عجيب ما نراه في المصرية.. وعلى مستوى الاخراج بالتحديد . فالملاحظ أن الكثير من المخرجين المصريين ، يعيشون حالة غير طبيعية من عدم الاستقرار في مستواهم الفني . فمرة يفاجئنا أحد المخرجين بفيلم جديد وجيد، ثم نراه في فيلمه الآخر يقدم فيلما رديئا، ولا يرتقي حتى الى مستواه السابق من الجودة والتجديد. . وهكذا. وهذا يدل على غياب رؤية فنيه وفكرية لهذا المخرج ، واعتماده على مهارته الحرفية وعلى السيناريو المكتوب ، بالإضافة الى عناصر أخرى كالممثل والمصور.
ولكننا هنا أمام حالة خاصة جدا، تتمثل في المخرج "حسين كمال "، الذي يعد
من أهم مخرجي السينما التقليدية التجارية المصرية . ومما لا شك فيه ان
"حسين كمال " مخرج مبدع موهبة فنية كبيرة، خسرته السينما المصرية الجادة بعد
أن أهداها فيلمه (البوسطجي )، والذي قد نعده من أهم عشرة أفلام قدمتها السينما
المصرية على مدى تاريخها كله .
إن "حسين كمال " في أفلامه الثلاثة الأولى (المستحيل ، البوسطجي ، شيء من
الخوف ) قدم سينما جديدة، أثارت اهتمام النقاد، وبشرت بظهور مخرج كبير يقدم
سينما هادفه ، ذات تقنيه عالية . الا ان توقعات النقاد خابت بعد ان حصلت
انتكاسة كبيرة لهذا المخرج ، بعد إخراجه فيلم (أبي فوق الشجرة). حيث اختار
السير في تيار السينما التجارية، وآثر أن يكون مخرج شباك . . على حساب فنه
وموهبته . وقدم أفلاما كثيرة، لاتمت إلى أسلوبه السينمائي المتميز الذي بدأ به حياته الفنيه .
قال حسين كمال ذات مرة : (هناك سؤال مهم . . هل تريد عمل أفلام مسفة من
أجل المكسب ، أم تريد رسالة ثقافيه من خلال الفيلم ، انه لا يمكن الجمع بين الثقافة والهلس ) " 1 "، ولكن حسين كمال تراجع عن فكرته هذه ليتشبث بالنقيض . . أي سينما الهلس – على حد تعبيره – وهي السينما التي تضع شباك التذاكر كمقياس للنجاح .
وهذه المقدمة . . ربما تكون قاسية، ولكنها الحقيقة . لذلك سيكون من الأفضل
ان نتتبع مسيرة حسين كمال السينمائية، لنكون صادقين في رأينا هذا، والذي بني
على مشاهدات ومتابعات لجميع أفلام هذا المخرج .
بدأت ميول إ(حسين كمال " ( 1930) الفنية منذ الصغر-كما يقول -بعد أن
تعود أن يذهب إلى دار السينما مع العائلة . وكان إحساسه بالخوف والرهبة
والانبهار من هذا العالم الغريب ، قد أثر في شخصيته . وعند بلوغه مرحلة المراهقة وجه اهتمامه نحو السينما والموسيقى :وقد حاول بعد تخرجه من المدرسة دراسة السينما. . الا ان والده أجبره على دراسة التجارة، رغم مقاومته في الدفاع عن ميوله الفنية، وبعد حصوله عل دبلوم التجارةالمتوسطة من مدرسة الغرير، سافر الى باريس لتحقيق حلمه القديم ، والتحق بالمعهد العالي للسينما (الاديك )، لدراسة الاخراج ، حيث تخرج منه عام 1954 . وعند عودته إلى مصر يقول : فوجئت بأن مجتمع السينما في مصركان مغلقا على مجموعة بعينها من المخرجين والمساعدين (. ..) وكانت فترة عصيبة شعرت خلالهابإحباط ويأس لا مثيل هما(!!). واكتفى خلال هذه الفترة بتصميم ملابس وديكورات فندق النيل هلتون . حتى جاء افتتاح التلفزيون ( 1960 ) ليقدم حسين كمال أوراقه ويجتاز امتحان القبول بتفوق . وقد قبل أيضا لكونه دارسا للسينما ويجيد خمس لغات. حيث ارسل
لبعثه تدريبية الى "ايطاليا"، اكتسب خلالها الاحساس بطبيعة العمل التلفزيوني . وعند عودته ثانية عمل مخرجا للبرامج منها (مجلة الشباب + مشاكل وآراء). بعد ذلك أخرج عدة تمثيليات تلفزيونية منها (الحظ ورايا ورايا) و (البديله ) و (لمن تحيا) و (رنين ) التي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة داخلية بالتلفزيون عام (1963 ). ثم (كلنا اخوة) و (الفخ ) ونحيرها. وأهم أعماله التلفزيونية فيلم (المنعطف ) عن قصة لنجيب محفوظ ، وقد فاز بالجائزة الأولى للدراما في مهرجان التلفزيون عام (1964). حيث لفت الفيلم أنظار النقاد والمهتمين بامكانيات حسين كمال كمخرج سينمائي . في الوقت نفسه الذي اخذت مؤسسة السينما، دورها في مجال الانتاج السينمائي ، وفتحت الطريق أمام المخرجين الشباب ، حيث كانت فرصة حسين كمال باخراج أول افالمه (المستحيل ) من خلال القطاع العام .
يقول حسين كمال : (مهما كان نجاحي في هذا الفيلم باقيا.. ويشاد به الى وقتنا
هذا.. فاني لن أنسى أستاذي الكبير "صلاح ابوسيف " الذي أعطاني فرصة
عمري ، لأقدم هذا العمل . . الذي جاء بكل المقاييس منعطفا جديدا نحو السينما كفن قبل ان تكون تجاره !!.
لقد قدم حسين كمال في (المستحيل – 1965 ) قصة "مصطفى محمودا، مشكلة
اجتماعية نفسية بأسلوب فني جيد وجديد على السينما المصرية آنذاك . حيث لجأ فيه الى تطبيق خبراته الفنية التي اكتسبها من دراسته وعمله في التلفزيون . وقدم فيلما بطله هو التصوير السينمائي ، حيث اهتم بالناحية التشكيلية فيه من تقسيم الكادر وتوزيع الظل والضوء في المشهد، وكان مدير التصوير الكبير "عبدالعزيز فهمي " هومن ساهم بشكل رئيسي في تجسيد ما أراده حسين كمال .
إن بطل المستحيل (كمال الشناوي ) يعاني من سأم في حياته التي رسمها له
والده . سأم من كل شيء . . من بيته الذي تخيم عليه الكآبة والحزن .. من زوجته (كريمه مختار) وعقليتها التي وإن كانت حريصة على راحة زوجها الا انها تنتسب الى عقلية المرأة العربية التقليدية المتخلفة . انه يعيش في رنابة الواقع المحيط به ، ويحاول الخروج منه بأية وسيلة. يتصل بعلاقة بزوجة جاره (ناديه لطفي ) التي أخذت مكان أختها بزواجها هذا، الذي كان خارجا عن ارادتها، وتعيش أيضا في حالة نفسية عصبية، إنهما يلتقيان وكل منهمايعيش هذا السأم .. انها علاقة عاطفية غير طبيعية، فالماساة التي يعيشانها هي التي جمعتهما، فكل منهما لم يخترحياته .. تلقاها جاهزة ولم يساهما في خلقها. . يحاولان أن يتغلبا عل كل هذا إلا أنهما يصدمان بالمستحيل . . بالواقع المفروض عل كل منهما.
