يمكن القول إن هذه الرواية تنتمي إلى المرحلة الواقعية، التي مثَّلتها الروايات التقليدية الهادفة إلى التعليم والوعظ والإرشاد، ونقل صورة المجتمع إلى القارئ بكل سلبياتها ومظاهرها، وهذا النوع من الروايات هام بدلالاته رغم فقر بنائه ومحتواه، والروايات التقليدية عموماً – وهذه الرواية خصوصاً – تًعد تجسيداً لقيمٍ فنيةٍ تنقل رؤية الإنسان والفن والعالم، وهذه الرواية مهيمنة برؤيتها وأسلوبها ووظيفتها الاجتماعية والتاريخية، أو اعتراضها المنزاح فنياً إلى التاريخ، وكذلك تهيمن الفكرة فيها على صوت التجربة المتكاملة، وتتميز بأحداثها المتراكمة التي ترتبط فيما بينها بوسائل عدة، مثل: المصادفات أو القضاء والقدر أو تدخلات السارد المباشرة،
وتأتي تلك الوسائل والتدخلات، نتيجة كثرة الاستطرادات والانحرافات السردية والقفزات المتكررة عبر الأزمنة المختلفة، إضافة إلى تولي الراوي العليم بكل شيء مهمة سرد الأحداث، ونتيجة لتدخلاته المتكررة بالتعليق والشرح والتفسير وغيره، فإنه يقع في مزالق عدة في بنية السرد عامة؛ كما يتجلى في بنائها – أيضاً – الاهتمام بالتراث الشعبي والحرص على تضمين مختارات معينة منه في الرواية، وخاصة الأمثال الشعبية، ليدل ذلك على صدق التجربة وعمقها من جانب، وجعلها أكثر التصاقا بالواقع الذي انطلقت منه، وأكثر قدرة على التعبير عنه من جانب آخر.
وسنكتفي في هذه المساحة بنشر المبحث الأول من الدراسة، الذي يتناول تحت عنوان «الراوي، الرؤية» دلالة العنوان على مضمون الرواية، ثم أنماط الراوي المتعدد في الرواية، وتعدد الرؤية أو زاوية الرؤية، ومدى دلالة كل ذلك على جدلية الثنائيات المتناقضة، وطبيعة الصراع الكائن فيما بينها، وقد تبين أن الراوي تمثَّل في ثلاثة أنماط: راو عليم، وراو مشارك، وراو شاهد، وهو في كل نمط ينظر من زاوية مختلفة.
العنوان:
إن العنوان (حرب الخشب) يجمع بين نقيضين متغايرين، فالحرب تدل على التدمير والخراب والهدم، بينما يدل الخشب بالنظر إلى مصدره – الأشجار – على الحياة، وبالنظر إلى حالته الراهنة – بوصفه خشبا – يستفاد منه في أغراض حياتية مختلفة، ليدل على البناء والتعمير، وهنا يتجلى المستوى الأول للصراع بين البناء والهدم، وإذا كانت الحرب تدل على القوة، فإن الخشب مما لا يصمد أمامها، فهو يحمل بين جنباته الضعف والاحتراق والاستسلام لنيرانها، دون أي مقاومة تذكر، إذن فالخشب رمز الهشاشة والضعف، والحرب رمز القوة والبطش والتدمير حتى بنفسها، «فالنار تأكل نفسها… إن لم تجد ما تأكله»، وإذا قمنا بإسقاط العنوان دلالياً على مضمون الرواية، وجدنا الحرب تطابق قضية الثأر والانتقام ونزعة السيطرة والبطش، المتمثلة في عملية السرد المتتالي للأحداث والوقائع المأساوية الدامية، أما الخشب فيمثل أولئك الضحايا الأبرياء الذين يُزج بهم في أتون المعركة، فُيقتلون دون أن يعلموا لماذا قُتلوا أو ما الذنب الذي ارتكبوه؟ ولماذا يقاتلون؟ ومن هنا نجد أن الحرب تقابل الثأر، والخشب يقابل الضحايا (الأبناء)، وهذه الحرب تمثل في صورتها العميقة طبيعة الصراع بين الآباء والأبناء، أو ما يسمى (صراع الأجيال) في صورته العامة؛ هذا الصراع الذي ينشب بين طرفين غير متكافئين، يستخدم فيه الطرف الأول أبشع الوسائل وأقذرها ضد الطرف الثاني، فالآباء حين يقودون أبناءهم لخوض معارك الثأر تلك، ينتقمون من أبنائهم – بتعريضهم للقتل – قبل أن ينتقموا من أعدائهم، مما يصيب المجتمع بالعقم الفكري والثقافي، ويفقد الانتماء معناه، وتتولد رغبة عميقة في النفوس بالانتقام الشامل والتدمير.
الراوي ( الرؤية): بناء الرؤية أو الجهة (Aspect)
يمكن من خلال دراسة الرؤية وتحديدها، معرفة الطريقة التي يتمثل من خلالها الراوي الحكاية، ونلاحظ أن الرؤية في رواية ( حرب الخشب) ليست واحدة، وإنما هي مزيج من الرؤية الداخلية والخارجية – حسب ثنائية ستيفان تودوروف – وبذلك يمتزج أسلوب السرد الذاتي والموضوعي، ويمكن القول- وفقا لذلك- إن الرؤية هنا هي رؤية مزدوجة، «تمتزج بها الرؤيتان: الداخلية والخارجية في بنية الرواية الواحدة»، ففي الرؤية الخارجية: «يظهر الراوي العليم بكل شيء، منطلقا من أسلوب السرد الموضوعي، وفي الرؤية الداخلية يظهر الراوي محدود العلم أو الراوي المشارك الذي تتساوى معرفته بمعرفة الشخصيات الروائية»، وهذه الرواية تنطلق من أسلوب السرد الموضوعي المنفتح على جميع الضمائر، فيروي مرة بضمير المتكلم (الأنا)، وأخرى بضمير الغائب (الهو)، وثالثة يلجأ إلى الحوار، وهكذا ينتقل بين جميع الضمائر وأنواع السرود، والراوي – شأنه شأن الشخصيات الروائية- ليس إلاَ شخصية من ورق – حسب بارت – يمكن النظر إليه بوصفه «وسيلة أو أداة تقنية يستخدمها الروائي ليكشف بها عن عالم روايته»، وهو المُختار لتقديم الأحداث والشخصيات وعالم الرواية بأكمله، وفي هذه الرواية (حرب الخشب) نجد راويا واحدا هو الذي يهيمن على عالم الرواية/ السرد، فيصف ويسرد ويقدم ويؤخر، ويعلق ويبرر وينقل نقلا محايدا وغير ذلك، متنقلا بين الرؤيتين الداخلية والخارجية، وأنماط الراوي المختلفة، إذ نجده يبدأ الرواية من رؤية داخلية، يكون فيها راويا مشاركا في صنع الأحداث وحاضرا فيها، «دفعت أمي بي وبأختي زهرة إلى السيارة الصغيرة بسرعة»، ثم يتخذ موقعا آخر، وزاوية رؤية جديدة، فينطلق من الرؤية الخارجية ليصبح راويا عليما، «لم ألتفت إلى الوراء أبدا لكنني أعرف أن أمي بقيت تشيع السيارة بنظراتها، إلى أن غابت تماما في الطريق الطويلة إلى عدن، بعد أن غاب ولداها عن عينيها، دخلت البيت وأغلقت الباب وراءها، انهارت على الأرض تبكي بصمت»، الراوي هنا يسرد لنا أحداثاً ومواقف وقعت خارج نطاق رؤيته وتحكمه، ولكن يمكن القول إنه ربما تخيلها أو اعتبرها نتيجة طبيعية معتادة لموقف كهذا، ومن موقع آخر نرى الراوي العليم يروي للشخصيات الأخرى، بينما هو خارج تلك الأحداث، ولا يشارك في صنعها أو تعيين مسارها، وبذلك يتحول إلى راوٍ شاهد، وذلك ما نجده- في الفصل الثاني- حين يتحدث الراوي الشاهد عن الشخصية (عبدالله)، منطلقا من أسلوب السرد الموضوعي، ويكون الراوي هنا «بمثابة الكاميرا السينمائية التي تلتقط الصور والأشياء التقاطا محايدا، آليا، خارجيا، محايدا… »، تنقل الأحداث والمواقف وتصور الشخصيات دون تدخل يٌذكر، من خلال الرؤية الخارجية، واستخدام ضمير (الــ هو) للمروي عنه، ويبدأ الراوي الشاهد سرده من صباح ذات يوم عندما «وقف عبدالله أمام المرآة يمشط شعره، ابتسم لنفسه مستعرضا أسنانه البيضاء المنتظمة، هذا دليل صحة جيدة»، بعد حدث الوقوف وما صاحبه، يتنحى الراوي الشاهد مفسحا المجال للصورة التي تظهر أمامنا وبداخلها الشخصية (عبدالله) متسائلا: «والآن ماذا يا عبدالله الوسيم؟»، في حوار داخلي (منولوج) هو بمثابة التمهيد لبداية المشهد المليء بحركات ومواقف الشخصية (عبدالله)، وتعليقات وشروحات الراوي الشاهد، وكأنه مشهد صامت يقوم المتلقي بترجمته ونقل الحركة الصامتة إلى كلام وألفاظ، مستندا على تعابير وإيماءات الشخصية الأولى وما توحي به، وقد قام الراوي الشاهد بهذا العمل وكأنه يعلًق على (ريبورتاج)، تقوم فيه الشخصية (عبدالله) بمختلف الحركات والمواقف الصامتة، بينما الراوي الشاهد يتدخل بالتعليق والشرح حين يتطلب الأمر ذلك، خاصة ما يتعلق بإيضاح الأحاسيس الداخلية والجانب الشعوري (إعجاب، دهشة، قلق… الخ)، وربطه بالموقف أو الحركة المناسبة، لتحقيق أكبر قدر من الإبانة والإيضاح، وهذا ما سنلاحظه في المشهد الآتي الذي يبدأ- بالحركات الصامتة التي تظهر في ثناياها تعليقات الراوي الشاهد من حين الآخر- دون أن يكون هناك انفصال بينهما، بل يبدو الأمر برمته كأنه كلٌّ متكامل، فبعد وقوف الشخصية (عبدالله) وما صاحبه من حركات، «.. نكش شعره قليلا، تسريحة على الموضة، لم يعجبه الشكل، عاد إلى المشط وفرق شعره من الوسط ثم من الجانبين، لم يستقر على التسريحة التي سيظهر بها اليوم، كان يتباهى بشعره الجميل الأسود، وبوسامته، لكنه كان يتباهى أكثر بذكائه الشديد واجتهاده، وبكونه الولد الأثير لدى كل أفراد عائلته الكبيرة»، وبافتراض أن هذا المشهد يُعرض أمامنا على شاشة السينما، فنحن- حينئذ- سنرى وسامة الشخصية (عبدالله) وشعره الجميل، وقد نعرف من خلال تدليله لشعره وعنايته الفائقة به، أنه مكمن زهوه وافتخاره وتباهيه على من حوله، لكننا لم نكن لنعلم أو حتى نتصور- مجرد تصور- أنه «كان يتباهي أكثر بذكائه الشديد واجتهاده، وبكونه الولد الأثير لدى كل أفراد عائلته الكبيرة»، لولا وجود الراوي الشاهد، الذي أضاف لنا هذه المعلومة التي انفرد بمعرفتها من خلال معايشته للشخصية (عبدالله) ومعرفته به، وربما قد يكون مصدرها غير ذلك، ولا يقف الراوي الشاهد عند الأمور الخارجية المتعلقة بالشخصية (عبدالله)، والتي قد يعرفها هو- أي الراوي الشاهد- أو غيره ممن لهم اتصال مباشر أو غير مباشر بحياة تلك الشخصية، بل يعمد إلى استبطان الشخصية، مستعرضا أحوالها ومشاعرها الداخلية، كالقلق والخوف والارتباك، الناتج عن الفرحة الزائدة بتحقيق حلم ما، أو الوصول إلى غاية معينة، ويتوصل الراوي الشاهد إلى كل ذلك من خلال حركات الشخصية (عبدالله)، الذي «لم يستقر على تسريحة معينة، اليوم مميز، وينبغي أن يظهر فيه بشكل مختلف، وضع المشط على حافة المرآة، وذهب ليفتش في دولابه عن شيء ما، عاد يحمل مشدَّة وأمام المرآة وقف يلفها حول رأسه كما رأى أباه وأعمامه يلفونها من قبل»، وبينما هو- أي الشخصية (عبدالله) – يقوم بذلك العمل أمام المرآة، يستغل الراوي الشاهد المدة الزمنية – المطلوبة لانجاز ذلك – بإيراد أسباب ومبررات عدم ارتداء الشخصية (عبدالله) المشدّة أبداً، وفي المقابل مبررات ارتدائه الآن لها، ورغبته الغامضة – التي لا يعلمها هو ولا الراوي – في ذلك، ويُعلل الراوي الشاهد تلك الرغبة الغامضة، بكون المشدّة هدية من عم الشخصية (عبدالله) – فهي مرتبطة إلى حد ما بمهديها – وإضافة إلى إعجاب الشخصية (عبدالله) بألوانها «الأحمر والأبيض، خطوطها ممتازة، شماغ إنجليزي من الصنف الممتاز كما يقول الخليجيون…
وحين تبدو على ملامح الشخصية (عبدالله) علامات الاستفهام والتساؤلات الغريبة، يقوم الراوي الشاهد بترجمتها لفظياً، عارضاً صورة من الصراع المثير والرهيب على المستويين الداخلي (النفسي) والخارجي (الواقع الاجتماعي)، بحثاً عن بصيص أمن واطمئنان، ومنفذ استقرار للخلاص من حالة الاستنفار والتأهب والاستعداد الدائم لخوض معركة مجهولة ضد عدو افتراضي، متمثلة في صورة ربط المشدَّة ربطة حازمة، ومن هذا الموقف يمكن القول إن صوتاً جديداً نشأ من ثنايا صوت الراوي الشاهد، هو صوت الشخصية (عبدالله) المنطلق من رؤية داخلية، مستخدماً ضمير المخاطب (أنت)، «في شكل مناجاة، منولوج داخلي، علي طريقة تيار الوعي»، مفلسفاً تلك الربطة بوصفها، «ربطة حرب حتى في أوقات السلم؟ نتصرف دون وعي دوماً كما لو كنا سنقاتل، عقلية المحاربين لن تتركنا أبداً مهما حاولنا… مالك ولهذا الكلام يا عبدالله؟.. أنت طيب ولا شأن لك بأي شيء آخر»، وتأخذ صورة الصراع – لدى الشخصية – مستويين: الأول، داخلي بين القبول والرفض وبين الإقدام والخوف، والثاني خارجي بين الانتماء واللاانتماء على مستوى الفرد والمجتمع،…. الخ. وقد يكون الراوي الشاهد هو من نقل لنا صورة الصراع تلك، مفصحاً عما يستكن في أعماق الشخصية (عبدالله)، ومستشعراً معاناتها وصراعها وقلقها المتزايد، وعدم ثقتها بذاتها، أو اهتزاز تلك الثقة وصورة ارتباكها الدائم، المستوحاة من تكرار الوقوف أمام المرآة أكثر من ثلاث مرات، مما يدل على عدم الاستقرار الداخلي ومحاولة تعويضه باصطناع حالة من الانسجام والتناسق الخارجي.
يعود الشخصية (عبدالله) إلى حركاته وأفعاله الصامتة، ومعه يعود الراوي الشاهد معلقاً خطوة خطوة، ثم يقف عند خروج الشخصية (عبدالله) من الامتحان وتجمُّع الطلاب حوله، تاركاً أصواتهم المتداخلة وضجيجهم الصاخب ومهاتراتهم، في الصعود والظهور لتصل – عبر الشاشة السينمائية- إلى أسماع المتلقين مصاحبة لحركاتهم، فينقل لنا المشهد الحواري صورة عامة أكثر واقعية، تتجلى واقعيتها في تشكُّل عناصرها الحوارية من نوعيات مختلفة من الطلاب، الذين يسيطر عليهم الخوف من المجهول (المستقبل)، ويفضلون تثبيت اللحظة الراهنة وتجميد الواقع، نظراً لبنائهم الفكري الهش العاجز عن تجاوز الواقع ومواجهة متغيرات الحياة وتناقضاتها، وهذا المشهد – بوصفه صورة جزئية من الصورة الكلية- يعكس حالة من الغموض والعجز المجتمعي، واعتباطية الحياة المعيشة المرتجلة، التي تسيطر عليها الفوضى الهدامة والصراعات المدمرة، الناتجة عن العقم الفكري، والتعصب القبلي الأعمى، والضحية في كل ذلك هم الأبرياء الذي يُستخدمون وقوداً لتلك الصراعات، بينما لا ناقة لهم في ذلك ولا جمل، والأمر الأشد غرابة من كل هذا، إن تلك القوى المتصارعة تنفذ ممارستها الهمجية، في أماكن تمثل منابع التنوير والتغيير والمستقبل المشرق، فـ «من بوابة الجامعة خرج عبدالله وجمال، أمامهما توقفت سيارة هيلوكس، خرج منها ثلاثة مسلحين بالرشاشات، بدون أي كلمة فتحوا نيران أسلحتهم على عبدالله فأردوه قتيلاً من فورة، ركبوا سيارتهم وأسرعوا بالفرار، قبل أن يفيق طلبة الجامعة من الصدمة»، ويُختم هذا المشهد المأساوي الدموي بصورة «شاب آخر يركض وهو يصيح بلوعة.. عبدالله»، وهذا النداء الذي يتردد صداه في أعماق الضمير الإنساني، الرافض لمظاهر العنف والإرهاب والقتل وإراقة دماء الأبرياء، لكنه يصطدم بموقف المجتمع، الذي يرى في الثأر والانتقام شرفاً يتباهون به ويتسابقون لتحقيقه.
قدم الراوي كل تلك المشاهد السابقة برؤية محايدة، تنقل الحوادث الهامة – في نظر الراوي – دون تعليق أو إضافات أو تحديد موقف معين، ذلك لأن الراوي يسرد الأحداث والمواقف، كما سمعها وتناقلها الآخرون، وتجنباً للوقوع في الواقعية الحرفية، يلجأ الراوي إلى إضافة لمسته الفنية، من خلال الحوار واختراق نفسيات الشخصيات، ويواصل الراوي الشاهد سرده للأحداث والمواقف، انطلاقاً من رؤيته الداخلية، مستغلاً ممكنات السرد المتاحة له في إطار مجاله الرؤيوي، فيصف النكبة التي عصفت بالأسرة، والفاجعة التي ملأت حياتها حزناً وكمداً، ثم ينتقل إلى الأحداث التي تلت ذلك، والموقف الذي اتخذه كبار الأسرة وعلى رأسهم العم (منصور)، مبيناً استراتيجية الرد التي تم الاتفاق عليها؛ «اتفقوا على القيام بغارة كبيرة على أراضي آل عمر سالم (…. )، كان على كل من بلغ الثالثة عشرة الاشتراك في الغارة، باتوا ليلتهم على وعد بالهجوم عند الفجر»، ربما كان الراوي الشاهد رافضاً لتلك الإستراتيجية الانتقامية، وربما كان حضوره باهتاً وغير مؤثر، وربما كان الأمران معاً هما ما جعله يستخدم ضمير الغائب (هم)، العائد على أفراد أسرته التي هو جزء منها، له مالهم وعليه ما عليهم، لكن الشعور بالانتماء هنا مفقود، مما يعكس انتقال دائرة الصراع من المستوى الذاتي- كما مر بنا- إلى المستوى الخارجي (الذات والآخر) كما هو هنا.
إن المفاجأة غير المتوقعة والصادمة التي يجابهنا بها الراوي، مقتضبة وسريعة على هيئة حدث مختزل، «عند الفجر صحونا على أصوات الهجوم، شن آل عمر سالم غارة علينا عند الفجر وقد استبقوا غارتنا عليهم.. «، يسرد الراوي هذا الحدث – بوصفه زمناً ماضياً – وكأنه يعيشه في حاضره كلما تذكره أو استرجعه، فتأتي الجمل قصيرة ومتلاحقة، تعبر عن الحالة النفسية الشعورية، التي عانت وما تزال تعاني رهبة الموقف ورعبه وهول مجرياته، وكون هذا الحدث خاتمة للفصل (أو القسم) الثالث الذي ينتهي به، فإنه قد أحدث تغيرات ثلاثة على مستويات متباينة، نوضحها فيما يلي:
1ـ ظهور عقدة جديدة على مستوى السرد، تمثل ذروة الحبكة، بانتظامها مع سابقاتها، وتموضعها على رأس العقد الهرمي للأحداث، وهنا تبلغ الحيرة أقصى درجاتها ويصبح التوق لمعرفة، ماذا بعد.. ؟ والخروج من دائرة الغموض أمنية عزيزة.
2ـ اختلال ميزان القوى – على مستوى الصراع القبلي- إذ تحوَّل أولياء الدم الموتورون من صورة الطالب المنتقم الثائر، إلى صورة المطلوب المستهدف، زيادة في التنكيل والبطش الواقع عليهم.
3ـ استبدال ضمير السرد(هم) للغائبين بـ (نا) للمتكلم المشارك – على مستوى الراوي والرؤية – وهنا يخرج الراوي من دائرة عزلته وانفلاته، التي كانها شاهداً على الأحداث، إلى فضاء التفاعل والمشاركة في صنع الأحداث في إطار الرؤية الداخلية ذاتها.
هذه التغيرات والتحولات السريعة أدت – بدورها – إلى تغيير مفاجئ في شخصية الراوي وطريقة تعامله مع الأحداث، في المنظور الذي يرى من خلاله كل ما حوله، «فكرت بالذي حدث قبل دقائق، نظرت إلى الأمر من زاوية مختلفة، لقد قتلتُ عبدالقوي عمر سالم، كبير آل عمر سالم، ستنكر شوكتهم بفقدهم كبيرهم، لكن لحظة.. ماذا حصل قبل هذا؟.. عبدالقوي قتل أخي الأقرب إليَّ سليم، وقتل معه صديقه المقرب، ابن عمي محمد منصور، بكيت لعدة دقائق وحلقي يغص بشدة حتى كدت أختنق»، وما دام الشخصية (الراوي) قد أصبح في لحظات قاتلاً، فهذا يعني في عرف القبيلة – أكثر ما يعني – تحقق رجولته، ويعكس شجاعته وقوة انتمائه وإيمانه بالقضية، التي قاتل وقَتَل من أجلها، مما يرقى به إلى مصاف كبار رجال القبيلة ورموزها، إذن يجب على الراوي – وفق هذا المنطق – أن يفارق أو أن ينسلخ عن صورة الطفل – الذي كان إلى قبل لحظات – والبراءة والنقاء والطهر الذي كان يتمتع به، كي يتلبَّس ويمتزج بشخصية الرجل المقدام، أو على الأقل يتمثلها ويحاكيها، ويبدأ ذلك فعلا، فنرى الراوي يعاني صراعا داخليا بين شخصيتين، الأولى: طفولية تبكي وتغص بمرارة الفاجعة، وتتمنى أن تلوذ بأحضان الأم، والثانية: رجولية أو تتقمص الرجولة، فتعارض الأولى وتقصيها، «عدلت عن الذهاب للبكاء في حضن أمي، علقت مسدسي في حزامي وتوجهت إلى حيث كانت المعركة لا تزال تدور، أنا رجل، عمري أربعة عشر عاما الآن، قتلت عبدالقوي، بعد ذلك لن أذهب للبكاء في حضن أمي!، كفى سخافات لم أعد طفلا «، وإذا كان بلوغه سن الرابعة عشرة يعني أهليته لتولي منصبه الرجولي في المجتمع، فإنه يؤكد ذلك بقتل رأس أعدائهم (عبدالقوي)، جاعلا منه وساما يتباهى به، ويُمنح لأجله امتيازات خاصة، إضافة إلى نظرات الإعجاب والتبجيل.
