س الرحبي
25 عاماً.. التحديق في مرآة هذا الزمن العاصف، مؤلم ومرير، خاصة على الصعيد العربي، الذي توالت عليه الأحداث والمآسي، فكأنما هو الضحيّة المثاليّة لحقبة التاريخ الراهن ، وكأنما هو المحاولة الأكثر دمويّة وخراباً وحلماً للخروج من هذا التاريخ ومضائقه ونكباته المتقادمة.
وبما أن المجلة ولدت في الفضاء العربي، بالضرورة لا يمكن أن تتنكب مآسيه وأحلامه.
منذ بداياتها الأولى حاولتْ أن تشكِّل منبراً مفتوحا لجميع الكتاب والأدباء من مختلف الأجيال والأماكن والتوجهات الإبداعية والجماليّة بمقترحاتها وأفكارها، أي تلك الخارطة الموّارة بالتناقضات الحميمة، بالمحبة والضغينة والصراع.
أسماء متحققة أخذت حيِّزاً من الشهرة والإنجاز، وأخرى واعدة، في الطريق الى شغل حيّزها الخاص.. وهكذا…
منذ بدايتها حاولت أن تكون هذا المنبر الذي يلتقي فيه الأصدقاء من كل مكان لقاء الإبداع والحريّة، مهما كانت الالتباسات والمعوقات التي عادة ما تواجه أي عمل ينحى هذا الاتجاه، خاصة إذا كان في مناخ ما زال في طور التأسيس على صعيد الثقافة الحديثة وأسئلتها الإشكالية وواقعها المدني. في هذا السياق، حيث الحداثة والعلمانية قرينتا الالحاد والمروق.
هذا المناخ الذي لا يعرفه إلا من خَبر مرارتَه وعنْفَه المدلهم.. المحرر المسؤول والفني والعامل في إطار المجلة من أجل استمرارية إصدارها الفصلي، ليس إلا مسؤولاً عن تنظيم مواد الأصدقاء، الكتاب والشعراء، على مساحة المجلة حسب «الخطة» الموضوعة للأعداد المتعاقبة.. انه منظِّم حركة مرور المادة ليس أكثر.
هناك من يتوهمها «سلطة» وتلك هواية لدى البعض. السلطة هواية جماليّة ، غرام وعشق وهيام، حتى لمن لا يملك من أمرها شيئا. حضور وهمها يتطاول على من يمتلك سدتها الواقعية وعناصرها. البعض الآخر يحدق في رعب الموت وعبور الكائن، فلا يرى إلا سلطة العَدَم..
وهذه (هواية) أخرى، إذا وحّدنا الهواية بالهاجس الأساسي للذات والمصير..
نحاول التحرير والنشر من غير شلليّة ولا محاور ولا طموح إحداث انقلاب في وضع الثقافة والفن، دعك من المجتمع.
من يكون على رأس (منبر) في الوسط الثقافي (العربي خاصة) مهما كانت محدودية تأثيره، عليه أن يفكر بالخروج من هذا المضيق، بأقل الخسائر فداحةً وجراحاً.
مضى ذلك الزمن الذي تشكل فيه المجلات تيارات تزعم خلق تغييرات مفصلية في سياق الأدب والتاريخ.
يبقى أن المجلة في حدود مساحتها وزمنها لا تستطيع تلبية نشر كل ما يردها من المواد الجيدة والممتازة التي تفوق هذه المساحة وهذا الزمن بأضعاف.
بالتأكيد هذا كرم الأصدقاء من الكتاب والشعراء، كرم وثقة على جانب عميق من الفيض والأريحيّة لولا استحالة (مع الأسى العميق) رد هذا الكرم بمثله بسبب ضيق الحال، منه الذي أشرنا وسواه..
يبقى ان تنظيم النشر منعاً للإحراج، في التفاهم المسبق حول المادة يشكل نوعاً من حل، ورفع عتب يندفع عند البعض الى ممارسة لغة عنيفة لا نستحقها، كما لا يستحق صاحبها عنف رد مماثل وربما أقسى تبعاً للأفعال غير المبررة، وردودها. (تبا لكم).. (من تظنون أنفسكم كي لا تنشروا مادتي؟) وغير ذلك الكثير، بالاسم الصريح، دعك من الاسماء المقنّعة في بعض مواقع الجرائد تصل حدَّ السباب والتجريح مما يقع تحت طائلة الملاحقة القضائية والقانون.. وإذ نعرف من يقف وراءها كتابة وتشجيعاً، فالترفع والتجاهل هو الحل الأمثل. الحقدُ، يُولد جاهزاً، مكتمل الطلعةِ والنموِّ ورغبة الافتراس، خاصة لدى أولئك الحالمين «بريادة» عربية حاسمة، لا تستقيم إلا بوهم تدمير القرين المنافس، وان لم يوجد فسيتم اختراعه وتعيينه، ومن ثم التربع على عرش الخراب..
وهناك جزء أساسي من المادة يسري عليه تقليد «التكليف». إذ لا يمكن لأي مجلة أن تكون رهينة البريد مهما كان فيضه وكرمه.
يبقى، أن هناك يقيناً، أخطاء وتجاوزات، سهواً أو نسياناً وسفراً، في غياب كادر يستطيع لمَّ شتات المادة القادمة من كل الجهات.
نعتذر حتى عن الأخطاء التي لم نقترفها..
الغفران طاقة إنسانيّة وأخلاقيّة كما عبرّت (حنا آردنت) إذا كان في حدود المعقول وتجاه من يستحق.
مع الأسف لم تستطع هذه الأسطر أن تبلغ من نعمة الاعتقاد مبلغاً، يؤهلها للقول مثلا: آه، التاريخ سينصف الجميع. ولا بد أن تنجلي الحقيقة!! وغير ذلك من عبارات اليقين الخيري الذي تشكل نوعاً من عزاء.
لنترك الأمور في مهبِّ الصدفة العاصفة التي تخلع الأبواب ليلَ نهار.
* * *
صرخة الألم .. صرخة الحرية.. أيهما أسبق هذا هو النموذج المدرسي لترَف المعرفة.
* * *
كان لا يبالي بالإبادات والمظلومين من فرط ما نام مع الضحايا على سريرٍ واحد.