ان حسين كمال كان مصرا عل الدقة في التفاصيل ، بمعنى أنه اهتم اهتماما كبيرا
بتفاصيل الشخصيات والاضاءة والديكور والاكسسوار. حيث قال إن هذا يمكنه من
(التركيز على الاطار الذي توضع فله الشخصية، على ان الشخصية ليست الا
عنصرا من عناصر التعبير في الفيلم ، ولا بد من وجود تكامل بين هذه العناصر جميعا، وانا لا اهتم باللقطة فحسب بل بالكادر نفسه وليس اهتمامي من الناحية الجمالية كما يقول النقاد عني ، فإنا لست مخرج كادرات جمالية، وانما اهتمامي ينصب في الأساس على معطيات الكادر الدرامية . هذه العناصر جميعا التي تدخل في بناء الكادر أو اللقطة، موظفة لتقول شيئا محددا !!)."1"
فنحن نلاحظ ان تفاصيل حجرة النوم الخاصة بالبطل وزوجته ، من السرير ذي
الأربعة عمران الى بقية الأثاث الغير منظم في تكوينه ، تشعرك بمدى انهيار الحياة الزوجية التي يعيشها البطل . كذلك الاضاءة في الحجرة والتي تشعرك بالكآبة وعند فتح النافذة، يندفع ضوء ساطع وحاد يعطيك الاحساس بأنك في صيف
مقبض وحار، مما يجسد الاحساس لدى الزوج بالضيق والرغبة في الهرب . ان
جميع العناصر من ديكور واضاءة واكسسوار وزوايا التصوير، تساهم مجتمعة في تجسيد الاحساس بانهيار الحياة الزوجية بين البطل وزوجته .
أما حجرة نوم سيدة المجتمع المغامرة (سناءجميل )فيقول عنها حسين كمال .
(كانت تشبه الغابة بقوانينها الخاصة، هناك ديكور فخم جدا، لكنه خاو خال من
الانطلاق ، فرغ كبير هي ضئيلة في داخله ، وكانت حول السرير تماثيل زنجية، كل تمثال منها يمثل علاقة من علاقاتها، وهكذا يمكن ان ندرك بان علاقاتها هذه
تتصف بالبدائية والهمجية، رغم إدعائها التحرر والانطلاق !!). " 1 "
ورغم تحمس حسين كمال لفيلمه (المستحيل )آنذاك . . الا أنه بعد أن انخرط في
الاتجاه التجاري ، هاجم فيلمه هذا منكرأ تلك المرحلة الجادة من مسيرته الفنية..
ففي رد على سؤال عن رأيه في هذا الفيلم قال : (وجدته كارثه بشعه . . حلم قديم
يرتبط بفكرة ثابته عن السينما التعبيريه "الألمانيه ". . شخصيات غريبه تتحرك في
عالم غريب ، "سناء جميل " في غابة . . "ناديه لطفي " تقول كلا، غريبا.. فقط "كريمه مختار" التي تجاوبت معها. . لم أكن أعرف كيف أصف إحساسي ، الا الآن !!)0 " 2 "
بعد ذلك قدم حسين كمال فيلمه الثاني (البوسطجي – 1968 ) ليؤكد هذه المرة،
مقدرته كمخرج في التعامل مع التخلف الشديد الذي تعاني منه القرية المصرية في
الصعيد .
يتناول الفيلم قصة "عباس " (شكري سرحان ) الشاب القادم من القاهرة لاستلام وضيفته كناظر لمكتب البريد في قريه (كوم النحل ) في الصعيد.
والفيلم يطرح عدة خطوط درامية مختلطه مع بعض . . الا أن هناك خطان
مهمان رئيسيان . الأول يخص ("البوسطجي " القاهري الذي يعيش صراعا
حادا بين تصوره للواقع الاجتماعي ، وتصور أهالي القريه المتخلف لهذا الواقع .
انه يعيش في عزلة اجتماعيه قاسية ومملة. فيحاول كمصر حدة هذا الملل والوحده ويلجأ لفتح رسائل أهل القريه . وكذلك للتعرف اكثر على ما يدور في هذه القريه . أما الخط الدرامي الثاني ، فهو قصة الحب بين فتاة من القرية (زيزي مصطفى) وبين شاب من خارجها، حيث تثمر هذه العلاقة تجنيناقبل الزواج . يفاجأ البوسطجي بهذه العلاقه ويتعاطف معها كثيرا. الا انه – وبسبب خطأ منه -يتسبب في انقطاع خط الاتصال بين الاثنين ، وتكون نتيجة ذلك مقتل الفتاة عل يد والدها الصعيدي (صلاح منصور) لمحو هذا العار، وينتهي الفيلم بلقطات معبرة وجميله لعباس وهو يبكي ويقطع الرسائل وينثرها في الهواء لاحساسه العميق بالذنب بحدوث هذه الجريمه .
الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة للأديب "يحيى حقي "باسم (دماء وطين )، الا ان
السيناريو استطاع أن يحولها إلى فيلم سينمائي متماسك ، به كل مقومات الفيلم
الناجح . وإن الاضافات فيه مدروسة بعناية، ولا تشعر المتفرج بالاطالة أو
الافتعال . يعقب حسين كمال (في هذا الصدد) ويقول : (أنا باستمرار حريص الى
أقصى درجة، عل ابراز فكرة المؤلف ثم إضافة فكري الخاص . وأنا في (البوسطخي ) قلت وجهة نظري في الجملة التي جاءت مع المشهد الاخير "مملكه
ثانيه ". . ولكن لا بد ان أقدم ا"يحيى حقي "، والا اذا كانت لدي فكرة اخرى، فلأكتبها واقدمها للناس . وعموما فان اختيار موضوع معين والاحساس به ثم اخرابه يعني انني متفق معه !!)"1".
أما عن كتابة الفيلم فيقول : (المؤكد أثني وجدت نفس فعلا في فيلمي الثاني
(البوسطجي )، بعد عامين من التفكير الطويل والتأمل العميق . . كان هذا الفيلم
مثل لحظة تنويم ، وقد كتبته مع "صبري موس "ى و "ادنيا البابا"، دون علم "اصلاح ابوسيف ،ا، ثم ذهبت اليه وقلت لن أصنع الا هذا !!) "3".
وبهذا الفيلم استطاع حسين كمال ان يحقق استخداما متقنا للمونتاج بقيادة"" المونتيره " (رشيده عبدالسلا م ) ، التي عملت معه في أغلب أفلامه بعد ذلك .
كذلك استفاد كثيرا من التفاصيل الصغيرة والشخصيات الثانوية، في إغناء الخط
الدرامي الرئيسي وتعميقه . وحقق ايضا توازنا ملحوظا وموفقا، بين السيطرة على
حرفياته الفنيه والتقنيه كمخرج ، وبين المضمون الذي يطرحه الفيلم .
ففي بيت البوسطجي ، الذي إستأجره من العمدة وكان مهجورا في السابق ، هذا
البيت قصد به المخرج ، أن يمثل سجن البوسطجي في القرية .
فالبيت واسع جدا، الا ان جدرانه متهدمة، والمكان مشبع بالرطوبة . . مما ساهم في احساس البوسطجي بالكآبة، وانزوائه في ركن من أركان هذا البيت الكبير. كما أن الصور الاباحية التي على الجدران ، ومشهد الغازية – وبفضل هذا الجو القذر الذي يعيشه – تمثل حرمانه الجنسي ، وتحوله الى وسيلة خاطئة للاشباح . كذلك مكتب البوسطة بتكوينه وشباكه الحديدي ، يمثل سجنا آخر، يجعلك تشعر بأنه سجين فيه . أما مشهد الاغتصاب في برج الحمام ، فبقول عنه حسين كمال (أنا انفذ اللقطه أو المشهد ليعطي معنى محددأ. فمثلا في مشهد البرج ، عندما قرأته في السيناريو اول مرة، كنت أسمع طبولآ تدوي في المكان ، وبنيت تصوري للمشهد عل أساس توظيف الكاميرا والموسيقى والديكور والاكسسوار. لخدمة مضمون محدد. فمع الطبول قدمت سلامة و "مريم " بثلاث زوايا مختلفه رئيسية، تهدف الى تعريف المتفرج بالمكان الذي يجمع بين الحمام الأبيض رمز البراءه والطهر، في حركة متصلة من أعلى ومن أسفل ثم الرجل والفتاه عل أرفى البرج ، وكان المشهد مرسوما، في محاولة لعجنهم مع بعض ، أو تذويبهم في داخل بعض . ثم بزاوية منخفضة مع صرخة الاغتصاب .. وتسكن الحركة فجأة لتبلور موقف الرفض والادانه !!) " 1 ". أما مشهد المجلات الاباحيه في مكتب البوسطة، فقد جاء ليعطي فكرة سيئة لأهل القرية عن البوسطجي ، ويستغلونها في تحطيم
شخصيته . ورغم رفضهم لما في هذه المجلات ظاهريا، إلا أن امنيتهم هو ما
فيها.. هنا ابراز للتناقض في شخصياتهم .
