحوّلِ، أو بسؤال أكثرَ دقةً: ما قيمةُ هذا الاستبدال؟ أن أخلعَ الاسمَ عن الجسدِ السابقِ وأضعَ اسماً جديداً لجسدٍ هو الآخرُ جَسَدٌ ظلَّ يترصّدُ الفرصةَ السانحةَ ليقومَ بوظيفةِ النزع؟
تقولُ مؤمنةُ للمفتي، حينَ طلبَ منها أن تتزوّقَ للخروجِ ليلاً، ليتَّم استبدالُها بالغانيةِ التي أمسكوها مع زوجها نقيبِ الأشرافِ، تقول:
مؤمنة : «وهلِ الفرقُ بينَ الزوجةِ والغانيةِ طفيفٌ إلى هذا الحدِّ! وسأكونَ أنا التي جرَّسوها ووضعوا على رأسِها عِمامةَ النقيبِ. وسأكونَ تلك التي قبضوا عليها وهيَ شبهُ عاريةٍ.. تلك التي كانتْ تتأوّدُ على الإيقاعِ الذي يضبطُه نقيبُ الأشرافِ! تُريدُني إذنْ أن ألعَبَ في هذه القصةِ دورَ الغانيةِ! الزوجةِ-الغانيةِ، والغانيةِ-الزوجة؟. هذا تلاعبٌ لطيفٌ وخطيرٌ. ينتهي مأزِقُ النقيبِ، ويبدأُ مأزِقيِ أنا. ما تطلبُه منّي، هو مقامرةٌ مخيفةٌ. هو سيرٌ على حافةِ الهاويةِ، والِغواية. الهاويةُ تهزُّني من جذوري. يرعبُني السقوط، ويغويني في الوقت نفسِه. وبينَ الرغبةِ والرعبِ، أهتزُّ اهتزازَ الشجرِ في اليومِ العاصفِ. هل تصدقُ..! معظمُ أحلامي هي هذا المزيجُ من الرعبِ واللّذّة»(98)
ماذا نستنتج من هذا الحوار؟
بداياتُ الشروعِ في خوضِ التجربةِ المستحيلةِ. تجربةِ النزعِ والاستبدال، فالفرقُ ليسَ طفيفاً حتما ما بينَ الغانيةِ والزوجةِ. تكررُ مؤمنةُ فعلَ الكينونةِ لتأكيدِ التفردِ والفردانيةِ: «…وسأكونُ أنا التي… وسأكونُ تلك التي… «كوجودٍ خاصٍ متميزٍ تحققُه ذاتُها عن طريقِ كشفِ جَسَدِها وتركهِ عارياً منعزلاً ومنفرداً خارجَ عوائقِ هذا العالمِ كلّه، لكي تُمَارسَ عليه ما تَصبو إلى رؤيتهِ، وهو أن تكونَ الحكايةَ المتفوقةَ.
وَيسَألُها المفتي في فصلِ المصائرِ أنْ تُخبرَه ماذا تُريدُ وعمَّ تبحثُ، فتجيبُه جواباً غامضاً فتقول: «لا… حيث أتأرجحُ على الحافةِ، وتناديني الهاويةِ، يُخيَّلُ إلىّ أنهُ وفي لحظةِ سقوطي، سينبُت من مَسامي ريش ملون. من جذورِ نفسيِ سيطلعُ الريشُ مزدهراً ومكتملاً، وسأحلّقُ في الفضاءِ كالطيورِ والنسائمِ وأشعةِ الشمسِ… أحلمُ أن أصِلَ إلى نفسي، وأن أكونَ شفافةً كالزجاجِ. ما تراهُ العينُ منّي هوَ سريرَتي، وسريرَتي هي ما تراهُ العينُ منّي»(٩٩)
إنّ مؤمنةَ / ألماسةَ بقَدرِ ما تقتربُ من جَسَدِها لتكتشفَ غَوَره وعُمْقَه بتعريتهِ، تقتربُ من المجتمعِ الذي يرصُدُها، ويراقبُ نموّها، فالأمرُ يتعلقُ هنا بعمليةِ مراقبةِ المجتمع/ وكلِّ السلطات؛ التي تَطَلَّبَها الخوفُ من هذا الجسد. فالجسدُ، جسدُ المرأة قد رُبطَ منذُ زمنٍ قديمٍ بالرغباتِ والشهواتِ، ويبدو أنهُ من غيرِ الممِكنِ تجنبُ هذه الرغبةِ من دونِ الالتجاءِ إلى وسائلِ مراقبةٍ وإخضاع. وجسدُ ألماسةَ يمتلكُ تلك القوةَ المحرّضةَ التي تضربُ بكّلِ خطاباتِ الدينِ والعقلِ والحكمةِ والأخلاقِ والقيمِ وراءَ ظهرها، أو عُرْضَ الحائط! وإذا كانتْ أولى الوسائلِ لمراقبةِ هذا الجسدِ-جَسَدِها- هو التملكُ أو النَّيْلِ بلغة ابن سينا، فإنَّ ما يقابلهُ أو يتعارضُ ويتضادُّ معهُ بلغةِ البنيويّينَ هوَ المقاوَمَة. فالكلَّ يريدُ امتلاكَ هذا الجسدِ الذي ملاْ الدنيا وشغلَ الناسَ. على سبيلِ الشاهدِ، يقول إبراهيم دقاقِ الدودة لحميد في المشهد الثانيَ عشرَ من فصلِ المصائرِ:
إبراهيم: «…واللهِ هيَ التي تؤرّق لياليَّ، وغوايتُها هيَ التي تملاْ صدَرَي توجساً وقلقا»، فيجيبه قائلا:
حميد: «إنّي مبللٌ بالغوايةِ. وحينَ أتخيَّلُها، يَتسَارعُ دميِ وتتلاحقُ أنفاسي»
وكذلك المفتي أرادَ النَّيْل منها، وكلُّ رجالاتِ دمشق. وتجيبُ مؤمنةُ / ألماسةُ، المفتيَ قائلةً بأنّ: «الكلَّ يُريدُ أنّ يضعَ ختْمُه عليَّ، وأنا أريدُ أن أضلَّ طليقةً بلا أختام»(100)
وهنا يمثلُ الجسدُ الذي يريدُ الجميعُ امتلاكَه والنَّيْلَ منه الإمكانيةَ قبلَ الأخيرةِ للمقاوَمَةِ، فتوجِّه مؤمنةُ / ألماسةُ، أولى معاوِلِها لمنْ يحاولُ وَضْعَ خَتْمِهِ على جسدِها بواسطةِ ضربِ شبكةِ العلاقاتِ الاجتماعيّةِ ومعاييرِها وضوابِطِها الأخلاقيّةِ. تقولُ في المشهدِ الخامسَ من فصلِ المصائرِ:
