ولدت إنغريد بيخارانو إسكانيلا عام 1957 في أوبسالا (السويد) أين انتقل والداها؛ حيث عملا مدرسين للغة الإسبانية وآدابها بالجامعة. تعلمت اللغة السويدية بالمدرسة الابتدائية، وهي لغة ما تزال تحافظ عليها حتى يومنا هذا، حيث، فضلا عن كونها ناطقة بالعربية والفرنسية والإنجليزية، تتحدث باللغتين الإسبانية والسويدية. انتقلت عائلتها بداية السبعينيات، إلى برشلونة، المدينة التي استمر فيها والداها في العمل أستاذين؛ والدُها أستاذًا للغة اللاتينية بجامعة برشلونة ووالدتها أستاذة للغة الإسبانية وآدابها. بعد أن أكملت إنغريد دراستها الثانوية، سجَّلت بمعهد عام لدراسة اللغة العربية بجامعة برشلونة لاحقًا. وأثناء دراستها، أقامت مرتين في تونس لإكمال دراسات اللغة العربية بمعهد بورقيبة للغات الحيَّة. وبعد تخَرُّجِها، حصلت على منحة دراسية للدراسة ببغداد بالجامعة المستنصرية. ولقد حظيت بعد مجيئها إلى بغداد بعام أن تمَّ تعيينها أستاذة للغة الإسبانية بجامعة بغداد، حيث مكثت حتى عام 1984. حصلت -بعد عودتها إلى إسبانيا- على منصب أستاذة اللغة العربية والترجمة في كلية الترجمة بجامعة برشلونة المستقلة. بعد ذلك بعام حصلت على منصب أستاذ اللغة العربية في كلية فقه اللغة بجامعة برشلونة، حيث استمرَّت في العمل بها حتى عام 1989. وفي العام نفسه، انتقلت إلى إشبيلية، وهي مدينة بدأت تعمل فيها أستاذةً جامعيةً حتى تقاعدها الاختياري في سبتمبر 2019. تدور أبحاثها الرئيسة في مجالات من قبيل اللغة العربية (الفصحى واللهجات)، والأدب العربي المعاصر، والترجمة والجغرافيا العربية، وكوزموغرافيا الإسلام في العصور الوسطى، وتحرير المخطوطات العربية.
أمَّا بخصوص الباحثة ماريا كابو غونزاليس، فهي خرّيجة الفلسفة والآداب بقسم فقه اللغة السامية بجامعة غرناطة بإسبانيا، بتاريخ 1985. أنجزت أطروحة دكتوراه عن ابن البيطار، مقدِّمةً تحقيقا وترجمة ودراسة نباتية وفهارس، تحت إشراف د. جوليا ماريا كارابازا برافو، عام 1996. تشتغل حاليا أستاذة في مجال الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إشبيلية، إلاَّ أنَّه سبق لها وأن درَّست في جامعات مختلفة كجامعة لا لاغونا بين عامي 1994 و1997، وجامعة إشبيلية وقادس سنة 2000، ثم عادت إلى جامعة إشبيلية حيث ما تزال تدرِّس بها إلى غاية وقتنا الحالي.
