«أنا رجل أعتقد أن الإنسان مهما حاول أن يتعلم، فإنه يبقى إلى خاتمة حياته جاهلًا، كل ما يصل إليه من العلم هو نقطة من بحر لا ساحل له. ثم إني ما زلت أشعر أني طالب علم، كلما ظننت أني انتهيت من موضوع، وفرحت بانتهائي منه، أدرك بعد قليل أن هناك علمًا كثيرًا فاتني، وموارد جمّة لم أتمكن من الظفر بها، فأتذكر الحكمة القديمة (العجلة من الشيطان)».
د. جواد علي؛ نقلاً عن مقدمة «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام»
يمثلُ تراث الدكتور جواد علي بحدِّ ذاته، وبإحاطته الموسوعية، مؤسسة قائمة على حفظِ ذاكرةِ العربِ قبل الإسلامِ من الطمسِ، والاندثار، والتزوير، والعبث؛ إذ يعيد المؤرخ العراقي الراحل سرود التاريخ في سياق الحدث كما تمَّ، بعدَ أن يفنِّدُ الرواياتِ المغلوطةِ، ويتفحص الروايات الأخرى، ويقومُ بغربلتها، ونقدها نقداً موضوعيًّا محايدا، عبر عمليةٍ تقومُ على التحقق من المعلومات الواردةِ في مصادرها المختلفة، وبلغاتها المتعددة.
في السابقِ، وقبلَ ظهور أعمالهِ الموسوعية، كان الاستشهادُ حول تاريخ العرب قبل الإسلام يتمُّ عبر المستشرقين، وكتاباتهم، ونفسهُ الدكتور جواد كان يذكرُ ذلك، إلا أنه غيَّر هذه المعادلة، بعدَ أن قدَّم موسوعتيهِ الشهيرتين، فأصبحَ المستشرقون، ويسميهم المستعربين، يقولون «قال الدكتور جواد علي كذا وكذا»(1)!.
منهج علمي صارم
بدأت رحلتهُ مع التاريخ منذُ صغرهِ، إذ كان مولعاً بهِ، ويذكر في حوار أجرته معه مجلة «ألف باء» العراقية عام 1978م، أنه كان طوال سنوات دراسته متفوقاً على أقرانه في هذا الحقل، حاصدا أعلى الدرجات العلمية، إلى أن تحولت الهوايةُ إلى تخصص، فانتقل إلى ألمانيا في بعثةٍ حكومية لدراسة التاريخ في العام 1933م، في مدينة هامبورغ التي كان فيها عُلماء مختصون في الآشوريات وتاريخ المشرق ومنهم «مايسنر» و«منوخ»، وهما كما أشار جواد علي نُفيا عن برلين لأنهما كانا معارضين للزعيم النازي أدولف هتلر.
وينوهُ المؤرخ العربي الموسوعي، إلى أن من يريد دراسة التاريخ، والبحث فيه، والتأليف، لاسيما ما يتصل بتاريخ العرب ما قبل الإسلام، عليه أن يتقنَ اللغات القديمة، فهو إلى جانب ما تعلمهُ من «السريانية والعبرية واليونانية» ولغات لاتينية أخرى، أتقن اللهجات العربية القديمة، علاوةً على إلمامهِ بالفلسفةِ، ويعلقُ حول أهمية إتقان هذه اللغات واللهجات، أن هنالك إشارات واضحة حول العرب وتاريخهم فـ «إذا كنا نجهل المصادر يصبح من العسير علينا الكتابة خصوصا أن هذه المصادر مكتوبة بهذه اللغات»(2).
وإتقانه للغات الأخرى، ساعدهُ على تفحصِ موارد المؤرخين الأوائل، إذ كشفَ أن نقولاتهم لتاريخ العرب المشترك مع الأمم الأخرى قبل الإسلام، تأثرَ بالموارد والمصادرِ المنقولةِ عنها، فكانَ في كثير من الأحيانِ صورة لرؤيةِ تلك الأمم إلى العرب والتاريخ المشترك معهم؛ فقد عمل الدكتور جواد في مراجعتهِ ونقده لسرود التاريخ في أمهات الكُتب، للطبري، وابن كثير، وغيرهما، على تصحيح مسار الرواية التاريخية حول الحدث العربي، الذي وقعَ قبلَ الإسلامِ؛ إذ يشيرُ إلى أن المؤرخين المسلمين أخذوا «تأريخ الفرس من موارد فارسية، أما تأريخ الرومان واليونان، فقد أخذوه من موارد نصرانية سريانية في الغالب، ولكنهم أخذوه بقدر، ولم يتوسعوا في الطلب، لذلك كان تأريخ الرومان واليونان مختصراً جداً وضعيفاً بالقياس إلى ما دون عن تأريخ الفرس»(3).