ألماسة: «…نعمَ، وأولُ المقاماتِ في رحلتي هوَ أنْ أرميَ وراءَ ظهري معاييَركُم. ينبغي أن أتحللَ من أحكامِكم، ونعوتِكم ووصاياكُم، كي أصلَ إلى نفسي. ينبغي أن أتجاوزَ خطرَ الانتهاكِ كي ألتقيَ جسَدي، وأتعرفَ عليه. صنعتُم منّي عورةً هشّةً يمكنُ أن تنتهكَها الكلمةُ والنظرةُ واللفتةُ. وجعلتمْ دَأَبَكم انتهاكَ هذهِ العورةِ، فصرْنا جميعاً زواحفَ تتناهشُ في مستنقعٍ من الأكاذيبِ والمظاهرِ والقيود»(١٠١)
ليس الجسدُ لعبةً كما يقول (ميشيل فوكو)؛ «الجسدُ ليس لعبةً، وإنّما هوَ مكانُ استثمار، سواءٌ أكان [هذا الجسد] جسدَ الطبيعةِ أو المجتمعِ أو الفردِ. هذا الجسدُ هو الذي وقعتْ محاصرتُهُ وحُسبانُ حركتِهِ في المكانِ والزمانِ بخطوطِ الطولِ والعرضِ، والاستدارةِ والوزنِ والكتلةِ؛ بغية مراقبتِهِ وإخضاعِهِ. إنّه موقعُ المعرفةِ والرغبةِ والمصلحةِ، فلا بُدَّ أن يكونَ محلَّ نزاعٍ وصراع»(102)
خطابُ الحكايةِ وزَمَنُها:
يتشكلُ خطابُ الحكايةِ وزَمَنُها من البحثِ في «شَرَكِ الدِّلالاتِ المتضاربةِ وسيرورةِ التخطي»(103) فنحنُ بوصفنا أفراداً، لكي نحققَ وجودَنا ونكونَ فاعلينَ في هذا الوجودِ، نجدُنا مُرَغمينَ دائما أن نعطيَ لوجودِنا وأفعِالنا معنى، إننا نغطيّ جسدَنا بالإستعاراتِ التي تستُرنا. وكما أشرنا سابقا إن إضفاءَ هذا المعنى يتمُّ من خلالِ انخراطِنا واستعمالنِا لوسائطَ لغويةٍ.
تبدأ مؤمنة بأنْ تنقلنا من طور التفكيرِ في الأشياءِ والنفسِ والروحِ والحريةِ والأحكامِ والنعوتِ والوصايا، إلى طوّرِ التفكيرِ في المجازِ والاستعارةِ واللعبِ، لأجل كشِفها وجلاءِ معانيها، تدفعنا مؤمنة ألا نقفَ عند السطحِ من اليابسةِ وقشورِها، بل أنْ نغوصَ في العمقِ. ألم تفعلْ شهرزادُ في حَكاياها شيئا شبيها بهذا؟ ألم يكنْ لها غرفتُها وحدَها والكثيرُ من المالِ ومن الحَكي؟ ولكنْ إذا كانتْ شهرزادُ تلعبُ وتراوغُ وتغامرُ بجَسدِها لأجل الحياة، فإنَّ ألماسةَ تفعلُ عكسَهَا، إنها تعمَلُ من أجلِ أنْ تموتَ. هنا يدخلُ «الجسديُّ في طقوسيّةٍ خاصةٍ، فهوَ رهانٌ على التجسيمِ، ورمزٌ لسلطةِ المَقولِ اللغويّ، والمكانُ الذي تجري على وجهِه شتّى الانفعالاتِ المتناقضة. فالجسديُّ قد يدلُّ على المكبوتِ في المُعْلَن عنهُ، كما قد يدلُّ على أزمةِ اللّغاتِ الخاصةِ والحادّةِ العابرةِ لتقاسيمِه وتشكلاتِه؛ إنه تعبيرٌ عن ديناميّةِ ثنائياتٍ تتولدُ داخلهَا علائقُ الحريةِ والضرورةِ، فالجسديّ يكشفُ عن نظراتِ زاخرةٍ بالصور تقودُ إلى إشكاليةِ الشرطِ الإنسانيِّ دونمَا انقطاع، وتصبحُ إعادةُ تركيبِ صورِ الجسدِيِّ هدفا أساسيا يَعدُّ الكلامُ عنه، أو كتابةُ رموزِ معرفتِهِ، فعلَ مخاطرةٍ تعني: مواجهةً لثنائيةِ الحياةِ/ الموتِ، والمادّةِ/ الولادة»(104)
في خطابِ الحكايةِ يتجلّى أمامَنا / لنا، أفعالُ حكايةٍ صغيرةٍ أو خطاباتٌ صغيرةٌ لخطابِ الحكايةِ المركزيِّ. وهذه الأفعالُ/ أو الحكايةُ الصغيرةُ تردُ على هذا النحو:
«كم تمنيتُ أن أنهضَ عن الأسكي. أن أُمزِقَ الثوبَ الذي يحزمُني ويَصُبُّني كالقالبِ. وَدَدْتُ أن أقفزَ أن ألتقطَ الإيقاعَ وأنضَمَّ إلى الرقصِ، يَومَها أحسُ أنّي قادرةٌ على الرقصِ حتى الصباح»
سوفَ نَتَبْينُ من كلامِ مؤمنةَ عن جسدِ الراقصةِ التي حركها حكايتُنا، أو حكايتُها الصغيرة. تحكي مؤمنة الحكايةَ الصغيرةَ التالية: «يومَ زفافِنا أجلسوني على الأسكي وأوصوني أن أغضَّ طرفي، وأن أتجهَّمَ وأن أخجلَ. فظهرتْ راقصةٌ في الجوقِ الذي كان يُحيي حفلةَ الزفاف. كان جسدُها حُرّاً، يكادُ يضيقُ به فناءُ دارِكم الواسعةَ. كان جسدُها يتدفقُ يتماوجُ يضحكُ ويشهقُ، كانتْ حُرّةً كالهواءِ وثوبُها البرّاقُ لو يتساقطُ ويتركُها [تجمع-وردت هكذا] تضيء الليل»(105)
سوف نطلقُ على هذه الحكايةِ الصغيرةِ المترّسبةِ في ذاكرةِ مؤمنةَ بالنصِّ الأولِ أو النصِّ المتفوّق، وسوف نقومُ بتقسيمهِ إلى ثلاثِ مجموعاتٍ ليسهلَ تبّينُ مدى قوةِ الباطنِ والمسكونِ فيه، والمسكوتِ عنَه، وكأنه السطحُ السفليُّ لقطعةِ الجليد.
