* شئنا أم أبينا.. نحن مجتمعات تراثية.
* ليس لدينا فلاسفة إسلاميون معاصرون.
* العلوم الانسانية لدينا محاصرة.
* التراث أهم مكون للثقافة والثقافة أهم مكونات السلوك.
* عندما كتبت عن الدين قال العلمانيون إنني تحولت الى سلفي أصولي.
* سؤال المنهج يظل قائما باستمرار.
* لست ماركسيا ولا ناصريا ولا أصوليا.. فقط أعبر عن روع العصر.
* يمكننا استخدام أدوات الغرب نفسها في التحرر من الغرب.
* وضع العلوم الانسانية في الغرب مازال قلقا.
* التكرار أهم المخاطر التي تهدد البحوث والدراسات الاسلامية.
حقل ألغام وقنابل موقوتة وإضاءات خاطفة فضاحة، تلك عناصر مناخ تحاور يفرضه – دون تهيب – أستاذ الفلسفة المصري د. حسن حنفي.
حذر حنفي من المستشرقين الجدد وحدد جبهات ثلاثا تحتاج لتعاط عربي فكري أرشد للإفلات من أزمة اعتبرها خانقة.
وهو معترض على الانسحاق أمام "الآخر" ومصر على قراءة أكثر نقدية للموروث فضلا عن إيمانه بمشروعية إحساسنا بالواقع المأزوم.
وقد أكد حنفي أن جزءا مهما من مشروعه البحثي معلق حتى وصوله الى مرحلة متقدمة من النضج.
وقيما يلى نص المقابلة.
* هناك اتهام بالتلفيق يوجه دائما للباحثين في الفكر الاسلامي، ويرتكز أصحاب هذا الاتهام على طبيعة الفكر الاسلامي كفكر سماوي له مسلماته. والتساؤل هنا: كيف يمكنك أن تحقق المنهجية في إطار هذه المسلمات ؟
* تعد الفلسفة الاسلامية تطويرا لعلم الكلام كمصدر ديني وفي الوقت نفسه استعمالا للفلسفة الوافدة من الخارج سواء كانت من اليونان والرومان غربا أو من فارس والهند شرقا، فالفلسفة إن لم تجمع بين هذين المصدرين فإنها تكون علم كلام، أي مجرد تكرار للعقائد الاسلامية فيما يتعلق بالذات والصفات والأفعال الالهية أو ما يتعلق بالنبوة والميعاد والايمان… الخ لكن الذي جعل الفلسفة الاسلامية تطويرا لعلم الكلام هو دخول مصدر ثان من
الفلسفة اليونانية، فأصبح الفيلسوف ذا ثقافتين، ثقافة موروثة من علم الكلام أو الفقه، وثقافة وافدة من الفلسفة اليونانية، فحدث نوع من التعبير عن المضمون من الموروث مع استعمال الشكل أي لغة الوافد؟ وبالتالي بدلا من أن يقول الفيلسوف (الله) وهو اللفظ الشائع في علم الكلام، عبر عن مضمون ( الله) بنص واجب الوجود أو العلة الأولى أو المحرك الأول أو الصورة الخالصة وبالتالي لم يضح الفيلسوف بمضمون الموروث _ وهو الأهم _ لكنه ضحى فقط باللفظ حتى يمكن أن يخاطب أكبر عدد ممكن من الناس وحتى يمكن أن يستعمل لغة العصر بعد أن تحولت الفلسفة اليونانية على أيدي المترجمين والشراع والملخصين الى ثقافة شعبية شائعة في البيئة العربية الاسلامية، فاضطر الفيلسوف الى أن يوجد الثقافة العربية الاسلامية معبرا عن مضمون الموروث من خلال لغة الوافد؛ لذلك قيل التوفيق والتلفيق، وهذا ليس توفيقا؛ ولا تلفيقا هي حركة فلسفية ونهضة ثقافية طبيعية تحدث في أي مجتمع تقع فيه ازدواجية الثقافة بين مصدر داخلي ومصدر خارجي.