وفي هذا الصدد يقول علي: «لم يشر «الطبري» ولا غيره من المؤرخين المسلمين إلى حروب «أذينة» مع «سابور» على أهميتها وبلوغ ملك «تدمر» فيها العاصمة «طيسفون». وهذا أمر يدعو إلى العجب حقاً إذ كيف يهمل المؤرخون والأخباريون هذا الحدث الخطير؟؛ فلابد أن يكون هنالك سبب. ورأيي أن سببه الموارد الأصيلة التي اعتمد عليها المؤرخون المسلمون والأخباريون وأخذوا منها، وهي موارد فارسية الأصل متعصبة للفرس، أو موارد عراقية ميّالة لهم..»(4).
والدكتور جواد «أولى اهتماما خاصا باللغة العربية القديمة وبتاريخ اليمن قبل الإسلام، واستوعب في ذلك النقوش، والكتابات القديمة، وكان من قلائل الأفذاذ المختصين باللغه اليمنية القديمة وأعد معجما للغة السبئية، بالإضافة الى أبحاث مستوعبة عن مختلف جوانب الحضارة اليمنية القديمة، ولم يثنه المرض المنهك الذي تحمله بجلد وصبر عن متابعة دراساته ونشر أبحاثه فيها الى آخر أيام حياته»(5).
وفي سياقِ عملهِ، وعنايته بتاريخ شبه الجزيرة العربية، فإن الدكتور جواد علي في موسوعته «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام»، أبدى «رأيه في كثير من مسائل وأطروحات المستشرقين فلم يكن متوافقا معهم كليا ولا مجرد ناقل بل تناول كتابتهم وكتابات المؤرخين العرب بالنقد والتمحيص كذلك، فهي أبحاث علمية تحتمل الخطأ والصواب»(6).
وينفرد المؤرخ جواد علي، في مجال تخصصهِ، ونتاجِ ما قدم، عن أقرانهِ المعاصرين، في أنه كان شاملاً، وموسوعيًّا، في بحثهِ، وتقصِّيهِ لتاريخ العرب قبل الإسلام، وناقدًّا ومناقشاً لروايات المؤرخين الأوائل منهم والمتأخرين، عرباً ومستشرقين، كما أنه قدَّمَ عَمَلَيْنِ موسوعينِ، في أجزاءٍ متسلسلة، مبوبةٍ، ومفهرسةٍ بشكل احترافي، يُضافُ إلى ذلك، أن المؤلف، نَظَمَ هاتينِ الموسوعتينِ، في سياق روائي، سردي، فيجد القارئ نفسهُ أمام مادة شيقة ممتعة، رغمَ تناولها التاريخ بشكلٍ مفصلٍ وافٍ.
يتنبه الدكتور جواد علي في تناوله للتاريخ إلى مسألة غاية في الأهمية، فهو لا يُشرعُ في البحث مباشرةً، دونَ تعريف المصطلحات، وما استشكلَ منها، فتجدهُ يبحث في معنى اصطلاح «العرب»، و«السامية»، و«الجاهلية»، وحتى أسماء الأعلام، وما اتصل بالعادات والتقاليد من مفاهيم كانت دارجة في عصر ما قبل الإسلام، وبذلك أسهمَ المؤرخ العراقي الراحل جعلِ القارئ، مدركاً وعارفاً لتك المفاهيم والمصطلحات، الأمر الذي يسهل من عمليةِ تتبع السرد التأريخي.