في هذا الحوار الذي عقدناه مع المسترقتين الإسبانيَّتين إنغريد بيخارانو إسكانيلا وماريا كابو غونزاليس، جمعنا أوَّلاً وعلى حدة مجموعة من الأسئلة المطروحة على كلِّ منهما، ثمَّ أشرنا من خلال استخدام رقم السؤال إلى الإجابة الموافقة له، وهذه الأسئلة هي كالآتي:
لماذا تنظمون الملتقى الدولي الثاني حول المخطوطات العربية والنصوص القديمة بجامعة إشبيلية ؟
كيف تنظرون إلى تخصصكم مقارنة بعالم المخطوطات؟،
كيف تقيِّمون الدراسات العربية الإسلامية في جامعة إشبيلية خصوصا وفي الجامعات الإسبانية عموما مقارنة بجامعات أخرى في العالم؟،
بعد مسيرة طويلة من القراءة والدراسة والبحثِ والتنقيب والرحلات في أقطار العالم العربي والإسلامي، ما أبرزُ المحطَّات التي استوقفتكم؟،
في ظلِّ الأحداث السياسية الرَّاهنة في العالم الإسلامي أو الغربي، ما السبيل الثقافي لإعادة بناء الجسر من جديد؟
مع إنغريد بيخارانو إسكانيلا، مديرة سابقة:
تم تنظيم هذه الأيام في إطار مجموعة البحث “Hum 690 لتحرير وترجمة ودراسة النصوص العربية واللغات الشرقية الأخرى”. والهدف من هذا هو تقديم بحوثنا وأبحاث الزملاء الآخرين سواء من بلدنا إسبانيا أو من بلدان أخرى، الذين يشتغلون على مضامين التراث العربي الغنيّ، ويسلطون الضوء عليه. وبالدرجة نفسها، نعمل على تشجيع الباحثين الشباب لدخول عالم تحرير المخطوطات المُثير وترجمتها. يتطلّب هذا التَّخصص الصَّبر والمثابرة، وهما “فضيلتان” تمارسان قليلاً في هذا العالم السَّريع الخطى أين نفتقد لكثير من الهدوء في مقابل تثمين الأسرع وتقديره.
إنَّ لتخصصنا تاريخًا طويلًا في جامعات بلادنا لاسيما فيما يتعلَّق بطبع النصوص الأندلسيّة وترجمتها. بهذا المعنى، قام، وما يزال يقوم، مركز الدراسات العربية بكليّة جامعة إشبيليّة بعملٍ مهمٍّ لا يرمي إلى طباعة النصوص الأندلسيَّة فحسب، وإنَّما أيضًا نصوص الشَّرق العربي. وبهذا الشَّكل، نكون قد ساهمنا بحبَّاتنا الرَّمليّة في إصدارات النصوص والترجمات خلال القرن الماضي وفي السنوات التي كنَّا فيها بالجامعة مطلع القرن الحادي والعشرين.
تحظى شهادتنا في الدراسات العربية بتقديرٍ جيِّدٍ على صعيد المستويات العلمية جميعها وطنيًّا وأوروبيًّا كذلك. أمَّا المنهج الذي يتم وضعُهُ فيحتوي على عدِّة مواضيع خاصَّةٍ باللغة الفصحى واللهجات والأدب والتاريخ والفكر والدِّين وعلم الاجتماع وغيرها. يتيح ذلك للطلاب الحصول على رؤية أوسع للعالم العربي لاسيما وأنَّنا نتناولها بجميع مراحلها الزمنية، من عصور ما قبل الإسلام إلى الوقت الحاضر. تسمح الاتفاقيات الأوروبية المختلفة مثل (Erasmus) أيضًا بالتنقل بشكل كبير، و(Erasmus) برنامج يسعى لتسهيل تبادل الطلاب والأساتذة بين الجامعات والمدارس الأوروبية الكبرى والمؤسسات التعليمية حول العالم، مما يثري الطلاب والأساتذة، ويُحَسِّنُ من جودة التَّعليم والتَّعلم لا سيما بتثمين التَّعددية اللغويَّة.
تعرفت على اللُّغة العربية ودراستها عام 76 عندما كنت في السَّنة الثانية من الجامعة. مرت أربعٌ وأربعون عاما منذ ذلك الحين. لقد أثَّرت دراستي ورحلاتي وإقامتي الطَّويلة بالبلدان العربية على حياتي ومسيرتي المهنية، التي، لا تنفصل هي الأخرى عن حياتي الشَّخصيَّة. كان هدفي الرَّئيس خلال كلِّ هذه السَّنوات من التعلم (حتى الآن) محاولة تزويد الطلاب بالمعرفة اللغوية، ولكن أيضًا بمختلف المعارف الأخرى، التي يتم تعلُّمها واستيعابها من خلال اكتشاف البلد أو البلدان الموجودة بالعالم العربي والإسلامي؛ وليس فقط من خلال الكتب ولا حتى من خلال كل ما تقدِّمه لنا التِّقنيات الجديدة اليوم.