وعن أسلوبه السينمائي يقول حسين كمال : (أسلوبي أستمده من العمل نفسه ،
فأنا آخذ المشهد وأذوب فيه ، فالمشهد هو الذي يفرض علي الطريقه التي انفذه بها. فالعمل المكتوب هو الذي يفرض ويحدد أسلوب المعالجة، حيث أنني أترك نفس له تماما !!). فهو عندما أراد اخراج هذا الفيلم ، سافر الى أسيوط واقام ثلاثة أسابيع ، علاوة عل ذهابه لقرية (النحيلة) التي تبعد ساعة ونصف من أسيوط ، يراقب ويتعايش مع جوالفيلم قبل البدء في الاخراج . وليس هذا الا دليلا على واقعية حسين كمال -في البوسطجي فقط – وحرصه الشديد على إظهار القرية بشكل صادق وحقيقي ، ومختلف عما قدمت في أغلب الافلام المصرية السابقة . كذلك شخصيات الفيلم التي استطاعت ان تقنعنا بمصداقيتها وذ وبانها في هذا الواقع الحقيقي . . وكانت موازية لكافة العناصر السينمائية الأخرى .
لقد استطاع حسين كمال ، كسر وتحطيم بعض القواعد التقليدية وتقديم
شكل جديد، قد وضعه في مصاف أهم المخرجين المصريين المجددين آنذاك . ففي
فيلمه الثالث (شيء من الخوف – 1969)، قدم أسلوبا مستحدثا على السينما
المصرية، حيث لجأ الى اسلوب فني جعل الفيلم أشبه بالحكاية الشعبية. علما بان
الفيلم مأخوذ عن قصة قصيره للكاتب ثروت أباظه .
يبدأ الفيلم بحكاية "عتريس " و ""فؤاده "، طفلان يعيشان في ظل قرية يخيم
عليها الخوف والرعب . . طفلان تجمعهما البراءة والصحبة وكره العنف والدم .. رغم محاولات عتريس الجد لاعداد حفيده ليكون الرجل القوي والمسيطر من بعده .
وتمر السنون ويكبر الطفلان لتتحول الصحبة الى حب يصطدم مع التحولات
الجذرية التي طرأت على شخصية عتريس بعد مقتل جده بين يديه مفتديا بحياته .
فيصبح عتريس الصافي والمسالم ، اكثر استبدادا وبطشا من جده .. وهذا معناه أن
كلأ من ا"عتريس " و ا"فؤاده " قد اختار كل منهما طريقا مختلفا. حيث ان فؤاده لا
تخاف بطش من يثيرون الرعب في القرية ويحرقون زرعها ويقتلون رجالها . وأول مواجهة بين الاثنين تحدث عندما يقوم "عتريس " بقطع المياه عن القريه ليميتهم وأراضيهم عطشا، وهنا يقفز السؤال : من يبدأ الخطوة الاولى في تحطيم الظلم والعبودية ؟ وحيث ان الاهالي لا حول لهم ولا قوة، نتيجة الخوف الذي يعشعش في قلوبهم . . تأتي ا"فؤاده " لتعيد المياه الى الارض العطشى وأهلها. عندها يقرر ""عتريس " الزواج من " فؤاده " واحتوائها تحت مظلته .. ومع رفض "فؤاده " لهذا الزواج ، إلا أن والدها ومن شهد على عقد الزواج ، يدعون أنها قد وكلت والدها. . ويشاع هذا الخبر في القرية بعد ان عرف "عتريس " كل شيء من "افؤاده ". وعلى رأس من يجاهر بأن (زواج عتريس من فؤاده باطل ) هو الشيخ "اابراهيم ". لذلك يدفع ثمنآ غاليا نتيجة ذ لك ، وهو أرضه ثم ابنه . وتكون تلك هي الشرارة التي تتحول الى مسيره كبيره يشارك فيها جميع الاهالي وهم يحملون جثة محمود متجهين الى قصر "عتريس " للقضاء عليه وتخليص "فؤاده ". وينتهي الفيلم باحتراق "عتريس " داخل قصره ، نتيجة المشاعل التي يقذفها الاهالي على القصر.
ان حسين كمال كان ذكيا في لجوئه الى أسلوب الحكايات الشعبية واستخدام
الأغنيات التي توزعت طوال الفيلم للتعليق على الأحداث . حيث أكسب الفيلم نكهة
خاصة، تجعل المتفرج يتحمس للفيلم حتى النهاية، هذا من جهة.. ومن جهة اخرى
حاول حسين كمال تغطية ما في القصة من مبالغات في المواقف ، معتقدا بان الموقف بمجمله وليس بتفاصيله ، هو هدف الفيلم .
على عكس ما كان في فيلميه السابقين ، حيث كانت التفاصيل عونا له في إغناء الحدث الدرامي الرئيسي وتعميقه .
لقد تخلى حسين كمال عن واقعيته في هذا الفيلم . . والتي قدمها بشكل صادق في
(البوسطجي ). فالواقعية ليست أن تصور الواقع ، وتجعل الشخصيات تتكلم بلغة
المكان . . بل هي تقديم الأحداث والشخصيات بشكل مقنع وصادق ، لتذوب في هذا الواقع وتعطي عملا واقعيا متكاملأ. ورغم ان حسين كمال في هذا الفيلم استطاع ان يجعل المتفرج يعيش مع الريف المصري بتقاليده وعاداته ولغته ، الا
أنه لم يستطع ان يقنعه بهذه الصورة المفتعله من الاجرام المتمثل في عتريس .
فالاجرام أما ان يخون من الحكومات وأعوانها، أو يكون اجرام الاقطاع . كذلك
وكما هو معروف منذ أقدم العصور، ان القرية المصرية يقوم فيها حكم تكوين
الأس ة على أن المرأه تكون دائما في حماية الرجل . . فكيف يمكن تصديق ان تكون فؤاده (المرأة) هي من ينقذ القرية من الظلم . كما ان اصرار (الجد) "عتريس" على أخذ وعد من حفيده لمواصلة ما بدأه ، والتحول المفاجأ "عتريس " يتناقض تماما بع الواقع . أي ان حسين كمال لم يستطع اقناعنا بواقعية بعض شخصياته واحداثه في فيلمه (شيء من الخوف ). في النصف الأول من الفيلم كان دور الصوره السينمائية بارزا، حيث كان الحوار مركزا . وليست مشاهد الأرض العطشى وما بها من تشققات ثم ارتوائها بالماء، الا دليلا على ذلك . أما في النصف الثاني فقد طغى عليه الحوار، وضعفت تكوينات الصورة. رغم ان الحوار الذي كتبه "الأبنودي " تتضح قيه الصياغة الجيدة والعذبة، في اختيار الجمل الحوارية. أما الموسيقى التصويرية مع الكورال والأغاني ، فقد أضفت على الفيلم طابعا مؤثرا وجميلأ. ورغم بعض السلبيات التي احتواها الفيلم ، الا انه يظل واحدا من الأعمال البارزة، لتقديمه اسلوب الحكايات الشعبيه بشكل جديد ومؤثر.
بهذا الفيلم ينهي حسين كمال مرحلة من اهم مراحله السينمائية.. وهي المرحلة
التجريبية. يقول حسين كمال : (كانت الافلام الثلاثة سابقة لعصرها بما تقدمه
من جديد مختلف عما كانت تقدمه السينما المصريه عموما في الستينات ، فلم يستطع الناس ان يستوعبوا هذا الجديد بسرعة.
ولكن بعد فتره أصبحت هذه الافلام التي شكت عقدة لي وللناس ، مفهومه من
الجميع وبالتالي مرغوبه من الجميع !!) "3". وبفيلم (شيء من الخوف ) أيضا،
ينهي حسين كمال تعاقده مع القطاع العام ، ويتجه للعمل مع القطاع الخاص . لتنفيذ افلام تستهدف تحقيق اكبر الايرادات ، ولتخاطب الغرائز والرغبات السهله لدى الجمهور الواسع والمتخلف .
هذا ما حدث بالضبط لحسين كمال . . إنها انتكاسة كبيرة لمخرج جاد، غير فيها
أسلوبه السينمائي واهتماماته الفكرية بالكامل. واذا حاولنا في البحث عن أسباب
هذه الانتكاسة، فلا نجد الا ان حسين كمال قد سعى لإرضاء الجمهور العريض –
والذي حققه بفيلم ،اابي فوق الشجرة" – على حساب امكانياته الفنيه والفكرية . أما
هو فيبرر ذلك بقوله . (الفن نوعان . . الفن التجريبي والفن الكبير، لكل الناس. . هذه مسألة محددة تماما في رأسي . في السيده زينب كانت الناس تحطم الكراسي سخطا، وفي البيت كانت اكوام الصحف التي تمجد.