من هنا تبدأ التحولات المطردة على مستوى شخصية الراوي، وعلى مستوى رؤيته وموقفه مما يجري حوله، فنراه يوظِّف منصبه الجديد لخدمة رؤيته التي تستبطن – بسببٍ من ذلك – أعماق الشخصيات التي لم تفصح عنها أبدا، ولم يكن الراوي (العليم) موجوداً حال وقوع الأحداث التي سبقتها، «كانت سليمة متأكدة من أن منصور هو الذي قتل أخاها، وأن سالم زوجها وأبا أبنائها قد تواطأ معه، لكنها لم تستطع شيئاً إزاءهما»، ومن خلال هذه الرؤية يكشف الراوي العليم أبعاداً أخرى لمستويات الصراع الدامي، ويتوصل إلى معرفة السبب الكامن وراءه، موضحا لنا طبيعة ذلك الصراع، الذي أصبح رغبة ملحة وشهوة، بل حاجة وضرورة في نفوس أبناء المجتمع الواحد، وأصبح الطغيان سمة بارزة في كل فرد يمارسها على الآخرين دون استثناء، إذ «استمر طغيان أبناء حسين على أهلهم بني عمومتهم وعلى أبنائهم [على المستوى الداخلي الأسري] وعلى أعدائهم آل عمر سالم، الذين كانوا بدورهم طغاة، وهكذا قامت حلقة متينة متصلة من الطغيان في القرية، التي لها قطبان مرعبان، أبناء حسين قحطان بزعامة سالم حسين، وأبناء عمر سالم بزعامة عبدالقوي عمر. وبارت الأرض موضع النزاع… «، ومادامت الأرض قد آلت إلى تلك الحال من البوار، فمعنى هذا أنها لم تكن مبرراً حقيقيا، ولم تعد مبرراً مقنعاً لذلك الصراع، الذي أصبح ضرورة من ضروريات حياتهم، انطلاقاً من القاعدة القبلية، (أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على العدو)،لاأو تلك الدارجة في الاستعمال القبلي اليمني الآن (أنا عدو ابن عمي وأنا عدو من يعاديه)، بعد ذلك ينتقل الراوي إلى مستوى سرديٍّ آخر، يستخدم فيه ضمير الغائب الدال على شخصيات متعددة: الأب، والأم «كانت تحتاج إلى عزاء لها عن زوجها الذي لم تكن تطيقه وعبدالله كان عزاءها، أما الباقون فكانوا مجرد ديكورات ضرورية لإكمال المشهد، حتى زهرة «، وذات الضمير يستخدمه الراوي حين يتحدث عن موقف والدته معه، «باعت جزءاً من مصاغها لتغطي نفقات ابنها في عدن، أبلغته بأن عليه الاستعداد للمغادرة خلال يومين»، ويتحدث عن نفسه بالاسم وكأنه خارجها، «باعت المزيد من مصاغها وأعطت مبلغاً ضخماً من المال لــ عمر وأوصته بالحرص والاقتصاد»، وبواسطة هذه التقنية ينقل الراوي مستويات عدة من الصراع المحتدم من وجهة نظر غير تلك الأولى، وبفلسفة جديدة مبنيَّة على رغبة الانتقام الكامنة في أغوار الذوات، والمتجلية في السلوكيات والتصرفات، فإذا كان آخر مستوى للصراع توصل إليه، هو ذاك الدائر بين فرعي الأسرة الواحدة أبناء العمومة، فإن مستوى آخر يتجلى على مستوى الأسرة الصغيرة الواحدة، فالأب ينتقم من أبنائه وزوجته، والأم كذلك تقود صراعا في جبهتين؛ «أرسلت ابنتها لتعيش بعيدا عنها تحقيقا لنوايا انتقامية ربما من نفسها وزوجها معاً، سيعودان بلا أبناء تماما كما كانا قبل سبعة وعشرين عاما، قبل أن ينجبا خمسة أولاد وبنت، ويفقدا أربعة أولاد»، وهنا يبلغ الصراع أقسى صوره وأصعب مراحله وذروة تشعباته وتفرعه، إذ يبدأ من الإطار المجتمعي العام (آل عمر سالم، وآل محمد قحطان)، ثم ينتقل إلى المستوى العائلي (أبناء حسين وبني عمومتهم)، ثم ينتقل إلى المستوى الأسري الخاص (الأب والأم والأبناء)، ثم يتغلغل إلى مستوى داخلي أعمق، يتمثل في الذات الواحدة، التي تنتقم من نفسها أيضاً (الأم، الأب، عمر/ الراوي)، وما يلبث هذا التوتر المتزايد والضغط المكثف، أن يفجر حلقات الصراع، وتصبح دوائره أكثر اتساعاً وانفتاحاً على آفاق جديدة.
يسير الصراع في مسار تدرجي – كما مر بنا – من الخارج (المجتمعي) العام، إلى الداخل(الفردي) الذاتي، وحين تمتلئ الذات بصور الصراع وأنماطه الرهيبة المخيفة، تبدأ بممارسة الانتقام من ذاتها، وهنا يكون الصراع قد وصل إلى أعمق مستوى له، وسرعان ما ينعكس ذلك الصراع في حركة ارتدادية من الأسفل إلى الأعلى، أو من الداخل (الفردي) الذاتي إلى الخارج الأسري، ثم ينتقل إلى الخارج المجتمعي ثم الإقليمي وأخيرا العالمي، وكل هذا نتبينه ونقف عليه من خلال ما يسرده لنا الراوي العليم الذي يمثل بؤرة الصراع وأعمق مستوياته، ورغم هروبه من حمأة الصراع القبلي، تجنباً لمجرياته وانعكاساته على النفس والسلوك، إلاَّ أنه حمل ذلك الصراع برمته في أعماقه وهو معه أينما ذهب، وحين أحس بهذا حاول التخلص منه بإقامة علاقات صداقة مع الآخرين والاختلاط بالناس، «دعاني جمال وأختي لحضور عرسه، حضرتُ ودخلتُ وسط حلقة الرقص والغناء مشاركاً متحمساً، شعرت بالبهجة وأنا ألتحم بكل هذا العدد الكبير من الناس المبتهجين الراقصين، عدت إلى البيت بعد انتهاء الحفل وأنا أشعر بسعادة عميقة»، لكن محاولة الخروج هذه والتمرد على هواجس الصراع، تصطدم بهاجس الخوف والثأر والانتقام الكامن في اللاوعي، «عندما اقتربت من حارتنا واجهت رعبي العظيم طوال حياتي… طلعتْ عليَّ فجأة من وسط الظلام سيارة هيلوكس. فوراً ودون أي تفكير استدرت وركضت إلى الطريق العام ومنه سلكت طريقاً طويلاً إلى البيت، في البيت بقيت مختبئاً لبضعة أيام قبل أن أتيقن من أن السيارة لم تكن تلاحقني، كان مقتل أخي عبدالله قبل أربع سنوات من الآن لا يزال يطاردني، سيارة هيلوكس، مسلحون ثلاثة… وبقية القصة».
وينتقل الصراع إلى مستوى أعلى – من المستوى الذاتي – وإن كان خافتاً، يتمثل في صراع الأنا (الراوي/ عمر) مع الآخر (عبدالله) الغائب، ويظهر في مواضع كثيرة متناثرة منها، «دخلت كلية العلوم السياسية بعيداً تماماً عن المجال الذي اختاره عبد الله»، ويمكن النظر في دلالة التخصص الذي اختارته كلا الشخصيتين (عمر وعبدالله)؛ (الطب، والعلوم السياسية)، إذ أن كليهما يحاول إيجاد الدواء الشافي والعلاج الناجح لأمراض ومشكلات المجتمع، كلّ بطريقته وحسب رؤيته، وإذا كان الطب قد اُغتيل في مهده، فهل تنجح العلوم السياسية في تلك المهمة؟
إن الفارق السيكولوجي في تكوين الشخصيتين يجعلنا نشك في قدرة الراوي (الشخصية/ عمر) وعلومه السياسية في تحقيق الغاية المرجوة، نظراً لما عايشه وعاناه من أهوال وتمييز وظلم وطغيان ووعيد، وكل هذه الأمور تجعل منه شخصية معقدة مضطربة، بينما شخصية (عبدالله) المدللة إلى أقصى الحدود، والجادة والمتميزة في الوقت ذاته، كان بإمكانها أن تقدم نفعاً وتنجح لو كُتب لها البقاء.
تنتقل مجريات الرواية إلى مستوى آخر من مستويات ذلك الصراع، الذي يمثل الراوي (عمر) بؤرته ومصدر إشعاعه، ويتجلى هذا المستوى في موقفه من أخته (زهرة) التي تحبه وتعتني به، والتي «أصبحت الآن فتاة كبيرة عاقلة وصارت تكرس جل وقتها للعناية بي، كانت عنايتها المفرطة بي تضايقني أحيانا، فأغضب منها، فوراً كانت تذهب وتشكوني إلى خالتي زهرة التي تضحك وتقول لي:أختك تحبك كثيرا يا عمر فلا تكن قاسيا عليها «، وبسبب موقف الأخت، يخوض الراوي صراعاً مع أسرة خالته زهرة في عدن، في صورة رفض وصمت كئيبين ورغبة في العزلة والانطواء، «حتى خالتي زهرة وعمي محمد (زوجها) وابنهما الكبير علي، كانا يشكوان من صمتي دائم ورغبتي الدائمة في تحاشي الكلام معهما، إلاّ عندما أضطر اضطراراً إلى ذلك، كنت أضحك على مضض، وأتكلم على مضض، وأعيش على مضض، كما سمعت عمي محمد يقول ذات مرة لعلي»، ولعل تعوّد الشخصية (الراوي) على الحرمان والكبت وما إلى ذلك، قد جعل حنان أخته (زهرة)، وعطف واحترام وتقدير خالته (زهرة) وزوجها العم (محمد) وابنهما علي، أمراً مستنكراً ومستهجناً ومرفوضاً أيضاً، يرى عمر ضرورة مواجهته وردعه، ولو حتى بالرفض الداخلي والصمت، ولعل هذا الموقف ناتج عن شعور الشخصية (الراوي – عمر) بأن مواقف الآخرين تجاهه ليست إلاّ من قبيل الشفقة والتفضّل، إذ كان الأحرى بوالديه أن يسبغا عليه حنانهما وعطفهما، لا أن يوكلا تلك المهمة لسواهما، وبهذا يصعد الصراع درجة إلى أعلى، «لم أعُد إلى مسقط رأسي بقية عمري»، صراع بين المهد والمنفى، بين الانتماء واللاإنتماء، ويغلب هذا الأخير في صورة انسلاخ عن الماضي وهروب ورفض للواقع، وتمضي سلسلة الصراع في تدرجها الصاعد، ليتسنى للراوي (عمر) الانسلاخ من القضية (الثأر) إذ يفلسفها قائلاً: «حرب ثأرنا، حرب الخشب، أكملت أربعين عاماً تماماً كحروب العرب المشهورة، حرب البسوس، وحرب داحس والغبراء، كلها دامت أربعين عاماً، واختلط الحابل بالنابل، فلم يعد أحد يعرف من الظالم ومن المظلوم، من المعتدي ومن المعتدى عليه»، وهي فلسفة تصور ثقافة الصراع التراكمية في اللاوعي العربي من الماضي إلى الحاضر، إذن فالراوي(عمر) يخوض الآن صراعاً مع التراث بشكل عام، وهاهو برفضه التام يتمكن من الانفصال عن التاريخ برمته، «تاريخنا تاريخ ثارات متواصلة من الجاهلية إلى اليوم، ثارات وأحقاد بيننا نحن الأخوة، وحروب طاحنة بين أبناء العمومة من عهد الجاهلية إلى عهد المدنية»، ولا يقتصر على نقده ومناهضته للتراث والماضي في الرقعة الإقليمية العربية في زمنها الماضي، بل يتجاوز ذلك ليغطي المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج في الحاضر، «عالم يهجس بالثأر في كل سنتيمتر مربع منه، الثأر لكرامات مصطنعة، من المحيط إلى الخليج، يأكل الثأر الأخضر واليابس، ويشتت الوحدة ويبدد شمل أبناء العمومة والخؤولة «، وحين يعمد الراوي (عمر) إلى تعرية قضية الثأر بذلك الشكل الذي يضفي عليها بشاعة إلى بشاعتها ويجعل النفس أكثر نفوراً ورفضاً لها، فهو إنما يبرر لنفسه هروبه وانسلاخه وفراره بجلده من ذلك الواقع الأليم والماضي المأساوي، ورغم كل ذلك «خارج قريتي وخارج محافظتي كان الثأر يترصدني أيضاً، ثأرنا الخاص، لم أعد مع ذلك إلى مسقط رأسي أبدا، لأنني أردت أن أقطع صلتي بالعالم والناس، لكنني لم أنجح في ذلك فاكتفيت بالابتعاد عن الأرض التي كنت أنتمي إليها»، وتتسع دائرة الصراع لتصل إلى المستوى الثقافي بين الأقوال والمعتقدات من جانب، والأفعال والسلوكيات والتصرفات من جانب آخر، وهذا الصراع لا يعكس صورة الفرد (الراوي – عمر) فحسب، بل حالة المجتمع اليمني والمجتمعات العربية بأكملها، ويتجلي ذلك الصراع في قضية هامة وحساسة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالثأر، هي قضية حمل السلاح، وخاصة بين المثقفين والأكاديميين، «من سوق صلاح خارج صنعاء اشتريت مسدساً أمريكيا وكمية من الرصاص، كان المسدس ثقيلاً ومزعجاً بشكل غريب[… ] لم أصدق أنني ذلك الذي قال لطلابه في الصباح: إن حمل السلاح وانتشاره بين كافة فئات المجتمع اليمني حتى الفئة المثقفة، هو أكبر تهديد وأكبر ضربة قاصمة تسدد إلى المجتمع المدني اليمني الوليد… شتان ما بين الأقوال والأفعال»، وتتسع دائرة الصراع على المستويين الديني والفكري، بين التطرف والاعتدال، صراع الراوي (عمر) مع الشخصية (ماهر عبدالوهاب عبد القوي) ممثل الاتجاه السلفي، ويعكس هذا الصراع طبيعة وأنماط التفكير عند الطرفين إزاء القضايا الوطنية والقومية والعالمية، إذ يصبح الراوي (عمر) متهماً بالعمالة للغرب، ومهدداً بالقتل من طلاب الدكتور (الشيخ) ماهر عبدالوهاب، ويدافع الأول عن نفسه قائلاً: «لم أقل شيئاً يستوجب كل هذا، كل ما قلته كان عبارة عن تحليل سياسي تاريخي منهجي ودقيق. خلصت فيه إلى استحالة استعادة القدس ورفع الاحتلال الإسرائيلي.. في وضعنا الحالي هذا مستحيل، لأننا مختلفون حول ما نطالب به ونعمل لأجله، هل نطالب بالسلاح فقط مع الاستعداد التام لدفع أي ثمن مقابله؟ أم باستعادة أراضي سبعة وستين؟، أم باستعادة أراضي ثمانية وأربعين؟ أم بتدمير دولة إسرائيل؟ من يمكن أن يقود فلسطين ويكون غير متعفن بفعل إدمان السلطة الوهمية، أو بفعل الغرق في وحل التواطؤ مع العدو بحثا عن سلام وهمي قائم على أجساد الصغار الغضة… «، غير أن الجانب الآخر المتشدد يرفض الحوار والمناقشة، ويرفض الرأي الآخر ويلوح بالقتل، «لن أقتلك فعلياً وإنما سأخبر الجميع بأنك قاتل، فأقتلك بذلك معنوياً»، وهذه الصورة المرعبة من الصراع تتمثل في مستويين جدليين، أحدهما يفضي إلى الآخر.
1ـ على مستوى المجتمع المدني المثقف، تتحول وسيلة القتل وطرقه ووسائله المباشرة (الحسية)، إلى وسائل وطرق غير مباشرة (معنوية)، مما يعني ابتكار قتل حضاري مهذب وأنيق، ومع ذلك ينتقل الفرد المثقف من مستوى التعصب القبلي، القائم على الحمية القبلية، إلى مستوى التعصب المدني، القائم على الحزبية والمذهبية والانتماء الطائفي والعرقي والأيديولوجي، وهنا ينكشف زيف الحضارات القائمة الآن، التي لم تقدم للشعوب سوى التدمير والانحطاط، عبر الطبقة المثقفة التي يفترض بها أن تقود البلاد إلى الخلاص والنهضة الشاملة.
2ـ المستوى الدولي السياسي والاستعماري، خاصة الذي يهدف إلى قتل الشعوب معنويا، وتجويعهم وتشكيكهم في معتقداتهم وثوابتهم الدينية، والترويج بانتهاء صلاحيتها وعدم جدواها، كونها السبب في تخلف الشعوب العربية والإسلامية خاصة، وتراجعهم أمام تقدم الحضارة الغربية ومغرياتها الزائفة، وهنا تبلغ دوائر الصراع أقصى اتساعاتها وامتداداتها، في صورة تعكس اختلال الموازين وهيمنة القوى الاستعمارية على الشعوب المستضعفة بتواطؤ قياداتها.
بعد ذلك تخسر صورة الصراع رهانها، وتسقط من أعلى ارتفاع لها، عائدة إلى الذات والقبيلة، وكأن كل ما تم تقديمه والتنازل عنه والهروب منه، غير كافٍ أو في غير موضعه، ويسوق لنا الراوي حقيقة مفادها أن التغيير المنشود وحل المشكلات، لا يأتي إلاّ بالمواجهة، التي اقتنع بها أخيراً، متجاوزاً انغلاقه وصمته، «غادرت البيت متوجهاً إلى المحطة لاستقبالها[ أخته زهرة ] وولديها، في الطريق قابلت جاري صالح المنصور، الذي كان قادماً ليدعوني إلى زفاف ابنه عبدالصمد، الزفاف كان بعد يومين، والزينات كانت معلقة في الشارع استعداداً له، قبلت الدعوة بابتهاج وحماس، هنأته من كل قلبي وأنا أراقب بطرف عيني سيارة هيلوكس حمولة نصف طن تقف عند رأس الحارة، ويخرج منها ثلاثة مسلحين «، وتبقى دائرة الصراع مفتوحة على احتمالات الاتساع بين الحياة والموت، القبول والرفض، وغير ذلك من الثنائيات المتعددة، بسبب النهاية المفتوحة على كافة الاحتمالات، والتي يصعب البتُّ فيها لأن أقرب احتمالاتها وأبسطها، يقودنا إلى تصور حادثة ثأر(قتل) جديدة، ينتج عنها مسار معقد وغامض للأحداث، فنتوقع أو نرسم من خلالها تسلسل الفعل وردّة الفعل إلى ما لانهاية، في حلقة دائرية قد تتسع أو تضيق.
إن المراحل والتحولات التي مر بها الراوي – كما مر بنا – وزوايا الرؤية التي رأى من خلالها العالم من حوله – بتفاوتها بين الضيق والاتساع – تجعل من السهل القول إن رواية «حرب الخشب» قد جمعت بين الرؤيتين؛ الخارجية: براويها الكلي العلم، والداخلية: براويها الشاهد محدود العلم، والمشارك الذي تتساوى معرفته بمعرفة الشخصيات، والجمع بين هاتين التقنيتين السرديتين، لم يكن اعتباطياً أو خاضعاً للصدفة، وإنما كان بوعي وإدراك وفهم صحيح لطبيعة كل منهما، ومعرفة وإحاطة بممكناتهما أو إمكاناتهما السردية، ودليل ذلك – وهو ما اتضح لي أثناء قراءة الرواية – ما لمسناه من موائمة وانسجام بين الراوي (طبيعته، وعمره، ومستوى تفكيره) والرؤية بنمطيها، الداخلية والخارجية، ويمكن التمييز بين ثلاث صور تجلى فيها الراوي بوضوح، واتضحت من خلالها أنماط رؤيته، وذلك على النحو التالي :
1ـ صورة الطفولة (من بداية الأحداث إلى مقتل الشخصية عبدالله)، والراوي هنا لا يستطيع إلاّ أن يكون شاهداً محدود العلم في إطار رؤية داخلية، وكانت حادثة مقتل الشخصية (عبدالله)، بمثابة تغيير مفاجئ ونقله نوعية في حياة الراوي (عمر)، إذ انتقل بموجبها من مرحلة الطفولة، إلى مرحلة الشباب (الرجولة)، وخاصة بعد أن قتل عدوهم اللدود(عبدالقوي).
2ـ صورة الشباب (الرجولة)، وتبدأ من بعد قتل الشخصية (عبدالقوي) على يد الراوي(عمر)، وهنا نراه يتكلم أو يسرد مستخدماً ضمير المتكلم المشارك (نا)، وبذلك يتحول إلى راوٍ مشارك، تتساوى معرفته بمعرفة الشخصيات، بمعنى أنه أصبح شخصية مستقلة، لها رأيها الخاص وموقفها المحدد – على الأقل في المستوى الداخلي – لذا فهي شخصية فاعلة ومنفعلة، مؤثرة ومتأثرة، وهذا المستوى يتيح للراوي آفاقاً استقلالية ورؤية واسعة، تتمخض عنها الصورة الأخيرة.
3ـ صورة الرجولة الحقيقية وتفي الاستلاب والتبعية، والانفتاح على عالم أوسع من عالم القبيلة، بدأت هذه الصورة تدريجياً من بداية دراسته الجامعية، واتضحت بصورة أكبر عندما أصبح أستاذا جامعياً، وهنا تحول إلى راوٍ عليم بكل شيء، يخوض في تفاصيل وجزئيات العالم من حوله بكل ثقة واقتدار، محللاً ومفسراً وشارحاً من منظور رؤية خارجية، وبذلك أصبح العالم عنده أكثر اتساعا، بعد أن كان محصوراً في العائلة والقبيلة، وما يجري فيهما، وهذا لا يعني غياب الرؤية الداخلية وصورتي الراوي فيها، إذ تظهر بين حين وآخر، وخاصة عند الاسترجاع أو التعرض لمواقف مشابهة لتلك السابقة.
إن تصوير الراوي في تلك الصور المتدرجة، تبعاً للتدرج العمري والتطور الفكري، يجعل الرواية أكثر موضوعية وارتباطاً بواقعها، في سياقاته الزمنية والفكرية والتصورية، وبذلك تصبح رواية (حرب الخشب) وسيلة لنقل الأفكار والعِبَر وإقناع القارئ برؤية واحدة، من خلال إسقاط الأفكار الجاهزة والحرص على التوثيق وتسجيل الأحداث، ويبدو الاهتمام بها أكبر بكثير من غيرها من عناصر السرد الأخرى، حتى يتحول مسار السرد من سرد فني روائي إلى سرد تاريخي، وذلك ما نجده في القسم أو الفصل السادس المعنون بـ «الوقائع الشهيرة في حرب سالم وقحطان».