فالذي يستعمل المصدر الداخلي فقط يكون متكلما، أزهريا، شيخا والذي يستعمل المصدر الخارجي فقط يكون علمانيا عقلانيا، لكن الذي يستعمل المصدرين معا معبرا عن مضمون الموروث بلغة الوافد هذا هو الفيلسوف، ولن يضحي الفيلسوف بأي شيء من المعاني الموروثة، مثلا يقول الفيلسوف العلة الأولى في المحرك الأول ؟ فالمحرك الأول في الفلسفة اليونانية ليس خالقا للعالم لأن العالم قزم، ولا يعتني بالعالم لأن العالم يتحرك نحو هذه العلة عن طريق العشق ؟ لأن العلة الأولى أجل من أن تعتني بشيء أقل منها خاصة لو كان ماديا، لكن الفيلسوف الاسلامي يستعمل لفظ العلة الأولى ؟ وبالتالي أي مستشرق يقول أصبحت الفلسفة الاسلامية فلسفة يونانية توفق بين العقائد الدينية والفلسفة اليونانية، وهذا غير صحيح ؟ لأن المستشرق وقع تحت وهم الالفاظ وحكم من مجرد استعمال الفلسفة الاسلامية لمصطلحات العلة الأولى والمحرك الأول والصورة الخالصة.. الخ بأنها أصبحت ملفقة بين العقائد الاسلامية الموروثة من علم الكلام والألفاظ اليونانية التي أصبحت شائعة بعد عصر الترجمة، ونحن حتى الآن ليس لدينا فلاسفة اسلاميون معاصرون لأنه حتى الأن لم يحاول أحد القيام بهذه العملية، وهي التعبير عن مضمون الفكر الاسلامي باستعمال المصطلحات الشائعة من الفلسفة الغربية بعد أن شاعت وراجت منذ القرن الماضي؟ لذلك يمكنني أن أعبر عن المضمون مثل (الله ) مستعملا ألفاظ الله التي وردت عند (ديكارت ) مثل الكمال أو عند (إسبينوزا)مثل الجوهر،أو عند (كانت ) مثل المثال، أو عند (هيجل ) مثل الروح وبالتالي أسمى الله الجوهر والكمال والمطلق والروح، أو حتى تعبير برجسون الدافع الحيوي أو التطور الخالق.. الخ، لذلك مازلنا الى الآن مزدوجي الثقافة بين موروث قديم من التراث القديم ووافد من التراث الغربي. وانقسمت الثقافة على نفسها بين أزهري وجامعي بين معمم ومقبع (أي لابس القبعة )، وتتصادم التيارات وكل تياريتهم الآخر؟ فالتيار العلماني يتهم السلفي بأنه سلفي قديم رجعي.. الخ والسلفي يتهم العلماني بأنه وافد غربي يقضي على الهوية لصالح التغريب أي الانبهار بالغرب ؟ لذلك هذا ما حاوله الفلاسفة القدماء عن طريق ما سمي ظلما التوفيق أو التلفيق وهو في الحقيقة يعني إيجاد وحدة عضوية في الثقافة العربية الاسلامية عن طريق المزاوجة بين الموروث والوافد.
* كان لك موقف نقدي إزاء المنهج الذي اتخذته الثقافة العربية في مسار حداثتها، وانطلقت في موقفك هذا من جبهات ثلاث رأيتها تمثل حلا لاشكالية ملحة، حدد تلك الجبهات وعلق على ما تركت من آثار
* عندما حاولت أن أرصد كيف يفكر المثقف العربي أو الباحث العربي وجدت أنه يتعامل إما مع موروث قديم سميته الجبهة الأولى، أو مع وافد غربي سميته الجبهة الثانية، أو يعيش في عصر يفكر على أزماته سميته الجبهة الثالثة، فهذا وصف لما يدور في الذهن العربي من مكونات رئيسية، التراث القديم – بالطبع – أبعد عمقا وحضورا، لأنه نتاج ألف وأربعمائة عام إذا كان التراث الاسلامي، وأعمق من ذلك إذا كان التراث القبطي، وأعمق من ذلك إذا كان التراث الفرعوني. التراث الغربي أحدث ؟ لأنه منذ مئتي عام ونحن ننقل من الغرب، التراث اليوناني والروماني لم يعد موجودا في الواقع. وبالنسبة للواقع المباشر فمازالت تغلب عليه الثقافة السياسية وربما الأدب والقصة والمسرحية والرواية كل هذه الفنون تعبر عن ذلك كما عبر نجيب محفوظ، لكن الفكر والمفكرين لم يعبروا عنه ؟ نظرا لأن الفكر مازال يتعامل مع النصوص مكتوبة مدونة سواء موروثة من القدماء أو مترجمة عن المحدثين والواقع نفسه ليس نصا مدونا، وهذه أحدى الأزمات، لماذا الواقع العربي مستبعد بحجة أنه ليس نصا؟ مع أن النص ليس بالضرورة هو النص المدون، يمكن أن يكون النص هو أصل النص، أي الواقع الذي ينشأ من خلاله النص. فهذه هي الجبهات الثلاث التي كانت في ذهني وأنا مازلت شابا في مرحلة الدراسات العليا، وأنا في باريس انجزت ثلاث أطروحات تكون الجبهات الثلاث:
الأطروحة الأولى عن محاولة تطوير واعادة بنا. علم أصول الفقه، وهو الفكر المنهجي عند المسلمين والثانية في الظاهريات أي تطور الفكر الغربي في مرحلته النهائية في المنهج الظاهرياتي الفينومنولوجي عند (هوسرل ) وتطور الوعي الأوروبي، والثالثة عن نظرية التفسير، عن النص في مواجهة الواقع،وأخذت نموذجا للعهد الجديد وليس العهد القديم، هذه الجبهات الثلاث استمرت منذ النشأة الأولى، ولكن الظروف هي التي حكمت الدفع بجبهة واعطائها الأولوية على الجبهة الأخرى، أنا عدت في العام 1966، وبدأت هزيمة يونيو (حزيران ) 1967، وبالتالي أصبح التقابل بين أنا والآخر، نحن واسرائيل، نحن والغرب، والشائع لذلك قضايا معاصرة في الجزء الأول من فكرنا المعاصر والجزء الثاني في الفكر الغربي المعاصر، هذا كان من وحي هزيمة 1967، ولم تكن هناك حركة اسلامية في ذلك الوقت ولكن كان يهمنا إعادة بناء الدولة واعادة بناء المشروع القومي واعادة بناء الروح القومية، وبالتالي بدأت أكتب في أهم التيارات الفكرية المنتشرة في الغرب، وأهم التيارات التي كانت وراء الهزيمة عندنا. ثم بعد ذلك بعد اختفاء عبدالناصر وخلافة السادات له وبداية حرب أكتوبر وانتهاشها وبعد زيارة القدس، بدأت أكتب من جديد فكانت جل كتاباتي عن الدين، وبعض الناس قال إنني تحولت الى أصولي سلفي،مثل عبدالعظيم أنيس وأديب دمتري اللذين قالا إن هناك مجموعة من السلفيين الجدد، أنا وأنور عبدا لملك وعادل حسين وطارق البشرى، في ذلك الوقت كان ما يسمى التيار الاسلامي المستنير أو الاسلام السياسي أو اليسار الاسلامي، لكن أطلق علينا "التراثيون الجدد" أي أننا نبدأ بالاسلام وليس هذا صحيحا، نحن نحاول رد الحياة من جديد الى المشروع القومي العربي، لكن نظرا الى أن السادات كان يستعمل الدين باستمرار، إما ضد الجماعات فيما بعد أو مع الجماعات أولا، من أجل رفض الشيوعيين ورفض الناصريين الى أخره ؟ فغلبت على كتاباتي في ذلك الوقت قضية الدين، وهذا ما اتضح في "الدين والثورة في مصر" ثمانية أجزاء، "الدين والثقافة الوطنية "، "الدين والتحرر الثقافي "، "الدين والتنمية القومية "، "الدين والنضال الوطني"، "الحركات الاسلامية المعاصرة، الأصولية الاسلامية "، "اليمين واليسار في الفكر الديني" ثم "اليسار الاسلامي والوحدة الوطنية "، وبدأت أكتب في الترجمات عن الفلسفة الأوروبية في قضية الدين والتقدم والعلاقة بين الدين والتقدم، ودراسات في الفلسفة المسيحية، واسبينوزا عن الدين والتحرر الدين والديمقراطية، الدين والعقد الاجتماعي. فأنا لم أتحول الى سلفي أصولي كما يثار حاليا من بعض العلمانيين في مصر، ولكن نظرا لأن الدين كان دخل في أتون المعركة، إما الدين باعتباره أداة للتقدم أو الدين باعتباره دفاعا عن بعض السياسات – فوجب أن يستأثر بذلك الاهتمام، لكن على أية حال في فترة أخيرة ظهرا أن "من العقيدة الى الثورة " و "مع الدين والثورة في مصر"، هي الأفكار نفسها ولكن من العقيدة الى الثورة مكتوب الى المتخصصين والدين والثورة في مصر مكتوب كثقافة جماهيرية عامة.
وقد بدأت أكتب عدة كتابات جمعت الأن وتصدر قريبا تحت عنوان: "هموم الفكر والوطن "، الجزء الأول عن التراث والعصر والحداثة، والجزء الثاني عن الفكر العربي المعاصر تياراته وواقعا وأهم ما يدور فيه ومساهماته في الوحدة الوطنية والحوار حول التيارات الوطنية في الجزائر وفي مصر وفي، إيران والواقع أن الظروف أحيانا هي التي تفرض علي الجبهات، وطبعا في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات عندما كان يقال أن الولايات المتحدة بيدها كل الحلول وان الغرب نموذج للتحديث أصدرت مقدمة في علم الاستغراب كبداية للجبهة الثانية، ففي الجبهة الأولى أصدرت التراث والتجديد كبيان، وبدأت – نظرا لتقدم العمر – في بيان الجبهة الثانية في مقدمة في علم الاستغراب في محاولة تطبيق مبدئية له في بداية الوعي الأوروبي ومصادره وتطوره ونهاياته، وربما أبدأ فيما بعد بعمل البيان النظري في الجبهة الثالثة ومحاولة تطبيقه في أحد النصوص الى آخره. قد يكون القرآن أو العهد الجديد أو العهد القديم لبيان كيفية التعامل مع النص والواقع في الذهن، على أية حال مشروعي ما زال ثابتا منذ البداية في الجبهات الثلاث، ولكن الواقع والظروف هي التي تفرض أحيانا إبراز إحدى الجبهات كالجبهة !لثانية، لكن أنا لم أكن ماركسيا ثم أصبحت سلفيا، ولم أكن فاهويا ثم أصبحت أصوليا. أنا أحاول بقدر الامكان أن أعبر عن الموقف الحضاري، أحاول تجديد الأنا وتحريرها من التراث القديم، وآخذ موقفا من الآخر بحيث لا أتحرر من القديم وأقع في تقليد الغرب، وفي النهاية أحاول بقدر الامكان أن أعبر عن روح العصر وأن أحول هذا الواقع الى نص جديد مدون ان لم تسعفني البدائل القديمة وإن لم تسعفني البدائل الغربية فعلي أن أبدع بدائلي الخاصة.