(-) المجموعةِ الأولى وتضُّم أفعالاً تتضمنُ الأوامر التالية: «أجلَسوني، أْوصوني، أغضَّ، وأخجل»
(-) المجموعةِ الثانيةِ تضمُّ الأفعالَ الخَبَرِيْةَ التالية: «ظهرتْ راقصةٌ، جسَدُها حرٌّ، يتدفقُ، يتماوجُ، يضحكُ، ويشهق»
(-) المجموعةِ الثالثةِ تضم أفعالَ المضارِع والتمنّي التالية: «تمنيتُ، أنهضُ، أمزّقُ، أقفزُ، ألتقطُ، وأنظم»
لنسمي أفعالَ المجموعةِ الأولى بأفعالِ الأمرِ الرعب، الذي يولدُ تحتَ طبقةٍ من طبقاتِه السكونُ (أغضَّ وأخجلُ) وهنا يتَحَقّقُ مَرامُ الفضاءِ اللغويِّ من الجسدِ المؤنّث: ألاّ يَفعلَ، وألاّ يَتكلمَ كما يقولُ الغذاميّ.(106) والمجموعة الثانيةُ سنطلق عليها أفعالَ التثوير، أما المجموعةُ الثالثةُ والأخيرةُ فأفعالُ التمنّي. فما علاقةُ هذهِ الحكايةِ المتفوقةِ/ أو النصِّ المتفوق بِبُنْيةِ النصِّ: طقوسِ الإشاراتِ والتحولاتِ؟
تقول ألماسةُ فيمَا بعدِ النزعِ والاستبدال: «اسمي ألماسةُ، وأنا حريصةٌ على حمايةِ اسمي» وتقولُ أيضاً : «لا يقلبُ المرءُ مصيرَه من أجلِ نزوة»، وتقول كذلك : «لو نشبت الحربُ فستكونُ هي الأخرى جزءاً من مصيري. حينَ يَتركُ المرءُ الحافّةَ ويعومُ في الفضاءِ، يستحيلُ عليه الرجوعُ إلى الوراء»، وتقول أيضاً: «ما زلتُ في التجربةِ يا قاسمُ. لا أريدُ أن أتخاذلَ أو أنكصَ. أعرفُ أني خاسرةٌ وأنَّ هذهِ الصبوةَ مستحيلةٌ في بلدٍ كلُّ الناسِ فيها عبيدٌ ومساجينُ. ولكنْ ما زلتُ أرغبُ في أن أكونَ بحراً لا بِركةً آسنة»(107)
إنّ علاقةَ النصِّ المتفوقِ بكليّةِ النصِّ يكشفُ عن غيابِ الحريةِ وحضورِ الاستبدادِ، وليسَ الاستبدالُ والنزعُ الذي قاَمتْ أو قاوَمتْ به مؤمنة / ألماسة، -وقُلِ الأمرَ أيضاً بالنسبةِ للعفصةِ الذي واجَهَ نفسَه بكلِّ ما يقلقُهُ ويربكُهُ ويُضعفُه، إلاّ وسيلةٌ منْ بينِ وسائلَ أخرى لعلَّ أهمَّها هو الانكشافُ في الكلامِ واللغةِ، أو الحوارِ بلغةِ (سعدالله ونّوس). وكأنّ الحريةَ المرغوبةَ والمشتهاةَ حريةٌ بعيدةُ المنَال، لكنَّ الباحثَة تودُّ أن تؤكدَ على أن أفعالَ الأمرِ والرعبِ، ما هيَ إلاّ مفاتيحُ منتشرةٌ في اللغةِ، وأن قراءتَها وتفكيكَها لا يتأتّى إلاَّ بتمزيقِ أقَنعةِ الاستعارةِ والتشبيهاتِ المضْمَرَةِ منَها أو الصريحةِ، والمواجهةِ..