إن النظر في مستويات الرؤية – كما مر بنا – ومراحل تطورها وانتقالاتها، تجعلنا نقف إزاء صورة واضحة تبين طريقة أو أسلوب الروائي (المؤلفة)، وكيفية تعامله مع بقية عناصر السرد في الرواية؛ كالزمن والحدث والمكان والشخصيات واللغة وغيرها، ممثلة في شخصية الراوي، الذي لا يعدو كونه – حسب بارت – شخصية ورقية، كما هو الحال بالنسبة للشخصيات الأخرى في العمل الروائي – التي لا تمت إلى الواقع بصلة – ولا يمكن إسقاطها إسقاطاً حرفياً على الواقع، بمعنى أنها شخصية أو شخصيات وهمية افتراضية، يخلقها الروائي لتلعب دوراً ما في مجريات أحداث روايته.
تجارب وشهادات
• أحمد زين
رهان الرواية
لعله يصعب الكلام حول تجربة لم تكتمل، ولا تزال تبحث عن اكتمالها، الذي سيبقى ناقصا، بيد أن في هذا النقصان ما يحفز على المضي، والكتابة تلو الكتابة. لعل واحدا من مشاغلي الروائية الانشغال بالتاريخ اليومي، ليمن ما بعد الوحدة، تلك الوحدة التي تحققت في الورق، وظلت الطريق إلى الواقع. في رواياتي الثلاث «تصحيح وضع» و«قهوة أمريكية» و«حرب تحت الجلد» لي رهاني الجمالي والفني. إذ أفيد من التحقيق الصحفي، والسيناريو وكذلك تقنية الرواية داخل الرواية. أي محاولة في أن يتحقق الموضوع في أشكال عدة. وكل ذلك جزء من استراتيجية نصية، أحاول التعبير من خلالها، وتمثل طريقتي في رؤية الواقع والعالم وكيف أتعاطى معهما.
كيف أكتب روايتي؟ سؤال أساسي يشغلني باستمرار، قبل بدأ العمل وخلال الكتابة وعقب الانتهاء منه. وكان أمرا مهم جدا بالنسبة لي أن تلفت مشاغلي الفنية نقاد كبار في الوطن العربي واليمن. من ناحية أخرى الرواية في اليمن في حاجة ماسة إلى مقترحات سردية جديدة، نظرا إلى أن غالبية ما أنجز من روايات، منذ الأربعينيات الميلادية وإلى الآن، لا يزال بعيد عن تمثل عناصر الرواية الحديثة أو الحداثية. كما تحتاج الرواية لدينا إلى صيغ فنية مختلفة، تنطلق من آخر ما تحقق للرواية في الوطن العربي، وتأخذ في الاعتبار التطورات والطفرات التي عاشتها وتعيشها الرواية في العالم.
أحب الرواية التي تعالج موضوعها من خلال بنية مركبة وذات مستويات وطبقات، انطلاقاً من موقف جمالي، وأكره أن تتحول إلى عمل منفلت بلا معايير تضبط سيولة السرد وتحكم تشعب الأحداث، وتؤشر إلى غياب الرؤية. تبدو الرواية لدى وهي تسلك هذا الطريق، كأنما تتأمل مجتمع أحادي وراكد، من منظور متعدد المستويات. وهي تنطوي على محاولة الكتابة في أن تتقدم على شروطها الاجتماعية، ولا تبقى أسيرة لمجتمع طالما أخفق في توليد شروط الكتابة الروائية.
حاولت في «حرب تحت الجلد» آخر رواياتي، ضمن ما حاولته من أمور، التشكيك وإثارة الأسئلة حول حرية التعبير، التي تصر المؤسسة الرسمية، أنها من نتائج الوحدة «المباركة». إذ بمعاينة بسيطة لهذه الحرية، سنجد أنها مجرد خطاب واحد إنما بتلويناته عدة، وكلها تصب في مصلحة المؤسسة الرسمية، التي شجعت ودفعت الصحفيين للتعبير عن آرائهم عبر الشتم والسب، خالقة ما يشبه الفوضى. إن كثيرا من ممتهني الصحافة في اليمن ينجرفون إلى ممارسة ما يحاربونه علناً، يفضحون ظواهر اجتماعية وسياسية سلبية، وفي المقابل يقبضون ثمن تمويل صحفهم من شخصيات فاسدة. أو تجد أن الصحفي يغير من انتمائه ويبدل ولاءاته باستمرار. كان على قيس، الشخصية الرئيسية في «حرب تحت الجلد» أن يكون صحفياً لنقف على الصعوبة في التحرر من استحواذ المؤسسة الرسمية ونمط تفكيرها، وكيف تغذي في أفرادها وتنمي طريقة معينة في النظر إلى الأمور والسبيل إلى التعاطي معها.
لعل المسافة التي أتاحتها لي إقامتي خارج اليمن، مكنتني من رؤية الواقع من زوايا مختلفة، وبعين أخرى، ما جعلني أتوغل في تفاصيل النسيج الاجتماعي، وأبصر غير المرئي في المرئي من وجوه المجتمع وملامحه، وفي علاقات الناس في ما بينها. كل هذه الأمور كانت تقترح علي مقاربة فنية جديدة.
لا تزال الرواية اليمنية في بداياتها الفعلية، على رغم أن أول رواية يؤرخ لها بعام 1939. فالروائيون الذين أصدروا روايات في الستينات والسبعينيات وربما الثمانينيات كفوا عن الكتابة، لم يعد أحد من أولئك، أقصد الأحياء منهم، يكتب الرواية. فقط مجموعة قليلة من الأسماء تنتمي إلى جيلي الثمانينيات والتسعينيات، هي من تحاول الكتابة اليوم. هذا يعني أن هناك تحولات حدثت، وهناك أيضا كثيراً من المواضيع المهمة والحساسة، تفرض نفسها أكثر من سواها، وفي حاجة إلى تناولها روائياً.
لذلك أرى أن الذهاب إلى هموم خاصة جداً أو ذاتية، في المعنى الضيق للذاتية، بعيداً من القضايا المفصلية التي يعانيها المجتمع في لحظته الراهنة، وتمس عصب الحياة وتربك أحوال الناس سيبدو، ليس صعباً فحسب، إنما أيضاً نوع من الترف، في حال حصل. لكن من جانب آخر، لعل في مقاربة «العام» فرصة لكشف ما تعيشه الذات من هواجس داخلية وشكوك ومخاوف في مقابل هيمنة رجال القبيلة والمؤسسة الرسمية في كل ما تعنيه من سلطة ونمطية في التفكير، تدفعها إلى ابتكار واقع مزيّف وإحلاله بديلاً عن الواقع الحقيقي. الأمر الذي في غاية الأهمية بالنسبة إليّ كيف تجري مقاربة هذه الهموم؟ أي انطلاقاً من رؤية روائية تحتكم إلى شروط جمالية واستراتيجية فنية. أي لئن هيمن العام على كل شيء، فإنه في مقدور الروائي أن يقترح «خاصة»، عبر رؤية جديدة، تعبّر عن نفسها من خلال التقنيات وزاويا النظر إلى الأحداث وتشابكاتها.
• علي المقري
التجريب كبناء في النص
لم يبتعد هاجس التجريب لدي عن منحى الكتابة بكل تمفصلاتها السردية، ابتداء من استخدام المفردة إلى تركيب العبارة ونسق الفقرة، ولم يخرج هذا الهاجس عن تخوفات شتى، لا سيما أثناء استعراض القراءات النقدية التي لا تستطيع أن تقوم بعمل متفحص للنص، على كل المستويات، ووصولا إلى مشتغل الترجمة وناشرها الذي لا يحبّذ مغامرة فنية تتجاوز المستقر والمألوف.
أستذكر هنا رأيا لروجر ألن أحد أبرز مترجمي الأدب العربي إلى الإنجليزية، يـتأسف فيه على أن قراء النصوص العربية «المنشورة في اللغة الإنجليزية يفضلون كثيراً قراءة النصوص المترجمة التي تؤكد توقعاتهم فيما يخص القيم الثقافية والبيئية». وفي المنطق نفسه «لا يريد هؤلاء القراء أن يقرأوا نصوصا تعرض لهم أمثلة لاختلافات عنيفة عن قيمه الثقافية وتتحدى وسائله العادية في قراءة النص السردي الخيالي. فأحب القراء للغة الإنجليزية (ثلاثية) محفوظ مثلا لأنها لم تتطلب منه مواجهة غير المعلوم وغير القابل للفهم في مجال التسلسل التاريخي للسرد وتصوير الشخصيات الخ».
مع هذا القول لآلن، لا يبدو لي أن قراءة بمعايير مسبقة يمكن أن تنفذ للنص، فإذا كان المحرر الأدبي في دور النشر [الناقد، أيضاً] يقوم، عادة، بمهام مراجعة النص وفق قوانين ومقتضيات فنية، فإنه سيبدو له، كما أظن، أنّ رواياتي لا تلبي، شروط السردية التقليدية أو الحديثة [المكرّسة]، المتعارف عليها، في كتابة الرواية. أمّا إذا قرأ النصوص من منطلق أن لها خصوصيتها الثقافية والسردية، وإيقاعها اللغوي، فإنّه سيمضي إلى التبيّن والكشف بدلاً من التصنيف والحكم.
في «طعم أسود رائحة سوداء» لم أهتم بشكل الكتاب وتوصيفه، حين بدأت أكتب سطوره الأولى. أردته كعالم الأخدام، يتناسل من سرديات شتى، تاريخية واجتماعية وواقعية ومتخيّلة، ليكوّن إيقاعه الخاص. لم أسمح بمرجعيات النظم السردية التعليمية أن تتدخل في تحديد مسار الكتابة، فإذ أردت أن يقترب الكتاب من هذا العالم المتمرد فإنني لم أعبأ بتفاصيل مشهدية يظنّها النقّاد ضرورية، وأعتبرها زائدة. حاولت أن أكون أقرب إلى عالم الأخدام معاينة ومعايشة، فرأيت أن الشخصيات المسرودة لا يمكن لها أن تتطور أو تنمو في أحداث متتالية، وإلاّ لكانت بعيدة عن هذا العالم الذي يعيش فيه الأخدام كـ (محوّيين) مؤقتين، وليسوا سكّاناً مستقرين. ولهذا تبدو الشخصيّات المسرودة عابرة، تظهر فجأة حيناً، وتختفي وتغيب فجأة، أيضاً، في أحايين كثيرة، بل إن المحتوى نفسه في عششه وتاريخيته الهامشية يواجه في النهاية سؤال الاختفاء المفاجئ، بل والانقراض، حيث مضت الجرّافات تزحف نحوه، مخلّفة لا شيء.
هكذا، اكتشفت وأنا أمضي مع التدفق السردي غير المحدود، في جمل وصفية خاطفة وتقريرية تستدعي التوثيق والتاريخ، دون أن تؤكدهما، أنني أتكئ على مرجعتين في السرد يشكلان أبرز قراءتي: طريقة أو أسلوب كتابة الحوليّات في التاريخ العربي، بحيث يبدأ الحديث عن الشخوص وحياتهم انطلاقاً من خبر وفاتهم في السنة المؤطِّرة للأحداث وأخبار الوفيّات، وهو ما يمكن ملاحظته في تحديد السنوات المسرودة (1975-1982) مع عدم تراتبية الزمن الممل، إذ يصبح في مساره الظاهر هكذا:
(1981-1975-1976-1977-1978-1979-1980-1982) مع تداخل أزمنة أخرى، في الزمان المحدد، بعضها قديمة، وبعضها معاشة . أمّا المرجعية الثانية، التي أظن أنني قد استفدت منها كثيراً، فهي أسلوب السرد الحديث بما يتيحه من لعب في بناء الفقرة وتركيب الجملة، بل وفي منطوق المفردة اللغوية وموقعها وشكل كتابتها. إلى جانب المشهدية الرابطة لسياق الأحداث والشخوص في حركة مفتوحة غير مقيّدة في إطار نصّي مغلق، حيث يصير من الممكن استدعاء التاريخي والتوثيقي السياسي وإدراجهما داخل النص المتخيّل، لا للتوكيد على مصداقيتهما، وإنّما لتفكيك مرجعيتهما. فبدا الأشخاص متشابهين حيناً، ومختلفين حينا آخر؛ بل تتعدد ذواتهم نفسها، حتى يصير من الصعب القول بمحمول أيديولوجي ما. فزمن السرد المستذكر في صفحات قليلة منه لزمن الحراك السياسي الذي حاول الالتفات إلى الأخدام يعطي لعباراتهم شبه الفكرية مبرراً في السرد، لكنها عبارات تبقى متمرّدة وغير محددة أيديولوجيا، فالأيديولوجية ترد كمتناول سردي، وليس منطلقاً وغاية، إذ أن أي هدف أيديولوجي لبناء سردي لن يتوافق مع عالم الأخدام اللايقيني غير المحدود ثقافة وحياة.
في هذا المنحى من الحساسية، كان التعامل مع مختلف مقتضيات السرد الأخرى.
وقد تساءلت، وأنا أتلقى عروض ترجمة رواية «اليهودي كيف سيبدو حال (و)، أوّل حرف في النص بعد أن يُنقل أو يُترجم إلى لغات مختلفة؟
«ودخلت سنة….» ، يبدأ النص هكذا في بنائية تستذكر إشارات شتى [أتحدّث هنا كقارئ]، من خلال سارد (سالم/ اليهودي الحالي)، له خلفيات زمنية ومكانية في أجواء ثقافية معيّنة (يهودية/ إسلامية-عبرية/ عربية)، إلى جانب خلفيات أخرى مفتوحة وغير مقيّدة، تشكّلت مع النص، من هواجس الكتابة. التي وإن مضت في اكتشاف مزايا سردية عربية/ عبرية في المرجعيات الثقافية القديمة المشتركة، فإنها حاولت، في مستوى من النص، أن تمضي إلى تشكيل نصّ، غير مقيّد أو ملزم لمحددات تقاليد اللغة القديمة في بلاغيتها التعبيرية وبنائيتها الدلالية، الظاهرة في صياغة المفردة، كأن يستغنى عن (و) الفضفاضة المستخدمة بكثرة، في الكتابة العربية: الأدب والصحافة.
يتضح هنا أنني أتحدّث عن (واوين): (و) لها خلفيتها السردية [لست هنا في مجال لأتحدث عن مكانة (و) في الثقافة اليهودية، التي هي جزء من مكونات السارد، أو عن جمالية بنائيتها في سرديات كتب الحوليات العربية القديمة] وتتشكل في النص ضمن سياقات جمالية، و(و) محذوفة، بتقصد يحاول تجاوز التشكل الكتابي الفضفاض في صياغة الجملة العربية، إلى مقاربة لا تبدو فيها الـ (و) إلاّ … إذا تطلب موقعها الصوتي من السارد أو القائل في النص.
في هذا المستوى، من البنائية، يمكن لقراءة أن تتفحص النص وتتنبه إلى تعامله بحذر وقلق مع كلمات وحروف: قال، أضاف، الذي، التي، لكن، لن، لم، إن، أن، ذلك، آل التعريف، إلخ.. فلا يوجد حشو أو توضيح، وأحياناً يتطلب البناء السردي من القارئ أن يقوم هو بترتيب البناء، أو اكتشاف الغواية. الأمر نفسه في جوانب الترقيم، وبناء الفقرة. [في ص 102مثلاً] ستجد فقرتين، الأولى مقتضبة بعبارات متقطعة وقصيرة، والثانية تبدو طويلة، في سياق متصل، يتلاءم ما سياق البناء ككل. هذا البناء صار محفّزا على الابتعاد عن سرد التفاصيل المعتادة والمضي عبر آلية سرد مقتضبة كحال شخصية رواية «حرمة» وهي تتذكّر حياتها المعاشة في أزمنة غير مرتبّة وتبعاً لإيقاع الأغنية التي تسمعها.
• حبيب عبدالرب سروري
تجربتي الكتابية
المراحل الهامة لتجربتي الأدبية:
1) مرحلة الطفولة حتى سن الرابعة عشر، عام 1970 (أوَّد أن أسميها: مرحلة الشغف الجذري!):
المسرح العام لهذه السنوات: عدن عاصمة جنوب اليمن آنذاك. مدينة كوسموبوليتية جذّابة. مركز إشعاع مدنيّ في المنطقة. مستعمرة إنجليزية. ثورة مسلحة. استقلال، تلتهُ حربان أهليتان. وصول «اليسار الاشتراكي العلمي» للسلطة في 1969…
ثمة إنسان (بكل إشراقاته و«قتامته») ملأ حياتي الثقافية خلال هذه المرحلة: أبي!
وبفضل والدي تجذَّرَتْ علاقتي باللغة العربية وبالأدب العربي بشكل مبكّر، تحوَّلَتْ إلى ميسمٍ في الأحشاء…
2) مرحلة السبعينات اليمنية، من سن الرابعة عشرة، عام 1970، حتى السفر للدراسة في فرنسا عام 1976 (مرحلة التمرّد الهادئ والكامل على ثقافة الطفولة):
الظروف العامة: سنوات غريبة، مثيرة، عاصفة: «مدّ ثوري» في بلد متخلفٍ يوجّهه في الغالب ريفيّون ذووا ثقافة قبلية، كثيرٌ منهم أنصاف أميين… الجو الثقافي مملوء بشعارات وممارسات لا عهد لأحد بها:
العبارة-المفتاح التي كانت تحدِّد مسار الحياة في جنوب اليمن: «الاشتراكية العلمية» (صيغة «سوفت» مختارة بعناية كبديل للعبارات الصادمة: الماركسية اللينينة، الشيوعية…)
لتلك العبارة تبعات واختيارات سياسية وثقافية حاسمة منها: تسمية المرحلة السياسية ب«مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية» واعتبارها جسراً نحو الاشتراكية، يقودها حزب ثوري، حزب العمال والفلاحيّن، يرسي «ثقافة جديدة» (عبارةٌ كثيفةٌ هي الأخرى، تحمل نتائج وتبعات كثيرة…)
لن أدخل في جدل حول تجربة «المد الثوري اليمني» بكل إيجابياتها وسلبياتها. هي في كلِّ الأحوال هامة جداً لأنها جعلتني أعيش جدلاً داخليّاً في سنوات الدراسة الثانوية: أفكار جديدة تتصارع مع ثوابت أفكار الطفولة (المأساة تكمن عندما لا يعيش الإنسان في واقعٍ ثقافيٍّ تعدُّدي، ولا تصلهُ إلا رؤية أحادية للكون والحياة. يتحجّر الدماغ حينها، يتقوقع في قضبان الثقافة المكتسبة، ثقافة «القبيلةِ» الأحاديّةِ الجانب، بالضرورة…)
على الصعيد الثقافي والأدبي خاصّةً تركَتْ هذه السنوات آثاراً رئيسة في تكويني.
كخلاصة، أحتفظ لجديد هذه المرحلة (لغويّاً وثقافيّاً وفكريّاً) بامتنان خالص.
كتاباتي في هذه المرحلة:
نشرتُ أوّل قصيدة في مجلة «الحكمة» اليمنية وأنا في الرابعة عشرة من العمر… لجأتُ، مثل موضة تلك الأيام، إلى التشبّث بالرمز والانجراف نحو نوعٍ من الغموض. ثمّ مللتُ القصائدَ صعبةَ الفهم قرب السابعة عشرة، لأن الجميع صار يكتب شعراً غير مفهوم. يلجأ لذلك من هبّ ودب، ولم تعد هناك إمكانية لتمييز قصائد هذا عن ذاك…
بعد ذلك حاولتُ كتابةَ شعرٍ لا يلهثُ وراء صناعة الصيغ اللغوية المعقّدة والرمز المكثّف وغموض المعنى. وجدتُ صعوبةً في كتابة نصٍّ بهذه المواصفة! قَلَّتْ بشكلٍ مخيف عدد القصائد التي صرتُ قادراً على كتابتها! أتذكَّرُ منها قصيدة في الثامنة عشرة بعنوان: «لأمي وهي تمحو أميتها» من وحي تجربتي في تعليم أمّي القراءة والكتابة في المنزل في خضمِّ حملة محو الأميّة في منتصف سبعينات جنوب اليمن.
3) مرحلة فرنسا، منذ 1976 حتى 1992 (مرحلة الدهشة والولادة الجديدة).
عندما تصل من الشيخ عثمان إلى فرنسا، لأوّل مرة في عام 1976، تصابُ بصدمةٍ حضارية. التاكسي يعبر معالم باريس صوب «محطة قطارات ليون» باتجاه فيشي. مدينة أرستقراطية هادئة. تدرس اللغة الفرنسية في معهد لغة راق: الكافيلام. ضمن برامج دراسته زيارات ترفيهية وثقافية أسبوعية لذيذة لمدنٍ ومعالم باهرةٍ شيِّقة. يتجدد طلابه الآتون من كل أنحاء العالم يوميا. تعيش صداقات غنيّة ممتعة متجدِّدة. تعتقد أنك في حلم!…
تكتشف لغةً وثقافةً جديدة. تندهش: الصحف (بما فيها اللومانيتيه) تستخدم لغة حرّة بدون صيغ سياسية خشبية أو دينية عتيقة… الجو مترع بالحرية الفردية.
تتساءل: في أي كوكبٍ أعيش؟…
بعض تجارب الحياة اليومية تعبرك كتيّار كهربائي، تُغيِّر نظرتك للحياة. الاندهاش والصدمات لا تتوقف. ليست أقلّها الصدمة الدراسية: أنت تعشقُ الرياضيات لكنك لم تدرس (مثل الطلبة المغاربة) الرياضيات الحديثة في منهجك الدراسي اليمني الذي عفى عليه الزمن. عليك أن تتعلّم أشياء كثيرة إذن لتواكب هذا العالم الجديد…
تدرس، تناقش، تتفاعل مع الجميع… ثمّ تبدأ من التمكن من اللغة الفرنسية. تدغدغك حينها الرغبة في القراءة الأدبية.
تبحث عن القصة القصيرة. لا تجدها! صنفٌ أدبيٌّ شبه غير معروف… تستغرب كثيراً!… تسائلُ أصدقاءك: «لماذا لا يقرأ الناس هنا الشعر أو القصة القصيرة؟»…
باختصار شديد، الرواية عالمٌ كليٌّ لانهائي التجدّد، تلتقي فيه كلّ الأمزجة، كلّ التيارات القديمة والحديثة، دون قوانين أو ترسيمات وحدود…
تلاحظ أن الجنس الروائي الأنبل والأكثر أهمية هو دون شك: «جنس التخيّل»! هو الأصعب بالضرورة، لاسيما لِشخصٍ صنَعَتْهُ ثقافةُ طفولتك التي تفضّل المحاكاة والتقليد على الاختراع والحرية… يبدو لك بعد تفكيرٍ طويل أن مشروع كتابة روايةٍ تَخترعُ من الجذر تجاربَ إنسانية وعوالم تخيلية جديدة تُشبِهُ تجاربَ بشرِ الواقع وعوالمه، مغامرةٌ فكريّة رهيبة، عملٌ إبداعيٌّ شديدُ الصعوبة والإعجاز…
يتأكد لك مع تقدُّم قراءاتك أن الرواية الحديثة معملٌ كونيٌّ للخيال قبل كل شيء، فضاءٌ لِتفجُّرِ الذات، لإعادة خلق وصياغة التجربة الإنسانية.
السنوات العشر، من 1983 حتى 1992، تُشكِّلُ أهمَّ سنوات حياتك العلمية وأكثرها كثافةً وتنوّعاً ودهشة. بدأتَ فيها بدراسة الماجستير في جامعة باريس 6، بعد بحثٍ دقيقٍ لما ينسجم مع رغباتك العلمية. ثمّ الدكتوراه في 1987 وأطروحة التأهيل لِقيادة الأبحاث في 1992 التي تسمحُ بالتحوُّلِ إلى بروفيسورٍ جامعيّ. سنوات كثيفة جدّاً عشتَ فيها اللحظات التكوينية لثورة الكمبيوتر وأنترنت، تمتّعتَ خلالها بظروف رغدة وإمكانيات كبيرة وهبها لأبحاثكَ مختبرُ علوم الكمبيوتر النظرية والتطبيقية (في جامعة باريس 6 و 7، الذي يضمُّ فريق جامعة روان)، أكبر وأهم مختبرات أبحاث فرنسا في علوم الكمبيوتر.