(000) اعتقد ان الفن التجريبي ضروري جدا، ولا بد ان يوجد من يصنعه ، ولكني اخترت أن أصنع الفن الكبير. لقد وضعت إسمي على باب سينما شبرا، بدلا من اضعه على باب نادي السينما أو مركز السينما !!) "2".
ونحن نقول انه من الصعب -كما هو معروف – الجمع بين النقيضين . . إرضاء
الجمهور وارضاء النقاد في آن واحد. فهي معادلة قال عنها الناقد الفرنسي (جورج
سادول ) انها محاولة اختراق المستحيل .
والفن عموما وظيفته الأساسيه هي الارتفاع بمستوى الجمهور الفني ، حتى
يستطيع تقبل ما يقدمه الفنان من إبداع .. وليس بالنزول الى مستواه كي يفهمه .
وكما جاء على لسان حسين كمال نفسه .. بان افلامه الثلاثة، وبعد فترة، أصبحت
مفهومة ومرغوبة من الجميع . . فمعنى ذلك ان المسألة تحتاج فقط الى وقت ، وقت يحاول فيه المتفرج ان ينفي ويطور قدراته الذوقيه للعمل السينمائي والفني عمومأ. إلا أن "حسين كمال " لا يستطيل! الانتظار كل هذا الوقت ، فهو يريد من أفلامه ان تدر له أكبر الايرادات .
ويواصل "حسين كمال " تبريره لهذا التحول فيقول. (شعرت بأنني وجدت طريقي الى السينما، وأصبح لي أسلوب مميز في الاخراج ، فكان لا بد لي ان أخوض الواقع السينمائي . فانا مقتنع بان السينما مخاطبه لوجدان الناس .. كل الناس ،
وليست قاصره على الخاصه أو على فئة بعينها دون الفئات الأخرى . (…) فكان
فيلم " أبي فوق الشجره "، هو اللقاء الاول بيني وبين الجمهور العريض ، وتطلب
(الامر تغييرا شاملا في فكري وأسلوبي !! ) وقد حقق فيلم (ابي فوق الشجره –
1969) ما يصبواليه حسين كمال من شهرة كبيرة، وأموال طائلة. حيث استمر
عرضه ثلاثة وخمسين أسبوعا، محطما بذلك كل الأرقام القياسيه التجارية
بالنسبه لتاريخ الفيلم المصري .
صحيح ان حسين كمال قد ساهم في تطوير الأغنية السينمائية العربية وتقديمها بشكل يختلف عن الشكل التقليدي ، الذي عودتنا عليه السينما المصرية قبل ذلك .. ولكنه اعتمد في ذلك – وللأسف – على حكاية ضعيفه ومكرره ومستهلكه ، لا تختلف كثيرا عن الأفلام الغنائية السابقة، لتكون إطارا لهذه المجموعة الكبيرة من الأغنيات والوجوه والمناظر الجميلة. ومما لا شك فيه ان قيام (عبدالحليم حافظ ) ببطولة هذا الفيلم ، كان له الأثر الاكبر في نجاح الفيلم جماهيرا.
إضافة الى وجود مخرج متمكن وحريص على اختيار ممثليه وادواته الفنيه الأخرى.
ولا نخفي تصورنا من أن نجاح فيلم (أبي فوق الشجره ) وبهذا الشكل الجماهيري الذي فاق كل التصورات .. قد جعل حسين كمال ، يتمسك اكثر بما أقدم عليه من تحول شامل في فكره وأسلوبه ، واستمراره في تقديم الأفلام التقليدية التجارية .
ففي فيلم (نحن لا نزرع الشوك – 1970) المأخوذ عن قصة ليوسف السباعي ، قدم حسين كمال عملا ميلودراميا، لا يختلف عن بقية ميلودرامات السينما المصرية.. ولم يضف أي شيء الى رصيده السينمائي . وعن تجربته في هذا الفيلم قال (الميلودراما شكل فني . . حياتنا ميلودراما، وعلى أية حال ، كان لا بد ان أجرب الميلودراما. انا حتى الآن أدخل تجارب ولم اصل الى شىء . اتسمي يدر الأموال .. ناجح تماما في السوق ، ولكني لم أصل الى شيء . (نحن لا
نزرع الشوك ) ميلودراما "رسمي " ولكنه ليس فيلفا عبيطا !! )"2". أما في (ثرثرة فوق النيل – 1971 )، فقد أثبت حسين كمال أنه مخرج بلا رؤية وبلا موقف فكري . ومخرج يكرس فنه للمتاجرة بالنكسة عل نحو سىء ومبتذل . ورغم ان الفيلم قد اعتمد عل رواية لنجيب محفوظ بنفس الاسم ، الا ان الفيلم ظهر بشكل مختلف تمامأ. . لذلك من المجحف حقا المقارنة بين الرواية والفيلم .نحن في عوامة حسين كمال ، نرى داخلها مجموعة من انماط بشرية عابثة وغارقة حتى النخاع في الجنس والمخدرات ، دون أن يكون هناك تبرير اجتماعي ومنطقي قوي ومقنع . فقد أفرغت الشخصيات من كل ما تحتويه من توتر وصراع وخوف وملل ورغبة في الهروب من الواقع . ولا تجسد الاحساس الكامن بالهزيمة والجمود الذهني والفكري ، فرجب القاضي (احمد رمزي ) ممثل مشهور حرفته النساء، ويمثل في افلام هابطه مهمتها تخدير المتفرج . وسنيه (نعمت مختار) زوجة تخون زوجها لمجرد انه خانها مع الخدامة، وتتحول الى غانية لأهل العوامة . وليلى زيدان (سهير رمزي ) فتاة فقيرة تطمح في الحصول على سيارة "مرسيدس " وشقه في الزمالك ، ومن اجل ذلك فقط تبيع جسدها بأعلى سعر ممكن . وعلي السيد (عادل أدهم ) صورة ممسوخة للناقد الفني والصحفي ، كذلك "خالد عزوز" (صلاح نظمي ) الكاتب الذي يعيش على هامش الأحداث . و "سناء" (ميرفت
امين ) التي تمثل الجيل الجامعي الضائع والذي يطمح إلى الشهرة بأية طريقة.