تركيبة المثقف
* موقفك في التراث بالذات واضح أنه اتخذ في إطار تصور عملي لتركيبة المثقف العربي، فالموقف من التراث لم يكن في إطار التحيز له، بل في إطار أن التراث ينبغي أن يحظى بالاهتمام الخاص في إطار جزء من التركيبة الطبيعية المثقفة للمثقف العربي فما رأيك ؟
* ليس فقط تركيبة طبيعية ولكن لحظة تاريخية أيضا، التراث أهم مكون للثقافة، والثقافة في رأيي أهم مكون للسلوك ؛ لأننا مجتمعات تراثية شئنا أم أبينا، نحن لم نفصل بعد، مازال القديم حيا في الحديث، الغرب فصل في عصر النهضة وقال إن القديم قديم ولا يتفق مع الحديث، وبدأوا يصيغون معايير جديدة للحديث تتفق مع العقل والطبيعة الى آخره، مثل حقوق الانسان والعقد الاجتماعي، أما نحن فلم نفصل بعد، أي ما زال القديم حيا، لكن هذا القديم ابن لحظة مضت عندما، كانت الحضارة الاسلامية منتصرة والجيوش فاتحة، وبالتالي ظهرت الثقافة القديمة في عصر الانتصار، عصور الأ شاعرة والعقائد والفقه والتفسير وسيطرة المركز باستمرار على كل أنساق العلوم، الآن اللحظة التاريخية تغيرت: الجيوش ليست فاتحة، ونحن مهمشون ولسنا منتصرين بالاضافة الى طبيعة تركيبة السلطة القديمة، فالتراث تراثان تراث السلطة وتراث المعارضة، والذي ورثناه هو تراث السلطة متحدا بتراث الدولة، أما تراث المعارضة فاختفى، والآن قد تكون أحد أسباب أزمة المعارضة هي أنها تحاول أن تعارض إما بأيديولوجيات علمانية لا تجد صدى في وجدان الناس أو بتراث السلطة.
تراث أوروبي
* هناك جيل كامل عاش على أن التراث الأوروبي دستور أو شبه دستور لحل مشكلاتنا على اعتبار أنها مشكلات علاقتنا بالحضارة الحديثة، كيف ترى ذلك ؟
* في التراث أفرق بين شيئين: الموروث أي الذي يأتي من القدماء من التراث الاسلامي العربي والمسيحي القبطي، والوافد وهو تراث وافد من الغرب، معظمه من الغرب فالماركسية والاشتراكية وغيرهما أفكار وافدة من الغرب، كما قلت الأول أبعد عمقا في الزمان وأكثر حضورا وسيطرة على الجماهير، والثاني أقل حضورا في الزمان وربما يستولي على بعض النخبة وليس كل النخبة، وبالتالى الي هناك عدم توازن في الكفتين: الوافد مازال محدودا بالطبقة وبالنخبة والموروث مازال مسيطرا على الأغلبية، كما أقول دائما هناك خطابات رئيسية ؟ الخطاب الأول هو الموروث الذي يعرف كيف يقول أي أنه يستعمل لغة الاسلام والدين والتراث والايمان والهوية والأصالة، وهي لغة محببة شئنا أم أبينا لمجموعة عريضة من الناس ولكنه لا يعرف ماذا يتوار، ولا يعرف ما القضية في هذا الخطاب، الشعائر الدينية والايمان والصلوات الخمس وتطبيق الشريعة والحاكمية، فكل ذلك ما دلالاته بالنسبة للتحديات الرئيسية للعصر والأزمات التي تمر بها الأمة ؟
والخطاب الثاني وهو الوافد هو خطاب يعرف تماما ماذا يقول:هناك الحريات وحقوق الانسان والعقد الاجتماعي والصناعة والدستور،لكنه لا يعرف كيف، لأنه يأخذ أحيانا الليبرالية الغربية منذ (شلبي شميل وسلامة موسى وطه حسين وأحمد لطفي السيد) أو يأخذ الاشتراكية أو الماركسية أو الاشتراكية العربية أو يأخذ أيديولوجيات علمانية يفهمها المثقفون أو قلة منهم ومازالت الأغلبية لا تفهمها. التحدي الآن بالنسبة للخطاب الثقافي السياسي هو كيف تستطيع أن تعطي خطابا ثالثا يعرف كيف يستعمل لغة الثقافة الوطنية والتراث الاسلامي أحد مكوناتها الرئيسية، ففي الوقت نفسه يعرف ماذا يقول، أي لا يتحدث الا في المصالح العامة. هذا ما أحاول أنا وآخرون اقامته، ولكن لا ننجح لأن التقابل بين ما يسمى بالسلفية والعلمانية مازال شديدا والخصومة فيه مازالت قوية ؟ الاقتتال في الجزائر تسيل فيه الدهاء، ويبدو لي أن الخلفية الرئيسية لذلك ليست خلافا في الفكرة ولا في المنهج ولا في اللغة ولا في المصدر ولا في الغاية ؟ ولكن هو صراع على السلطة: الدولة ضعيفة والفساد يستشري وكل جناح يتصور أنه هو الأولى بخلافة الدولة من الجناح الآخر؛ فالصراع على السلطة أكثر منه صراعا لغويا فكريا.
