فيوليت أبو الجلد*
– 1 –
لا تلمسني حين أبكي،
أنا بكيت لأن أحدهم لمسني.
لأني خلف الأعين السرية لأبواب
الجحيم ترددت طويلا،
وحين مسني الحب تداعيت وانهمرت.
لأني في صدأ الكلمات
تواريت كثيرا،
ورحت أشيخ
حتى ابيضّت يداي،
ورحت أموت
حتى اخضرّ دمعي.
– 2 –
لولا التأويل
لادّخرنا مخالبَنا لمعاركَ أكثرَ شراسةً.
لكنّنا نورقُ بالتخيّل؛
نعرِّشُ على الجمر كالحُجّاج؛
نسّاكُ المعرفةِ المبكّرة،
والحزنِ المتأخّرِ حتّى مطلع اليأس.
لم أعدْ أكتبُ عن الحبّ:
فالرجلُ الذي ذهبتُ قبله إلى حربه
مات في حضنِ امرأةٍ أخرى،
مات في بريدِها الآمن،
مات مكرَّرًا كما لا يليق بالشعر ولا بالتأويل.
متواطئًا مع الصعاليك والبرابرة والمنبوذين،
رأسي!
رأسي، الذي ادّخرتُه لحبٍّ أكثرَ شراسةً،
يفتتح كلّ مساءٍ عزلتَه
بأغنيةٍ خفيفةٍ
وليلٍ ثقيل.
– 3 –
أبحث كلّ صباح عن خبر موتِكَ
في صحفِ بيروت التي لم تعد تصدر،
في حاناتِها المهدَّدة،
وفي أزقّتها المرمَّمة فوق جماجم أهلها.
أحملُ في جيبي اسمَكَ،
في الآخَرِ حفنةَ آلهةٍ،
وكمّا هائلًا من الملائكة.
أنا ربّةٌ حين أكتبُ،
ربّةٌ حين أُحبُّ،
النسّاكُ في مغاور الجبال عِبادي،
أملكُ أرضًا وبحرًا وسماءً
لكنّي أنتظرُ موتَكَ لأكتملَ بجمالي.
أستمعُ كلَّ مساءٍ إلى نشراتِ الأخبار :
قتلى وجرحى وحروب.
غير أنّك آمنٌ كحبلٍ سرّيّ،
آمنٌ كشاعرٍ على منصّة،
متواطئٌ مع التصفيق الحار لقصيدةٍ باردة،
. ولموتٍ ناقصٍ بين مخالب هذا النصّ الحزين
– 4 –
مجرّدُ أبوابٍ سحريّة لا تُفتح للأحبّة،
ولا تُغلق عليهم.
في مرفأ الغرباء ترسو المراكب
التي جذّفتْ طويلًا في الرضا.
مجرّدُ حمّى تتفشّى في الأجساد المعتمة.
حبالٌ سرّيّةٌ بين ما قلنا وما فعلنا.
مجرّدُ وقاحةٍ هذا الإسرافُ في الحبّ:
سيلٌ من الشتائم لا تترجَم إلى لغةٍ عالقةٍ في حلق الحروب،
في نشرات الأخبار،
وفي الصحفِ الساقطةِ سهوًا
من أصابع المدنِ الجميلة.
من الشبح ونقيضه يُولد الشعرُ؛
من مراكبَ جذّفتْ طويلًا في حيرةِ
مَن غادروا وما غادروا،
ومن مجرّد أبوابٍ سرّيّةٍ بين ما قلنا وما فعلنا.
– 5 –
سنرحل الى حيث يذهب الناس في الأغاني،
هناك في الموسيقى
ستدمع امرأة تشبهني
يطفئ رجل قلبه،
ستشتعل البيوت والمقاهي والأزقة بنا،
نلمع على شفاه المغني،
نطرب السكارى في الحانات،
ربما ترقص عاشقة
ربما تنوح.
سنغادر كما يغادر الجمهور حفلة ناجحة
بالتصفيق والورد،
سينتهي كل شيء بوردة ذابلة
بيد وحيدة،
لا تكفي
يد تلوح في أغنية،
في هذه الأغنية.