ولا يقفُ مؤرخ العرب الموسوعي عند عتبات البحث التقليدي، إذ يذهبُ أبعد من ذلك؛ فهو يربطُ ما توصل إليه من بحثٍ وتقصٍّ مضنٍ، ودقيق، ليقدِّمَ صورةً كُلِّيةً تتناول أدقَّ التفاصيلِ، ضمن منهجٍ علميٍّ صارمٍ، لا يأخذ بالعموميات، ولا يكتفي بما وردَ في مصدرٍ، أو مرجعٍ بعينه، وهو ما يجعلُ من مجموع أعمالهِ، وإرثهِ الحي، يأخذُ الصفةَ الموسوعية.
ويشير كثير من الباحثين إلى أن مؤرخ تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي، تأثر بالمؤرخ الألماني ليوبولد فون رانكه (21 ديسمبر 1795 – 23 مايو 1886)، والذي أسس مدرسة التاريخ الحديث المدعوم بمصادر التاريخ، والتي تقول بأن على المؤرخ أن يعيد تشكيل التاريخ كما حدث بالضبط.
وفي منهجهِ؛ يتجاوز المؤرخ جواد علي التأثر بالهويات الفرعية القائمة على أسس مذهبية، أو عرقية، أو لأي نزعةٍ عصبوية أخرى، الأمر الذي دفعهُ عندما كان طالباً في ألمانيا، إلى معارضة المنطق النازي في تفسير وقراءة التاريخ الذي يقوم على تَفوُّق العرق الجرماني على ما سواه، إذ أن «عقيدة النازي التي لا تؤمن إلا بأقوالها فقط»(7).
ويؤكد الدكتور جواد في غير موضع ضرورة عدم رضوخ المؤرخ لمدرسة من مدارس تفسير التاريخ بعينها، لأن كل مدرسة لابد أن تكون متأثرة بديانتها ومذهبيتها، وهو ما يتعارض مع منهجية البحث العلمي، مع الإشارةِ إلى أن هذا التوجه لدى شيخ المؤرخين العرب، بدأ عندما كان في مرحلةِ الشبابِ يدرسُ التاريخ في ألمانيا.
وفي حوار «مجلة آفاق عربية»، يوصي مؤرخنا العربي على ضرورة «أن يكون المؤرخ وصافا عالما عادلا أي أن ينظر إلى منشأ الروايات واتجاه رواتها والزمن الذي عاش فيه صاحب الرواية وناقلها»، كما يشدد على دور المؤرخ في «يشخص كل جوانب التاريخ، فلا يقتصر على التمجيد والمديح، وفي الوقت نفسه لا يحاول تسقط العثرات ومواطن الضعف»، محذراً في الوقت نفسه «من النظرة القسرية إلى تاريخنا، ويجب التبصر فيما يكتب في كل بيئة معارضة وعلى المؤرخ عدم الاقتصار على الجوانب السياسية وشمول كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية بالاهتمام»(8).
الفرد الموسوعي
في الأعمال الموسوعية للأفراد، ونذكر على سبيل المثال من الراحلين، عبد الوهاب الكيالي، الذي أنجزَ «الموسوعة السياسية»، وعبد الوهاب المسيري وموسوعته «اليهود واليهودية والصهيونية»، نكون أمام باحثين من طراز خاص ونادر، شُغِفَ بالبحث العلمي بشكلٍ موسوعيٍّ، على خلافِ الباحثين الذين يتخصصون في الفروع.
كابدَ شيخ المؤرخين العرب قرابة أربعين عاماً من العمل المضني حتى أنجزَ موسوعَتَي «تاريخ العرب قبل الإسلام» بثمانية مجلدات، و«المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» بعشرة مجلدات، وصدرت أيضاً في العام 2001 في عشرين جزءا.
ومسيرة عمل تمتد طوال هذه الفترة، لابد أنها مضنية، فقد أخذت من عُمْرِ جواد علي نصفَه، حيث أبصر النور في الكاظمية بالعراق عام 1907م، وغادرنا في العام 1987م.
يقرُّ المؤرخ الراحل بمشقةِ مشروعه فنجدهُ يقول: «أنا تعبت.. فالرحلة عسيرة طويلة، والتاريخ مثل بقايا سد مأرب وغار حراء وليل بغداد العباسيين»(9)، وبالرغم من إقرارهِ، إلا أنه لم يُسقط راية التاريخ من يدهِ، وبقي يعمل على حفرياته التاريخية، رغمَ مرضهِ، وكبر سنه.