جميع هذه الشخصيات لا تحمل أي مبررات مقنعة لحالة الفوضى والعبث التي
يعيشونها، ولا تمثل اية ازمة فكرية أو اجتماعية أو سياسية. ربما الشخصية
الوحيدة التي تشير الى ذلك هي شخصية أنيس (عماد حمدي ). ورغم المجهود الخبير الذي بذله "عماد حمدي " في تجسيد هذه الحالة، الا ان المحتوى الفكري للشخصية، يفتقر الى العمق في الاقناع . الشخصية الوحيدة المقنعة في الفيلم هي (الجوزه )، كانت البطلة الرئيسية حقا. وكانت بارزه في أغلب مشاهد الفيلم . . حيث كان دخانها هو الذي جعل أهل العوامة يعيشون عزلتهم هذه ، ويصبحون عبيدا لها، يساهمون في تزويدها بالفحم وتوفير مستلزماتها. انها حقا استخدام ذكي من حسين كمال ، لكي يجعل من فيلمه هذا، واحدا من أهم الافلام التجارية، حيث
استمر عرضه سبعة عشر أسبوعا. وهذا لا ينفي امكانيات حسين كمال الحرفية والتي ساهمت في نجاح الفيلم . ففي المشهد الذي يبين أهل العوامة وهم يعبثون فوق تاريخهم المتجسد في تمثال "رمسيس "، حيث تمثل الاحساس بالتناقض الساخر في نفسياتهم . كذلك اللقطات التي يظهر فيها (أنيس ) وهو يمشي في وسط الزحام ويتلو " منلوجه " الداخلي ، معلقا على ما يحدث من حوله ، كانت معبرة ووفق المخرج في تنفيذها. أيضم اللقطة التي تجمع " أنيس ا و "المرجيح " ة المهجوره في "الاسماعيليه " بعد عدوان ا"يونيو" ، نراه واقفا أمامها متخيلا صوت الاطفال وهم يمرحون ، حيث ياتي صوتهم من خارج الكادر. ورغم ان هذه المشاهد تعكس قدرة "حسين كمال " على الخلق ، الا انها غير كافية لطرح وجهة نظر، أو موقف فكري معين . فحسين كمال في تعامله مع رواية ا"نجيب محفوظ " هذه ، يبدو أقرب الى تعامل "حسن الاما"م مع روايات هذا الكاتب ، منه الى التنفيد الجيد الذي قدمه "صلاح ابو سيف " مثلا في (القاهرة 30، بداية ونهاية). يقول حسين كمال : (ثرثرة فوق النيل فيلم سياسي ، ولكن حكاية الحشيش كان لها في السينما وقع آخر، غير وقعها في الرواية. في السينما لم يتجاوب الجمهور الا مع الجوزه ، والجوزه كانت 67 !!) " 2 ". وفي عام 1972 يقدم حسين كمال
فيلمين هما (امبراطورية م + أنف وثلاث عيون ) وهما عن قصتين "لاحسان
عبدالقدوس ". الاول يلخص فيه مشكلة الافتقاد الى الروح الديمقراطية من وجهة
نظر الطبقه البرجوازية الجديدة. حيث يقدم لنا الديمقراطيه بشكل متخلف وملغق ، وهي انتخاب الديكتاتور من جديد، مع اشتراك الخدم في هذا الانتخاب. كذلك
نرى رجل الأعمال الذي يحب بطلة الفيلم (فاتن حمامة)، والتي قصد بها المخرج
لتكون رمزا لمصر.. حيث يقول على لسانه "لا يوجد في العمل رأسماليه "ولا
اشتراكيةا، ويدلل على ذلك بالتبادل التجاري بين الدول الاشتراكية والدول
الرأسمالية. ويقول حسين كمال عن فيلمه لهذا : (كان يمكن ان يكون أفضل لولا
"فاتن حمامة". إصرارها عل توجيه كل انتباه المتفرج اليها، جعل السياسه في
"لخلفية، رغم أنه فيلم سياسي من الطراز الأول . انه حوار بين طالب ووالده حول
الديمقراطيه !! ) " 12 .
أما (أنف وثلاث عيون ) فهو من ضمن الكثير من الأفلام العاطفية التي قدمت
الحب والجنس . فلم يقدم حسين كمال من خلاله اي جديد، معتمدا فقط على ممثليه
النجوم (ماجده ، نجلاء فتحي ، ميرفت أمين . محمود ياسين ) في توصيل ما في
قصة "احسان عبدالقدوس " من علاقات عاطفية غير طبيعية .
بعد ذلك قدم فيلم (دمي ودموعي وابتسامتي – 1973 )، الذي يدين فيه حسين كمال ، عالم رجال الأعمال وأصحاب الملايين ، ويصفهم بالظلم وانعدام الضمير. ولكنه بدلا من أن يقدم ضحايا هؤلاء الرجال الحقيقيين كآلاف العاملين المسحوقين في مؤسساتهم ، او حتى الاف المتعاملين مع هذه المؤسسات .
بدلا من ذلك نراه يقدم لنا ضحية وهمية وهي الفتاة الشريفة (نجلاء فتحي )، التي
تدافع عن عذريتها في هذا العالم المليء بالذئاب البشرية .
والفيلم من الناحية الفنيه ، يتميز بايقاع جميل وشاعري ، وينقلنا الى بيروت
بمناظرها الخلابة . . والى المغرب ليقدم لنا رقصاتها الشعبية التي أبرزها لنا حسين كمال بشكل متقن وجميل . اضافة الى ثقته وتمكنه من حرفيته وصناعته والتي ساعدته في اقناع الجمهور بما يشاهد، حتى اذا كان ما يطرحه غير منطقي ومناف للحقيقة. وعن هذين الفيلمين يقول حسين كمال (أري انهما من أفلام الحواديت ، مجرد حواديت .. عندما أفكر فيها الآن اقول ياه . . كل هذا من أجل "ماجده "، أو من اجل نجلاء فتحي ا! طبعا ماجده ممتازه في الفيلم الاول ، وكذلك محمود ياسين .. والمغرب ظهرت جميع كما لم تظهر من قبل في الفيلم الثاني . ولكن دفاعي ضعيف . . هنا انا اصنع قصصا ولكن بالكاف ، وليس بالقاف ة إ) ا"2 ". وفي موسم عام 1975 السينمائي ، قدم حسين كما ا- أربعة افلام دفعة واحدة. وهي (لا شيء يهم ، الحب تحت المطر، النداهة، على ورق سيلوفان ) 00 الأول والثاني يطرح من خلالهما وجهة نظر سياسية . ..ففي (لاشيء يهم )عن قصة لاحسان عبدالقدوس ، ليس هناك شيء مهم .. إنها مجرد أفكار سياسية مبعثرة، تناولها المخرج بشكل غير مترابط وعشوائي . حيث فقد حسين كمال
السيطرة عل الفيلم ، وانتهى دون ان يقول شيئا ذا معنى. وفي فيلم (على ورق
سيلوفان ) – والقصة ليوسف ادريس – يتناول مثلث الحب التقليدي . . الزوج
والزوجة والعشيق ، وبنفس التركيبة والمواصفات التي شاهدناها مرارا ومللنا
منها، ضمن عشرات الأفلام التي قدمتها السينما التجارية المصرية . أما فيلم (النداهة) والذي كان الهدف منه هو تصوير التهام المدينة الكبيرة وسحقها لابناء الريف . . فقد حوله حسين كمال الى حكاية مشوهة عن فتاة من الريف (ماجدة)، تسقط في الخطيئة عند ذهابها للقاهره . وكان من الممكن ان يظهر بمستوى أفضل ، لو أن حسين كمال قد ركز اهتماما اكثر بتقديم الاسباب التي تجعل من القريه منطقة طرد.. كما فعل واهتم بالقاهرة كمنطقة جذب . حيث انه قدم لنا الريف السياحي ، بنسيمه العليل واشجاره الباسقة. وكان من الأجرد له أن يبين لنا الفقر والبطالة، التي تعاني منها القرية وتجعلها منطقة طرد. كما ان هناك تفاصيل صغيره وهامة تساهم في خلق الشخصيات ، اهملها حسين كمال . فنحن نلاحظ بطلة الفيلم في الريف بوجهها المشرق وشعرها الناعم ومكياجها الذي زادها فتنه ، وملابسها الجديدة اللامعة والغالية.. كل هذا لا يشعرك حقا بانها فلاحة حقيقية.. ومن الواضح فعلا أن حسين كمال عندما أراد تصوير القرية في هذا الفيلم ، لم ينتبه الى قريته الحقيقيه التي قدمها في (البوسطجي ). أما الاضافات الى قصة (يوسف ادريس ) القصيره ، فكان الهدف منها التطويل فقط ، وشغل وقلت
الفيلم. حيث كانت بعض الشخصيات والأحداث ساذجة ولا تخدم تعميق الخط
الدرامي للفيلم . فشخصية (ميرفت امين ) لا تعبر عما أريد لها التعبير عنه ، كنموذج لفتيات المدينه المتحررات . كذلك شخصية الخادمة العائدة الى القرية، وأحاديثها الطويلة للفتيات عن القاهره ، وكان من الممكن اختصارها. أما المشاهد الفكاهية التي تصور ذهول فتاة الريف ، في التعامل مع المصباح والمصعد
الكهربائي وأدوات المطبخ الحديثه ، إذا كان الهدف منها هو التخفيف من ماساوية الاحداث ، فلم ينجح المخرج في ذ لك ، وكان من زوائد العمل . إضافة الى ذلك ، فان حسين كمال لم يستفد من قدراته الفنية في جذب المتفرج ، والارتفاع بمستوى الفيلم التقني . فنحن نراه وفي لقطات عديده ، يكتفي بتثبيت الكاميرا في كادر محدد، يتحدث فيه الممثلون حديثا طويلا ومملا، دون أي تغيير في زوايا التصوير. . وكاننا أمام تمثيلية تلفزيونية ردئيه . وعن سبب اختياره لقصتي ،ايوسف ادريس ".. على ورق سيلوفان و "النداهه " قال حسين كمال : (الأولى رائعه ، والثانيه مبهرة !! فيلم (على ورق سيلفوان ) برجوازي جد)، وانا لا أحب شخصية "نادية لطفي ! فيه ، ولكن أعجبتني فكرة الزوجة التي تشكك فكرتها عن زوجها من خلال حياتها معه في المنزل فقط ، ولا تعرف عنه شيئا في عمله ،
ثم فكرة الزوجة المخلصة التي تعيش في وهم عابر انه فيلم عل ورق سيلوفان
فعلا. أما النداهة فبهرتني فيه فكرة التناقض بين القرية والمدينه بالشكل الذي
عبر به "يوسف ادريس ". . في العمارة التي أسكن بها انتحرت فتاة منذ شهور من
الدور السادس ، ولم اعرف لماذا ؟ لأني في عالمي .. كل دور يبدو للآخر مثل المريخ ! وهذا بالطبع لا يحدث في القرية ). ويأتي فيلم (الحب تحت المطر)
والمأخوذ عن رواية بنفس الاسم لنجيب محفوظ ، ليكشف وبضراوة، الفساد الذي
تعيشه طبقة البرجوازية الصغيرة في فترة ما قبل حرب اكتوبر 73، فترة من أقسى فترات الغليان السياسي والتي سميت بحالة اللاحرب واللاسلم. ونية حسين كمال طيبه وواضحه ، في تناول كل ذلك من خلال ما طرحته الرواية، لكن النية وحدها لا تكفي لعمل فيلم سينمائي . فنحن نشعر بأن هناك اكثر من مخرج وراء هذا الفيلم ، وذلك لاضطراب وتفاوت مستواه . فمرة يرتفع حسين كمال بلغته السينمائية الى مستوى جيد، كما في مشهد مونولوج (عشماوي ) أمام الجدران المغطاة بالشعارات اللاهبة . وأخرى نراه يقدم لغة ومستوى قد ساهم وبلا شك في النيل من قيمة الفيلم الفنية .