4) فرنسا، منذ 1992:
قضَّيتَ يومَي تلك العطلة خاملاً مُمدّداً على الفراش، كأنك لم تنم منذ 35 عاماً وبضعة أشهر! سؤالٌ وحيدٌ كان يملأ دماغك: «ماذا أريدُ عملهُ الآن؟»… علميّاً: لا جديدَ، غير مواصلة مشاريع الأبحاث وقيادة أطروحات الدكتوراه في المختبر واستمرار التدريس الجامعيّ. أدبياً: كل شيء تقريباً! ثمّة مواضيع سجينة ترنو لِلتحرّر من قمقمها والرقص على الورق… لا حلَّ إذن إلا الحياة المزدوجة، التسكُّع في بُعدين مُتعامِدين، إنشطار الكينونة: ممارسة شغفَين، زمنٌ لهذا وزمنٌ لذاك…
بدأتَ بعد شهرين من ذلك اليومِ الموعود وتساؤلاته الوجوديّة الانشطاريّة، بكتابة أوّل رواياتك: «الملكة المغدورة» بالفرنسية التي كانت لغة قراءتك الوحيدة خلال سنوات… ما إن أكملتها وقرأتَ ترجمتَها بالعربية الذي كتبها الأستاذ الروائي البديع المبدع علي محمد زيد حتى استيقظ شغفُ القراءة والكتابة بالعربية، لغة ثقافتك الأولى، بجانب الفرنسية، وعادت مئات الكلمات العربية المنسيَّةِ دفعةً واحدة… كتبتَ بعدها بالعربية: ديوان «شيءٌ ما يشبه الحبّ»، المجموعة القصصية: «همسات حرّى من مملكة الموتى». شعرتَ بعد ذلك بإمكانية الدخول في مغامرة كتابةِ روايةِ بالعربيةِ التي عادت الآن كلماتها الضائعة. كتبتَ ثلاثيتك الروائية الأولى بالعربية: «دملان». تلاها كتابٌ يضمُّ مجموعة مقالات حديثة، بعنوان «عن اليمن، ما ظهرَ منها وما بطَن»، ثمّ رواية «طائر الخراب»، وأخيراً الجزء الأول من رواية «عرَق الآلهة»…
لم تتوقَّف طوال هذه السنوات من الانصهار بهموم الحياة في اليمن، من التواصل اليوميّ مع أهلها، من الشوق والسفر إليها وإلى كثير من الدول العربية…
ثقافتُك العربية الأولى تسكنكَ حيث ما كنت. تشدُّكَ للتأثُّر بها والتأثير في سيرورتها التي أمستْ تراوحُ في دوَّامةٍ من الجمود وإعادة صنعِ التخلف والعجز عن مواكبة العصر…
• وجدي الأهدل
قررت ان أبيع نفسي للأدب..
في سنوات المراهقة، أحببت فتاة في مثل عمري. وهذا الحب العذري، بدل حياتي تبديلا، وأثر على شخصيتي، فتحولت من ولد لاه ٍ عابث، إلى شاب جاد يفكر ويتأمل في مستقبله، ويخطط لتحقيق حياة مستقرة. وبالطبع كانت تلك الحبيبة، تشغل حجر الزاوية في جميع الأحلام الوردية التي رسمتها في مخيلتي.
كنت أمام خيارين :
الأول العمل في التجارة، والثاني إنفاق الوقت في كتابة الأدب.
لقد كان نداء الأدب يصعد من روحي قوياً واضحاً، لكنني مدرك أيضاً أن الأدب لا يجلب مالاً، ولا يحقق للمرء حياة رغيدة. تفكيري آنذاك كان منصباً على توفير المال، لأتمكن من الاقتران بنصفي الآخر، قبل أن يخطفها خُطّابٌ آخرون كانوا يحومون حولها. كنت أعرف أن بنتاً في مثل جمالها الطاغي لن تتخطاها العيون، وأنني لست وحدي المتيم المفتون. هكذا غلّبت صوت القلب على نداء الروح، فدخلت في مشاريع تجارية دون خبرة تذكر، ففتحت مكتبة لبيع الكتب والقرطاسية وخسرت، وفتحت بقالة أكلت روحي وألحقت بي خسارة فادحة، واتجهت إلى أعمال أخرى بقصد الكسب السريع، كبيع الساعات وقطع غيارها، ولكنها جميعاً انتهت بي إلى الفشل الذريع والإفلاس التام. أي عمل تجاري كنت أدخل فيه يصاب بالنحس، ويتسلط عليه الكساد، فلا أنجو من الديون والجرجرة إلى السجون إلا بالكاد. وعقب كل مغامرة تجارية فاشلة، كنت أجد نفسي أعود صاغراً ذليلاً إلى بلاط الأدب وخصوصا الرواية، وليس لدي ما يستر عورتي سوى الورقة والقلم. تسببت هذه الخسائر المالية المروعة في إصابتي باليأس من الفوز بالحبيبة ودفع مهرها، وشعرت بأنني كائن فائض عن حاجة الوجود، وفكرت جدياً في التخلص من عار البقاء حياً وأنا مثقل بكل هذا الكم من الهزائم.. في الليلة التي اتخذت فيها القرار بوعي كامل، فكرت أن أقوم بجولة أخيرة أودع فيها العالم. خرجت إلى الشارع بعد منتصف الليل، وكانت المدينة كلها نائمة، وعندما نظرت إلى السماء وتأملت النجوم، انفتح شيء في داخلي، فراغ يشبه البئر، أو مغارة سرية تغري بدخولها.. وهكذا توصلت إلى تسوية معقولة، فقررت بدلاً من مصافحة الموت، أن أبيع نفسي للأدب. منذ تلك الليلة الحاسمة في حياتي، أصبحت مديناً بحياتي لقوة غير مرئية اسمها «الأدب». وخاصة الرواية.. لقد أخذت عهداً على نفسي بترك العمل التجاري نهائياً، وأن أهب عمري كله للكتابة. أعتقد أن هذا كان أصعب قرار اتخذته في حياتي، لأنه كان يعني أيضاً التخلي عن الحبيبة، وتركها لمصيرها. بعد سنوات قليلة، تزوجت فتاة أحلامي، وصار لها بيت وذرية، وعلمت أنها تحيا حياة عائلية سعيدة. وأما أنا فكنت ما أزال أتخبط في بداياتي الأدبية، ولم أتمكن من نشر أية قصة. منذ البداية أدركت أن الإخلاص التام للأدب وتكريس حياة بأكملها لأجله، يعني الصبر على الفاقة، وتجرع مرارة الفقر. ولذلك اتخذت أسلوباً متقشفاً في الحياة، يساعدني في الحفاظ على استقلاليتي قدر الإمكان. إن أسوأ شيء يتعرض له الكاتب أينما كان، هو اضطراره تحت ضغط الحاجة إلى بيع روحه..
لقد جربت كتابة القصة القصيرة والنص المسرحي والسيناريو الأدبي، ولاحظت أن كتابة الرواية تساعدني على أن أقدم أفضل ما عندي. فن الرواية يسمح للكاتب بأن يسرد بصورة رأسية ويحفر عميقاً للبحث عن الجذور. الذين يكتبون الرواية بصورة مسطحة هم الذين يحسبون أن الفارق بين القصة القصيرة والرواية يكمن في عدد الصفحات: التمدد الأفقي على الورق!
اليوم وبعد مرور عشرين عاماً على قبولي عبوديتي المختارة للسيد المسمى «الأدب»، أرى أن قراري كان صائباً، كما أنني لست نادماً على تركي عالم التجارة المتوحش. رفاقي الذين اختاروا طريق التجارة، ربما حققوا مكاسب مالية، لكنهم يعيشون حياتهم في قلق، لأن المال ذو طبيعة فانية، من الممكن أن يتبخر في أية لحظة مشؤومة. لكن بالنسبة للأدب، فإن الوضع مختلف جداً، لأن رأسماله المعنوي ينمو بهدوء في خط صاعد، محققاً لصاحبه الستر والحظوة والخلود.
• نادية الكوكباني
كلمة رواية مرعبة ومخيفة!
يتكرر مرور ذات السؤال في حياتكِ! الإجابة عليه بينكِ وبينكِ لا تكفي. ما تحتاجينه هو تحويل الإجابة إلى واقعٍ يرضيكِ ويحقق التوازن الذي تنشدينه في حياتكِ بين التخصص العلمي والهواية الأدبية!… سألتِ نفسكِ في المرة الأولى بعد الانتهاء من دراسة الهندسة المعمارية: ماذا بعد؟ سترضيكِ الإجابة بضرورة العودة للكتابة، لشغفكِ الوحيد الذي تجدين فيه ذاتكِ. للبوح بمكنونات ذاتكِ وبتفاعلكِ مع من حولكِ. ستفعلين وستقررين نشر ما تكتبين بقوة العودة وبإصرار نحت اسمكِ في عالم القصة القصيرة. أسمكِ الذي فضلتيه في السابق مستعاراً، لا بد أن يجاهر بحقه في الظهور وبقوة هذه المرة. ستومض في طريقكِ مؤشرات تقول ان الاستمرار يحتاج إخلاصاً أكثر، فجائزة عربية «سعاد الصباح 2001» ومن ثمَّ جائزة محلية «رئيس الجمهورية 2002» تشجعان على التفاني للاستمرار وتحقيق نجاح أكثر وأكثر… ستحاصركِ بعد إثبات الذات لاءات كثيرة من حولك، ومحاذير مجتمعية قبلية دينية، تقيد روحكِ المنطلقة للأدب، وشغفك اللامتناهي للاستمرار. بعد معارك إثبات الذات، ستبدأ معارك تثبيت الذات في هذا الثالوث المخيف من حولكِ. ستجدين أن الحل لا يتطلب أكثر من إصرارٍ على الاستمرار، وتحمّل تبعات هذا الحل من ألم وحزن وشعور قاتل بالوحدة والظلم.
سيلح عليكِ السؤال بعد ثلاث مجموعات قصصية «زفرة ياسمين 2000» «دحرجات 2002» «تقشر غيم 2004»، ورغبة ملحة في الغوص في أعماق الذات وأعماق المجتمع. في نبش كل ما يحرك فيكِ ساكنٍ ويتماس أو يتقاطع مع كل من حولك، في استرسال البوح وفي مزج الواقع بالتخييل الذي حلمتِ به، ولتطلقي لروحك العنان للتحليق في كل اتجاه.
ماذا بعد القصة القصيرة؟ كلمة رواية كانت مرعبة ومخيفة، أرتجف لمرور كتابتها جسدكِ مراراً! كيف ستلجين هذا العالم المدهش؟ وكيف ستثبتين نفسكِ في زمن أصبح هو بالفعل زمن الرواية؟ تتجلى في أعماقك عبارة «أوسكار وايلد: كن نفسك! لتوقني أكثر بأنكِ عالمٍ مليءٍ وزاخرٍ بمحيطٍ بكر، وما يحتاجه هو رغبة حقيقية في الاكتشاف! وأن مواده الخام ثروة أدبية تبحث عن إدراك حقيقي لقيمتها. ماذا تكتبين؟ سؤال كان لابد لكِ من الإجابة عليه بصدق. ستبدئين بذاتكِ فلا يمكن لكِ أن تتخطيها. أنتِ بحاجة للتخلص من تراكمات طفولة نقية ومراهقة ملوعة بالاكتشاف، والحاجة أيضاً للتخلص من ممارسات ثقافية ومجتمعية نمطية، لم تترك لك واحديتها حرية الاختيار أو البحث عن التعدد الذي ستكتشفينه لاحقا في العالم وفي الذوات البشرية. ستبدئين الكتابة بخوف البداية وخجل الارتباك… سيظهر في حياتك من يشجعك تماما كما سيظهر من يثبّط من عزيمتك ويحقّر بدايتك… لا يهم ستكونين نفسك كما قال اوسكار وايلد. ستفعلين ما ترينه صحيحاً وما يقنع ذاتك. يوماً عن يوم ستوقنين بأنكِ تتفاعلين مع أعماقكِ ومع محيطك بقدر تفاعل الآخرين من حولك مع نصوصك… ستجدين ان التميز هو ما أنتِ عليه في الواقع أو في عالم التخييل الذي تنشديه لتثري تميزكِ ولتعتبري نفسكِ النموذج الأوحد الذي لن يتكرر.
ستمر التجربة الأولى في رواية «حب ليس إلا 2006». لم تكن سهلة ولم تكن صعبة. وجدتِ نفسكِ في نهايتها غير مدركة ماذا فعلتِ؟ من كتب من؟ أنتِ كتبت الرواية أم هي التي كتبتكِ؟ ستتلصصين على ذاتكِ كما فعل القُراء! ستُحاصرين بالأسئلة من كل جانب. سيكررون ما يتردد في أعماقك بطرق مختلفة: من كتب من؟ ستهربين وتقولين أنا من كتبت لكن ما كُتب لست أنا!!! ستجدين نفسك بين مطرقة المجتمع وسندان الذات الراغبة في الاستمرار والغير قادرة على المواجهة أو الإجابة على كل تلك التساؤلات أو حل كل تلك المشاكل. آآآآآه من تلك المشاكل!!!
ستمر التجربة الثانية رواية «عقيلات 2009» بردود فعل مختلفة، صادمة ومحيرة في بعضها، لكنها مرضية في جانبها الآخر وفي تفاعل المتلقين والمتذوقين للعمل… لكنك بها ستتحررين من شعور ان ينال العمل رضا واستحسان كل من قرأه وأيضا التحرر الأكبر من واجب الكتابة في موضوع سبب لك الماً غائراً لن يخبو مع الزمن.
وصول الروايتين للطبعة الثالثة يسبب لكِ النشوة ويحفزك على الاستمرار. وخلال تلك الفترة تلتقطين قصة هنا وقصة هناك. تتفاعلين مع ما يدور حولك فتكتبين مسودة لقصة أو فكرة تستحق الانجاز. تكتشفي ان حب القصة وكتابتها لم يخبُ في داخلك رغم متعة كتابة الرواية لتكون المجموعة القصصية الرابعة «عادة ليست سرية 2012» عملا مغايراً ومتقدما على مستوى اللغة والموضوع وهذا ما سمعتيه من الآخرين وما انتابهم من شعور اثناء القراءة اما انت فهي الممارسة والتراكم الذي احدث تلك النقلة التي يقولون عنها او اللغة التي ابهرتهم او المواضيع التي تم تناولها بطريقة مختلفة.
لتأتي التجربة الروائية الثالثة («صنعائي» تحت الطبع 2013») لتشعري أنكِ تكتبين بوعي أكبر وبمزاج عالٍ في ان تكوني النموذج الأوحد لذاتك فقط ذاتك في الكتابة وفي الحياة.
• الغربي عمران
بناء العمل الروائي.
لم أكن أعلم بأني أمام عمل له روح مراوغة.. أو هكذا أحسست بأني أمام كائن له روح متمردة. تلك هي الرواية التي ما زالت بين يديَّ.
فبعد أن فرغت من رواية (ظلمة الله) أو كما عدلت أسمها بـ (ظلمة يائيل).. فكرت بكتابة عمل جديد.. عمل كانت فكرته قد طرأت عليَّ أثناء انشغالي بكتابة الظلمة، حين تبادر إلى ذهني سؤال ( من هم الذين قاموا بالثورة ضد الإمامة الزيدية في اليمن عام 1962؟) كنت قد قرأت سابقاً بعض الكتب التي تشير إلى مجموعة من الطلبة من عدة مدارس للجيش هم من خططوا ونفذوا الثورة، لكن طلبة مدارس الأيتام كانوا أساس تلك المجموعة.. أخذت أبحث في نظام تلك المدارس.. وركزت أكثر على مدرسة الأيتام حيث تتم تنشئة الطلبة في نظامها الداخلي.. وكذلك ذهبت للبحث في نظام الرهائن الذي كان يتبع الأئمة في اليمن.. كتب أشارت إلى دور أولئك الرهائن في الثورة الذين يأخذهم الإمام وهم صبيان من آبائهم مشايخ القبائل لضمان ولائهم.. حيث يستخدم صغار السن منهم كخدم في القصور.. ومن تجاوز سن البلوغ يرسل للسجون.
وما شغلني في الأمر هي طبيعة تكوين أولئك الثوار سواء في مدارس الأيتام أو في قصور الإمام وسيوف الإسلام أو في السجون.
قرأت عدة مذكرات لبعض أولئك الثوار.. وكتباً أخرى حول حياة القصور.. ونظام السجون.. لأكتشف بأن الجميع كانوا قد نشأوا في وسط متشابه.. حيث السكن الداخلي والسجن الداخلي.. لا يوجد سوى ذكور وفي القصور لهم حياة مترفة تسودها حياة الغلمان.. وهنا استنتجت أن معظمهم قد يتعرضون للاعتداء الجنسي.. سواء في القصور الملكية.. أو السجون.. أو في حياة السكن الداخلي لمدارس الأيتام ثم مدارس الجيش، التي كان بها سكن داخلي للطلبة.. وأجزم في كل الحالات أن أولئك الطلبة بمجرد أن يتحولوا إلى معلمين وموظفين يتحولوا من مفعول به إلى فاعل وقد يستمر بين بين.. بحثت حول معرفة الأئمة بما يدور خلف تلك الجدران.. وهل تلك كانت سياسة أم أنها جاءت بظروفها كون تلك الفئة من الطلبة والرهائن في أعمار صغيرة؟ إضافة إلى وجودهم مع أقران لهم في مكان هو الأقرب إلى نظام السجون.. لم أجد جواباً.
هذه مسألة شغلتني.. وظل سؤال يتردد بداخلي (ما طبيعة تكوين من قاموا بالثورة.. وما هي خلفيتهم التربوية؟) لتقودني مطالعاتي في عدة كتب إلى معرفة أكثر اتساعا بأوضاع المجتمع في ذلك الوقت.. من الناحية الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. ليترسخ في ذهني موضوع أشمل لكتابة عمل روائي جديد محوره الثورة اليمنية. وظروف المجتمع آنذاك وحياة القصور.. وطبيعة الثورة.. إضافة إلى أثر الصراع العربي العربي عليها وكذلك الصراع العالمي بين الكتلتين الرأس مالية والاشتراكية.
كنت سعيدا بتبلور ذلك الموضوع في ذهني.. وبعد أن فرغت من قراءاتي.. بدأت بوضع مخطط زمني للعمل الروائي.. كتبت تصورا للبداية ثم سير الأحداث.. طبيعة شخصيات العمل علاقاتهم.. ثقافاتهم.. المساحة الجغرافية للأحداث.. ثم بدأت بالصياغة الروائية.. كان في ذهني أن يصل العمل إلى الـ(400) صفحة.. ما يقارب عقد ما قبل الثورة وعقد بعد الثورة.
خلال عشرة أشهر من بدء الكتابة اليومية المستمرة أنجزت ما يقارب المائتين صفحة.. شعور بسلاسة وسهولة الصياغة رافقني.. لكني فجأة توقفت.. أخذت أبحث عن أسباب تلك السهولة.. وفي لحظة اكتشفت أن قلة شخصيات الرواية هي السبب.. وفكرت في اضيف شخصيات حيوية.. وكذلك تغيير بعض خصائص الشخصية الرئيسية كتيمة معينة.. مثله مثل أبطال رواياتي السابقات.. حيث ألصق بالشخصية خصيصة غريبة يتميز بها.. وكانت الرائحة.. نعم الرائحة التي تنبعث من جسده في لحظات الخوف والفرح هي الخصيصة.. استحسنت الفكرة لأعود من بداية العمل بالمراجعة.. وهناك لم أجد مناصاً من إعادة كتابة الرواية من أول سطر.. اذ أن أي تغيير في حدث أو خصائص الشخصية يقود إلى تغيير شامل في بناء مشروع العمل الروائي.
كنت قد بدأت أشك في أن لهذا العمل غموضه.. إذ أن أعادة الصياغة من جديد أخذت مني وقتا وجهدا مضاعفين عن الصياغة الأولى.. سهرت عدة أشهر حتى أنجزت مائة وثمانين صفحة.. الحقيقة كنت سعيدا وراضياً بما أنجزت.. فقد جاءت إعادة صياغة المشروع بعمل أكثر تماسكا كما تعددت فيه المعالجات.. إضافة إلى استخدامي لأساليب فنية فيها نوع من التشويق والإغواء.. وكنت قد حددت فترة زمنية لإنجاز بقية الرواية حتى نهايتها بستة أشهر لتدخل في مرحلة المراجعة والتنقيح عدة أشهر أخرى.. إذ أني أفضل بعد إنجاز أي عمل ان أستشير بعد أكثر من قارئ جيد قبل إرسالها للطبع.
لكن طارئاً جديداً حدث وفقدت هذه المرة ما تم كتابته بالكامل.. فحين كنت والصديق الروائي والمسرحي منير طلال نقوم بواجب العزاء لوزير الثقافة في صنعاء د. عبدالله عوبل بوفاة والده.. تركت حقيبتي في السيارة ودخلنا قاعة العزاء لنعود بعد نصف ساعة وقد تبخرت الحقيبة من داخل السيارة.. كان جهاز الحاسوب الـمحمول الذي أجمع فيه الرواية بداخل الحقيبة.. لم أحزن على فقدان رخصة السيارة أو بطاقتي الشخصية وبطائق عضوية لعدة منظمات.. ولا على صور كثيرة ومواضيع أخزنها بداخله.. كل ذلك لا يهم.. فقط ما جعل جسدي يتعرق بشكل غريب وكدت (أبرجل) إحساسي بفقد ما أنجزته للمرة الثانية من مشروع الرواية.. جلست أستجمع قواي.. أفكر وأتمنى أن يكون اللص ذكيا ويتواصل معي ليفاوضني على قيمة نسخة الكترونية من مشروع الرواية لدفعت له ما أستطيع دفعه.. على أن يأخذ بقية غنيمته.. فقط يسحب لي المادة في فلاش وأدفع ثمن تكرّمه بذلك.. ظل الأمل يراودني.. نشرت الخبر على صفحتي (الفيسبوك) وعلى بعض الصحف علّه يقرأ ذلك.. لكني اكتشفت أن اللصوص دوما أغبياء.. ابتعت حاسوبا آخر واحتطت بشراء فلاشين أحدهم بسعة كبيرة حتى أخزن فيه ما أكتب أولا بأول..
جلست إلى نفسي وأنا أرى أن أمامي أكثر من سنة سأقضيها في إعادة جمع مادة الرواية.. كدت أتمزق غيظاً.. ما كان يضر اللص لو قام بسحب المادة وتواصل معي برقم هاتفي المسجل على أجندة كانت بداخل الحقيبة المسروقة.. أو أن يبعث برسالة على صفحتي بـ (الفيسبوك) أو يبعث برسالة على عنواني.. كل تلك المواقع والعناوين مفتوحة في جهازي المسروق.. يخبرني بأنه وضع المادة على عنوان (…) أو يبعث بها على إيميلي.. ما ضره لو أنه تخلص من غبائه وأسدى للصوص تغيير مكرمة وصفهم بالأغبياء؟
بالفعل ما كان أقساها من لحظات وأنا أجلس أمام الجهاز الجديد كطالب ألزمه المدرس أن يكرر كتابة الكلمات عدة مرات.. عدت من نقطة الصفر. في البدء حمدت ذاكرتي حين أخذت أستعرض خط سير ما كنت قد أنجزته.. فوجدته محفوظاً.. دونت ذلك على الورق على شكل خط سير للأحداث.