أحداث سياسية
* في ضوء تأثير الأحداث السياسية في تاريخك كيف ترى تأثير التطورات السياسية في تطور الفكر الفلسفي؟
* هذا صحيح، أي أن الأحداث هي التي تدفع المفكر أحيانا الى التركيز على جانب أكثر من جانب آخر هي التي تدفعه الى أن يضطر أن يخاطب الأقلية والأغلبية في الوقت نفسه، ولكن يظل بالنسبة للمفكر هو أنه محاصر بين عدة أشياء، وأنا كنت قد كتبت في ذلك في مجلة الكاتب منذ 20أو 25 سنة عن أزمة المفكر في البلاد النامية، هل يخاطب العامة أم يخاطب الخاصة ؟ هل يفكر أن يلتزم ويلاون جزءا من حركة جماهيرية سياسية، وسطا أو في اليمين أو في اليسار لا يهم، هناك قضية أعجبت بها في "الباحث العربي الدولية " وهي قضية المنهج، وفي الحقيقة السؤال الذي يوجه الي باستمرار: يا أستاذ أفكارك عظيمة لكن ما المنهج الذي اتبعته في دراستك ؟ وصعوبة الاجابة أنك مهما عبرت عن منهج، تقول مثلا أنا أتبع المنهج التحليلي الاجتماعي للأفكار يقولون: ياأستاذ هذا معروف في الغرب فما الجديد ؟ عندما أقول أنا أتبع المنهج الجدل يقولون: يا أستاذ هو معروف في الماركسية. تقول إنني أستعمل منهج تحليل الخبرات يقولون: يا أستاذ هذا معروف في الظاهراتية تقول: أنا أستعمل منهج النقد العقلي يقولون لك: هذا يا أستاذ معروف عند(ديكارت )فمهما تكلمت ومهما بحثت فمنطق الاحالة وإطار الاحالة والمرجعية باستمرار هي الثقافة الغربية، ويقولون: يا أستاذ أنت تريد أن تأخذ موقفا من الآخر وأنت ابن الآخر، وبالتالي تسقط الجبهة الثانية كلها ؟ لأنه كيف تأخذ موقفا من الآخر، وأنت ابن هذا الآخر؟ كيف تدعو الى الأصالة والغرب يعيش فيك ؟ كيف تدعو الى التمايز بين الأنا والآخر، والأنا مازالت تعيش على الابداع المنهجي للآخر؟ هذا السؤال يظل قائما باستمرار، أنك مهما فكرت ومهما استعملت من مناهج فان اطار الاحالة الغربي يقني على إبداعك ويقني على منهجيتك الى آخره.
أنا أقول إن هذا نوع من القسوة التاريخية على المفكر العربي؟ لأنه مهما حاول أن يكون أصيلا داعيا الى الابداع والى الاصالة فانه محكوم عليه بالادانة وبالتبعية. إننا – نظرا لسيطرة الغرب على أجهزة الاعلام ونظرا لأن الغرب يفرز ثقافة منهجية فكرية منذ 500 عام ونحن مازلنا في الهوامش غير قادرين على أن نقابله بثقافة أخرى – سنظل مدانين على مدى عدة أجيال لأننا نريد أن نتحرر بالوسائل نفسها التي استعمرنا بها، أحيانا لا أجد إجابة إلا أن أقول "داوني بالتي كانت هي الداء" فلا وسيلة إلا أن أتحرر بالأدوات نفسها وأن العبد يتحرر ربما بالمنطق نفسه الذي تم استعباده به وهو منطق السيد، وهذا مؤقتا على الأقل، لا أقول كما قال ابن خلدون إن المغلوب مولع بتقليد الغالب، لكن عل الأقل بالوسائل نفسها التي تمت بها السيطرة علينا – وهي القضية الاصلاحية الكبرى – نستطيع أن نستعملها في وظيفة معاكسة وهي التحرر، ولكن سيظل السؤال المنهجي قائما: كيف نفكر؟ كيف نبدع ؟ كيف نبحث ونحن في الوقت نفسه ندعو الى الأصالة وتجاوز التبعية ومازال الغرب بإفرازه وابداعه المنهجي هو المسيطر؟ لكن يمكن تجميع أكبر قد ممكن من المناهج ويمكن في الوقت نفسا إبداع مناهج جديدة ربما وصفية ربما مباشرة، أو حسية تقوم على الملاحظة أو استعمال النص كشاهد في مجتمعات نصية لكن يظل السؤال المنهجي والقضية المنهجية قائمين.