ولا يفوتنا ان نذكر بان أهم مشاهد الفيلم تلك التي تناولت ما وراء كواليس
صناعة السينما، مشاهد اتخذت موقف الهجاء العنيف من السينما التجارية
السائدة . وكان حسين كمال ينتقد – وبشكل لا شعوري – السينما التي قدمها
هو نفسه . أما استخدام حسين كمال للتناقض في شريط الصوت والصورة – وفي
اكثر من مشهد-فجاء استخداما غنيا موفقا. ومن بين المشاهد الزائده ، والتي
أساءت الى الفيلم ، مشهد الشباب وهم يعاكسون فتاة مع والدها، مشهد مفتعل
ومبالغ فيه . كما ان تصرفات العديد من الشخصيات ساذجه وغير مبررة، مثل
القرار الفجائي للطبيب باستكمال أبحاثه في السجن . أما النهاية التي تضمنت بداية
حرب اكتوبر، كحل لكل هذه المشاكل والمتناقضات ، فيقول عنها حسين كمال :
(لا. . هذه ليت نهاية فيلمي ، هذه نهاية صنعها المنتج . فيلمي ينتهي بظلام دامس ، ويعرف المتفرج انه من هذا الظلام طلع اكتوبر، ولكن هذا لا.. سلويت في الغروب : ده أفيش صابون أومو عن حرب اكتوبر، دا استجداء سته أكتوبر.. انها إهانة كبيره !!) "2".
لقد حاول حسين كمال أن يلتزم إلى حد كبير بما قدمته الرواية، من شخصيات
كثيره بكل علاقاتها ومصالحها وأخلاقياتها، ولكنه اخفق في تجسيد كل ذلك . لأن هذا يحتاج أولا، لدراسة عميقه ومتأنيه لرواية صعبه مثل هذه .. كما يحتاج لتفرغ كامل من قبل المخرج لتنفيذه .
ومخرجنا كما عرفنا قدم أربعة أفلام في موسم واحد فقط ، فكيف له أن يتفرغ لمثل ذلك .
أما في موسم عام 1976، فيقدم حسين كمال فيلمين هما (بعيدا عن الارض ) و
(مولد يادنيا)0 الاول عن قصة "الاحسان عبدالقدوس ". . قصة ربما تصلح للقراءه
فقط ، أما ان نشاهدها في فيلم سينمائي ، فهذا هو الاسفاف بعينه . فموضوع الفيلم
لا يتناول أي مشكله هامة في حياتنا الاجتماعية. كحا ان الفكره قدمها حسين كمال من قبل ، في فيلم (دمي ودموعي وابتسامتي )، وهي الخيانه الزوجية نتيجة
139 المصالح التجارية، وحيرة الزوجة وصدمتها في زواجها هذا. علما بان المقارنه بين الفيلمين لن تكون في صالح فيلمه الأول .
يبقى فيلم (مولد يا دنيا)، الذي إحتل مركز احسن الافلام المصريه التجاريه في
هذا الموسم . . حيث استمر عرضه سبعة عشر اسبوعا. وليعتبر ايضا من بين أشهر افلام السينما المصرية الاستعراضيه .
القصة كتبها يوسف السباعي مباشرة للسينما، من واقع احداث فرقة البحيره
للفنون الشعبيه ، وكما رواها صاحبها ونجم الفرقه (كمال نعيم ) لحسين كمال .
ويأتي هذا الفيلم ليؤكد مقدرة حسين كمال الفنيه في اخراج الاغاني والاستعراضات . فقد سبق له وان قدم نموذجا جيدا ومستحدثا للاغنيه
السينمائية في فيلم (ابي فوق الشجره )، وجاء فيلم (مولد يا دنيا) ليجعل للاغنيه
اهمية دراميه ، وليست مجرد اضافة جماليه للفيلم . كذلك تجربته التي قدمها في
الثمانينات في المسرحيه الكوميديه الاستعراضيه (ريا وسكينه )، كانت ناجحه فنيا وجماهيريا. كما قام باخراج مجموعة من اغنيات (نجاة الصغيره ) تلفزيونيا، وقدمها بشكل استعراضي ناجح . كل هذا يؤكد أن حسين كمال من بين أقدر المخرجين المصريين في مجال الافلام الاستعراضيه . مما جعل المهتمين بهذه النوعيه النادره من الافلام ، يتساءلون .. لماذا لا يكون هناك تخصص من قبل حسين كمال ، لتقديم الشكل الاستعراضي ، الذي اثبت مقدرته فيه . ولكن
حسين كمال لديه وجهة نظر اخرى.. حين يقول : (أنا لدي امكانيات متعدده ، ومن الخطأ ان أحصر نفسي في قالب نجحت فيه .. لذلك فانني ، بعد ان قدمت في (المستحيل ) ظاهره اجتماعيه ، قدمت (ثرثره فوق النيل – احنا بتوع الاتوبيس – مولد يادنيا) وغير ذ لك من الافلام ، التي يندرج كل منها تحت نوعية مختلفه تماما.. وهكذا كانت خطتي . . ان اقدم أعمالي ، دون ان تكون محبوسه في قالب واحد او شكل فني محدد بالذات !!) "ا 4 ".
نرجع لفيلم (مولد يا دنيا) لنتعرف على الأسباب التي جعلت منه فيلما ناجحا.
لقد استطاع حسين كمال -وهو ينظر الى شباك التذاكر – ان يجمع ما بين المواقف الكوميديه والتراجيديه والمغامرات ، وبين الاغنيات والاستعراضات استطاع أن يتجانس فيما بينها، بشكل مدروس وذكي ، حيث كان ربط الحدث الدرامي بالغناء والاستعراض ، موفقا الى حد كبير، وليس ش ائد) أو مصطنعا. صحيح بان الفيلم احتوى على بعض المبالغات في المواقف الدراميه . . إلا أن إيجابيات الفيلم كانت اكثر من سلبياته . . حيث كانت هناك العديد من المشاهد المؤثره والجميله ، والتي استطاعت ان تكسب اهتمام الجميع ، فقد فاجأنا حسين كمال بقدرات (عبدالمنعم مدبولي ) التمثيليه التراجيديه ، وخصوصا في المشهد الذي يؤدي فيه اغنية (يا صبر طيب )، حيف كان هذا الدور واحدا من أجمل وأرق ادوار مدبولي ، لاحتوائه على فلسفه ساخره ، ومعاني ولمسات انسانيه
عميقه ، ورغم ان بطولة الفيلم جماعية، الا ان (عفاف راضي ) وفي أول أدوارها
السينمائية، برزت من بين الجميع ، وكانت مقنعة في الأداء وطبيعية جدا. . كما كانت مفاجأة حسين كمال الثانيه في هذا الفيلم ، يبقى ان نقول ، ان حسين كمال في هذا الفيلم ، كان في أحسن حالاته بعد مرحلته التجريبيه .