بدأت الصياغة من أول كلمة.. كنت أعتقد أني سأدون الرواية كما صغتها آخر مرة.. أخذت أتذكر تلك الجمل التي كنت قد أنجزتها حتى يسهل علي الأمر.. حاولت أن أجد ما أنسخه مما تحفظه ذاكرتي.. لم أجد فصولا ولا صفحات أو فقرات.. لم أجد الجمل التي كنت قد صغتها ولا المفردات.. فقط هي خطوط عريضة للموضوع تحتفظ بها ذاكرتي.. شبيهة بتلك الخيوط المعلقة على فروع شجرة تحركها الريح.. خيوط باهتة.. ما أسوأ ما أنا فيه.. وعليه تركت ذاكرتي وما عشمتني به.. وأخذت أصيغ جملي معتمدا على نفسي.. جملة تلو الأخرى. عدت أبحث عن مفرداتي.. ولم يكن ما بداخل دماغي من الصياغة السابقة إلى صدى صوت يربكني فتارة أعتقد أن تلك الفقرة قد أنجزت في الصفحات السابقة من صياغتي الجديدة.. لأقلب بين السطور حتى أتأكد لأكتشف بأنها غير موجودة.. وتارة أعتقد أن تلك الفكرة لم تدون فأصوغها لأكتشف بأني أكرر تدوينها وأن ذاكرتي تخلط بين ما كان وما أنجزه الآن.
وكان علي أن أحاول طمس ما علق بذاكرتي.. أن أنسى الفقرات والجمل السابقة التي تتردد بداخلي.. وأن لا أتركها مخزنة حتى لا تهطل علي في غير مواقعها.. وكان ذلك الأمر عصياً.. تذكرت أبا نواس حين جاءه أحدهم طالبا منه أن يعلمه كيف يكون شاعراً.. فقال له اذهب فاحفظ ألف بيت ثم عد إلي.. وحين عاد.. قال له اذهب وأنس ما حفظت.. وبعدها ستكون شاعرا. لكنه لم يستطع طمس ما حفظ.
وبدوري حاولت مراراً أن أطمس ذاكرتي حتى لا يلتبس علي الأمر بالتكرار.. لكني فشلت فقد اكتشفت أن النسيان أصعب من الحفظ.. بل ومستحيل أن يحصل إلا بشكل نسبي وبدون إرادة. أو أن أترك كتابتها عدة سنوات.. عندها قد أنسى وقد….
تجسدت لي هذه الرواية كصخرة سيزيف.. وأنا ذلك الشقي الذي يحملها بين كفيه ليعيدها إلى قمة الجبل مرارا.
كنت متهيبا.. وكنت مصمما على إعادة كتابتها لو أستدعى الأمر أن أكرر سنوات عمري.. أسأل نفسي ماذا لو انتهيت منها في صياغتها الأولى؟ ألن أبدأ بصياغة فكرة جديدة ومغايرة؟ إذا علي أن أنجزها.
أخذت أكتب ما استطعت.. لأتقدم يوما بعد يوم وكأني أكتب رواية لأول مرة.. كنت فرحا.. حتى اكتشفت أني وصلت الصفحة الخمسين.. حينها شعرت بالسعادة كوني تجاوزت الصياغة السابقة، لكنه خوف يسكنني.. خوف أن أفقد بشكل أو بآخر ما تم صياغته للمرة الثالثة.. عقلي يتوقع أن تختفي تلك الصفحات في أي لحظة.. أن تحدث مشكلة وأفقد ما كتبت.. كنت قد وطّنت نفسي على إن أظل أعيد كتابتها كلما فقدتها أو طرأ طارئ.
انشغل بالتفكير في صياغة التفاصيل الصغيرة وعقلي يفكر هناك في البعيد.. في مسار الرواية بعد الصفحة المائة وما بعد المائة في أتساق الأحداث وترابطها. في العلاقة بين ما أصيغه من تفاصيل في الصفحات الأولى وما سأكتبه في الصفحات التالية من أحداث.
وهكذا هي الشخصيات المتعددة وأثرها على الأحداث وعلاقة كل شخصية بالشخصيات الأخرى.. كان عليّ أثناء كتابة كل كلمة وجملة وفقرة أن أفكر بكل شيء. في تفاصيل ما أنجزته وفيما تبقى علي من مراحل الراوية.. وعلاقاته ببعضها البعض.. ولذلك من الصعب إنجاز عمل مقبول إن لم يظل الكاتب على صلة قوية بشكل يومي.. يفكر ويكتب ويضع الملاحظات.. كناسج سجادة برسوم متداخلة.
تتباسط وتسهل علي الكتابة بعض الأوقات.. أسارع مغتنما لتلك السانحة منكبا على أزرار الجهاز أضغط واحدا بعد الأخر.. أنجز الجمل تلو الفقرات. لأكتشف بعد صفحات باني وصلت إلى زاوية دون منفذ.. كمن أغراه السير في شارع أو زقاق أسير وأسير حتى اكتشف نفسي في نفق مسدود ولا أملك إلا أن أعود أدراجي لأبحث عن منفذ أواصل السير منه.
تتكرر الشوارع المسدودة لأقف مفكرا ومتأملا تلك الصياغات التي أوصلتني إلى ذلك.. لأكتشف بأن الكتابة دون تفكير مسبق ودون تصور لما يلي كل حدث قبل كتابته تؤدي إلى تلك النتائج.. وأن التفكير في سير وتطور الأحداث وتنامي الشخصيات شيء مهم لكتابة عمل مترابط ومتماسك وشيق.
ان اعتماد الكاتب على الوصف والإكثار منه يجعل من العمل الروائي عملا مملا.. وأن الحوارات إذا ما جاءت مقتضبة ومركزة قد تنفّر القارئ. ولذلك حين اقتربت في الكتابة الثالثة من الصفحة المائة كنت قد ركنت إلى التفكير والتخيّل كثيراً.. أدون ما أتوصل إليه في مذكرة شخصية ولا أواصل الكتابة إلا بعد أن تكون عدة أحداث قد تخيلت العلاقة فيما بينها وتلك الشخصيات وأدوارها.. حتى لا أصل إلى طريق مسدود أضطر إلى إلغاء ما كتبته بحثا عن منفذ لما يلي.
أعاود قراءة ما كتبت.. أكتشف أن هناك خيطا أفلت مني.. لم تعد تلك المتاهات أو بالأصح الأحاجي الصغيرة التي أتوّه بها القارئ.. تنقص كتابتي الروح.. أعود لأفكر بابتكار لعبات محدودة أطعم بها الفصول وأجزاء الرواية.. هي أشياء تحسس القارئ بضرورة المشاركة في البحث عن مخارج وحلول.. والمشاركة في التفكير مع شخصية من شخصيات العمل فيما هو فيه.. أو قد يتخيل أشاء مستقبلية وقد يجد نقيضها.. متاهات وأحاجي تنشط قدرات القارئ.. وتدخل الكاتب مع قُراءة في لحظات استغماية لطيفة.
وهذا أنا أقترب من الصفحة المائة للمرة الثالثة.. وسأوصل بعد أن فقدت الأمل في ذكاء ذلك اللص الظريف الذي سرق حقيبتي وبداخلها جهاز اللاب تب وبداخله رواياتي التي جمعتها به للمرة الثانية. إضافة إلى دفتر مذكرتي وبطائقي ودفتر السيارة.. وأشياء لا يهم لدي ضياعها أخرى.. وكان الأمل قائما أن يتواصل معي بشكل وبآخر ليفاوضني على دفع مبلغ مقابل استعادة ما جمعته من روايتي بداخل الجهاز.. واستعادة البطاقات التي قد لا يستفيد منها أما الجهاز وبقية الأشياء فلن أطالبه بهن.
حين تجاوزت الصفحة المائة.. احتفيت بنفسي. وتركت الكتابة لسبعة أيام.. كنت قد وصلت في أحداث الرواية إلى مرحلة لم يعد بعدها إلى نسج الصلات الحاضر بالماضي.. ولذلك كان علي أن أحافظ على سمات بعض الشخصيات.. فالشخصية الرئيسية والذي استمرت دون اسم وإن استعرت لها صفات كالملثم.. ظل بسذاجة الريفي.. والدويدار حاولت أن يظل بتلك الطبيعة المراوغة.. ولذلك.. كنت أتوقف كثيرا لأعمل الخيال في البحث عن ألاعيب تخص الدويدار.. حتى يظل بتخابثه المعتاد وأساليبه الملتوية.. ولذلك اكتشفت أن علي قبل الإقدام بكتابة أي حدث أن أرسم خط السير للكتابة مرحليا.. وهكذا وجدت نفسي أتبع أسلوب جديد فحواه أن أفكر كثيرا وأرسم كثيرا أحاجي ذهنية. فتراني مشغولا دوما بما ستقدم عليه تلك الشخصية. وبصياغة الحوارات.. واختيار الأحداث ونسجها ذهنيا.. وأمسيت أعيش بشكل متواصل مع عالم لا يراه أحد غيري.. في الوقت الذي كنت أرى بأني لا أنجز ما هو مطلوب.. فقد يمر شهر دون أن أنجز عشر صفحات.. وقد أنجز عدة صفحات ثم أعيد النظر لألغي تلك الصفحات وأبدأ من جديد. لكن الصفحات المائة لا أعود أبدا لنقض أي شيء مما غزلت فيهن.. فقط هو هامش ما بعد المائة صفحة.
كان علي قبل أن أكتب أن أفكر متخيلا سير الأحداث وعلاقتها بما علي فعله بعد ذلك وأي حدث مناسب لأحداث مستقبليه.. العمل الفكري والتخييل كان أكثر شغلي.. لا يروق لي أن أكتب دون تخييل مسبق ورسم مسار وتطور الأحداث وتنامي الشخصيات. ولذلك كنت أتخيل ما سيحدث بعد عشرين صفحة وصلتها بما بعدها.
بعد تجاوزي المائة صفحة أخذت أكتب وأطمس لدرجة أني اكتشفت أني أطمس أكثر مما اكتب , ما بعث في القلق.. أريد أن أتقدم أن أنجز.. لا أريد أن أرى نفسي أعود القهقري. جلست أفكر.. فوجدت أن العودة إلى الوراء إنجاز.. وأن الهرولة في الكتابة هرجلة.. وأن الرواية هي أن تكتب لتتوقف وترى صلة ما كتبت بما قبله.. وصلة ما هو مكتوب بما سيأتي وما قبله هي روح الرواية.. أي أن تصنع روحا غير مجزأة.
وما أعاود طمسه وكتابته في العادة تكون تلك الكتابة التي تأتي دون تفكير وترتيب مسبق.. فالإنجاز الروائي ليس الجلوس والكتابة دون تفكير مسبقز.. بل هو تفكير مسبق وتخيل لأحداث ووصف أمكنة.. وحوارات.. هو أن تفكر وأنت واضعا رأسك على مخدة النوم ما ستكتبة عندما تستيقض.. أن تتخيل مشاعر الشخصيات وتأثير كل ما يجري على مزاجها.. أن تفكر في العلاقة بما ستكتبه لاحقا بمجريات عام الرواية أو بعمودها الفقري.. أو بالرسالة التي تقدمها.. او بالقضية التي من أجلها تكتب تلك الرواية.. إذا يجب أن يسبق أي كتابة تفكير وتفكير.. وأعني بالتفكير الذي ليس أثناء الكتابة بل.. أن تفرد من نهارك وليلك مساحة وأنت بعيد عن الكتابة.. بعيد عن أزرار الجهز.. او الورق والقلم لتفكر وترتب. ويفضل أن يكون وقت التفكير قبيل النوم أو بعد الصحيان منه بعيدا عن أي مشاغل.
إذن كتابة الرواية حياة ومتعة.. حين اقتربت من الصفحة عشرين ومائة.. حينها كنت أترك التلفزيون. أترك ما حولي. القراءة. وأذهب حاملا جهازي المحمول لأضعه في حضني وأعيش.. نعم أستمتع بالكتابة.. أخلق عوالمي.. لا أحد جواري يقول أفعل ولا تفعل.. ولا أحد يرى ما أصنعه بشخوصي.. هو عقلي الذي يقودني جانبا لأتأمل إلى أين وصلت شخصياتي بأعمارها ومشاعرها وبعلاقاتها. ثم فجأة أتوقف عن الكتابة.. أجدني عاجزا أمام حدث وعلاقاته بالمستقبل وبالأحداث القادمة وبعمود أو تيمة الرواية.. وكان ذلك مؤلما بالنسبة لي أن أتوقف عن الكتابة في الوقت الذي عندي رغبة ملحة ومتعة ما بعدها متعة.. لأسأل من الذي يوقفني عن الكتابة.. ومن الذي يطالبني باستمرارية الكتابة.. بل ويطلب أن أمنحه متعته.
كان ذلك حين قفز تخلصا من مطارديه.. قفز من شفة هاوية إلى المجهول ليجد نفسه في بركة تجمع مياه الشلال.. وأن ما يحيطه أرض منبسطة لا جبال عدا ذلك الحيد الذي قفز منه ولا طريق للعودة إلى أعاليه.. هنا وجدت نفسي أبحث عن مخارج لهذه الشخصية.. أو أني أفكر بعقله في الطريق التي سيسلكها.. وأفكر بعقلي في علاقة ما سيأتي بأحداث الرواية بشكل عام.. وعلاقته بروح الرواية. الشخوص الذين سيظهرون من جديد.. كنت منطقة مهمة ولم أفضل العودة إلى الوراء كنت أرى بأن الشخصية وصلت إلى منطقة جاذبة وعلي مساعدته في إنجاز أحداث العودة إلى صنعاء.
لا زلت أواصل الكتابة وخوف يسكنني من أن أفقد ما أنجزته للمرة الثالثة.
• لمياء الإرياني
الكتابة مغامرة
عندما نكتب فنحن نبذل جهدا في نحت الكلمات ومغازلة الحروف لتتبلور في مجاز نبتغيه ليصور ما يدور في الذات، والرواية هي الفن الأحدث في مد جسور التواصل الإنساني مع الآخرين عبر اللغة الإنسانية الجميلة والغنية.
كتابة الرواية بالنسبة لي كانت نوعا من المغامرة التي شعرت أني بحاجة إلى خوضها في تجربتي الأدبية القصيرة وغير الاحترافية كنوع من التحدي للذات وكنتاج لإلحاح داخلي يفرض نفسه، مغامرة الخوض في حقل جديد كان دائما يخيفني ويلوح لي براية خطر الاقتراب، خاصة في ظل وجود أقلام يمنية رائعة ومبدعة ومدهشة فعلا..
ولكن لكتابة الرواية لذة استثنائية تغريك بالاقتراب، فهي مليئة بالعاطفة ومعارك مواجهة الكلمات، والخوض في تفاصيل وعوالم حياة قد لا تكون لك بها أي صلة أو تشابه في رحلة هي الأجمل في تاريخ اللغات.. وهي إعادة أنسنة الأفكار والخواطر والقيم والجمال.
وقد تسكعت في روايتي الأولى (امرأة ولكن.. ) في دهاليز وأروقة بعيدة وشاقة على مدار عامين ونصف، كنت كلما شعرت بأني أضعت المسار وأنه قد يكون من الأسلم لي أن لا أتعمق أكثر في ثرثرة قد تقودني إلى نهايات مسدودة توجعني بألم الفشل في محاولتي الأولى الخجولة، كنت حينها أستحضر ملامح أبي (رحمه الله) في كل مرة ينتهي فيها من قراءة نص لي… بديييييع، فأتقدم خطوة أخرى – على ذمة كلمته تلك – لتصبح كلماتي صرخة نيابة عن حناجر المتعبين من وجع الإعاقة.. كل أنواع الإعاقة سوى الجسدية منها أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية.. وبالتأكيد فإن المرأة لها الحصة الأكبر من كل تلك الإعاقات.
اللحظة الأصعب هي حال أضع قلمي على الحرف الأخير في صفحتي الأخيرة من روايتي، فهنا يبدأ التحدي، وعلى هذه السطور أن ترى النور الذي كتب لها.. وأعترف باني كنت مرهقة من شدة القلق، وكانت المسافة من بيتي إلى مكتب الدكتور القدير / عبد العزيز المقالح الذي سيقيّم روايتي هي الأطول هذه المرة.. هذا الرجل الذي يجبرك على الانحناء أمام كل حرف يكتبه وأنت مبهور ومندهش لروعة ما يملك من موهبة وثقافة، فهو الهرم الرابع في تاريخ البشرية، هرم الأدب والثقافة.
كانت روايتي (امرأة ولكن.. ) هي تجربتي الأولى، وقد حصدت جائزة الدكتور عبد العزيز المقالح للرواية في العام 2011م، وسط زوبعة من دهشتي وفرحتي وحماستي واعتزازي.. كانت هي الزوبعة الأجمل والأروع بالنسبة لي، وإن كان توقيتها في وقت استثنائي في تاريخ الوطن فقد زاد ذلك من قيمتها بالنسبة لي.
وأنا منعكفة اليوم في كتابة روايتي الثانية التي أتمنى لها نصيبا من النجاح البكر الذي يبقى في الذاكرة في الرف الذي يستحقه.
• صالح باعامر
تشكلت سرديا بين البحر والجبل..
قراءاتي للقصة القصيرة والرواية منذ البدء كانت حجر الأساس الذي ابتنيت فوقه ثقافتي الأدبية عموماً والسردية خصوصاً. فلقد شغفت حباً بهما. منذ أن وقعت يدي على رواية الحرب والسلام للكاتب الروسي تولستوى عن دار الهلال في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين جلبها لي والدي من المكتبة الوطنية لصاحبها أحمد سعيد حداد بالمكلا لكن علاقتي بالرواية لم تتوطد وتتطور إلا في الكويت عندما كنت أعمل فيها متنقلاً بين أعمالاً مختلفة وفي الوقت نفسه أدرس الصحافة بالمراسلة في معهد الصحافة بالقاهرة والتي توجت بالعمل في مجلة الطليعة الكويتية بعد نيلي دبلوماً في الصحافة 1962م.
كانت الكويت أنذاك بمثابة العاصمة الثقافية العربية إذ أنها كانت منفتحة على كل الأفكار والثقافات والأطياف.. وقد أستفدت أنا وبعض الزملاء من أبناء وطني من الأجواء القومية والليبرالية إذ أني انكببت على كل ما ينشر في الصحف والمجلات وعلى كل الأجناس الأدبية لاسيما السرديات باللغة العربية كانت أو مترجمة. ومن الدوريات التي اهتممت بها هي مجلة القصة التي كان يديرها نادي القصة في القاهرة والتي يتولى مسئوليتها الكاتب يحيى حقى.
من أولى الروايات التي اطلعت عليها في الكويت هي رواية ( الأم ) لمكسيم حوركي وبداية ونهاية لنجيب محفوظ ولا أنام لإحسان عبد القدوس. تم تعرفت على الكاتب اليوناني كانتزاكي من خلال روايته الشهيرة الأخوة الأعداء والشيخ والبحر لآرنست همنجواي ومع مرور الوقت قرأت لغير هؤلاء الكثير ثم تنقلت بين يوسف أدريس وفتحي غانم. وعند عودتي إلى الوطن تعرفت على محمد عبدالولي وعبدالله سالم باوزير وحنا مينه والطيب صالح وجمال الغيطاني وحسين باصديق. كل هذه القراءات نقلتني إلى طور آخر في نظري كان هو الأعلى وهو محاولة كتابة القصة القصيرة بدءً بكتابة الحكاية والخاطرة. وأول محاولة قصصية تنشر لي هي قصة انتظار في صحيفة (الشرارة) الحضرمية تلتها عدة محاولات إلى أن تمكنت من إصدار أول مجموعة قصصية هي (حلم الأم يمني) عن وزارة الثقافة بعدن 1983م ثم (دهوم المشقاصي) عام 1993م عن وزارة الثقافة بصنعاء، دفعني ذلك إلى أن أهجس بكتابة الرواية وبعد محاولات شطب وتمزيق أصدرت رواية (الصمصام) 1993م عن دار الكوبرا بعمَّان.
صارت الرواية فيما بعد هي الأقرب إلى نفسي وإن لم أهجر القصة القصيرة التي أخذت تلاحقني. وفي الوقت الذي كنت فيه أكتب رواية جديدة كنت أعد مجموعة قصصية جديدة (احتمالات المغايرة) قصص عن نادي القصة (المقه) 2002 وفي 2004 إبان إعلان صنعاء عاصمة للثقافة العربية أصدرت رواية المكلا عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين. ثم مجموعتين قصصيتين هما (حين نطق القصر) و(بعيداً عن البروتوكول ) ضُمت ضمن أعمالي الكاملة 2005 آخر أعمالي هي رواية ( إنه البحر) الصادرة عن (طوى) للثقافة والنشر بلندن والتي يديرها الروائي عادل حوشان.
لم أدرِ كيف كتبت الرواية، إذ أن حلمي كان لا يتعدى كتابه القصة القصيدة بالرغم من أنني في وقت ما وجدت أن القصة القصيرة لم تعد تتسع لكل هواجسي ودون ان ادري كيف حدث هذا حين وجدتني ألوذ إلى الإسهاب في الكتابة إلى أن تراصت أمامي العشرات من الصفحات.
رواية الصمصام :-
ففي ليلة من ليالي المكلا البهيجة اتحد فيه البحر والجبل وضوء القمر غادرت مرقدي مستشعراً الأرق بعد أن انتابتني الهواجس وغمرني القلق والتوتر أضأت مصباح غرفة نومي وانتحيت جانباً وأمسكت القلم والورقة وكتبت إلى أن شعشع ضوء اليوم التالي فإذا بتلك الأوراق تضاحكني تركتها واستأنفت نومي. في مساء اليوم التالي وفي نفس الوقت الذي غادرت فيه مرقدي مساء اليوم المنصرم اتجهت إلى نفس المكان الذي ترقد فيه تلك الأوراق.. تفقدت ما كتبت فأشار لي السحيم وحسناء متضاحكين وغمزت لي الزين وسويلم وكشر في وجهي الساري وغير ذلك من شخصيات الصمصام التي تتخاصم تارة وتتصالح تارة أخرى ثم يتباعدون ويتقاربون يبتسمون ويعبسون.
عدت من جديد أدقق في الوجوه وفي السحنات وأسبر أغوار الطباع فوجدت أن ما كتبته مشروع رواية بعد أن رأيت سفينة (الفرج) تتنطر من يدفع بها إلى البحر لمعانقة عوالم ومدن وموانئ وحيوات أكثر حيوية وانطلاق تلك الحيوات التي ستنقل عدواها إلى بر العرب، فبالخبرات التي سيأتي بها البحارة من أفريقيا ستنتعش الحياة مادياً وروحياً وسيحدث تلاقحاً ثقافياً وفكرياً وسياسياً وستنتشر رياح التغير.
للمكلا المدينة فضل كبير في خلق فضاءات أمامي ألهمتني إبداعاً سردياً تجلى في إصدار المجاميع القصصية الأنفة الذكر ورواية الصمصام والتعرف على بعض أسرار وخباياً السرد والحيل الفنية الضرورية التي من السمات الأساسية لأي كاتب وان كانت هذه الخبايا والحيل تختلف من كاتب لآخر فرواية الصمصام تبتدي بإعداد السفن للإبحار إذ أن اليابسة تشهد حركت نشطة تتمحور في تجديد السفن وترميمها حتى تصبح مكتملة الشروط التي تؤهلها للإيجار ومواجهة الأمواج والرياح ومصارعة كبار الأسماك وما أن يتم الإبحار تنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة تدور أحداثها فوق البحر.