وللشاعرةِ (شيمبورسكا) مقطعٌ يُلقي منشوراً ضوئياً على مؤمنة، يقول المقطعُ:
«كان عليَّ أن أجيء من مكانٍ ما،
وقبلّها،
أنْ أتواجِدَ في أماكنَ عِدَّةٍ،
تماماً مثلَ فاتحي البلدان،
قبلَ أنّ يعتلوا ظهرَ السفينة»(108)
في المشهدِ السادسَ عَشَرَ في فصلِ المصائرِ تقولُ ألماسةُ لأخيها صفوانَ الذي جاءَ ليقتلَها ويغسلَ عارَه:
ألماسة : «أنا يا صفوانُ حكايةٌ، والحكايةُ لا تُقتلُ. أنا وَسْواسٌ وشوقٌ وغوايةٌ، والخناجرُ لا تستطيعُ أن تقتلَ الوسواسَ والشوقَ والغوايةَ-وبعدَ أن يُغمِدَ الخنجَرَ في صدرِ ألماسةَ بينَما يترَامقانِ بنظرةٍ غريبةٍ، تقولُ لهُ وهيَ تتداعى-: آهٍ يا أخي… لمْ تفعلْ شيئاً. إن حكايتي ستزدهرُ الآنَ كبساتينِ الغوطةِ بعدَ شتاءٍ ماطرٍ. إنَّ ألماسةَ تكبُرُ وتنتشرُ، إنها تنتشرُ مع الخواطرِ والوساوسِ والحكايات»(109)
إذا كان لا يوجَدُ ما يجبُ الاستغناءُ عنه، فحتماً يوجَدُ ما علينا أنّ نقومَ بتوحيدِهِ!
إنَّ البرهانَ الذي يصلَحُ للتثبّتِ منه الآن هو أنّ جسدَ ألماسة/ مؤمنة، سيظلُّ حكايةً مفتوحةً على كلِّ الاغتصاباتِ والتعّدياتِ والتحريفاتِ والتمثيلاتِ التي تُسمّى في النهايةِ بـ: التأويلاتِ(110) فإذا كان على مؤمنةَ/ ألماسةَ أنّ تأتيَ من مكانٍ ما، وأنْ تتواجدَ في أماكَنٍ عِدّةِ … ليس تماماً وإنّما كفاتِحي البلدان، فمعنى ذلك أن جَسَدَها قد أصبحَ نصاً قابلاً لقِرَاءَتين:
الأولى: ما قامتْ به مؤمنة/ ألماسةُ نفسُها، حين قرأتْ حكايةَ النصِّ المتفوِّقِ، ذلكَ النصِّ الذي ظلَّ يسكنُها، وكانَ مفتاحاً لخوضِ التجربةِ المستحيلةِ وسلوكِ دروبِ المعرفة الوعرة.
الثانية: هي قراءةُ يَخْتصُّ بها القراءُ الذينَ جاءوا من بعدِها والمنتشِرونَ في كلِّ مكانٍ كالسلطةِ تماماً، ويُشبِهون فاتحي البلدان. لأن جسدَها العَلامةَ قد دخلَ بحكايتِهِ مرحلةَ الكتابةِ، وبتخطيهِ لكلِّ تلكَ المراتبِ صار جسداً يفتحُ بابَ التأويلِ على إنتاجِ المعرفةِ لكتابةِ نصِّ جديدٍ: إمّاَ سَيُكْتَبُ بالسؤالِ، وإمّا سَيُكْتَبُ بلغةٍ إخراجيةٍ تضيفُ للنصِّ بُعداً تأويليّاً جديداً.
خاتمة:
كيفَ انجلى خطابُ جسدِ المرأةِ في هذا النصِّ؟ وهل تمكَّن المؤلفُ (سعدالله ونّوس)، من تأسيسِ خطابٍ مختلفٍ أو جديدٍ يتجاوزُ نماذجَ المرأةِ وصُوَرَها في كُتبِ السرد العربيِّ القديم، وفي المعاجمِ؟ ما الرؤيةُ الدِّراميةُ التي صيغ فيها الخطابُ؟
اتّضحَ للباجثةِ أن المؤلفَ استطاعَ أن يقدمَ نموذجاً متفرداً، فليستْ أيَّةُ امرأةٍ من نماذجَ سعدالله ونّوس المسرحيّةِ قَدرتْ أن تقترِبَ من مضمونِ نموذجِ هذهِ الدراسة. فقد لحَظَنا أن نساءَ ونّوس ينطلقنَ من وجعٍ داخليٍّ وهَمِّ اجتماعيِّ يُحاصِرُهُنّ، أسبابُه الظروفُ الاجتماعيةُ التي يعيشُ فيها الرجلُ والمرأةُ معاً. لكنَّ التأثيرَ على حالِ المرأةِ يبدو أكثرَ ظهوراً من تأثيرهِ على الرجل، على اعتبارِ أنَّ الرجلَ هو الأقوى تأريخيّاً وثقافياً. فمن هنا تقعُ المرأةُ في مأزق داخليٍّ كبير، إمّا أنْ تتمردَ كحالِ مؤمنةَ وترميَ خلفَ ظهرِها بكلِّ (التابو) الاجتماعيّ والديني. وإمّا أنْ تستكينَ كحالِ كثيرٍ أخرياتٍ من النساءِ أيضا.
لقد كشف المؤلفُ عن امتلاكِه لرؤيتهِ الدراميةِ ورسالتِهِ الفكريةِ التي يَوَدّ إيصالهَا، ولكنْ جاءتْ تلكَ الرؤيةُ محافظةٌ على البُنيةِ التقليديةِ الأرسطيّةِ في الكتابةِ، موازياً بينَها وبينَ تغريبِ المشهدِ المسرحيِّ، والهدفُ من هذا اللّعِبِ الفَنّيّ، هوَ التأكيدُ على جَوهرِ اللعبةِ المسرحيّةِ من ناحية ونَفيِ المصداقيةِ عن الواقعِ الاجتماعيِّ من ناحيةٍ أخرى؛ وكأنَّ الواقعَ المَعيشَ غدا غُلالةً شفِيفَةً تربطُ الواقعَ واليوميِّ بالتاريخ أو كأنَّ التاريخَ باتَ يكرّرُ حكاياتِه وقِصَصَهُ وخيالَه، وهذا في رأيِّ يكشفُ عن وضعٍ مريرٍ ويأسٍ لا يَحْبلُ بأملٍ في المستقبلِ البعيد، وهذه الرؤيةُ الصدمةُ قد كشفَ أو أكدَّ عليها ونّوس في مسرحياتِهِ التي تلتْ كتابةَ هذهِ المسرحيةِ.