وفي فيلم (احنا بتوع الاتوبيس ( 1979 ) يطرح حسين كمال وجهة نظر سياسية خطيرة، ولو انها جاءت مشوشة ومشوهة، حيث نراه يدعو المتفرح بالاقتناع من ان هزيمة 67، هي هزيمة طبيعية لنظام سياسى، كل همه هو تعذيب البشر لمجرد انهم دخلوا في مشاجرة مع محصل تذاكر الأتوبيس . ان الفيلم حاول أن يدين السلطة، ولكنه أخفق في ذلك . لأن حسين كمال أظهرها كسلطة بلهاء، لا تعرف عددها الحقيقي .. وسلطة تبحث عن شرعيتها بشكل ارهابي ، من خلال توقيعات المتعتقلين بعد تعذيبهم . إنه فعلا فيلم خطير. . والأخطر من ذلك ، هو ارتفاع مستواه الحرفي ، الذي جسده حسين كمال في كثير من المشاهد والمواقف
المصطنعة. يقول حسين كمال عن فيلمه هذا : (وجدت نفس أصور عملا ليس
سهلا على الاطلاق . وهذا الفيلم كان خطرا، ومن الممكن أن يذبح أي مخرج ، لأن فيه موقفا سياسيا وفيه أيضا مواقف كوميدية، ولأن الصعب يستهويني جدا،
قررت أن اصور هذا الفيلم !!). وفي (حبيبي دائما – 1979 ) يقدم حسين كمال فيلمم ميلودراميآ ورومانسيا، استوحي قصته السيناريست (رفيق الصبان ) عن قصة حب حقيقية عاشها الفنان (عبدالحليم حافظ ). والفيلم ذو مستوى تقني راقي ، وقدم حسين كمال من خلاله ، لقطات ومشاهد رائعة، ظهرت وكأنها لوحات تشكيليه مدروسه من حيث التكوين واللون . وقدم مشاهد ورؤية جديده ، لمدينة (لندن ) لم يسبق للأفلام المصريه التي احتوت على مشاهد خارجيه في أوروبا، ان تقدم مثلها. كل هذا جاء ليخدم موضوعا مستهلكا، سبق وان قدمته السينما المصرية عشرات المرات . كما قدمته السينما العالميه في الفيلم الشهير (قصة حب ) لمخرجه "ارثر هيلر".
صحيح ان فيلم (حبيبي دائما) في حدود نوعيته ، صنع بدقه وعناية، الا انه
لم يطرح أي قضيه ملحة وجادة، ذات أبعاد انسانيه اجتماعية . فهو يقدم قصة
حب بين شاب فقير وفتاة غنيه ، وهذا الفارق الطبقي حال دون زواجهما في
البدايه . أنه لمن دواعي الاسف حقا. . ان مثل هذه الموضوعات ما زالت تحضى باهتمام بعض المخرجين المصريين . فرغم العمر الطويل للسينما المصريه ، والذي تجاوز الستين عاما، الا ان (ليلى) ما زالت بنت الفقراء. ان حسين كمال بهذا الفيلم ، قد أهدر طاقاته وطاقات من عمل معه في عمل تجاري تقليدي .
بعدها قدم حسين كمال ثلاثة أفلام ، وهي (العذراء والشعر الابيض – 1982 )
و (ارجوك اعطني هذا الدواء – 1984 ) و (أيام في الحلال – 1985 ).. وجميعها اعمال مأخوذه عن قصص لاحسان عبدالقدوس . واحسان عبدالقدوس تميز بتناوله لقضايا المرأة، قضايا يؤكد فيها على ضرورة استقلالها ذاتيا وماليا حتى في اطار الحياة الزوجيه . يدافع عن حريتها في مشاعرها وأحاسيسها وعواطفها.
وهذا ما يدور في أفلام رومانسيه شاعريه شفافه ، يكرر بها حسين كمال
تجربته في فيلم (حبيبي دائما). كما يقدم فيها البيئة البرجوازيه ومتطلباتها من
بيوت فخمه بأثاثها وديكوراتها ومكاتبها ونواديها وسياراتها .
ورغم ذ لك .. الا انه لا بد من الاشاره ولو بكلمات قليله عن فيلمه (أرجوك
اعطني هذا الدواء ) والذي اثيرت حوله ضجه كبيره في الصحافة وفي الوسط
السينمائي المصري . حيث تناول فيه حسين كمال ، حق المرأه الشرقيه الجنسي وموقفها منه . ورغم جرأة هذا الموضوع الشديدة بالنسبه للتقاليد العربيه ، واخلاقيات البيت المصري .. الأ أنه قد تحول على يد حسين كمال الى فيلم من الأفلام الجنسيه التجاريه .. واستغل مقدرته الفنيه والحرفيه لدغدغة حواس وغرائز المتفرج . علما بانه كان من الممكن استثمار هذا الموضوع ، لتقديم فيلم نفسي واجتماعي عميق وجريء . الا أن حسين كمال لا يفوته أن يأخذ في اعتباره شباك التذاكر والنجاح التجاري . وعن قصة (مجيد طوبيا) وسيناريو (رفيق الصبان ) يقدم حسين كمال فيلم (قفص الحريم – 1986 ). وفيلمه هذا يطرح قضية مثيره ومتشعبه ، ويحمل مضمونا في غاية الحساسيه . حيث يقول الفيلم – وبشكل موجز – بأن الرجل في اي زمان ومكان . . الأمي أو المتعلم .. المتزمت أو المتحرر، لا يقبل مطلقا للمرأة بأن تأخذ دوره وتمارس حقه ، ويرفض بشكل قاطع ان تمارس حقها في اختيار شريك حياتها.
ويتناول الفيلم ثلاثة نماذج للرجل ، للتدليل على ذلك . فالعمده الصعيدي المزواج يمثل الجيل القديم والمتخلف في نظرته للمرأة، كتابع ضعيف خاضعة له . كما أنه يلح على ابنته (ريم ) بان تتزوج ، وتترك اصرارها باختيار عريسها، الا انها تصر على أن الاختيار، لا بد ان يكون من جانب الطرفين . أما الرجل المتعلم والفنان فنراه يطرح أفكارا متحرره جدا، لدرجة إعجاب (ريم ) بهذه الافكار وبه شخصيا. ولكنه عندما يريد تطبيق هذه الافكار ويختار شريكة حياته ، فهو يفضلها غير متعلمة وقرويه . أما النموذج الثالث فهو الشاب العصري ، وطالب الجامعه الذي اختارته (ريم ) ليكون زوجا لها. حيث تفاتحه بحبها وعن رغبتها بالزواج منه . وفي يوم الزفاف ، يتركها في انتظاره ، ولا يأتي . انه يفاجأ بجرأتها وجسارتا في إعلان حبها له وطلب يده للزواج . ان الفيلم بهذا المضمون يطرح فكرة خطيرة ومتخلفة، يطرح نظرة الرجل للمرأة.. نظرة متدنية، لا تغيير مهما كانت ثقافته ووعيه ودرجة تحضره وتحرره . وحسين كمال في رؤيته السينمائية هذه ، يقدم وجهة نظر خاصة، من خلال فيلم ذي مستوى فني وتقني جيد.
