الشَّجرُ في غروبِ الضِّياء
يمسك بقايا عصيانِ التحوُّل
على هذه الخضرةِ في عُمْقِ الرِّمال
ونحن مع تقدُّمِ الجموعِ نجالس ألويةَ حرب
ضدَّ الرِّيحِ وندرةِ المطر
وسياطُ الشَّمْسِ تُلْهِبُ مواقعَنا السَّاكنة
ثم تأتين أنتِ تهبينني هيئاتِ الضَّوءِ أمام بكائي
قواريرَ مزهرة
لتنتفع أوصالي بخمرتِها على مدى ما عَرَفْتُ من خسارة
لا تربك أيَّ شيءٍ سوى وجودِكِ المتغيِّر
وجودِكِ غيرِ القانعِ بما أنا عليه
إذاً أُقْنِعُكِ بماذا.. وكيف؟
أَأُمْسِكُ العشبَ على تلالِ الصَّحراء؟
هل سَتُقْنِعُكِ الأعشابُ وجوُّها المستعرُ بمواقدِ الشَّمس
أم أُغَيِّرُ وجهتي إلى قطبِ الشِّمال
أحاور الدِّببةَ والرِّفقةَ الغائرةَ تحت الثَّلج
أُحَاجِجُ فيها بقايا رغائبِنا المفعمةِ بهشاشتِنا
وحلمِنا كأطفالٍ مؤلَّهين
أَأَنْدِبُ لهم مواعيدَ تأخُّراتِ القمر؟
أَأَنْدِبُ لهم الغيوم
التي تمسك السَّطحَ الغافي، سَطْحَ أرضِنا؟
قولي مع زحمةِ ألمي؛ أتودِّين أنْ أُهْدِيكِ
هديةً أخرى ناصعةَ البياضِ كمناديلِ الصَّيف
مع قطراتٍ غيرِ مُنَشَّفَةٍ من دمعي
أو هديةً لا تُقَاسُ بأيِّ عُرْفٍ أو أي رأيٍ دقيق
من أناسٍ نقاربُهم بالعيش، نقاربُهم بالحُبِّ والسَّلوى
قولي بمَ تفكِّرين؟
السَّمْعُ هو أنا كائنُه الوحيدُ المعبَّد
تحت خيماتِ الزَّمهريرِ والرَّمل
غير عابئٍ بِثِقَلِ تحرُّكي، بعيداً عن أهراماتِ الوجد
قصَّفتُ عمري، همستُ لكِ بمصانعِ ذخيرتي
فتحوَّلتُ إلى انفجارٍ دائم
تمسِّينَه فيهدأ.. تنظرين إليه فيتغيَّر
سبحان تَعِلَّةَ نفسي
بإشاعةِ وجدِها وما تحبِّين
قافزاً ما بين النَّخيلِ باحثاً عن رطبٍ
جنيٍّ أسهو معه على فطرتي
عن ذلك التَّرَاكُمِ المتعمَّد
عن الشَّوارعِ، عن اللَّيل
عن حُجَجِ النَّهَارِ والألم
وأنا في يقظةٍ دائمة
مع قطيعِ جِمالي المتوحِّش
نازفةً على الشَّفَقِ أحلامَ رحلتِها الملغاة
المنسيَّة عمداً، بعد نقاشاتٍ مزَّقها الجفاف
من قِبَلِ ضابطي دفاترِ الحساباتِ والحدود
المختصمين على ملكيَّةِ التُّراب
فلا تبتئسي على هذا الأسى الذي يُهْطَعُ أرواحَنا
ويمهُرها بمكاوٍ من حديد
ونحن نعاقب أنفسَنا بقلَّةِ الزَّادِ والماء
ومن التفاتةِ وَجْهِكِ.. تُحصى رغائبي
تعلِّقني على حبلِ همساتِها، تخيطُ كلَّ المواضع..
نفياً لتَهْرُبي.. هكذا أستعيد أقاليمَ
وجودِكِ الدائمِ معي وإشاراتِ
ما تفعلينه كلَّما هممتُ بأنْ أغادر
مبتعداً عن اضطرابي
أهذا هو ما يُسمَّى الحبّ؟
بأنْ يُغلقَ عليكَ وترضى
كمن يهمَّ أنْ
يشربَ جُرْعَةَ ماء… فيشربُ المزيدَ في الحلم
دون أنْ يفنى أو يتوقَّف
حاملاً ورودَ الصَّباح
مباركاً حيواناتِه بتمسيدِ فروعِ فروتِها ومشاركةِ الماء
٭ ٭ ٭ ٭
تغيَّرتْ حياتي بما فيه الكفاية
فمن يطمح إلى شيءٍ فليغادرْني
حارساً قرب براكينِ أتعابِه
أكتب شواهدَ على موازينِ ما يرغب
عسى أنْ يجيءَ حالمٌ آخر
من وعثاءِ سفرِه يتريَّث
يحطُّ رحالَه ثمَّ ينظر
ما حدث وما سيكون لهذه المعجزة
التي تتبع تأشيرةَ إصبعِها المبتلَّةِ بالمطر
والناسُ تسافر، يضمُّها اللَّيلُ والنَّخيلُ المكتظّ
ووشوشاتُ الغديرِ ونبتُه الطَّامي
هامسين لبعضهِم بعضاً عن عشقِكِ
وما فعله بكياني
أيُّ حَمْدٍ
أيُّ شُكْرٍ
يغدقُه عليكِ القلب
وقد أرجعتِ إليه فرحَه وصروحَ مغانمِ جنانِه
فلا تبكي إذن
ما زلتُ أتقدَّمُ بكاهلِ اللَّيلِ وئيداً وئيداً
تحت نجمِكِ القطبيّ
أراقبُ كلَّ لحظةٍ تغيُّري في عوالمِ ضوئِكِ
من أجلِ حنانِكِ وارتعاشتِكِ قربي
عند مسِّ هذا المُقْلِقِ الغامض
الذي لا ينفكُّ رباطُهُ يقنعُنا بأنَّ ما يجيش فينا
من رحيقِ المياسم
سيكون غَذاءَنا وموعدَنا
وخلاصَنا
على ضفافِ الأنهارِ
التي تتطهَّرُ بها أرواحُنا
مالكةُ الزَّمان
قبل أنْ تنطفئ
حمادي الهاشمي
شاعر وتشكيلي من العراق