رواية المكلا :
بعد الوحدة 1990م برزت حياة جديدة فإذا كانت الحياة في الجنوب قبل عام 1990م منغلقة إلا أن حياة الاستقرار كانت نعمة لا يشعر بها إلا من افتقدها، فبعد الوحدة وفي أجواء الديمقراطية التي لم تفهم فهماً حقيقياً وفي ظل التعددية أسيء استخدام هذه الأجواء.. فالديمقراطية مورست بعشوائية فالمرء من حقه أن يعمل كل شيء دون رادع يطلق النار يقتل الأبرياء يخطف ينهب. يمتلك السلاح الذي لا تستطيع أن تمتلكه الدولة لذا وجدتني أعبر عن هذه الأشياء في رواية المكلا لأن ابن الجنوب لاسيما ابن حضرموت وعدن لا يستطيعا أن يواكبا ما يحدث لأن القبلية انمحت تماماً، فالاعتماد كان على الدولة والقانون والنظام الذي هو السند الوحيد للمواطن كبيراً كان أو صغيراً. اترك دكانك مفتوحاً وأذهب للصلاة وعد فستجده كما كان لا أحد يعبث بأي شيء فيه، أترك سيارتك مفتوحة فلا أحد يستطيع السطو عليها.
في ظل هذه الأجواء التي لا تقرها الوحدة ولا الديمقراطية ولا التعددية ولا شرع ولا قانون افتحمتني رواية المكلا التي أعتنت بفضاءات الجنوب الذي عانى من الصراعات السياسية التي لم تنتج شيئاً سوى التعجيل بالوحدة دون وضع الشروط الموضوعية التي تكفل نجاحها واستمرارها سياسياً واجتماعيا.
رواية المكلا هي عبارة عن مقاربة بين الحالة السياسية والأمنية التي شهدها الجنوب قبل الوحدة 1990م ومعاناة مرحلة الانفلات والتوق إلى الإمساك بزمن الضوء المفقود تختلف تقنياً عن رواية الصمصام التي نجحت من حيث تطويع تقنية الاسترجاع «الفلاش باك» أما رواية المكلا اتخذت الفلاش باك المجزأ بين الأحداث وسيلة لذكر الشيء بالشيء إذ أنها تلاعبت بالزمن والمونتاج والمقاربات وتوظيف الغناء والشعر كتقنية نادراً ما تستخدم في السرد العربي.
تبتدي رواية المكلا بوصف البحر وهو ينحسر أمام الردم الذي يتم دون رحمة فوق الشاطئ تحت شعار توسعه الشوارع مما افقد المدينة الكثير من سماتها الجمالية. فسالم الشخصية الرئيسية في الرواية اعتاد الذهاب إلى الشاطىء لاصطياد السمكات القريبة، يبكر صباحاً ليرتقي كعادته الصخرة التي اعتاد الوقوف فوقها ليرمي صنارته في البحر فيجد أن صخرته قد غمرتها الرمال والأحجار المجلوبة فيصاب بالخيبة فيشكو حاله، فيعاتب البحر على خضوعه وللجبل الذي لم يزل شامخاً رغم أن هناك من ينخر تحته ليأخذ الأحجار الكبيرة وينقلها إلى الشاطئ لصنع جبل مصطنع جبل بلا أرجل، بلا أقدام، بلا أسنان.. تتغير معالم المكلا وتظهر علاقات غريبة بين الناس فيستشري أسلوب نهب الأراضي واختطاف أصحاب الرأي من أجل الابتزاز، يهرب سالم من المكان الذي أودع فيه بعد اختطافه ليهاجر لكنه يفاجأ بحب الناس له فيعدل عن السفر.
رواية انه البحر:
( إنه البحر) الصادرة قبل أسابيع عن مؤسسة ( طوى ) للثقافة والنشر والإعلام بلندن التي يديرها الروائي عادل حوشان تتواصل مع رواية الصمصام من حيث اعتنائها بالبحارة والسفينة والبحر وان اختلفت عنها تقنياً ولغوياً وفضائياً، إنها تحكي معاناة البحارة فوق البحر ومواجهتهم الأمواج والرياح العاتية والأسماك العملاقة والغوص في مدن أكبر وأحدث كالمكلا وعدن وزنجبار والطواف بموانئ عمانية وافريقية وانغماس الشباب في مدينة زنجبار وإبراز دور العرب في هذه المدينة لاسيما الحضارم والعمانيين كون العرب يحكمون زنجبار من خلال حاكمها السلطان العماني آنذاك.
• رمزية عباس
اعتبروني خارجه عن الأعراف الاجتماعية.
في قريتها المتربعة على ربوة يخالها المشاهد على بعد بانها زهرة لعباد الشمس عند شروقها تطل القرية على مدرجات زراعية نمت على أطرافها نباتات شيطانيه وأغصان «عثرب» أحاطتها من كل جانب في تلك القرية بدأت طفولتها.. كانت قبل الأصيل ترتقي السطح لترقب مغيب الشمس وامتزاج الشفق الأرجواني الرائع مع بداية حلول الظلام علها تعثر على الملائكة التي تحكي لها والدتها بأنهم يسكنون السموات العلياء… ويتأملون ما يعمله البشر على الأرض.
تر ى تمازج السحب وتراكمها وتشكيلاتها الضبابية المتعددة وتخالها شعوباً وأمماً تسكن كواكب أخرى فتغمض عينيها لترحل عبر خيالها إلى عالمها لتعيش مع أفراحهم.. وأتراحهم وتمد يديها علها تلامسها وتتمتم بنداءات طفولية لدعوتهم للهبوط إلى عالمها لتلعب معهم الروابي وليحكوا لها ما يدور بعالمهم ولتسألهم عن أنواع اللعب التي يلعبون بها… ثم تغمض عينيها لتتعمق وتسرح إلى عالمهم وكأنها تعايشهم.. وما يلبث خيالها ان يعود إلى واقعها… وترحل أحلامها بتبديد السحب وانسحاب الخيوط الذهبية لأشعة الشمس خلف الجبال المحيطة بالقرية باتجاه المجهول.. وبحلول الظلام تعود إلى زاويتها المفضلة وتنسج قصة خيالية مستوحاة من ما رسمته من سحر تراكمات السحب… لتحكيها في صباح اليوم التالي لأترابها.. كن يستمعن بدهشة وإعجاب ويسألنها ان تأخذهن معها إلى العالم الأخر وان يعشن جميعا هناك حيث الحرية من تحكم الآباء والأمهات بل ويستفسرن هل هناك بنات صغيرات فقط ام ان العالم الاخر يشمل آباء وأمهات وترد بفخر هناك عالمنا ولا يوجد إلاّ فتيات حولهن أشجار مزهرة وأشجار محمله بفواكه نأكل منها ما نشاء دون ان يعترضنا احد ثم تستدرك بان أبوابها قد أغلقت ولن يسمح باجتيازها وتوعدهن بان تأخذهن عندما تفتح الأبواب… وتستمر على هذا الحال كل يوم تروي لهن حكايتها مع العالم الآخر وبدون ملل وبنفس الوقت توعدهن وتخلف وعدها…
ويأتي الصيف بطقوسه البديعة ففي الصباح تذهب إلى الوادي مع رفيقاتها لتجني الفول وتقطف أزهار البرية وما أكثرها وتغرد فتيات القرية من الروابي والمدرجات بأغاني «العلان» و«الخير» والتي لا يشدين بها الاّ في ذلك الموسم.. وقد يرسل الغداء لهن إلى الوادي فيجلسن تحت الشجرة الوارفة وتتخيل أنهن يسكن بيتاً من البيوت التي بنتها بخيالها وتخرج الدمى التي أحضرتها معها وترصهن بجانبها ليشاركنها القيلولة وكأنهن من سكان ذلك العالم.. وفي المساء تأتي عجوز من القرية لتسمر وتتسامر مع والدتها ومعها ورفيقاتها ويحلقن حولها ليسمعن روايتها عن الجن والشياطين وصياد الذي لديها رجل حمار ورجل إنسان.
وعن بنت السلطان التي اختطفها ابن أمير الجن و… الخ تلك الروايات لم تكن تفزعها بقدر ما تنمي خيالها فكانت تعيد روايتها بطريقة اخرى لرفيقاتها… تلك كانت بدايتها مع القصة والأقصوصة.
علمتها والدتها في سن الخامسة… القرآن ثم قراءة القصص المصورة وأجبرتها ان تجلس في مكتبة والدها وتقرأ وتكتب صفحات من قصص العرب ومن كتب جرجي زيدان وكتب اخرى دون فهمها وتكتب بخط غير مفهوم لترضي والدتها.
وفي السابعة من عمرها انتقلت مع أسرتها إلى تعز ودخلت المدرسة لتسجل في الصف الثالث بعد امتحانها بالعملية الحسابية البسيطة وبالقراءة التي درستها والدتها.
أحست بالتغريب النفسي وبانها في عالم غير عالمها الحالم والساحر وافتقدت رفيقات طفولاتها.. وأول ما بدأت أناملها تمسك القلم لتخط على دفاترها المدرسية كانت تحاول ان ترسم روايتها الخيالية وعند ما وصلت إلى الصف السادس الابتدائي بدأت تكتب خواطر بسيطة ركيكة وتعرضها على مدرسة اللغة العربية التي شجعتها على الكتابة وتصر عليها ان تقرا تلك الأسطر على زميلاتها في الفصل. عندما تخطت الابتدائية بدأت تنشر قصصاً قصيرة في الصحف ومقالات متنوعة… هاجمها الكثير من القراء واعتبروها خارجة عن الأعراف الاجتماعية وخاصة عندما كتبت بان الشرشف عثماني وليس من الإسلام بشيء
وعن ضرورة دخول البنات المدرسة.. الخ فهددوها بالضرب بل وبالقتل.. ولم يتخيل احد بانها لازالت تعتبر طفله لم تتجاوز الثانية عشر.
في زمن شيخوخة الطفولة.. تطوعت مع زميلاتها بعد الابتدائية في جمعية المرأة اليمنية الناشئة لمحو أمية الفتيات والأمهات… وسردت من الدارسات حكايات مؤلمة ومشاكل اجتماعية عديدة تأثرت بها وحرمت عليها أحلام طفولتها، أضافة إلى أن والدها كان رئيس محكمة وكان بيتهم مفتوحاً لكل شاكية مما حتم عليها الاستماع إلى شكوى العديد من النساء المغلوب على أمرهن وتأثرت بقضاياهن العديدة والمؤلمة وكان جلها من الزواج المبكر والقات وتعدد الزوجات وغيرها من المشاكل الاجتماعية فكتبت مسرحيات تم عرضها في مدرستها ونشرت رواية بعنوان القات يسمم حياتنا وهي في بداية المرحلة الإعدادية ثم رواية ضحية الجشع..
في جامعة القاهرة كانت تكتب قصصا قصيرة وتنشرها في صحيفة الجامعة بعد عرضها على الدكتورة سهير القلماوي والتي كانت تدرس الأدب العربي حينذاك.
وبعد عودتها من جامعة القاهرة كتبت مواقف قصصية للإذاعة قدمت في برنامج مع ربات البيوت في عام 1979 ومسرحيات مثلتها طالبات معهد سالم الصباح على مسرح الجامعة.
في صنعاء سكنت في منزل يقع على ركن حارة بين بيوتها زقاق ضيق تتناجي النساء من نوافذ منازلهن ليحكين مشاكلهن لبعضهن البعض فتأثرت وكتبت حادثه في زقاق وخيال بعد القات والزفة وقصصاً أخرى ضمنتهن في مجموعتها القصصية عله يعود وقد فازت بطباعتها وزارة الثقافة عام 1980 ثم مجموعة قصصية بعنوان القانون عروس تلتهما رواية بعنوان دار السلطنة، وكتيب بعنوان الخيال الإبداعي عند الأطفال ومن ثم كتاب رائدات يمنيات خالدات طبعتها منظمة التربية والثقافة والعلوم أما المجموعة القصصية السماء تمطر قطنا فهي المجموعة الوحيدة التي كتبتها وهي خارج اليمن فمن الغريب أنها لا تستطيع أن تكتب وهي خارج الوطن قد يكون احساسها الذاتي بانها غريبة عن بيئتها الاجتماعي وباختلاف النمط الحياتي والبيئي والشعور بالغربة لكل ما يحيط بها فكتابة القصة ليست ككتابة المقالة قد تجبري القلم ليجري على الورق ليخرج ما يريد.. أمّا القصة فتبدأ بموقف وبفكره وأحاسيس داخلية تجبر القلم على الكتابة اللا إرادية وتولد شعوراً آنياً خارج نطاق الزمان والمكان.
عندما تحط رحالها في صنعاء وتطل على حاراتها ومنازلها تتخيل ما يدور في داخلها من أحداث وحكايات.. عندما تتنامى على طاولة حياتها اليومية واقعة اجتماعية تتفاعل معها وترصد نتائجها وأولياتها على الرغم من مرور لحظات بالإحساس بالاغتراب وهناك فرق بين الغربة والاغتراب… في خارج الوطن الصدمة بالإحساس بالصمت والاصطدام بجدار الغربة عن كل شيء ويجلد ويمسح الخيال ويتوقف القلم عن الكتابة.
اختيرت ضمن أفضل كتاب القصة القصيرة في الخليج والجزيرة العربية في كتاب نشرته جامعة وارسو للدراسات الشرقية في بولندا اختيرت قصصها ( الزفه- وحادثه في زقاق – وولي العهد ) لمادة بحثيه في جامعة نيويورك لدراسة المجتمع العربي من خلالها كانت قصتها الرهينة وقصص آخرى بحث رسالة الدكتورة للدكتورة ابتسام المتوكل.. وقيل عند إصدار رواية «الرهينة» لزيد مطيع دماج بعد رهينتها بعام بان التلاقي الفكري جعل رهينة كاتبتنا البداية ورهينة دماج مكملة لها.
كرمت كقاصة عربية متميزة من مكتبة الكونجرس في واشنطن ومن جامعة وارسو في بولندا ومن جامعة نيويورك قسم الدراسات الشرقية وجائزة الإبداع الأدبي من بيت الشعر ومن منتدى القصة وشهادة تكريم أدبي من مؤسسة العفيف ومن اتحاد الكتاب في تونس عن قصتها ابني يلبس خاتما فضياً.
لها كتاب المرأة في ظل الشريعة والقانون.
مجموعة قصص للأطفال بعنوان «تبارك الذي بيده الملك» مجموعة الماجل المسحور ومجموعة أخرى بعنوان شجرة التولق.
سلسلة أفلام كرتون بعنوان( العدالة خارج قريتنا )
•قصص لم تنشر :
•الحب محرم في مدينتنا
•والعصافير تموت في أعشاشها
•ومجموعة قصصية بعنوان سلمى تنتظر المعجزة
عندما تفتح نافذة واحتها الأدبية وتعود إلى قلمها ستنشر ما لم تنشره
سردت ما تمكنت ان تعثر عليه في ذاكرة الكاتبة رمزية عباس
من أديس أبابا إلى القاهرة إلى صنعاء النهاية
س. الشاطبي
السيرة والرواية :
(اليمن.. لقد نسيتها، انني انتظر الموت فقط.. لن يعرفني أحد هناك إذا عدت.. لا أحد بقي معي هناك.. لن أعود.. قد يعود أبنائي يوماً ما إذا ما عرفوا ان أباهم كان غريباً.. وقد لا يعودون.. قد يظلون مثلي غرباء )
مقتطف من رواية «يموتون غرباء» لمحمد عبد الولي
رائد الرواية اليمنية ذي العمر القصير محمد عبد الولي لم يكتب سيرته، لكنه ضمّن بعض أعماله صوراً وخطوطاً عامة استطيع تسميتها بالإرشادية لسيرته الذاتية، والسبب من عدم تمكن كاتب موهوب ومبدع مثل محمد أحمد عبد الولي العبسي من كتابة سيرته الذاتية ونشرها في كتاب مستقل حادثة سقوط الطائرة النفاثة التي استقلها مع مجموعة من الدبلوماسيين صبيحة يوم 30/4/ من العام 1973م والتي أدت إلى اغتياله قاطعة بذلك الخيط الرفيع الذي كان من الممكن ان يربط الفائدة الأدبية العظيمة التي كانت ستتركها سيرة عبد الولي في الأجيال القادمةّ!!
الحادثة لم تمكنه من كتابة ونشر سيرته، لكن عدة أعمال له، أكثر من رائعة وسيرة مشتتة أنتجت ولو بطريقة مدهشة سيرة كاملة له.. كأن عبد الولي شخصياً قد استشعر بانه سيقضي نحبه مبكراً وعلى غير عادة البشر ولن يكتب سيرته، لذلك ضمّن رواياته وقصصه نفحات من سيرته المغلّفة بالحزن.. أعمال عبد الولي ليست سيرة لكنها قصص وروايات مسكونة بهم الهجرة والاغتراب كعادة كاتبها المهاجر والذي عانى الأمرين من تمييز المجتمع له ووصفه بـ«المولّد» برغم ان هذا الوصف ناتج عن خطأ لغوي.
لقد سعيت لإيجاد مقاربة بين أعمال عبد الولي السردية وسيرته الذاتية التي كتبها بخط يده، والخروج بخلاصة أرجو ان لا تقودنا إلى فخ، وذلك من خلال الاستفادة من الآتي:
1-نتاجاته السردية. (روايات، قصص)
2-زياراتي المتكررة لبلد مولده (أثيوبيا) والمدرسة التي درس بها وأيضاً الأماكن والجهات التي عاش فيها في كل من القاهرة واليمن.
3-شهادات وأشتات من شهادات.. مقابلات صحفية له.
4-وثائق خاصة بمحمد عبد الولي.
فكيف تشكّلت السيرة الكاملة لعبد الولي من خلال تحليل كل أعماله السردية وايجاد المقاربة بين سيرة حياته المقتضبة؟ وما الجدوى من تجميع سيرة مشتته بين الصفحات والأماكن؟ ونتاجه السردي يقدم حلولاً لقضايا مجتمعية شائكة هو أول من عانى منها مثل الاغتراب والتمييز والسجن.. وهل حقاً يوجد منصب شرفي اسمه نائب لكاتب السيرة؟!
أسئلة مشتتة لكني سأحاول الإجابة عنها بتلقائية لا تخلو من الحذاقة التي امقتها!
بدايات:
لقد كُتب الكثير عن نتاج الأستاذ عبد الولي كاتب «يموتون غرباء» و»شيء اسمه الحنين» و»صنعاء مدينة مفتوحة» وأعمال أخرى كثير منها ترجم لعدد من اللغات، لكن قراءتي لنتاج هذا الأديب والتي قابلتها زيارتي للحي الذي ولد فيه في أرض المهجر أثيوبيا والمدرسة التي درس فيها في أديس أبابا والحي الذي تلقى في مدرسته تعليمه الثانوي في القاهرة والأماكن التي ارتادها وزارها هنا في اليمن وسيرته المقتضبة التي كتبها بخط يده فتحت لي الباب لأنهل من هذه المعايشات والمشاهدات والقراءات ما شكّل صورة أوضح ليس عن سيرة هذا المبدع الموجعة وكتاباته المغّلفة بالألم فقط بل، عن سيرة وطن اسمه اليمن.. وطن تجرع ناسه الكثير من الاحداث سواء السياسية او الاجتماعية وخاصة خلال الفترة التي عاش فيها عبد الولي.. وطن شهد هجرة مئات الالاف من ابناءه هربا من الفقر والظلم في خلاصة لا يسعني امامها سوى البدء:-
أولا الميلاد:
ذكرت السيرة التي كتبها بخط يده انه:
-من مواليد 12 نوفمبر 1939م بمدينة دبربرهان (أثيوبيا ) والده يمني وأمه أثيوبية)
ما عدا ذلك ليس ثمة ما يضع الأصبع على الجرح ويتساءل.. ماذا يعني ان يولد الإنسان في غير موطنه؟ وان يكون أبوه من بلد وأمه من بلد في مجتمع بعضه يجيد لغة التمييز والمناطقية؟.. يعني ان يعيش متذبذباً يعاني في حياته بين انتماء متأصل في دواخله للوطن الذي دفع بوالده لهجره تحت وطأة الجوع والفقر الشديدين وبين وطن آخر ولد فيه.
بالنسبة للإنسان العادي اليمني المهاجر تجلت حالة الشعور الفظيعة باللاوطن والرغبة في مساعدة المجتمع بأهمية الإحساس بتربة الوطن وفوائد الانتماء إليه على شكل تأوهات وحنين وجروح ونتوء كارثتها افتقارها وبشدة إلى عنصر توظفيها كرسالة إنسانية.. لقد خسرت اليمن الآلاف نتيجة تمييز البعض لأبناء المهاجرين (الأب يمني والأم أجنبية) خسرت طاقات كبيرة كانت ستساهم وبقوة في إنجاح حركات التحرر وخاصة حركة 48م والنهوض بالوطن.
بالنسبة لمحمد عبد الولي ذلك الكاتب الرائع الرائق المتشكك من أرقى صنف كانت على غير عادة المهاجر اليمني المولود في أرض المهجر.. كانت نصوصاً.. قصصاً.. روايات.. تحسست موضع الألم الذي تسببه الهجرة والاغتراب كقصص ( الأرض يا سلمى) و(شيء اسمه الحنين ).. كشفت عن الكثير من الاختلالات الناتجة عن هجرة الإنسان لأرضه ووطنه واغترابه كقصص (ليته لم يعد).. قدمت صورة دقيقة لحالة الغربة الداخلية إلى جانب الغربة المتعارف عليها التي يعيشها أبناء المغتربين كقصص (أبو ريبة). شخّصت وبصدقية تبعث على الدهشة واقع البلاد وفنّدت أسباب تدهور بناها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وأوجدت الحلول.. لماذا ببساطة لكي لا يتغرب اليمني كرواية «صنعاء مدينة مفتوحة»
الانتقال إلى أديس أبابا
لم تذكر السيرة ملابسات وأسباب انتقاله من مدينة «دبربرهان» هو ووالده وأمه إلى العاصمة أديس أبابا، أو حتى الحي الذي نشأ فيه وتوضيحا عاش عبد الولي طفولته في منطقة (سدس كيلو) وهي كلمتان أمهريتان تعني (كيلو ستة) وهو حي شهير تقع السفارة اليمنية حاليا بقربه.
لقد وصف عبد الولي الحي والشارع في بداية روايته «يموتون غرباء» كما رأيتها إذ جاء (كان كل ما يعرفه – سكان « سدست كيلو» عنه هو أنه –يقصد عبده سعيد اليمني المغترب وبطل الرواية-قد فتح دكانه الصغير منذ أكثر من عشرة أعوام. أما هو فقد كان يعرف كل شيء عن أهالي الحي الذي يسكنه. خاصة عن ذلك الجانب من الحي حيث المنازل الصغيرة والحارات التي تمتلئ شوارعها بالطين دائماً أثر تساقط الأمطار ) فهل كان عبد الولي يتحدث عن نفسه كهجين ينعت خطاءً بـ(المولّد) أم عن كل الهجناء!؟ سؤال أجاب عنه الأستاذ عمر الجاوي بالقول: «تمثل طفولة محمد صراعاً حاداً سياسياً واجتماعياً وخلقياً بين ما هو قائم في اليمن من التزمت الحاد وبين ما يمثله المجتمع الحبشي من انفتاح أخلاقي، خاصة بين الذكر والأنثى».