في المقابل، جاءت صورةُ الرجلِ في هذهِ المسرحيةِ صورةً نمطيّةً ثقافياً، باستثناءِ نموذج (العفصة) الذي تشابَهَ كشفُه الداخليَّ مع كشفِ (ألماسة) في طموحِ الاثنين في أن يكونَا نَفْسَيْهِما من الباطنِ والخارجِ إنساناً واحداً لا ينفصلُ مضمونَهُ عن شكلهِ، ولا يتعارضُ شكلهُ مع المضمون.
والسؤالُ الذي تَودُّ الباحثةُ أن تجيبَ عنه هو: هلْ يمثلُ خطابُ (مؤمنة/ألماسة) في هذهِ المسرحيةِ كلَّ النساء؟
بطبيعةِ الحالِ إذا كان الجوابُ معروفاً؛ فالسؤالُ نافلة!
إنّ اختيارَ سعدالله ونّوس لهذا النموذجِ من النساءِ المتمرّداتِ والمستجيباتِ لأهوائهنَّ وتكوينِهِنَّ الداخليِّ، هوَ نموذجٌ يُسهِمُ بقدرٍ كبيرٍ في التعبيرِ عن خطابِ المؤلفِ الفكريّ ورؤيتِهِ الدراميةِ، فجاءَ جسدُ المرأةِ هُنا، وكأنهُ حَمولةٌ أيديولوجيةٌ يتضمنُ «مجموعةَ التصوراتِ التي تُعِّبرُ عن مواقفَ محددةٍ تِجاهَ علاقةِ الإنسانِ بالإنسانِ وعلاقةِ الإنسانِ بالعالمَ الطبيعيِّ وعلاقتِه بالعالمَ الاجتماعي»(١١١)، وهذهِ العلاقة ما كان لها أنْ تنبنيَ وتتمأسَسَ إلاّ بوجودِ حيواتٍ بشريةٍ ثائرةٍ ومتمرّدةٍ على الوضعِ الاجتماعيّ والثقافيّ، أو على المسكوتِ عنه. كما تَبَيّنَ للباحثةِ أيضاً بأنَّ الحريةَ المطلوبةَ والمشتهاةَ هي الحريةُ التي تنتصرُ للإنسانِ من حيثُ هو إنسانٌ، وأن السبيلَ إلى نُشدانِ تلكَ الحريةِ سوفَ يكلفُ المرءَ حياتَه، ولكنْ لا بدَّ من الدخولِ في التجربةِ واختيارِ المصير. وأنَّ تحريرَ الجسدِ والذاتِ لا يبدأُ إلاّ باللغةِ ولا ينتهي إلا بها.
كما أرى أنَّ نموذجَ (مؤمنة/ألماسة) إذا كان لا يمثلُ جميعَ النساء، فإنّه لا يسعى إلى تقديمِ صياغةٍ لخطابٍ ثقافيّ ذكوريّ عن خطابِ جسدِ المرأةِ، ونستثني من هذا الرأيَ الأعمالَ الأخرى للمؤلفِ.
الهوامش
(١) ابن منظور، لِسانُ العَربِ ، قدم له العلاّمَة الشيخ عبدالله العَلاَيلي، أعاد بناءَه على الحَرف الأول من الكلمة يوسف خيَّاط، المجلد الأول، دار الجيل ودار لسان العرب، بيروت، 1988م، مادة (خطب)
(٢) محمود بن عمر الزمخشري، أساس البلاغة، دار صادر، بيروت، 1965م، مادة (خطب)
(٣) مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، أخرجه إبراهيم مصطفى وآخرون، المكتبة العلمية، طهران، الجزء الأول، مادة (خطب)
(٤) محمد العدناني، معجم الأخطاء الشائعة، مكتبة لبنان، بيروت العلمية، ط الثانية، 1980، مادة (خطب)
(٥) فرديناند دو سوسير: محاضرات ألقاها على طلبته فيما بين سنتي 1906و1911م، وكتابه دروس في اللسانيات العامة نشر بعد وفاته وكان ذلك سنة 1916م
(٦) إبراهيم صحراوي، الخطاب الأدبي لدى جرجي زيدان: تحليل رواية جهاد المحبين، رسالة جامعية، أطروحة ماجستير، إشراف: د. طاهر حجار، معهد اللغة والأدب العربي، جامعة الجزائر، 1993م، ص٤
(٧) إبراهيم صحراوي، نفسه، ص٤
(٨) سامر محمود زيود، الخطاب النقدي عند أبي العلاء المعري، رسالة جامعية، أطروحة ماجستير، إشراف: د.عبد اللطيف عمران، جامعة دمشق، 1999م، ص156
(٩) إبراهيم صحراوي، سبق ذكره، ص٤
(10) أحمد ياسين موسى العرود، دراسة في تحول الخطاب النثري العربي في عصر النهضة، رسالة جامعية، أطروحة ماجستير، إشراف: د.علي الشرع، جامعة اليرموك، الأردن، 1997م، ص٦
(١١) إبراهيم الخطيب، نظرية المنهج الشكلي: نصوص الشكلانيين الروس، ط الأولى، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، مؤسسة الأبحاث العربية، الدار البيضاء، 1982م، ص35
(12) د.شكري عزيز ماضي، في نظرية الأدب، ط الأولى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2005م، ص169
(13) د.شكري عزيز ماضي، نفسه، ص13
(14) د.شكري عزيز ماضي، نفسه، ص160
(15) د.شكري عزيز ماضي، نفسه، ص160
(16) د.شكري عزيز ماضي، نفسه، ص160
(17) د.شكري عزيز ماضي، نفسه، ص161
(18) د.إبراهيم السعافين، نظرية الأدب ومغامرة التجريب، الجزء الأول، دار الشرق العربية، القدس، ص12، نقلا عن: الأسلوبية، مجلد ٥-٤١، مجلة فصول، 1984م، ص114
(19) لوسيان غولدمان: ولد في بوخارست عام 1913م، وسنة 1933 ذهب إلى فيينا وتعرف على المفكر الماركسي ماكس أدلر reldA xaM، ووصل سنة 1934م إلى باريس حيث بدأ بتحضير دكتوراة في الاقتصاد السياسي. وفي عام 1944 اكتشف بالصدفة المفكر الهنغاري جورج لوكاش وأعجب كثيرا بكتبه الثلاثة الأول:الروح والأشكال، ونظرية الرواية، والتاريخ والوعي الطبقي، كان في طليعة الحركة الثورية التي اندلعت سنة 1968م، وتأثر بأعمال هيغل وماركس وغرامشي، ولكنه طور فكره بحيث جعله يتعايش مع واقع القسم الثاني من القرن العشرين، ومن أهم مؤلفاته وأبحاثه: الإله الخفي، دراسة للرؤية المأساوية في خطرات باسكال ومسرح راسين (1956م)، أبحاث جدلية (1959م)،من أجل سوسيولوجيا للرواية (1964م)، البنى الذهنية والإبداع الثقافي، الماركسية والعلوم الإنسانية (1970م) ومن أهم مقولاته التحريضية على الفكر ما قاله في احدى مناظراته مع هربرت ماركوز، حيث قال: «اتخاذ موقف بغية الوصول إلى مستقبل غير مستلب، كي نستطيع نقد المجتمع الرأسمالي» وافته المنية في حادث سيارة في صيف 1970م للتوسع أنظر: في البنيوية التركيبية: دراسة في منهج لوسيان غولدمان، د.جمال شحيّد، ط١،دار ابن رشد، 1982م دمشق.
