عبدالله البلوشي
لقد تيقنتُ بجزم
أنه لا يمكن للصراخ أن يتبدد.
ثمة أصوات متعالية، كنت أسمعها في الأقنية الباردة
ذلك أمر صادم.
لكن ثمة حمامات مدلّلة
كانت ترفرف وجلةً في الفناء الباذخ بالأعشاب
ولم تكن لتئن ـ يا لإخلاصها العظيم ـ أبدًا.
كانت أرواحها نزقةً كالأطفال ـ مثلما في فورتهم المشاغِبة للهو ـ
وحين هي الشمس تشرق أمام حدقاتهم
كصَدفةٍ غسلتها الأمواج..
ولذلك كنتَ بالتفاتتك المضطربة تسبر نبل الأشياء
وكانت هي الأخرى، عينك المسمّلة بالدمع النازف
جامدةً ولامعةً.
***
يكفي أن رمشك المتهدّل
كان هو الظل الساهي على كل شيء
مثلما الشجرة.. تحنو على الأعشاب الصغيرة حول الجذع
ولا تغادر كنفها البتة.
يا للجمال الذي كان يتقاطر من ثقوب روحك الثملى
لاذعًا كمثل نسغ الوردة الحر
لتفزّ الحمامة ـ الملاك ـ من بين رفيقاتها، كالدمعة الطافرة
مثل تلك التي شهدتُ على انبجاسها من محجر الطفل
الذي عذبني بكاؤه المر.
يا لنغمة السر المضمّر ـ الشفرة المنّغمسة في الدم النقي ـ
هذه التي لا يفك طلسمها، سوى قلب الطير.
إنها القبضات الطيّعة اللدنة، مثلما أحدّق بها الآن..
متلوّيةً تبرز على التل المخروطي لملحٍ نقي.
لقد كانت الريح أثيرة لو تعلم
يا لغرابة الأمر
حين كان طائرك المعافى
لا يعكس وجهته نحو اللفح الماكر للريح
سوى إلى تلك الضفة فقط
حيث كنتَ تمكث في موضعك الأثير
وكان وجهك المشع في ضموره الطاعن يتبدى
كمثل مشيمةٍ عذراء تنعم بالأمن.
***
وكنتَ تستجدي في غورك المبقور، بصوتٍ محْتقنٍ لا يُسمع
نحو أن يتقدم نحوك الطير
يا لروعة شغفه اللعوب بك
لذلك غرّد أولاً،
قبل أن يحط على كتفك، كرضيعٍ مدلّلٍ
أو مثلما تهرع سنونوة صارخة
ناحية أمها الغارقة في صمتها العدمي
وتضمها باشتهاءٍ خالصٍ.
وكل هذه المجازفات البريئة في فعلها اللذيذ
لم تكن لشيءٍ..
إلا لتخمد الرعب الأزلي
الذي كان يثور في جوفك الكهفي
كمثل
براكين
غاضبة.