تستقبل السلطنة بين وقت وآخر فنانين من كل انحاء العالم يمثلون اتجاهات ومدارس جد مختلفة، في هذا الملف يتابع القارئ ذلك التنوع الفريد بين الفنانين، الذين عاشوا بأعمالهم في قاعة العرض بالجمعية العمانية للفنون التشكيلية، أو غيرها، بين جمهور بدأت خطواته تتعود زيارة هذا الموقع الذي لا تهدأ حركته.. وسواء كان الراعي للمعرض وزارة التراث القومي والثقافة، أو مهرجان مسقط أو الجمعية ذاتها، فان المكسب الحقيقي في ما تضيفه هذه المعارض إلى ذائقة جمهور الفن التشكيلي المتزايدة إعداده مرضا بعد آخر.
ولعل من المناسب الآن طرح بعض التصورات التي تغني مستقبل الحركة التشكيلية في سلطنة عمان، وهي على ما نوجزه في تلك النقاط:
* إصدار مجلة متخصصة للفن التشكيلي، حتى لا تقتصر إصدارات الفعاليات الفنية على كتيبات ونشرات فحسب، يكون من أهدافها- بجانب توثيق تلك المعارض- استضافة أقلام متخصصة حول الفن العماني بشكل خاص والخليجي بوجه عام، وتستقطب زواياها إضاءات تعرف بالفنون العمانية (التشكيلية والمعمارية واليدوية وسوأها) والفنانين والحرفيين، حتى تعمم تلك الذائقة الفنية لجمهور أكبر.
* إنشاء كلية للفنون الجميلة، لتكون نواة لحركة تشكيلية جادة، لا تخرج الفنانين فحسب، بل ومصممي الديكور والمدرسين والمتخصصين في صناعات كالزجاج المعشق وغيره.. إنها مدرسة للفن والحياة، إن قسم الفنون – بتحويله إلى كلية متخصصة ليصب في نفس الطريق الذي خطته الجمعية العمانية للفنون التشكيلية منذ سنوات وهي تقيم الدورات الفنية وورشات العمل وإن الجمهور الذي كان يحضرها من الطلاب – وهو كثير ليؤكد الحاجة لهذه الكلية.
* تبنى المؤسسات المالية والاقتصادية والصناعية والتجارية للتجارب الفنية العمانية إما بشراء لوحات الفنانين العمانيين – تشجيعا لهم، أو ابتعاث عدد منهم لدراسة الفن بالخارج، وربما لاستقدام أساتذة الفن العربي والعالمي لتقديم دورات فنية متخصصة بالسلطنة.
* إقامة متحف للفن التشكيلي، يضم لوحات للفنانين العمانيين والعرب والأجانب، وتكون من مهمة هذا المتحف / المعرض الدائم، شراء اللوحات لتشجيع الفنانين، وفتحه للجمهور. ولا شك أن الاستثمار في المقتنيات الفنية يعد استثمارا اقتصاديا (راجع موضوع عبدالرحمن منيف في هذا العدد). ويمكن أن تزود إحدى قاعات هذا المتحف بإرشيف / مكتبة للفن التشكيلي يرى فيها جمهور الفن الفرصة للتعرف على فنون العالم عبر وسائط إعلامية متعددة.
* تكوين موقع على شبكة الانترنت للفنون العمانية، وتشجيع الفنانين على إنشاء صفحات خاصة لهم، لعرض لوحاتهم وسيرهم الذاتية، فالقرية المعلوماتية الفضائية هي سبيل المستقبل للتواصل والتطور الفنيين.
* إصدار اسطوانة مدمجة (أقراص CD) سنويا تقدمها الجمعية برعاية اقتصادية من المؤسسات المختلفة والوزارات المعنية، تطرح عليها معلومات وأعمال فنية عمانية، وتصاحب المعارض العمانية في الخارج، ويمكن طرحها بسعر رمزي تشجيعا لاقتنائها أو اهدائها.
* تخصيص مبالغ قيمة للمسا بقات والجوائز الممنوحة للفنانين، وبعضهم يكرس حياته للفن، وليس له من مصدر آخر غيره، ويجب هنا أن تساهم المؤسسات في دعم تلك الجوائز، كما أن رجال الأعمال هم أول المدعوين لاقتناء الأعمال وتخصيص الجوائز، كما يحدث في العالم كله.
* تخصيص زوايا فنية -حقيقية بالصحف اليومية، لا تكتفي بسرد موجز لوقائع الاحتفال والافتتاح، بل تتجاوزه للخطاب الفني المتخصص، وأن تعالج اللوحة العالمية والعمانية جنبا إلى جنب، مع الاهتمام بالتجارب المعاصرة وعدم الوقوف عند أسماء كلاسيكية في الفن باعتبارها مرجعية وحيدة.
* إذاعة برنامج تليفزيوني يخاطب كل الجوانب الفنية في المشهد العماني الفني التراثي والمعاصر، ينقل للعالم – خاصة بعد وضع القناة التليفزيونية على أقمار فضائية عالمية – هذا المشهد الثري.
* إقامة مدينة الفنانين : وهي عدد من المحترفات (الاستوديوهات) التي تؤجر للفنانين بشكل رمزي أو مجانا، ليجدوا فيها المناخ الملائم لإبداع فني ينافس ويتجاوز، ويمكن لبنوك الإسكان والتنمية دعم هذا المشروع مع عدد من المؤسسات المهتمة.
إن هذه النقاط -وغيرها- لتضع لمستقبل الحركة التشكيلية في سلطنة عُمان – محكا حقيقيا، وباعتبار أن الفن ليسر ترفا، بل هو معادل موضوعي للحياة، أو ربما هو الحياة نفسها.