علوم انسانية
* بالنسبة للتراجع العربي أو التوقف العربي في العلوم الانسانية مازلنا في موقف التلقي من الحضارة الغربية، واذا كان هذا مبررا في العلوم الطبيعية بحكم الظروف والامكانات والسياسات العلمية، لكن في العلوم الانسانية ما المبرر؟
* هذا صحيح، أولا: وضع العلوم الانسانية في الغرب مازال وضعا قلقا، هذه هي المنطقة التي بين العلوم الطبيعية المنضبطة والعلوم الطبيعية الأقل ضبطا، لكن العلوم الانسانية ظلت في الغرب أيضا مترددة بين تبني مناهج العلوم الرياضية المنضبطة، كما ترى الحال في القرنين السابع عشر والثامن عشر، أو تبني مناهج العلوم الطبيعية التجريبية المنضبطة أيضا، كما كان الحال في القرن التاسع عشر في الوضعية. وفي القرن العشرين حاول الغرب أن يجعل للعلوم الانسانية منطقا خاصا بالانسان، لكن تظل قضية المنهج في العلوم الانسانية مطروحة فالبنيوية في بعض مراحلها تحولت الى نماذج رياضية، الوجودية تنكم في الانسان لكن يظل يغلب عليه أيضا الطابع الوصفي الظاهرياتي الاستبطاني.
بالنسبة لنا يبدو أننا ورثنا ثقافة جعلت العلوم الانسانية هي العلوم الدينية الشرعية، القانون في الشريعة، العلوم الاجتماعية في الشريعة، وبالتالي أصبحت العلوم الشرعية السلوكية الفقهية العقائدية السياسية هي التي تملأ الفراغ في العلوم الانسانية، العلوم الطبيعية والرياضية كانت لدينا ولكنها لم تعش في الموروث الثقافي وظلت مطوية في المخطوطات، لكن لا العلوم الطبيعية ولا الرياضية كانت رافدا رئيسيا للثقافة، اذهب الى أي مسجد أو أي معهد تجد أن الغالب على العلوم ليس الفلسفة ولا الرياضة ولا الطبيعة ولا الطب ولا الهندسة الى آخره، تجد باستمرار القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه، وبعض العقائد حتى أصول الفقه لا، فقط بعض العقائد التي وصلتنا في علوم العقائد المتأخرة وهذه العلوم التي تقوم بدور العلوم
الانسانية لكنها علوم تلقينية تقليدية غير منهجية تجعل دراسة الانسان باعتباره أداة لتنفيذ واجبات وليس وسيلة لاقتناص حقوق وبالتالي العلوم الانسانية لدينا محاصرة بين العلوم الاجتماعية الغربية والوافدة والعلوم الشرعية القديمة الموروثة لكن إبداعنا في العلوم الانسانية متجاوزين نقد الموروث ونقد الوافد مازال محدودا.
نظرية عربية
* في العلوم الانسانية كعلم النفس والفلسفة وفي الأدب كذلك، الغالب هو استخدام نظريات وافدة لدرجة ان السؤال "متى تظهر نظرية عربية في هذه المجالات ؟" أصبح سؤالا غير مطروح فما رأيك ؟
* كان مطروحا منذ عقدين من الزمان وظهرت دراسات حول رؤية عربية لعلم الاجتماع، وتأسيس علم اجتماع عربي، لكن نظرا الى أن سؤال الاصالة لم،حد مطروحا وقضايا الأنا والهوية لم تعد مطروحة كما كانت مطروحة منذ عقدين من الزمان غلب على الدراسات أيضا النقل من الوافد، فالنقل من الواقد في الثقافة هو مواز للنقل في السياسة وفي الاقتصاد وفي العلاقات الدولية والنظم الدولية الى آخره ؟ وهذا ما جعلنا نذهب في التبعية الى أقصى حد.
