محمّد الصدّيق رحموني
شاعر وكاتب تونسي
ينبغي على موتكم أن يكون متوقّدا بروحكم وفضيلتكم تماما مثل التهاب الشّفق على حافّة الأرض… وإلّا فإنّكم لم توفّقوا حتّى في الموت.
نيتشه: هكذا تكلّم زرادشت
روى:
(وهو ينقر كأس النبيذ بفكرته)
– لم أكن قبل هذا
(أصاخ جميع الحزانى: أنا والصراصير… بدر تدلى ليشفط ماء البحيرة قبل التراب.. ترانيم زارا الّتي من بكاء عظيم…)
تسلّل من مرجة الجار يعرج
(قال بصوت تقطّع مذ حادت الأرض عن ظلّها واستعارت صليبا لطعن السّماء…)
– أنا لم أكن قبل هذا
ولي شاهدان
أنا والطّريقُ إليْ
(تهجّى بعينين جائعتين الحضورَ… تنشّق صمت الرّخامِ)
وقال:
– تعبتُ
(تناثر ضوء المحبّة أزرق… أسند هذا الرّكام إلى حائط لا نراه)
سمعت صرير يديه… دلفت إلى راحتيه
ووقع الصفيحة أسفل نعْليَ يطفو
يؤوب إلى قلبه مّرتين
وينسى بسفحِ المحبِّ خطاهُ
– أنا لا أريد الصّعود إليه (يفكّر)
لي قاتلان: يداها وصبري عليها
وسافرت وحديَ دون طريقٍ إليهَا
أصلّي عليها (وتفشي النّواقيس موتي…)
أدلّك غمّازتيها بجوعي
وأبراج صمت ترى ما أراه
اقتربنا
(أنا والصّلاة ُتعبنا)
وآشّا الّتي من خبيء المعاني تقطّر ضوئي
فتنشقّ باء المحبّة… يُشفى الإلهُ (يصيح وينسى بأوشي صداه …)
أنا من هواءٍ
وعربون هذا العشاء الأخير دمي…
سوف أحكي لكم عن دمي:
مساء… دنا منّي خوفي (تبعثر وزني) وطوّقني بالرّحيل إلى الاحتراق… نهضتُ… وألقيتُ بُردًا (برفق) على ما تبقّى.. على الخوف بَرْدًا وأمنًا… مشيت بلا كاحلين… ودونَ يدين حبوْتُ… جلستُ أفكّر فيك على مقعد خشبيّ (يئنّ)، وأخضرَ كان من الكُسْتناء عليه دعاء، وخزّ، وأغنية من يباب… سللت يدي من يدي
ثمّ آنست فيك الفراغ
دلقت فؤادي عليك وألقيت كلّ السّلام
… ومنك اجترحتُ المعانِي (…)
صلبتُ التّرانيم فوق اللّسان الرّتيب وفوق سنانِ المجاز سحلتُ الحقيقةَ، قلّمتُ أفكار أربابها وصنعتُ النّساءَ، ختمتُ عليهن صمغَ الشّكوك… أصخْ للحنين ينقّب ظلّي يطرّق قلبي ويصنع أصنام هذي الشّخوصِ الّتي أحتويها ولا تحتويني
ويعلو ب ذ ب ح الحنين …
وقل من حديد أنا واستقم
… أقمنا الصلاة وكان الدّعاء وحيدا بلا غاية، كيف يأتي الفراغ مليئا بهذا الفراغ!!! أجل ناظريك وأجّل كلامك فالصّمت أجدى… وقال لي البحرُ إن كنت حزنا فماذا عن النّاي؟… فيك جلست أفكّر دون يقين وقد بعت نفسي لهذا الذي صورة في المياه وذاك، وذاك، وتلك… ( أنا من تراب)
وطين الّذين دمي…
سوف أروي لكم ما دمي
… حانة من حليب الأبستاق، ساقية من غياب… حساء بدبس الخرافة… نار أنا. واللّظى في معابد شكّي وهذا الصراط الشفيف يفرّق بين المحبّة والاشتهاء… وحرّاس ظلّي ضلّوا الطّريق إليّ، أنا لست ماء
وما كلّ من همّ بي اغترّ بالمستحيل وخاط الحكاية وانهمّ بالوحدة الضّاحكه…
لست وحدي أخاطبكم
إنّ هذا الّذي تسمعون بكاء الحزانى بقعر العدمْ
وكان السؤال حممْ
وفيك جلستُ أعُدّ الخدوش وأملأ ما خلّفته الحروب بهذا الحطام.. أنا من ركام… ومصفاة قلبي تمرّر كل الحصى… وها من سحاب أنا من ضراع الحقيقة أقطر… أقطر… أقطر
فاز الألى شذبوا النّفس من كذبة الانتصار عليها
ومنك انتهيت إلى غابة من حروف
وفاضت صفات الألم
أنا من عدمْ.
ووصّيت نفسيَ ألاّ تعود بنا منك
إلاّ إذا عادت
الأرض
فينا
وعاد من الموت بين يديه لظى الفكرة الآدميّة
شغّل نبض السّرير
أنار الهشاشة…….. نادى: أ ن ا ي ا ت ر ا ب (سكرت)
أدار الأبستاق… (نادى)
– أهورا… أهيه
أهيه الذي أروى روحي ولا ماء فيه
– نعم
– كيف أبدو لك من بعيد؟
– وسيما.
– وَوشمي الجديد؟
(تذمّر يوها)
– أنا لا أحبّ يديك
– لماذا تحبّ دمي!
– يدي هي ذي من حديد وصنع يديك
بطشت بها
وصلبت وقتّلت
ثم كتبت على الماء :
لي شاهدان.
سكتنا ..
وعاد لنا الصّمتُ يحمل صوتا جريحا
إلهي الّذي من حروبٍ
إمام السلام تبخّر
– من أيّ باب أتى
– لم أكن طوع عقلي وكان ضبابًا كظيمًا
وسال الظلام عليْ
وألقيت كفّي فعادت إليْ
– أبيضاء عادتْ؟
– بلَى
– كيف أبدو إذن من بعيد؟
بلا رائحة.
أدابا الّذي ذبّحته الرياحُ
وفي الرّوح موتٌ بماء الحياة ينزّ
يُهيئ طوق النجاة من الاشتهاء
أنا من رحيل وصوتي البقاءْ
أنا من حروف… أنا من قلقْ
وحين أفكّر في الماء
أمسك شكل الغرقْ…