(20) جان بياجيه: (1896-1980م): دكتوراة في العلوم الطبيعية، له العديد من البحوث في علم الأحياء وعلم النفس، كما أن له نظريات عن الطفولة والنمو المعرفي الاجتماعي بشكل خاص، والتي جعلت منه واحدا من أهم المؤثرين في علم النفس المعاصر.
(21) د.إبراهيم السعافين، سبق ذكره،ص10، نقلا عن: جان لوي كابانس: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، ترجمة: د.فهد عكام،دار الفكر، دمشق،،1982، ص91
(٢٢) ميخائيل باختين: يحتل المنظّر والفيلسوف الروسي ميخائيل باختين مكانة فريدة في الفكر الإنساني، ومن أهم مؤلفاته: دوستويفسكي، والماركسية وفلسفة اللغة، والفرويدية، والمنهج الشكلي في الدراسة الأدبية. توفى عام 1975م، الخطاب الروائي. للتوسع أنظر: ميخائيل باختين: المبدأ الحواري، تزفيتان تودوروف، ترجمة: فخري صالح، ط٢، 1996م، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.
(23) تزفيتان تودوروف: من أبرز الذين أسهموا في حركة النقد الجديد في الستينيات وبداية السبعينيات بفرنسا على وجه الخصوص، لإعادة النظر في أنماط التعامل مع النص الأدبي وفهم الظاهرة الأدبية عموما. من أهم مؤلفاته: الشعرية، ترجمة: شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، ط١، 1987م، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الأدب والدلالة، ترجمة: د.محمد نديم خشفة، ط١، مركز الإنماء الحضاري، دمشق، 1996م، أما رولان بارت (1915-1985): من أهم أعلام النقد في فرنسا، ومن أهم مؤلفاته: درجة الصفر للكتابة، ميثولوجيات، خطاب عاشق، مقالات نقدية(1964)، النقد والحقيقة(1966م)، توفى عام 1980م، للتوسع أنظر: النقد والمجتمع: حوارات مع رولان بارت، بول دي مان، جاك دريدا، نرثرب فراي، إدوارد سعيد، جوليا كريستيفا، وتيري إيجلتون، ترجمة وتحرير: فخري صالح،ط١، 1995م، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت
(24) أحمد ياسين موسى العرود، سبق ذكره، ص١١
(25) أحمد ياسين موسى العرود، نفسه، ص٧
(26) أحمد ياسين موسى العرود، نفسه، ص٧
(27) أحمد ياسين موسى العرود، نفسه، ص٧
(28) مصطلح الدراسات الثقافية: إن الاهتمامات المختلفة للدراسات الثقافية «يلمح فيها أثر كل الاستراتيجيات التي أفرزتها الممارسات النقدية، مثل البنيوية وما بعد البنيوية والنقد النسوي والتحليل النفسي ودراسات الجنوسة. وهي في علاقاتها هذه تكاد تكون ظاهرة كرنفالية إذ تستمد وجودها من غيرها وتتشكل في حقل خاص من خلال هذا الاستمداد المستمر»، للتوسع أنظر: دليل الناقد الأدبي: إضاءة لأكثر من سبعين تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا، د.ميجان الرويلي، د.سعد البازعي، ط٣، ٢٠٠٢م، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ص139-149
(29) د.الزواوي بغورة، مفهوم الخطاب في فلسفة ميشيل فوكو، المجلس الأعلى للثقافة، ط١،القاهرة، 2000م، ص94
(30) نظام الخطاب، ترجمة محمد سبيلا، دار التنوير، الطبعة الأولى، لبنان، ص٩
(31) نظام الخطاب، نفسه، ص٩
(32) نظام الخطاب، نفسه، ص٩
(٣٣) نظام الخطاب، نفسه، ص٩
(34) نظام الخطاب، نفسه، ص٩
(35) نظام الخطاب، نفسه، ص٩٥
(36) الزواوي بغورة، سبق ذكره، ص٦٠١
(37) الزواوي بغورة، نفسه، ص108
(38و39و40) نوافق على هذا الطرح الذي ذهب إليه الناقد إدوارد سعيد: أنظر المقابلة المنشورة معه في مجلة البحرين الثقافية، العدد28، السنة الثامنة-إبريل، مملكة البحرين، 2001، ص85 ومن المهم أن نشير إلى أن نظريات الخطاب غير متجانسة. وأنها لم تنصرف عن البنيوية إلاّ بصورة جزئية، فهي لم ترفض فكرة النظام البنيوي إجمالا، ولكنها رفضت فكرة «النمط الواحد»، أي رفضت الاعتقاد أن وراء كل أنواع الخطابات نظاما عاما. ولهذا يؤكد (ميشيل بيشو) إن الخطابات المختلفة تشكل النظم المختلفة، وإمكانات المعنى تثبت وتحول إلى معان محددة خلال الوضع الاجتماعي والعرفي الذي ينشأ عنه الخطاب (وليس خلال بنية من الألفاظ الموجبة)، «فالكلمات والتعبيرات والأقوال…إلخ تغير معناها وفقا للأوضاع التي يكون عليها من يستخدمونها». فاللغة ليست نظاما من المعاني يشترك فيه كل الناس، إذ اللغة في صورتها الشمولية المطلقة لا وجود لها، لأن هناك لهجات وعاميات واستخدامات متعددة في نطاق اللغة الواحدة. أنظر: في نظرية الأدب، د.شكري عزيز ماضي، الطبعة الأولى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2005م، ص230