تفتحت عيناه على تزمت ديني في البيت وفساد ودعارة لا حدود لها في أقرب الشوارع والأحياء إلى سكنه، ولم يستطع في طفولته أن يستوعب هذا التناقض الحاد. ولكنه حفظ الكثير من المشاهد واختزنها في ذاكرته لتكون قصصه الأولى عن الهجرة والمهاجرين. وشكّلت فترة ميلاده وصباه في ذاكرته كنزاً هائلاً من الخيالات والصور الاجتماعية والسياسية. ذلك لأن أباه كان من حركة الأحرار اليمنيين، طليعة المعارضة للحكم الأمامي خارج الوطن».
ودة أولى:
بالنص تذكر السيرة الذاتية التي كتبها بخط يده
-زار اليمن أول مرة وعمره ست سنوات عام 1946م.
نعم.. عاد محمد عبد الولي إلى اليمن في العام 1946م، كان عمره حينها ست سنوات، لكن هذه العودة لم تنتهِ باستقراره في الوطن الأم بصورة وشكل نهائيين إذ بدت وكأنها زيارة أولى لأخرى ستدوم بصورة متقطعة.
المدرسة اليمنية
قبل الحديث عن الجالية اليمنية بأديس ابابا يجدر بي ان أذكر بان اليمن شهدت خلال الأعوام 1920-1945م قحطاً وجوعاً شديدين. وفي العام 1930م عقدت اليمن اتفاقية مع أثيوبيا لتبادل العمالة.
بعد توقيع الاتفاقية بأسابيع وتحديدا خلال الفترة 1931-1950م هاجر ما يزيد عن الـ400 ألف يمني جائع إلى أثيوبيا وكان من بينهم والده!.
-انتشروا على مقربة من منابع النيل، ولان الزراعة هي المهنة الوحيدة التي يجيدونها عملوا في فلاحة الأرض ولأن الوحدة قاتلة وثمة أسباب سياسية قد تطردهم من أرض المهجر وتعيدهم للجوع في اليمن تزوجوا الأثيوبيات وأنجبوا الأبناء والبنات والذي يطلق عليهم الآن بـ«المولّدين»
وامام الانتشار الواسع والتواجد الكبير للمغتربين اليمنيين في أديس أبابا وحرصهم ان لا يفقدوا هويتهم وهوية أبنائهم أنشأوا الجالية اليمنية بأثيوبيا تحديداً في العام 1946م وهو –مع العلم-نفس عام عودة عبد الولي إلى أثيوبيا من زيارة قصيرة لبلده اليمن برفقة والده.
هل ثمة ارتباط بين عودته وانشأ الجالية اليمنية ؟!
سؤال لم أجد إجابته في نتاجه الروائي إذ جاء على ذكره للجالية في رواية «يموتون غرباء» عابراً ومن دون أي توضيحات « كان الحاج عبد اللطيف يقوم بمهمته وهو يشعر برضا تام وتفوق على الآخرين.. حقيقة فقد كلف مرات كثيرة من قبل حزب الأحرار أن يقوم بأعمال كبيرة – تنظيم اجتماعات رئاسة الجالية، جمع تبرعات. بل وإلقاء خطب حماسية يختلط فيها الدعاء والدين بالحماس السياسي لتحرير اليمن».
باعتقادي ان مدرسة الجالية اليمنية –الفرع التربوي للجالية-كانت النافذة التي من خلالها أطل محمد عبد الولي على الأدب، فهذه المدرسة والتي خلا أي ذكر مباشر لها في نتاجه السردي برمته مقابل ورودها بكثرة في سيرته المقتضبة علمته اللغة والكتابة ومعنى الارتباط بالوطن وكانت مكتبتها على تواضعها مزوده الأول للمعارف.
احمل وثيقة شخصية عمرها يقارب النصف قرن لمحمد عبد الولي أثناء دراسته في المدرسة حصلت عليها من خلال زياراتي المتكررة لأثيوبيا ولكن لخصوصية موضوع الوثيقة لن أتحدث عنها إذ يكفي ان تشير الوثيقة بما لا يدع مجالا للشك ان محمد عبد الولي تلقى تعليمه الأساسي فيها ذلك التعليم الذي مكّنه من إجادة اللغة العربية خاصة في بلد لا ينطق أكثر من نصف سكانه بها ومن مواصلة الدراسة في بلدان أخرى.
يبدو لي ان عبد الولي وكتعبير عن شوق وتوق الطالب للعودة إلى وطنه لمّح إلى ذلك في قصته (الدرس الأخير) والتي تدور أحداثها في الفصل الدراسي في آخر يوم في الدراسة والذي يسمّى بيوم الوداع.. يلتقي مدرس التاريخ بالطلبة في جو حزين ووداعي ويقدم لهم نبذة مختصرة عن الوطن وكيفية حبه والتعلق به والخ باعتبار ان ترسيخ قيم الوطنية الحقة هي أهم درس عليهم تذكره وعكسه على الواقع.. لقد انتهت الدراسة
وكأن عبد الولي يبشر الوطن من موقعه في أثيوبيا بان تاريخه عظيم وان التغيير سيقوم به أبناء اللحظة رجال الغد.
(وها هم اليوم يلتقون في الدرس الأخير في فصلهم الصغير ذي الجدران القديمة والنوافذ الواسعة وذكريات عام كامل تتماوج في خاطره وفي خاطر كل طالب والمروحة المعلقة في منتصف الصف تدور في هدوء)
بالفعل ما يشير لزائر المدرسة اليمنية في أديس أبابا إلى ان هذه القصة كتبت في أثيوبيا، إذ يكتشف الزائر ان جدران الفصول قديمة كما وصفها القاص في قصته ونوافذها كما القصة واسعة، والأهم من ذلك ان في منتصف كل فصل توجد مروحة !.. بهذه القصة الصادمة وباليوم الأخير للسنة الدراسية أنهى عبد الولي المرحلة الأساسية من التعليم الإعدادي.
عودة ثانية:
تقول السيرة الذاتية انه
-عاد إلى اليمن في المرة الثانية عام 1954م وتزوج في نفس العام.
في العام التالي ترك الوطن إلى جهة معلومة.. المهم ان العام الأول له في اليمن والذي قضاه برفقة زوجته « مُشَلّى «ترك تأثيراً جزئياً في نتاجه وبمعنى أدق فتح المدارك امامه لحياكة الخيوط الأولى لبعض أعماله إذ جاء في قصته ليته لم يعد.. ما يدين الهجرة التي تدمر الأرض والزرع والإنسان. لقد(ترددت الصرخات من جانب الجبل. ولم يكن في القرية سوى أطفال ونساء مسنات أما الرجال والنساء القادرين على العمل فكانوا في الحقول، وردد الصدى أصوات مبهمة.. ومن الوادي كان رجال يحملون نعشاً تمدد عليه شبح إنسان.. ولم يكن قد مات بعد. )
لقد عاد المهاجر بعد عقود من هجر الأرض التي بارت وامرأته التي شاخت إلى الوطن ولكنه عاد فاقداً لكل قدرة على إحياء الأرض وإعادة الروح للزوجة التي وقفت مبهورة تنظر( إلى الزاوية حيث مددوه، كان هيكلاً عظمياً، أسمر، لا شيء من ذلك الرجل الذي اعتصرها فترة حتى كادت أن تموت.. )
وبرغم كل ما قدمته الزوجة إلا انه (ظل على السرير، لا يتحرك عيناه تزوجت بالسقف ورأسه لا يتحرك ولكنه لم يمت؟)
إدانة عبد الولي لنواتج الهجرة لم تقف عند القرية وانعكاساتها على الأرض المزروعة بل امتدت إلى المدينة والإنسان العائد من المهجر.. لقد تجلت قراءته العميقة لواقع ابن المغترب اليمني العائد إلى أرض الوطن في قصة أبو ريبة بصورة تدفع بكل قارئ لها لان يرفض الهجرة ومقابل ذلك يستنهض الهمم للنهوض من واقعه المزري.
« بعد خمس سنوات غادرت أديس أبابا إلى عدن وفي ضجيج مقهى من مقاهي الشيخ عثمان وأنا جالس احتسي قدحاً من الشاي لمحته مقبلاً.. صرخت.. أبو ريبة.. أبو ريبة.. التفت ألي وقبل ان أتمكن من القيام لمعانقته كان قد ترك المقهى وولى خارجاً.. جريت وراءه إلاّ انه غاب في الزحام.. كان في ملابس ممزقة وقدمين حافيتين وفي وجهه آثار بؤس».
ان العام الأول لعبد الولي في الوطن يكشف عن كاتب قضاه بين جحيم ما شهده في الوطن من مآسي وأحزان وعذاب تحويلهما إلى نصوص.. لقد كان عاماً محزناً لعبد الولي!!
قاهرة المعادي
التوق الذي جرى في دم عبد الولي لتغيير واقع وطنه المأساوي كما تجلى في قصصه دفع به إلى مواصلة التعليم –المرحلة الثانوية-وإفادة بلده والتي كانت تفتقر وبشدة إلى المتعلمين. كانت المحطة هذه المرة القاهرة وكما ذكرت سيرته الذاتية التي كتبها بخط يده
-سافر إلى القاهرة للدراسة في عام 1955م.
التحق بمدرسة المعادي النموذجية الثانوية والواقعة في العاصمة المصرية وتحديداً في حي المعادي.. ماذا يعني ان يصادف وجودك في القاهرة وتحديدا في مدرسة المعادي بعد خمسين عاماً بالضبط على التحاق عبد الولي بها.. سؤال لم اعثر له على إجابة لكني كنت واقفاً في ذلك اليوم قبالة المدرسة!
كانت القاهرة في خمسينيات القرن الماضي مقصداً لطلاب العلم والمعرفة وقد احتضنت واحدا من أهم رجالات السرد في بلادنا بل وأثرت مخيلته ورفعت من درجة ذائقته الأدبية إذ مكنته من أم معظم المحافل الأدبية وحضور العديد من الندوات وتكوين صداقات عديدة مع اغلب الأدباء والفنانين المصريين.. وفي مكتبتها الشهيرة مكتبة حلوان تعرف على « تشيكوف « و« جوركي « و» ديستيوفسكي « وعلى « نجيب محفوظ « و» عبد الحليم عبدالله « و» باكثير «. وقضى معهم أمتع لحظاته..
هل فكر محمد عبد الولي بالفارق الكوني بين مكتبة الجالية اليمنية بأديس أبابا والمتواضعة وبين مكتبة حلوان؟.. لا أحمل إجابة!
ورغم انشغاله بالدارسة والقراءة والكتابة إلاّ ان الوطن لم يغب عنه إذ شارك في تأسيس أول رابطة للطلبة اليمنيين والتي انعقد مؤتمرها التأسيسي سنة 1956م.
لكن كيف قامت دولة برعايته وتحت مبرر انتمائه لليسار طردته هو و(24) طالباً منهية سيرته الذاتية التي كتبها بخط يده قصته في مصر.
-طرد من مصر في يونيو عام 1959م بتهمة الانتماء إلى اليسار.
ان عملية طرده المشينة من القاهرة دعته إلى القول في حوار نشر في مجلة الحكمة بان على الدولة إذا أرادت ان ترعى الأدب والأدباء ان تترك الأدباء لشأنهم!
محمد عبد الولي.. موسكو
تذكر سيرته الذاتية التي كتبها بخط يده
– سافر إلى موسكو ودرس في معهد غوركي للآداب.
لكن ما لا تذكره انه قضى(23) عاماً في التنقل ما بين أثيوبيا واليمن والقاهرة قبل السفر إلى روسيا والتي انتهى من إكمال دراسته التي بدأها في أثيوبيا مروراً بالقاهرة وانتهاءً بروسيا وتحديداً في معهد غوركي للآداب محملاً بهموم وأثقال وطن يرزح تحت نير الفاقة والجهل.. ان رغبة عبد الولي في الاستفادة من قدرة الأدب على تغيير المجتمعات قاده لمواصلة دراسة الأدب في روسيا.
يلاحظ ان روسيا التي أنجبت كبار الأدباء في العالم لم تترك أثراً حقيقياً في إثراء نتاج عبد الولي كما تركته اليمن وأثيوبيا والقاهرة، بل على العكس بدا تقليده للكاتب الروسي مكسيم غوركي بارزاً وهائلاً لدرجة ان قصته «وكانت جميلة» لم تختلف في شكلها وإطارها عن قصة العمال لغوركي وأسلوبه في كتابتها أيضاً لم يختلف عن أسلوب كتابة رواية «الأم» لغوركي حتى ان القارئ ليتهمه بالاقتباس!!
وامام الأصوات القوية التي اتهمته بالاقتباس برز الأستاذ محمد عبد الله -كصوت وحيد-في كتابه (الشعر القصة المسرح) في محاولة شاقة ومضنية لنفي تهمة الاقتباس لدى عبد الولي مدافعاً عنه بقوله :(يصل محمد عبد الولي في اختياره لهذه القصة إلى مرتبة غوركي فكلاهما يعالج نفس القصة وان كنت أعتقد ان قصة «وكانت جميلة» لا يمكن ان يكتبها إلاّ من كان قد عاش حياة عبد الولي، ومعروف ان غوركي أديب عالمي والربط بينهما لا يدعونا لإغفال الفوارق الموضوعية بين فنيهما وأحب ان انوه ان قصة غوركي في واقعها وقضاياها تختلف كل الاختلاف عن قصة وكانت جميلة والتي تصور واقعاً يعرفه كل الناس في اليمن.. كل ما هنالك ان محمد عبد الولي بفكره الثاقب استطاع ان ينقل ألينا أكبر قضية شغلت اليمن في تاريخه الحديث مع الاختلاف الواضح بين أسلوب وطابع ومضمون القصتين)..
(البقية بموقع المجلة على الانترنت)
سجن وريحانة
تقول السيرة الذاتية التي كتبها بخط يده بانه:
-سجن لمدة عام في 1968م ثم ثمانية أشهر في عام 1972م..
انعكس اثر السجن في قصة واحدة كشفت وبشيء لا يوصف مدى العذاب الذي يلاقيه المسجون.
« الزنزانة صغيرة اثنا عشر قدما في ثمانية، أقدام التراب تجمع كبحيرات صغيرة في أنحاء الغرفة، وكل يوم ترسل صنعاء إلى الزنزانة المزيد من هذا الحبات الناعمة من ترابها « ورغم السجن لم ينسَ عبد الولي الوطن «لو كان يوجد ماء معي في الغرفة لحولتها-أي الوطن في دلالته الرمزية – إلى حديقة زهور.. زهور هنا في القلعة زهور يا رب ما ابعد الصورة».
ان عذابات السجن لم تمنع عبد الولي من النظر إلى الأفق بكثير من الأمل «فالفجر يرسل تباشيره من خلف جبل نقم هادئاً ولطيفاً والسماء صافية» والوطن المتمثل في شخصية ريحانة والتي كان يراها بطل القصة من فتحة صغيرة في السجن «هناك فوق سقف دار قريب تتفتح مع شعورها بالحرارة واستقبال رائع للضوء».. «بدت كفجر جديد.. بثوب ملون فوق سروال أخضر شعرها الأسود الطويل لا يزال متمرداً على المصر. يداها هذه المرة كانتا عاريتين حتى المرفق.. سواعدها بيضاء كزبدة الفجر.. عيناها شعاع الفجر كله.. كان ضوء الصباح يملأ المدينة وكانت هي مصدر ذلك الضوء الهادئ».. «.. تنقلت من أُصً إلى أخر بخفة ملاك.. نظرت مرتين إلى ما وراء سقفها.. أشارت بأناملها تحية لإنسان لم أره.. ربما لإمرأة أخرى مثلها فوق سقف أخر هناك، عادت إلى أصص الريحان وأنا أكاد أطير من فوق حائط السقف إليها.. قطفت غصن ريحان من إحدى الأصص واستنشقته بفرح الصباح. كادت أخشاب النافذة أن ترمي وجهي وأنا أحدق.. كنت أتنفس مع ندى الصباح ونسماته رائحة الريحان القادمة من عند جارتي التي لا تعرفني «.
ما بين السجنين
ما الذي حدث لمحمد عبد الولي خلال فترة ما بين سجنه الأولى والثانية والممتدة لثلاث سنوات وأربعة أشهر؟.. لقد انكب على كتابة عدة قصص منها ما ينعكس على سيرته عن حياة السجن وهما « العم صالح العمراني « و» ذئب الحلة «
للعلم أعيد بسببهما إلى سجن القلعة مكبلاً بالقيود لثمانية أشهر.. هل كان عبد الولي محقا في قدرة الأدب على تغيير المجتمعات والتي تجلت في إقدام أعداء التغيير على زجه السجون.
مشاهدات
من الطبيعي ان تتضمن سيرة أي كاتب مشاهدات عن وطنه تختلف في عمقها من كاتب سيرة لاخر.. عبد الولي الذي لم يكتب سيرته قدم صورة أوضح عن وطنه وذلك في رواية هامة.. قدرة الأديب عبد الولي على رصد تلكم المشاهدات رغم سنوات انشغاله بعدة أعمال انتهت بعمل أدبي يعتبر تحفة أدبية.. عمل أدبي يرصد واقع المهاجر اليمني وانعكاساته على اليمن من خلال وطنه اليمن. !!
يموتون غرباء
تحكي رواية «يموتون غرباء» وهي أول رواية كتبها عبد الولي قصة مشوقة ومحزنة في آن معاً عن حياة المهاجرين اليمنيين في أثيوبيا
عبده سعيد الشخصية الأساسية في الرواية.. يمني مغترب في أثيوبيا.. عمل في البداية جمالاً وتمكن من فتح بقالة في أديس أبابا.. يتضح طموحه بالعودة إلى قريته في اليمن بعد 16 عاماً من الهجرة وجمع المال في أثيوبيا من اجل ان يقال عنه انه احد أغنياء القرية..
« سيعود وسيقيم أضخم وليمة عرفتها القرية سيجعلهم يتحدثون عنه لا أياما ولكن شهورا متواصلة. لقد تعب كثيرا – وقد آن الأوان لكي يستريح إلى الأبد «
وعلى رائحة اللهب الأحمر المنبعث من المدفأة الجديدة والذي أشعله في دكانه بهدف طرد رائحة المواد الغذائية تعتري النشوة عبده عندما يتخيل منظر أهل قريته وهم يروونه يرفل في النعيم.. يستغرق في النوم متناسياً الدخان المتصاعد ويموت غريباً في أثيوبيا.
قد يكون عبده سعيد مات غريبا كغيره من اليمنيين المهاجرين في أثيوبيا والذين يموتون غرباء ولأسباب كثيرة لكن.
الرواية والتي أدانت بشيء من الحزن عبده سعيد الذي يمثل الإنسان اليمني المهاجر بأنه أي عبده هذا المهاجر لم يترك شيئاً طيباً في حياته لأرضه في قريته ولا لزوجته التي هجرها ولم يساهم في تحرير وطنه كما المئات من المهاجرين والذين كانت لهم إسهامات بارزة في تقديم العون لحركة الأحرار بل ولم يقدم لبلد المهجر سوى أولاداً لم يعترف بحقهم في انتسابهم إليه.. لقد كان مماته مفزعاً وكارثياً إلى هذا الحد.. بالنسبة لقضية التمييز والتي شرحتها سابقا يتضح ان سكرتير احد التجار اليمنيين الكبار وهو من أب يمني وأم أثيوبية يعاني الأمرين جراء التمييز الواقع عليه.. حتى انه يقوم من فرط حزنه بتبني ابن عبده سعيد الذي رفض الاعتراف به
«يقولون عليه « مولّد « وأين هي أرضه ؟ وأين هو شعبه؟ لذلك كان السكرتير ينظر إلى الطفل بحنان وبحب أيضاً أنه مثله، الفارق بينهم أن أباه يعترف به كابنه وهذا الطفل يرفضه أباه. أنه يعترف به ولكنهم أخوة! إنهم في مكان واحد. وفي شعب واحد، إنهم الضائعون الذين سيبقون دائماً معلقين في المنتصف يجذبهم حبل إلى مالا نهاية ولا يستطيعون مطلقاً أن يحددوا مصيرهم فلذلك فهم غرباء حتى ولو وجدوا في النهاية المكان الذي يحتمون به. «
العودة إلى الوطن
ذكرت السيرة الذاتية انه:
-عاد إلى اليمن بعد قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م
-اشتغل في عدة مناصب في مكتب رئيس الجمهورية ثم قائما بأعمال –سفارات الجمهورية العربية في موسكو وبرلين ومقديشو وأخيرا مديرا عاما لشركة الطيران اليمنية
-أسس الدار الحديثة للطباعة والنشر بتعز
ثمة تعلق كبير بين العام 1962م وعودة عبد الولي.. فذلك العام شهد ثورة على الحكم الأمامي البغيض الذي كتم على أنفاس البلد ومنع كل مبادرات تطويرها.
ولترتيب الأحداث زمنياً عمل في البداية مديراً عاما للطيران اليمني في تلك الفترة أنجب من زوجته « مُشَلّى « كل من بلقيس وأيوب.. بعد ذلك تقلّد منصب مدير عام مكتب رئاسة الجمهورية ومن ثم قائما بأعمال السفارة في موسكو وبرلين ومقديشو وأثناء عمله خارج الوطن تزوج من امرأة سويدية وأنجب منها ابنتيه سارة وفاطمة
لقد نجح عبد الولي في إثارة قضية الهجرة.. أدانها باعتبارها خيانة وشرح معاناة أبناء المهاجرين والوطن الأم بلغة ضربت بمفردات الوعظ والخطابة عرض الحائط مقابل استبدالها بلغة أخرى ساحرة ومدهشة.. قريبة من نبض الشارع..
الهجرة كمفردة لها وقع السحر في مجتمعنا المهاجر وتوظيف عبد الولي لهذه المفردة في أعمال روائية حررها من سلطة الإقطاع (المكان العام) ووعظ الفقيه العالم بالأحوال (المكان الخاص) لهو التحول الأهم والذي فتح فعليا كل الطرق واسعة ولكل الناس وعلى اختلاف أطيافهم وتلاوينهم ليصنعوا نهضتهم.
ومثل الكثير ممن ذاقوا مرارة الهجرة والاغتراب تفرد بتحويل هذه المرارات إلى أعمال قصصية وروائية استطاعت تصحيح المسار التقليدي للرواية على عده خطوط وعلى عدة جبهات
الأولى :- التحرر من دائرة المؤسس المبني وفق قاعدة اجترار الماضي والتبشير بالتغيير دون شرح كيفية حصوله
ثانيا:- ترسيخ جذور الرواية المقروءة في القاعدة الجماهيرية..
ان اليمن وإلى الان لم تشهد كاتبا بهذا الحجم من الرقي الفكري والقدرة الفذة على التناول الجريء للقضايا ومحاولة إصلاح الاعوجاج.
صنعاء مدينة مفتوحة
في روايته صنعاء مدينة مفتوحة تفنن عبد الولي في تصوير غشم السلطة الامامية وعدائها للمجتمع وعبر عن سخطه لشخص الحاكم من خلال شخصية البحار الذي يدخل قلاع الامامة الظالمة بيت عامل زبيد – وقد كان البحار في السادسة عشرة آنذاك ونجح في معاشرة بعض حريم البيت في انتقام أخلاقي.. قصورهم تفضح نفسها بانحلال نسائها، لقد اخذ البحار في النهاية ما أراد ثم ولي هاربا عبر البحر منتصرا برجولته على تسلط الإمامة. باختصار جسدت الرواية طابع الصراع الاجتماعي والسياسي في حقبة النضال السياسي المنظم ضد الإمامة، كما جسدت بامتلاء شخصياتها وتنوع مصائرها، توق الشعب اليمني عامة إلى كسر سجن الطغاة وبناء عالم أفضل.