دواسة الواقع
* بالنسبة للجبهة الثالثة (دراسة الواقع ) ما منهجها؟ وما تصورها؟
* ستكون الاجابة عن السؤال المنهجي هو كيف أفكر؟ هو تفكير في الجبهة الأولى والجبهة الثانية على نحو منهجي: كيف أعمل ؟ كيف أسمع ؟ كيف أرصد الظواهر؟ كيف أؤول النصوص، سواء الماضية القديمة الموروثة أو المعا هوة المنقولة عن الغرب ؟ هو نوع من التفكير في فلسفة الفلسفة، في منطق الفلسفة، في منهج الفلسفة، في شروط الابداع، كيف يفكر الانسان وهو يحمل على عاتقه تراث الماضي والتراث المعا هو وواقعا مأزوما؟ وبالتالي عندي بعض الأفكار المبدئية التي لم تتضح بعد: هل النص لفة ؟ هل النص تجربة ؟ هل النص له معنى ثابت ؟ هل النص مقروء للآخرين باستمرار وليس له معنى ثابت ؟ ما الحاجة الى النص ؟ هل يمكن رؤية الواقع رؤية مباشرة دون استناد الى نص مسبق: وهل النص يقوم بدور الافتراض في البحث العلمي؟ هذه مجرد بداية للبحث قد تتغير، كل هذه الأشياء مازالت تخطر في الذهن ولكن لم أستقر عليها بعد نظرا لأن الجبهة الأولى مازالت لها الأولوية، أنا لم أقم حتى الآن إلا باعادة بناء علم أصول الدين، أعني علم الكلام، والآن علوم الحكمة، بقي لي عدد من علوم التصوف التي ما زالت مؤثرة في الناس، وأيضا علم أصول الفقه والعلوم الشرعية ؟ كيف أن الحقيقة مازالت موجودة في النص وما علينا إلا استنباطها بصوف النظر عن المصالح العامة ؟ وأيضا مازالت العلوم النقلية في حاجة الى إعادة بناء، علوم القرآن والحديث والسيرة والفقه، وما زالت الجبهة الثانية في حاجة الى تحديد: ما العمل مع الغرب، كيف نستقل عنه ؟ كيف نرده الى حدوده الطبيعية ؟ فمشروع الاستغراب مازال في حاجة الى تواصل من أجل إعادة دراسة مصادر الوعي الأوروبي، بداية الوعي الأوروبي وتطوره ومستقبله، وبعد ذلك بعد التعمق في الجبهتين
الأوليين ربما تعاودني في نهاية العمر وبعد أن أكون قد نضجت أكثر وتجاوزت الجبهة الأولى المشتعلة أيضا؟ لأن ما يحدث في مصر والجزائر وفي كل منطقة و الصراع بين الجبهتين بين أنصار الموروث وأنصار الوافد، الصراع الدامي والصراع بين الأخوة الأعداء، أنا مازلت أعمل في هات ن الجبهتين مؤجلا الجبهة الثالثة في أخر العمر حتى أساعد في إطفاء النار أولا.
مشروعات عربية
* ما المشروعات العربية الفلسفية التي ترى أنها جديرة بالاهتمام من وجهة نظرك ؟
* هناك طبعا مناطق ازدهار في المشروعات العربية المعاصرة، ومن أهمها مشروع زميلي وصديقي محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي، وأنا كنت معه منذ فترة في طليطلة في اسبانيا وسألته في أي شيء يعد، قال أشياء صغيرة، قلت أنا أريد شيئا كبيرا في وزن نقد العقل العربي، سواء التكوين أو البنية أو نقد العقل السياسي، فقال لي لا شي ء لم يعد لديه شي ء يقوله ولكن تطبيقات صغيرة هنا وهناك عن القومية وتاريخ القومية والثقافة وأشياء أقرب الى الفتاوي المعا هوة لكن لا يوجد شيء بوزن ثلاثية نقد العقل العربي. ومن الجيل القديم عبدالله القروي ولو أنه ليس قديما مازال مستمرا في سلسلة المفاهيم في مرحلته الثانية بعد الايديولوجية العربية المعاصرة ومفهوم الدولة ومفهوم الحرية ومفهوم الايديولوجية ومفهوم التاريخ ومازال يعالج الفكر العربي بطريقة البحث عن المفاهيم، وهناك أيضا الحبابي الذي توفى منذ سنتين والذي طور أيضا الشخصانية والاسلامية والثالثية أي العالم الثالث والغادية (ما أهمية الدراسات المستقبلية ). هناك أجيال جديدة في المغرب من الشباب الذين مازالوا قادرين على العطاء، وهناك في الشام إبداع تقليدي؟ تطبيق الاستفادة بالماركسية في دراسة التراث العربي كالطيب تزيني وصادق جلال العظم، وهناك أجيال جديدة أيضا في الشام تحاول أن تدرس مأزق الفكر العربي المعاصر.
مخاطر بحثية
ما المخاطر البحثية الاجتماعية التي يمكن أن تهدد الباحث؟
* هذا موضوع حلقة البحث التي نقيمها للدراسات العليا، المخاطر الموجودة الآن في البحوث والدراسات الاسلامية بالمعنى الواسع في الحقيقة هناك عدة مخاطر؟ أولا التكرار، نحن نكرر ونجتر ما قاله السابقون سواء تكرار
المادة العلمية بإعادة التبيوب أو تكرار المناهج القديمة الموروثة أو الغربية والشروح والتعليقات وغياب رؤية الباحث وغياب منهج للباحث وغياب افتراض يقوم عليه البحث وغياب نتيجة ينتهي اليها البحث. البحوث الآن أصبحت وظيفة وهي الحد الأدنى من مهنة البحث العلمي وليس رسالة البحث العلمي، هذا أول خطر وأظن قد تحدثنا في ذلك أول العام عن المخاطر وعن الحالة الواهنة في الدراسات الاسلامية في العالم العربي. انظر الكم الهائل الذي يخرج عن الدراسات الاسلامية ولا جديد هناك أزمة تكرار لأن هناك أزمة ابداع، أزمة إيجاد موضوع مبتكر، إيجاد منهج مبتكر، افتراض مبتكر نتيجة مبتكرة، لفة مبتكرة رؤية مبتكرة، هذا أكبر خطر.