(41) للوقوف على بعض تلك المؤلفات التي حاولت الاستفادة من معنى الخطاب، بالإضافة إلى التحليل البنيوي، يمكن الإشارة إلى المراجع التالية:
– توفيق بكار ودراسته لكتاب البنية القصصية في رسالة الغفران لحسين الواد، ٧٧٩١م
– جابر عصفور وترجمته لكتاب البنيوية من ليفي اشتراوس إلى ميشيل فوكو، تأليف اديث كروزيل، 1985م
– صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، الطبعة الأولى، مكتبة لبنان ناشرون والشركة المصرية العالمية للنشر-لونجمان، 1996م
– عبد السلام المسدي الإسلوبية والاسلوب.
– كمال أبي ديب، ثقل التاريخ وشهوة ابتكار العالم، مجلة الأقلام، وزارة الإعلام، بغداد، العدد الأول، 1986م
– محمد بنيس، ظاهرة الشعر العربي المعاصر في المغرب، دار العودة، بيروت، 1979م
– محمد برادة وترجمته لكتاب ميخائيل باختين، إستيتيقا الرواية ونظريتها.
– يمنى العيد، تقنية السرد الروائي، الطبعة الأولى، 1990م
(42) إبراهيم صحراوي، سبق ذكره، ص١١
(43) توماشفسكي: (1890-1957م): بدأ دراسته الأدبية بتحليلات إحصائية للعروض لدى بوشكين، ونُشرت فيما بعد ضمن كتاب «عن النظم» ٩٢٩١م كما يرتبط بالحقبة الشكلانية كتابان آخران له هما: النظم الروسي 1923 ونظرية الأدب 1925م
(٤٤) سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، ط١، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1989م، ص٧
(45) محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، المركز الثقافي العربي، 1985م، ص17
(46) محمد عابد الجابري، نفسه، ص25
(47) سعيد علوش، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، عرض وتقديم وترجمة، ط١، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1985م، ص46و65
(48) بول ريكور. (1913-20/05/2005): أسر في الحرب العالمية الثانية سنة 1940، وبقي سنوات في السجن، حصل على الدكتوراة سنة1950 عن فلسفة الإدارة وترجمة كتاب «الأفكار» لهوسرل، من أهم مؤلفاته على سبيل الذكر لا الحصر: التناهي والعقاب1960، فرويد والفلسفة1965، الزمان والسرد٢٠٠٢، محاضرات في الأيديولوجيا واليوتوبيا سنة 2005. والنص المسرحي الدرامي البصري: نص يعتمد على الصورة البصرية، بعد أن تناولته يد المخرج ومجموعة العمل، من مصممي المناظر والملابس والإضاءة والممثلين والإدارة المسرحية وغيرهم، لتأتي المعالجة النهائية تحويلا لكل المفردات المكتوبة إلى عناصر بصرية محسوسة، وهكذا لم يعد المؤلف هو المصدر الوحيد لمعنى النص. وكتابة النص المسرحي البصري تعتمد على جملة من المسائل يجب أن يعيها المؤلف ويدركها قبل المخرج وهذه العناصر: تغير أساليب التفكير لدى المؤلف المسرحي، وإن عناصر النص المسرحي البصري هي مفردات الصورة والتخيل والتصور والبعد الميتافيزيقي وطرح الأسئلة المصيرية لمماحكة واستفزاز القارىء والمتفرج»، للتوسع أنظر: ندوة اللغة في المسرح: حلقة بحث عربية، إعداد: د.يوسف عيدابي، ورقة نقدية بعنوان: مستويات التعبير اللغوي، آمنة الربيع، ط١، 2006م، دائرة الثقافة والإعلام، حكومة الشارقة-دولة الإمارات العربية المتحدة، ص35-58
(49) د.عبدالله إبراهيم، المتخيل السردي: مقاربات نقدية في التناص والرؤى والدلالة، المركز الثقافي العربي، ط١، بيروت، الدار البيضاء، 1990م، ص٥
(50) رجاء مكي، مفهوم الجسد في الشريط المصور اللبناني، مج العرب والفكر العالمي، العدد الأول، شتاء 1988م، مركز الإنماء القومي، بيروت، ص١٠١
(51) علي عواد، شفرات الجسد: جدلية الحضور والغياب في المسرح: عرض وممارسة، دار أزمنة، ط١، عمان، 1996م، 16ص
(52) د.عبدالله محمد الغذامي، ثقافة الوهم: مقاربات حول المرأة والجسد واللغة، المركز الثقافي العربي، ط١، 1998م، ص٥
(53) ثقافة الوهم، نفسه، ص٧
(54) أنظر : لسان العرب المحيط، مادتي بدن وجسد، الصفحات: 176-177-458
(٥٥) ضياء الكعبي، صورة المرأة في السرد العربي القديم: دراسة في كتب الجاحظ، والأغاني، والسير الشعبية العربية، رسالة جامعية، أطروحة ماجستير، إشراف: د.إبراهيم السعافين، الجامعة الأردنية، أيار، 1999م، ص 122