بعد هذه الرواية كتب عبد الولي عددا من القصص بعضها طبع وبعضها نشر وبعضها الأخر لم ينشر او يطبع كما سيتضح من الببلوجرافيا المرفقة الخاصة باعماله، وخلال تلك الفترة الممتدة لـ(11) تعرض للسجن عدة مرات بتهم ما انزل الله بها من سلطان.
النهاية
« لقد نجوت هذه المرة، ويبدو أن حاسة الشم عندي قد تطورت، وإلاّ لكنت معهم بدون سبب، إذن ليس هناك حل بالنسبة لي سوى الهجرة «
محمد عبد الولي عقب اعتقالات أبريل وفي آخر ليلة وهو في طريقه إلى المحافظة الرابعة.
نعم لقد نجا عبد الولي من السجن آخرها سجنه في تعز بتهمة الانتماء إلى اليسار وحصل بأعجوبة على تصريح من القاضي عبد الرحمن الارياني رئيس اليمن الشمالي آنذاك لمغادرة المدينة إلى عدن ومنها إلى بلد المهجر حيث لا اعتقالات ولا سجون.
لم يتجاهل محمد عبد الولي وطنه وهو في ذروة رغبته بالهروب والهجرة وفي قمة خوفه من ان يتعرض للسجن والقتل إذ وافق مع مجموعة من الشخصيات الهاربة من الشمال وبكل حب على عرض تقدمت به قيادة الحزب الاشتراكي الحاكم آنذاك للتشاور برغم أنهم مصنفين لديهم كخارجين عن خط الحزب وأيدلوجيته، وقبل ذلك أخذهم في رحلة خاصة تهدف كما قيل لهم إلى «تعريفهم على معالم البلد –محافظات الجنوب آنذاك-».
الزمان: صبيحة 30 إبريل 1973م
المكان : مطار عدن الدولي
الطائرة: روسية الصنع
نوعها: أنتينوف
صعد عبد الولي الطائرة وهو يحمل حقيبة تحتوي على عدة نصوص قصصية ومسرحية لم ينشر وقبل الإقلاع بلحظات وكانت تقل (42) شخصية سياسية ودبلوماسية وثقافية:يترجل من الطائرة عدد من الشخصيات منهم حسب ما تردد عبد الله الاشطل سفير اليمن الجنوبي في الأمم المتحدة آنذاك وعلي باذيب.
في تمام الساعة الـ10 صباحا أقلعت الطائرة مطار عدن وفي تمام الساعة الـ 12 ظهرا هبطت الطائرة في مطار شبوة.
هل اقترب احد من الطائرة ووضع فيها شيئا؟
استأنفت الطائرة رحلتها بعد ساعة إلى حضرموت وما ان أقلعت وصارت في الجو حتى انفجرت لتقضي على حياته القصيرة والتي لم تتعد الـ34 عاما.
دمعة
لقد تعرف الروائي الكبير محمد عبد الولي على معالم بلده في الشمال من خلال السجون وتعرف على معالم بلده في الجنوب من خلال أشلائه المحترقة.. المحترقة.. !!
ببلوجرافيا
إعماله المطبوعة:
مجاميع قصصية:-
الأرض يا سلمى.. مجموعة قصصية.. دار العودة.. محمد عبد الولي 1966م..
شيء اسمه الحنين.. مجموعة قصصية.. دار العودة ,,محمد عبد الولي 1972م
روايات:-
يموتون غرباء.. رواية.. دار العودة.. بيروت.. محمد عبد الولي عام 1971ط1 و1971ط 2
صنعاء مدينة مفتوحة.. رواية.. دار العودة… محمد عبد الولي عام 1977م
أعمال نشرت وأخرى لم يكملها:-
مجاميع قصصية:-
ريحانة
مجموعة قصصية.. نشرت في عدد من الصحف (بدون عنوان)
روايات:-
لا يوجد
مسرحيات:-
مسرحية الشيخ بشر الحافي.. (غير كاملة)
مشهد مسرحي.. نشر جزء منها بمجلة الحكمة
أعمال مفقودة
ثلاث مجاميع قصصية
مسرحية
المحور السادس: (الببلوجرافيا)
ببلوجرافيا بالإصدارات الروائية
مقدمة ببلوجرافية:
أكثر من (1200) أديب أعضاء في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وقبل تأسيس الاتحاد، أي خلال الفترة (1911م-1971م) عرفت الساحة الثقافية اليمنية –المحلية والمهجرية -حوالي (138) أديبا بإجمالي (1338) أديبا ونتج عن هؤلاء الأدباء (850 ) ديوانا شعريا و(178) مجموعة قصصية و(142) رواية وأقل من (88) إصدار نقدي بإجمالي (1298) إصدارا أدبياً.
كل ذلك النتاج الأدبي المستند وفق مفهوم أوروبا الحديث للأدب (شعر، قصة، رواية) أنجز منذ العام 1927م وحتى العام 2013م.
الروايات والرواة:
بلغ عدد الروايات منذ العام 1927م وحتى العام 2010م (152) رواية (136) رواية طبعت و(16) نشرت لـ(82) روائيا وروائية (72) روائي و(10) روائية
ببلوجرافيا الرواية:
في ملفنا هذا نقدم ببلوجرافيا كاملة بالإصدارات الروائية اليمنية.. ببلوجرافيا قارنت بين أهم كتب الببلوجرافيا، بالإضافة إلى المتابعة المتفحصة للمشهد الروائي فإلى الببلوجرافيا:
1920-1930( )
م الرواية المؤلف مكان النشرتاريخ النشرالناشرالبيان
1فتاة قاروت
أو
مجهولة النسب السقاف، احمد اندنوسيا
جاوه1927مطابع البرق بالصولوطبعت على نفقة الشيخ محمد بن سالم
2الصبر والثبات
أو
ضحية التساهل السقاف، احمد اندنوسيا
جاوه1929 # # = =
1930م-1940م
م الرواية المؤلف مكان النشرتاريخ النشرالناشرالبيان
3سعيدلقمان، محمد علي إبراهيم عدن 1939مالمطبعة العربيةنشرت ضمن مجلة الثقافة الجديدة.. عدد(4) 1991.. أعيد طباعتها ضمن كتاب «المجاهد لقمان»2005م
1940م-1950م
مالرواية المؤلف مكان النشرتاريخ النشرالناشرالبيان
4القسباكثير, علي احمد القاهرة1944-
5وا.. اسلاماهباكثير, علي احمدالقاهرة1946-
6ليله النهرباكثير, علي احمدالقاهرة1947-
7كملاديفي
أو
ألام شعب وأمالهلقمان، محمد علي عدن1947المطبعة العربية
8يوميات مبرشتارسلان، الطيب عدن1948ممطبعة فتاة الجزيرةأعاد اتحاد الأدباء والكتاب إصدارها في عام 2005م
1950م-1960م
م الرواية المؤلف مكان النشرتاريخ النشرالناشرالبيان
– حصان العربةعبده، علي محمد عدن1959منشرت مسلسلة بصحيفة الكفاح
9سيرة الشجاعباكثير، علي احمدالقاهرة1956ممكتبة مصر
1960م-1970م
م الرواية المؤلف مكان النشرتاريخ النشرالناشرالبيان
10مأساة واق الواقالزبيري، محمد محمود بيروت1960مدار العودة ط2: دار الكلمة 1985م
-مذكرات عاملعبده، علي محمد عدن1966ممسلسلة بصحيفة الطريق
11ملحمة عمر (تاريخية)باكثير، علي أحمد الكويت1969مدار البيات
12القات يسمم حياتنا رمزية عباس الاريانيتعز1969مد. ن
1970م-1980م
م الرواية المؤلف مكان النشرتاريخ النشرالناشرالبيان
13مصارعة الموتالسيلاني، عبد الرحيم تعز1970مالدار الحديثة للطابعة والنشر
14ضحية الجشع الارياني، رمزية عباس تعز1970مدار القلم
-العودة إنها النهايةبجاش، عبد الرحمن صنعاء1975م-نشرت مسلسلة بصحيفة الثورة
-صوت من الماضيأبو انمارصنعاء1975م-نشرت مسلسلة بصحيفة الرسالة
-مجمع الشحاذينالضوراني، عبد الوهاب صنعاء1976م-نشرت مسلسلة بصحيفة الثورة
-غرباء في أوطانهمالعليمي، أحمد محمد تعز1976م-نشرت مسلسلة بصحيفة الجمهورية
-الخاتم المجهولالمرتضى، عبد الكريم تعز1976م-نشرت مسلسلة بصحيفة الجمهورية
-مرتفعات ردفانمسيبلي، حسين صالح عدن1976م-نشرت مؤسسة 14 أكتوبر
15طريق الغيومباصديق، حسين سالم بيروت1977مدار الفارابي
16صنعاء مدينة مفتوحةعبدالولي، محمد أحمد بيروت1978مدار العودة
17الميناء القديمصغيري،محمود دمشق1978ماتحاد الكتاب العرب
18قرية البتولحنيبر،محمد دمشق1979معالم الكتب
-الأرض يا سلمى عبدالولي،محمد أحمد بيروت1979مدار العودة
1980م- 1990م
م الرواية المؤلف مكان النشرتاريخ النشرالناشرالبيان
19سفينة نوحباوزير، عبد الله سالمعدن1981ممركز عبادي للدراسات والنشر
20صراع في جزيرة الذهبالقاضي، عبد المجيد سوريا 1982ماتحاد الكتاب العرب
21ربيع الجبالمثنى، محمد عدن1983مدار الهمداني
22الإبحار على متن حسناباصديق، حسين سالم بيروت1984مدار الفارابي
23الرهينةدماج، زيد مطيع بيروت1984مدار الآدابط2: دار رياض الريس ط3: الهيئة المصرية للكتاب1997م
ط4: مكتبة الاسرة 1999م
-أشرقت الشمسالصرحي، سلوى محمد صنعاء1984ممسلسلة بصحيفة الثورة
24الثائر الأحمر (تاريخية)باكثير، علي أحمد القاهرة1985ممكتبة مصر
-صراع مع الحياةالصرحي، سلوى محمد صنعاء1985ممسلسلة بصحيفة الثورة
-ويبقى الأملالصرحي، سلوى محمد صنعاء1986ممسلسلة بصحيفة الثورة
25هموم الجد قوسممثنى، أحمد بيروت1988مدار الحداثة
26عذراء الجبلباصديق، حسين سالم عدن1988مدار الهمداني.. وزارة الاعلام
27ركام وزهرالارياني، يحيى علي بيروت1988مدار التنوير
28مدينة الصعودمثنى، محمد عدن–ط2: دار أزال بعنوان»مدينة المياة المعلقة»
29مشاهد طويلة من الحكايةالارياني، يحيى علي بغداد1990مدار الشئون الثقافية
1990م- 2000م
م الرواية المؤلف مكان النشرتاريخ النشرالناشرالبيان
-الفرزةالمقرمي، عبد الملك صنعاء1991 منشرت بمجلة الحكمة العدد(4,5) ديسمبر
30الفارس الجميلباكثير، علي أحمد مكتبة مصر1993م
31الُمبشّعبركات، أحمد قايد صنعاء1993مدار الصحافة
32شمرّ يهرعشخالد،أنور د. م1993مد. ن
33مبادئ لا تباععمر،أحمد محفوظد. مد. تد. ن
-السمار الثلاثةعولقي، سعيد صنعاء1993منشرت مسلسلة بصحيفة الثورة
34مسرح السياسةباكثير، علي أحمد لندن1995مرياض الريس
35يا طالع الفضاءباوزير، عبد الله سالمصنعاء1995ممركز عبادي للدراسات والنشررواية قصيرة
36شيزانالارياني، يحيى علي صنعاء1997مالمؤسسة الجامعية
37أحلام نبيلةعبد الله، عزيزة مصر1997ممكتبة خانجي
38شارع الشاحناتسيف، محمد سعيد صنعاء1998ماتحاد الأدباء اليمني
39منازل القمر(3أجزاء )بركات، أحمد قايد صنعاء1998مدار الصحافة
40القرية التي تحلمفدعق، أحمد عبدالله عدند. توزارة الثقافة
41دار السلطنةالارياني، رمزية عباس صنعاء1998م-
42نحو الشمس… شرقاًالارياني، يحيى علي بيروت1998مدار أزمنة
43أركنها الفقيهعبد الله، عزيزة القاهرة1998ممكتبة الخانجي
44طيف ولايةعبد الله، عزيزة صنعاء1998مطابع التوجيه المعنوي
45الخروج من زقاق الغولبركات، أحمد قايد صنعاء1999مدار الصحافة
46زهرة البنزيد، على محمدبيروت1998مدار الكنوز الأدبية
47محاولة اغتيال حلمباوزير، عبد الله سالم صنعاء1999ممركز عبادي
48الملكة المغدورةالسروري، حبيب عبد الربصنعاء1999ممؤسسة المهاجر
ط2:وزارة الثقافة والسياحة2004م
ترجمت للفرنسة
49عرق الأرضسعيد، محيي الدين علي1999متعزمركز عبادي للدراسات والنشر
2000م- 2010م
م الرواية المؤلف مكان النشرتاريخ النشرالناشرالبيان
50رحلة إلى وادي العسجدالشلال، ابو الفصبصنعاء2000مركز عبادي للدراسات والنشر
51المدار الغربيبركات، أحمد قايدصنعاء2001مدار الصحافة
52سنوات البراءةبركات، أحمد قايدصنعاء2001مدار الصحافة
53وسام الشرفمثنى، محمد صنعاء2001ممركز عبادي
54دموع الأملالبواب، عبد الله علي صنعاء2002مم/ خالد بن الوليد
55من مأرب إلى طشقندجلال، علي صنعاء2002مالهيئة العامة للكتاب
56قوارب جبليةالاهدل، وجدي محمد صنعاء2002ممركز عبادي + نادي القصة
57عرق الأرضمحي الدين علي سعيدصنعاء2002ممركز عبادي + نادي القصة
58رجال الثلجمجلي، عبد الناصر صنعاء2002 ممؤسسة العفيف
59المدينة الفاضلةبا جنيد، أمين صنعاء2002منادي القصة
60قصر الرعبالبواب، عبدالله عليصنعاء2002ممركز عبادي
-الومضات الأخيرة في سبأالاهدل، وجدي محمدصنعاء2002منشرت مسلسلة بالثقافية
61أنه جسديالزبير، نبيلة القاهرة2002مقصور الثقافة مصر
62تهمة وفاءعبد الله، عزيزة القاهرة2002م-
63جذور لا تموتفدعق، أحمد عبدالله د. ن2002م-
64معرض الجثثالإرياني، بلقيس مالك د. ن2002م-
65ذاكرة لا تشيخالعمري، نجلاءصنعاء2002ممؤسسة العفيف الثقافية
66ملوك لسماء الأحلام والأمانيهيثم، هند محمد صنعاء2003ممركز عبادي
67كائنات خربةالشاطبي، سامي صالح صنعاء2003ممركز عبادي
68الوشاحأم عمارةصنعاء2003مم/ خالد بن الوليد
69حرب الخشبهيثم، هند محمد صنعاء2003ممركز عبادي
70نهايات قمحيةجازم، محمد عبدالوكيل 2003ماتحاد الأدباء
71للألم مواسم أخرىالشاطبي، سامي صالح صنعاء2003ممركز عبادي
72الكهف المهجورالحيدري، مهدي صنعاء2003مالهيئة العامة للكتاب
73المكلاباعامر،صالح سعيد صنعاء2003ماتحاد الأدباء
74سانت مالوسروري، حبيب عبد الربصنعاء2003ممؤسسة العفيف الثقافية
75طريق البخوريحيى، منير طلال صنعاء2004 موزارة الثقافة ولسياحة
76دملانالسروري، حبيب عبد الرب صنعاء2004ممؤسسة العفيف
77الجثَّــــةشايف، محمد عليصنعاء2004ممركز عبادي للدراسات والنشر
78أحلام الفتى سالمالخوبري، محمد صنعاء2004ممركز عبادي للدراسات والنشر
79جاسوس في صنعاءالضَالعي، محمد عباس صنعاء2004ممركز عبادي للدراسات والنشر
80الطاووسةشمس الدين، بسام صنعاء2004موزارة الثقافة والسياحة
81موطن الأحزانالهندي، محمد قاسم صنعاء2004موزارة الثقافة والسياحة
82ديك الرسامالنوري، اشرف محمد صنعاء2004وزارة الثقافة والسياحة
83الناقلة بلو اوشنرالزريقي، علي محمد صنعاء2004موزارة الثقافة والسياحة
84صنعاء الوجه الأخرإسحاق، إبراهيم 2004مدار الهلال
-عرس الوالدعبد الله، عزيزة صنعاء2004مدار النهار
85السيف اليمانيالعمودي، يحيى عبد الله صنعاء2004موزارة الثقافة اليمن
86جغرافية الماءمجلي، عبد الناصر تعز2004 ممركز عبادي للدراسات والنشرنشرت ايضا مسلسلة بصحيفة الثقافية
87تصحيح وضعزين، أحمد مرزوق صنعاء2004موزارة الثقافة والسياحة
88حمار بين الأغانيالأهدل، وجدي لندن2004مدار الريس
89تحولات المكانزيد، علي محمد صنعاء2005ممؤسسة العفيف
-زهافارعبد الباقي، ياسر عدن2005ممسلسلة في صحيفة الأيام
90طائر الجبل وجبل الظلامناجي، احمدصنعاء2004ممطبعة البراق
91ليلة فرح في بحر صيرةالكهالي، صالح قائدصنعاء2004ممركز عبادي للدراسات والنشر
92سفوح المجدأم عمارةصنعاء2005مكتبة خالد بن الوليد
93مسرح السردابشايف، محمد علي صنعاء2005 ممركز عبادي للدراسات والنشر
94هذيان المرافئالعبد، سالم صنعاء2005 ممركز عبادي للدراسات والنشر
95جنائز الظلامالعميثلي، مناّع مانع صنعاء2005 ممركز عبادي للدراسات والنشر
96مورانعبد الباقي، ياسرعدن2005 ممجلة المنارة، اتحاد الادباء فرع عدننشرت أيضا مسلسلة في صحيفة الأيام
97صائد الفرائس
«أخر صيحات رجل يموتالصوفي، احمد عبد اللهصنعاء2006ممركز عبادي للدراسات والنشر
98مذكرات مولّد طيبالشاطبي، سامي صنعاء2006ممركز عبادي للدراسات والنشر
99بدون مللالارياني، عبد الله عباسصنعاء2006ممركز عبادي للدراسات والنشر
100لغة القلوب في زمن الحروبحزام، محفوظ عبد اللهصنعاء2006ممركز عبادي للدراسات والنشر
101عذاب الذاتالعميثلي،مناع مانعصنعاء2006ممركز عبادي للدراسات والنشر
102حب ليس إلاالكوكباني، ناديةالقاهرة2006مدار ميريت
103النزيف المرالعميثلي،مناع مانعصنعاء2006ممركز عبادي للدراسات والنشر
104ذكريات مفقودةالمذابي، هائلصنعاء2006ممركز عبادي للدراسات والنشر
105أصل الحكايةنعمان،ياسين سعيدصنعاء2006مالهيئة العامة للكتاب
106الانس والوحشةهيثم، هندصنعاء206ممؤسسة الميثاق للطباعة
107الباحث عن الذاتالحوثي، يحيى محمدصنعاء2006ممركز عبادي للدراسات والنشر
108قهوة أمريكيةزين، احمدبيروت2007مالمركز الثقافي العربي
109قصة إرهابيعبد الله، حسينصنعاء2007مركز عبادي
110رواية السيد (م)عبد الفتاح، سميرصنعاء2007مركز عبادي
111حكايات العم قاسمبجاش، عبد الرحمن صنعاءاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين
112الصعود إلى نافعالإرياني، عبد الله عباس صنعاء2007مركز عبادي للدراسات والنشر
113الضباب أتى الضباب رحلجازم، محمد عبد الوكيل صنعاء2007دار نجاد للطباعة والنشر
114حقل الفؤادمحسن، محمد علي صنعاء2007صنعاء مركز عبادي
115طوفان الغضبطلال، منيرصنعاء2007الهيئة العامة للكتاب
116فيلسوف الكرنتينهالأهدل، وجدي صنعاء2007مركز عبادي
117الدائرة المقدسةشمس الدين، بسامصنعاء2008مركز عبادي للدراسات والنشر
118الرجل الحوتالسقاف، حسين حسن صنعاء2008مركز عبادي للدراسات والنشرنسخة إلكترونية
119ابن النسر (السقوط)عبد الفتاح، سمير صنعاء2008مركز عبادي للدراسات والنشر
120الغُرمالإرياني، عبد الله عباس صنعاء2008مركز عبادي للدراسات والنشر
121طعم أسود.. رائحة سوداءالمقري، عليبيروت2008دار الساقي
122اغتيال السباتالحداد، محمد سالم صنعاء2008دار نجاد للطباعة والنشر
123وجه نحس بالكادعثمان، محمدصنعاء2008مركز عبادي للدراسات والنشر
124كود بلوالغفوري، مروان القاهرة2008دار أكتب للنشر والتوزيع
125بلاد بلا سماءالأهدل، وجديصنعاء2008مركز عبادي للدراسات والنشر
126صحيفة دنماركيةالسقاف، حسين حسن صنعاء2009مركز عبادي للدراسات والنشر
127اثنان من صنعاءعبد الله، عزيزةصنعاء2009مركز عبادي للدراسات والنشر
128مئة عام من الفوضىالإرياني، عبد الله عباس صنعاء2009مركز عبادي للدراسات والنشر
129اليهودي الحاليالمقري، عليبيروت2009دار الساقي
130خيانة البحرالشميري، فؤادصنعاء2009مركز عبادي للدراسات والنشر
131المداح والموتالخوبري، محمدصنعاء2009مركز عبادي للدراسات والنشر
132يوم الحشيشالخوبري، محمدصنعاء2009مركز عبادي للدراسات والنشر
133مصحف آخرعمران، محمد الغربي لندن2009رياض الريس، لندن
134عقيلاتالكوكباني، ناديةصنعاء2009مركز عبادي للدراسات والنشر
135وحيدةعبد الباقي، ياسرصنعاء2009مركز عبادي للدراسات والنشر
136الحرامالنفيلي، عبد القادر مهدي ابين-زنجباربدون تاريخدون ناشر
معد الملف
سامي الشاطبي
عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين منذ 1999م
صدر له :-
– الأنوات.. مجموعة قصصية.. 2000
– كائنات خربة.. رواية.. 2003م
– للأمل مواسم أخرى.. شبه رواية.. 2003م
– القضاء على جذور العنف.. دراسة تاريخية.. 2004م
– نهايات مزورة وتواريخ في الجحيم.. مقالات 2005م
– مذكرات مولّد طيب.. رواية قصيرة.. 2006م
– هي الأرض.. قصص قصيرة.. 2006م
– النتاج السردي اليمني.. دراسة.. 2006م
– مشروع ابتسامة.. رواية.. 2012م
– له عدد من الأعمال الإذاعية والتلفزيونية.. منها تحويل عدد من قصص محمد عبد الولي لاعمال إذاعية.. اذاعة سيئون2010م
– يعمل حاليا مديراً لتحرير مجلة الثقافة الصادرة عن وزارة الثقافة
-سكرتيرا لتحرير صحيفة المهاجر اليمنية الاسبوعية