ما بالنسبة للأحداث السياسيّة، فمن الواضح أننا نمر بوقت عصيب بكل المعاني.. هناك مواجهات أيديولوجية وجدران ثقافية ودينية.. إلخ.. لا تتوقف عن الانتفاضة. ومع ذلك، بصفتنا إنسانيين وعلماء فقه اللغة، أعتقد أنه يمكننا المساهمة في بناء الجسور فوق الجدران، إذا لم يكن بالإمكان هدمها. وهذا يعني، بناءُ المنصات التي يمكننا من خلالها العمل على تبادل الأفكار والبحث خارج نطاق النزاعات. إن قوة الكلمة عظيمة وهناك نصوص من الماضي والحاضر يجب أن نفكر فيها بروح نقدية وبنَّاءة دائمًا.
مع آنا ماريا كابو غونزاليس، مديرة الملتقى:
إنَّنا نسعى إلى تنظيم هذه الأيام الدِّراسيَّة الدُّوليَّة نظرا لقلَّة المنتديات والمؤتمرات التي تسمح بمناقشة تحقيقات المخطوطات العربية في العصور الوسطى وترجماتها ودراساتها، كما أنَّ هناك عددًا قليلًا جدًا من الباحثين الذين يكرِّسون أنفسهم لهذه الأنشطة. وإذا كان من المهم جدًا إنقاذ هذه النُّصوص من أجل حفاظ شامل لذمَّة التاريخ، فإنَّ هذه الأيام الدراسيَّة هي فرصة للزملاء للالتقاء بعضهم ببعض والنظر في كيفية الاستمرار على هذا النَّهج.
وكما ذكرت سابقًا، هناك عدد قليل جدًا من الباحثين الذين يكرِّسون جهودهم لدراسة المخطوطات العربية في العصور الوسطى وتحريرها وترجمتها. وهي وإن كانت مسألة تتعلق بالضَّمير والعلم معا، فإنَّها مسؤوليَّة تقع على عاتقنا من حيث نجعل طلَّابَنا يدركون وجوبًا أهمية تحرير هذه النصوص وترجمتها ودراستها ليكونوا على دراية بتاريخنا وقيمنا، وإذا لم نفعل ذلك، فإننا سندفنهما؛ التاريخ والقيم معًا.
تبذل جامعة إشبيلية جهدًا كبيرًا حتى لا تفقد الدراسات العربية مكانتها الصحيحة في التاريخ. هذا هو السَّبب الذي يجعل مجموعتنا البحثية (Hum 960) تبذل كلَّ هذا الجهد، فترفع راية التحدي المتمثل في عقد ملتقيات بجامعة إشبيلية والمساهمة في أعمال بحثيّة من الدرجة الأولى لأهم الباحثين في المخطوطات العربية بالعصور الوسطى، وفي اللغات الأخرى ذات الصلة لتقييمها ومناقشتها.
ولقد مرَّ عملي البحثي بمكتبات عربية وأوروبية مهمة طوَّرتُ فيها قدراتي البحثية في مجال المخطوطات العربية في العصور الوسطى لاسيما بخصوص الموضوعات العلمية. فلقد قمت بإجراء تحقيق في عالم المخطوطات ذات الصلة بالموضوعات النباتية والصيدلانية والطبية والزراعية وما له علاقة بتاريخ العلوم العربية الموجودة في كثير من المكتبات العالمية كما هو الحال في المكتبة الوطنية التونسية عام 1989، ومكتبة الجزائر الوطنية عام 1990 و1991، وبقسم التاريخ وفلسفة العلوم بجامعة بيتسبورغ، ومكتبة جامعة ريديفا بأوبسالا بالسُّويد سنة 2012، وبالمكتبة الوطنية للدنمارك ومكتبة جامعة كوبنهاجن عام 2016.
أما بخصوص إعادة بناء الجسر، فالدراسة والمعرفة والتعلم واحترام الرَّأي الآخر وتبادل المعرفة والعلم والاجتهادات العقليَّة واللقاءات والملتقيات، كلُّها تعمل على تقوية الروابط بين الشرق والغرب وبناء الجسور اللازمة لإنسانية أكثر عدلاً للجميع.