(56) علي زيعور، نحو نظرية عربية في الجسد والإنسان، مج الفكر العربي المعاصر، العددان 50-51، مارس-إبريل، مركز الإنماء العربي، بيروت، 1988م ص 35
(57) رجاء مكي، سبق ذكره، ص ١٠١
(58) علي حرب، خطاب اللذة ولذة الخطاب، مج الفكر العربي المعاصر، العددان: 50-51، سبق ذكره، ص 41
(59) حمّادي الزنكري، الجسد العربي والمسخ: بعض المؤلفات التراثية، مجلة كتابات معاصرة، مجلد٧، العدد25-أيلول تشرين الأول، 1995م بيروت، ص124
(60) حمّادي الزنكري، نفسه، ص124
(61) حمّادي الزنكري، نفسه، ص124
(62) علي زيعور، سبق ذكره، ص35
(63) كارل يسبرز: أنظر موسوعة الفلسفة، عبد الرحمن بدوي، الجزء الثاني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، 1984م، ص634
(64) مطاع صفدي، الجسدي الذاتي، مجلة الفكر العربي المعاصر، العددان: 50-51، سبق ذكره، ص٥
(65) بسام بركة، اللغوي/الذاتي/الجسدي، مجلة الفكر العربي المعاصر، العددان: 50-51، سبق ذكره، ص23
(٦٦) عبد الجبار الوائلي، العقل والنفس والروح، منشورات عويدات، الطبعة الأولى، سلسلة زدني علما، بيروت/ باريس، 1982م، ص90
(67) عبد الجبار الوائلي، نفسه، ص91و92
(68) علي زيعور، سبق ذكره، ص32
(69) علي زيعور، نفسه، ص32
(70) مطاع صفدي، سبق ذكره، ص10
(71) مصطلح تغريب المشهد المسرحي أمرٌ معروف جذب اهتمام وانتباه سعدالله ونوس في تجربة (بريخت) «ولا أهدف هنا إلى إثبات أثر المسرح البريختي على النتاج الفكري والمسرحي لسعدالله ونوس أو نفيه، لأن أثر بريخت على مسرح ونوس وفكره ثابت ومعلوم، وقد أكد عدد من الدراسات السابقة على هذه الحقيقة، مما يجعل ذكرها هنا تكرارا لا جدوى منه، من هذه الدراسات على سبيل الشاهد: [الرشيد بو شعير، دراسات في المسرح العربي، دار الأهالي، بيروت،ط١,٧٩٩١، دراسة بعنوان تطور أثر بريخت في مسرح سعدالله ونوس، ودراسة أخرى بعنوان أثر برتولد بريخت في مسرح المشرق العربي، أطروحة دكتوراة دولة (مخطوطة)، جامعة دمشق، 1983م].
(72) طقوس الإشارات والتحولات، ص469
(73) أحمد الخطيب، سبق ذكره، ص180
(74) المسرحية، ص469
(75) المسرحية، ص469
(76) فخري صالح، ص338
(٧٧) نصوص الشكلانين الروس، ص180
(78) عبدالله إبراهيم، المتخيل السردي، سبق ذكره، ص108
(79) عبدالله إبراهيم، نفسه، ص108
(80) أنظر التبدلات والفتاوي في الصفحات التالية: 580و569و570
(81) المسرحية، ص486
(82) فخري صالح، سبق ذكره، ص337
(83) علي حرب، سبق ذكره، ص45
(84) د.يحيى البشتاوي، بناء الشخصية في العرض المسرحي المعاصر، دار الكندي، ط١، الأردن، 2004، ص15
(85) فخري صالح، سبق ذكره، ص337
(86) علي زيعور، سبق ذكره، ص35
(87) المسرحية، ص534
(٨٨) محمد علي الكبسي، الجسد ولعبة الأسماء في كتاب تاريخ الجنون، مجلة الفكر العربي العالمي، العدد الأول، شتاء 1988م، مركز الإنماء العربي، بيروت، ص107
(89) سعيد علوش، الجسدي في المرآة المشروخة، مجلة الفكر العربي المعاصر»» العددان: 50-51، سبق ذكره، ص52
(90) محمد علي الكبسي، سبق ذكره، ص105
(91) محمد علي الكبسي، نفسه، ص105
(92) المسرحية، ص550
(93) الهادي أحمد، لا معنى الجسد: الفلسفة الأفلاطونية والجسد الدريدي، مجلة كتابات معاصرة، المجلد السابع/ العدد25، أيلول-تشرين الأول، بيروت، 1995، ص117
(94) المسرحية، ص553
(95) الهادي أحمد، سبق ذكره، ص114
(96) مطاع صفدي، سبق ذكره، ص٢
(97) د.محمد عبدالله الغذامي، المرأة واللغة، ص57
(98) المسرحية، الصفحات: 495و496و497
(٩٩) المسرحية، ص553و554
(100) المسرحية، ص582
(١٠١) المسرحية، ص588
(102) ميشيل فوكو، المعرفة والسلطة، ص84
(103) رينيه ويليك، نظرية الأدب، ص50
(104) سعيد علوش، سبق ذكره، ص51
(105) المسرحية، ص508
(106) د.محمد عبدالله الغذامي، المرأة واللغة، ص390
(107) المسرحية، ص554و556و588
(108) فيسوافا شيمبورسكا، شاعرة بولندية، من مواليد عام 1923م، صدر ديوانها الأول بعنوان (لهذا نحن أحياء) عام 1952، ولها: أسئلة الروح، أنادي على فتاة اسمها بتي، فيض البهجة، أناس على الجسر، النهاية والبداية، مليون ضحكة، ويغلب على شعرها نزعة التمرد السياسي. حازت على نوبل للآداب عام 1996م.
(109) المسرحية، ص596و597.
(110) مطاع صفدي، سبق ذكره، ص12 .