ثانيا: جعل الباحث نفسا خارج الموضوع، وأنه ليس جزءا من الموضوع هو متفرغ ويعرض ويجمع ولا يتوحد بالنص يدرس أشياء يتصور أنها ماتت ودنه يتعامل مع متحف وأنه ليس جزءا، فالفلسفة الاسلامية تدرس لحظة قديمة، لكن لا يتصور نفسه وكأنه ابن سينا جديد، ابن رشد جديد، كندي جديد، غزالي جديد، لا يتصور أنه لو بعث ابن رشد الآن أي شيء يكتب ؟ أي فيلسوف يشرح ؟ أي تيار كلامي يهاجم ؟ عن أي فلسفة يدافع ؟ من ينقد كما نقد الغزالي ؟ من هو غزالي العصر حتى نستطيع أن ننقده ونكون رشدية جديدة ؟ هذه الأسئلة تدعو لأن يتصور الباحث نفسه جزءا من عملية البحث العلمي وأنه ذات وموضوع في الوقت نفسه، باحث و مبحوث في الوقت ذاته. هذا غير موجود لأنه اعتبر نفسه مستشرقا جديدا، بل مجرد عارض وواصف من الخارج وكأنه لا ينتمي الى الثقافة ولا ينتمي الى الدار، وجعل نفسه ليس من أهل الدار بل وافد عل الدار أو ضيفا عليه، وبالتالي لم يحدث تجديد، وكأنه غير مسؤول عما حدث للفلسفة الاسلامية بعد ابن رشد، فلماذا لا نطور؟
الخطر الثالث في رأيي هو قريب من الخطر الثاني وهو نوع من عدم الثقة، الباحث يكتب لأغراض غير علمية، لأغراض مهنية ليحصل على رسالة أو يحصل على شهادة أو ترقية، لم يعد البحث العلمي قاصدا الحقيقة وتطوير العلم واكتشافه، بل أصبح فيه نوع من الانتهازية والبراجماتية والنفعية وعدم الصدق. كثير من الباحثين يقول أشياء ليست للبحث العلمي إنما لأرباب المعهد أو المؤسسة أو الثقافة العامة أو الجائزة أو الشهادة الى آخره، فأصبح الباحث غير صادق فيما يكتب، وله لفتان لفة عامة يكتب بها ولغة خاصة هي اعتقاداته وبالتالي لم يعد معظم البحث العلمي يثير أية قضية أو يطور أي موضوع.
إطار قومي
* دون خلفيات أنت تتحرك في كلامك في إطار قومي في مساحة كبيرة منه، ونلاحظك موجودا في بلاد إسلامية في جنوب شرق آسيا، الا ترى مساحة من التعارض ؟
* لا، أنا تعلمت نظرية الدوائر الثلاث منذ المدارس الثانوية قبل الثورة المصرية، هذه كانت إجابات شائعة في الثلاثينات والاربعينات،ثم جاءت الثورة المصرية وعبر عبدالناصر عن الدوائر الثلاث في فلسفة الثورة، إن مصر لها دائرة عربية ودائرة افريقية ودائرة اسلامية، وبالتالي في شمال افريقيا كله لا يوجد أي تضارب أو تناقض بين الوطنية والعروبة والاسلام، حتى رسائل حسن البنا عندما كنا نقرأها ونحن في المدارس " لمصر والعروبة والاسلام " يعني مركزا ثم محيطا ثم محيطا، كما تلقى حجرا في المياه تخرج دوائر كلها من المركز ولكنها لا تتصارع إلا إذا ألقيت حجرا آخر بجواره، هنا تتداخل الدوائر، لكن هي دوائر تدور كلها حول مركز واحد. وعندما أسأل من أنا أقول أنا من مواليد القاهرة لغتي العربية وثقافتي إسلامية، فأنا لابد أن يكون لي مكان أولد فيه، ولفة أتكلم بها وإطار ثقافي عام فلا تعارض بين القاهرة وبين اللسان وبين الثقافة، إن ظاهرة التضارب هذه ظاهرة تاريخية ورثناها عن الشام عندما بدأت حركة القومية العربية تناهض الدولة العثمانية في تركيا، واضطهاد القوميين العرب وتعليق المشانق لهم في العامين 1911، 1913 في دمشق: لأن الدولة العثمانية كانت تدافع عن وحدة الخلافة وهؤلاء كانوا يدعون الى الانشقاق عن الدولة، وحمل بعض نصاري الشام فكرة القومية العربية بديلا عن الأهمية
الاسلامية والجامعة الاسلامية التي كان يدعو اليها الافغاني،وبالتالي هذه ظاهرة تاريخية ورثناها، الظاهرة القومية المنفصلة عن الثقافة الاسلامية ظاهرة شامية حتى ميشيل عفلق بدأ أخيرا يرد الاعتبار للثقافة الاسلامية عندما اعتبر أن الاسلام تعبير عن الثقافة العربية وكتب رسالته المشهورة عن محمد ابن العرب أو أصل العرب، وله عبارة شهيرة "إذا كان محمد كل العرب فليكن كل العرب محمدا".
حوار: عصام أبوزيد (كاتب من مصر)