وهنا نكون قد وصلنا لى آخر محطة فنيه لحسين كمال وهو فيلم (آه يا بلد. . آه
– 1986) والذي كتبه للسينما مباشرة (سعد الدين وهبه ). والفيلم زاخر بالعديد
من المعاني الاجتماعية والسياسية، التي جسدها حسين كمال في فيلمه هذا. حيث
الدعوة التي وجهها للشباب بعدم الهجرة ، والبقاء لتعمير وبناء مستقبل الوطن .. بناء الانسان . . فبالانسان وحده تحيا الأوطان . وقد اعتمد في تجسيد ذلك على
شخصيتين رئيسيتين في الفيلم . الأولى أيوب (فريد شوقي ) شخصية ذاقت مرارة
الاستعمار وسيطرته . شخصية قاومت وضحت ، حتى وصل بها الحال الى حالة
من التشرد والعبثية، حاملة معها لوعة التضحية وحب الوطن . والشخصية الثانية
تتجسد في "مجدي " (حسين فهمي ) الشاب الذي يعيش حالة من الحيرة والضياع ،
توصله للسعي في تصفية كافة ممتلكاته ، وقراره بالهجرة من بلده التي يرى ان
الفوضى قد عمت كل مرافقها. ويتصور أن الهروب ، هو الذي سيخلصه من كل ذلك . من الواضح ، ان الفيلم قد تأثر كثيرا بفيلم (زوربا اليوناني ) في رسم شخصية (أيوب ) بعبثيتها وفلسفتها. ووصل حد التأثر هذا، لدرجة استبدال الآلة الموسيقية المصاحبة لشخصية ا"زوربا"، بالة الناي أو المزمار. ويقول حسين كمال : (فريد شوقي في هذا الدور الكبير، "زوربا" مصري جديد، يتحدى انتوني كين أو
"زوربا" اليوناني !!) ، ولم تكن شخصية (أيوب ) فقط ، هي المتأثره بزوربا. . انما حتى مسار الاحداث الدرامية بشخصياتها، تبين لنا مدى التشابه الشديد بين الفيلمين : اللقاء الصدفوي بين الشخصيتين ، يكون في محطة القطار بدل الميناء، ووصول الشخصيتين الى القرية، يصحبه ضجة واحتفال من ابناء القرية . كذلك المشهد الذي يحاول فيه (أيوب ) الرجوع الى الصبا، ونسيان ما فات ، والاحتفال مع صديقته الراقصة المعتزلة (تحية كاريوكا). . يذكرنا بزوربا عند ذهابه الى المدينة، وبعثرة الفلوس على الشمبانيا وقضاء وقت ممتع مع بنت جميلة . كما ان الأرملة المكروهة من أهالي القرية، والمتشحة بالسواد دائما في فيلم "ازوربا " .. استبدلها الفيلم بالأرملة "فريدة" (ليلى علوي ) التي تقف لوحدها، ضد الاقطاعي "رضوان " (أنور اسماعيل ). حتى موقف أهل القرية منها، عند رجم بيتها بالحجارة، يتشابه كثيرا بما جاء في فيلم (زوربا اليوناني ). وأمام هذا كله . . فإن صانعي هذا الفيلم ، لم يكلفوا أنفسهم وضع ولو اشارة على فقرات الفيلم ، تشير الى هذا الاقتباس العلني .
لقد قام حسين كمال باخراج هذا الفيلم ، وفي ذهنه أن يصنع من "افريد شوقي " "زوربا" آخر. ولكنه بذلك ظلم نفسه ، وظلم "فريد شوقي " عندما جعله عرضة للمقارنة ا"بأنتوني كوين ". علما بان فيلم (زوربا) هو الذي نبه العالم ، الى وجود ممثل كبير وفنان عظيم "كأنتوني كوين ". . لدرجة أنه ما زال يحمل لقب (زوربا السينما العالمية). كما لا يفوتنا ان نقول ان ابداعات حسين كمال الفنية والاخراجية، كانت غائبة في هذا الفيلم . فقد استخدم نفس أسلوبه التقليدي ، في اختيار زوايا الكاميرا وعناصر الفيلم الأخرى.
اضافة الى ان هناك مشاهد كثيرة زائده وغير ضرورية، كشاهد (الفلاش باك ) التي روتها (فريدة). واللقطات التي جاءت بعد مقتل (أيوب ). أما النهاية فكانت غير منطقية، بدأها بخطبة سياسية مباشرة، ألقاها (أيوب ) عل أهالي القرية، لكي يبرر هذا التحول المفاجىء في مواقفهم تجاه الا قطاعي .
بهذا نكون قد اشرفنا على نهاية موضوعنا هذا.. الا انه من الاجدر بنا ان
نشير الى بعض الحيثيات التي اعتمد عليها حسين كمال في نجاح أفلامه جماهيريأ.
إن السينما التي قدمها حسين كمال ، هي بالطبع سينما تجارية تقليدية . الا أنه
وفي نطاق الأفلام التجاريه ، قد قدم نماذج أفضل بكثير، مما قدمه غيره من مخرجي هذه النوعيه من الأفلام . ولعل من أهم العوامل التي ساعدت حسين كمال لتحقيق ذلك ، يكمن في حرصه الشديد على اختيار روايات وقصص معروفة لأشهر الكتاب المصريين (احسان عبدالقدوس – نجيب محفوظ – يوسف ادريس – يوسف السباعي – مصطفى محمود. . وغيرهم ) وتحويلها الى أعمال سينمائية . اضافة الى قدراته الحرفيه والتقنيه في اختيار بقية عناصر الفيلم الاخرى. كما لا يفوتنا ان نذكر، ان اهتمام حسين كمال بعنصر التمثيل والممثلين ، كان في صالح الفيلم جماهيريا، فقد كانت افلامه دائما، تحمل أسماء نجوم السينما المصرية والعربية (عادل إمام – فاتن حمامه – محمود ياسين – شاديه – نور الشريف – نادية لطفي – ماجده – محمود عبدالعزيز -نجلاء فتحي -نبيله عبيد). كما انه من خلال هذا الاهتمام بالتمثيل ، ساهم في اكتشاف الكثير من المواهب التمثيليه ، وعلى رأسهم (محمود ياسين ). يقول حسين كمال في هذا الصدد : (ان
سبب نجاحي في توجيه الممثلين ، يرجع الى فترة دراستي للاخراج السينمائي في
فرنسا.. وهناك تعلمت أن الممثل هو أهم أداة في ادوات الاخراج. . لذلك درست
التمثيل في معهد خاص في نفس الوقت الذي كنت أدرس فيه السينما في معهد
"الاديك ".. وهذا يساعدني في توجيه الممثلين توجيها سليما.. فانا لا اقول للممثل افعل كذا أو كذا، وانما اقوم بتمثيل المشهد أمامه ثم اطالبه بان يؤديه ، وهذا
يجعله يبذل أقصى طاقته ، ليؤديه أفضل مني !!)" 3".
حقا.. إننا أمام مخرج كبير، انخرط في تيار السينما التجارية، ونسى ما قدمه في
بداية حياته ، من تجديد سينمائي في مرحلته التجريبيه ، والتي قال عنها ذات
مرة : "نني كنت أبحث خلالها عن الأسلوب ، وعن الفكر الخاص بحسين
كمال . . كنت أحاول ان أحقق ذاتي الفنية، وأن أبني شخصيتي السينمائية، وأردت
ان أقول للناس . . (هذا أنا) وأن أعرفهم بي وبامكانياتي وأسلوبي كمخرج .. ولذلك خرجت الأفلام الثلاثة الأولى، من تحت يدي محددة المعالم ، واضحة الفكر، دان تميزت بالصعوبة في الشكل والمضمون ، لأنني رفضت ان أبدأ مشواري السينمائي بتقديم السهل . لأنني كنت غاضبا من السينما، التي أغلقت الباب في وجهي ، بعد عودتي من فرنسا، وفي نيتي أن أثار لكرامتي . . فعلت الصعب لأثبت للجميع أن حسين كمال قادر على صنع الصعب ! ! ) " 3 " .
ولا يسعنا أخيرا ، إلا أن نتمنى من الجيل الجديد من المخرجين المصريين ، أن
يكون حذرا، لمغريات هذه السينما التجارية، ويقف في وجهها، ويتحداها
بتقديم كل ما هو جديد وجاد. . وتقديم كل ما يفيد المتفرج وليس كل ما يريده هذا
المتفرج .. ومحاربة مصطلح (الفن الكبير) الذي ابتدعه حسين كمال ، لتبرير انخراطه في تيار السينما التقليديه التجارية التي تريد للمخرج ان ينحني أمام شباك
التذاكر .
الهوامش :
جميع مقولات المخرج التي وردت في هذا المقال مأخوذة عن مقابلات له في الصحافة العربية وهي كالتالي"
1 – مجلة المسرح والسينما المصريه – يوليو / أغسطس 1968 .
2 – مجلة الحياة السينمائية السورية – شتاء
3 – مجلة الحان – د / 9 / 1981
4 -جريدة الانباء الكويتية 9/ 5/ 1983
5 – مجلة المجلة 1980
6 – جريدة الوطن الكويتية 9 / 2 1 /1986