ويعتقدُ صاحبَ «المفصل» أن العمل الفردي، أفضلَ من نظيرهِ المؤسسي، مستشهداً بالتاريخ، وبحسب الواقع العلمي، فإن «التاريخ هو تقدم جاء نتيجة جهد مؤرخ فرد موهوب متمرس في فنه أكثر من نتيجة عمل لجان من المؤرخين»(10).
وموسوعة الثانية بالمناسبةِ تختلفُ عن الأولى، وفي هذا السياق، يشير جواد علي في مقدمة «المفصل» إلى أنه يختلف عن عملهِ الأول «في إنشائه، وفي تبويبه وترتيبه، وفي كثير من مادته أيضاً، فقد ضمّنته مادة جديدة، خلا منها الكتاب السابق، تهيأت لي من قراءاتي لكتابات جاهلية عُثر عليها بعد نشر ما نشرت منه، ومن صور كتابات أو ترجماتها أو نصوصها لم تكن قد نشرت من قبل، ومن مراجعاتي لموارد نادرة لم يسبق للحظ إن سعد بالظفر بها أو الوقوف عليها، ومن كتب ظهرت حديثاً بعد نشر هذه الأجزاء، فرأيت إضافتها كلها إلى معارفي السابقة التي جسدتها في ذلك الكتاب»(11).
ويتضحُ من مقدمة المفصل، أن المؤلف، تجشم عناء التحدي لوحدهِ، دون أن يلتفت إليه أحد، أو يساندهُ، فيقولُ حولَ موسوعتيه: هما عمل فردٍ عليه جمع المادة بنفسه، والسهر في تحريرها وتحبيرها، وعليه الإنفاق من ماله الخاص على شراء موارد غير متيسّرة في بلاده، أو ليس في استطاعته مراجعتها بسبب القيود المفروضة على إعارة الكتب، أو لاعتبارات أخرى، ثم عليه البحث عن ناشر يوافق على نشر الكتاب، ثم عليه تصحيح المسودات بنفسه بعد نجاحه في الحصول على ناشر، إلى غير ذلك من أمور تسلبه راحته وتستبد به وتضنيه، ولولا الولع الذي يتحكم في المُؤَلَّفَيْن في هذه البلاد، لما أقدم إنسان على تأليف كتاب»(12).
ورغم مشاق العمل الفردي، إلا أن جواد علي يدركُ دورهُ، ويرى أن هذا تاريخنا العربي الذي يجب أن نُعنى بدراسته، فيقولُ بأسى: إن مما يثير الأسف -والله- في النفوس أن نرى الغربيين يعنون بتأريخ الجاهلية ويجدّون في البحث عنه والكشف عن مخلفاته وتركاته في باطن الأرض، ونشره بلغاتهم، ولا نرى حكوماتنا العربية ولا سيما حكومات حزيرة العرب، إلا منصرفة عنه»(13).
مؤلفات أخرى لجواد علي
تضمن منجز الدكتور جواد علي علاوة على المسوعتين، أبحاث، ودراسات، وكتابات أخرى، إلا أنه وبعدَ أن أنهى موسوعتيه، أخذَ في تأليف أعمال جديدةً، كان منها «تاريخ العرب في الإسلام – السيرة النبوية»، الذي كان يمكن أن يكونَ موسوعيًّا مثل أعمالهُ السابقة، إلا أن المؤرخ جواد علي توفي، وتوقف بذلك عطاؤهُ العلمي.
ألفَ الراحل كتاباً عن «الصلاة في الإسلام»، والذي ينشر لأول مرة بحث في تأريخ الصلاة في الإسلام، يبين متى فرضت، وكيف تطورت، ليقف القارئ على منشأ عبادة هي ركن من أركان الإسلام، وقد قارن المؤلف بين الصلاة في الإسلام والصلاة في الديانتين اليهودية والنصرانية، كاشفا الصلوات المشابهة في الديانتين المذكورتين.
ويحدد المؤلف في بداية الكتاب الموارد التي استند إليها في كتابه، ثم يبدأ في تناول لفظ «الصلاة» معناه ودلالته، ثم يتطرق بشكل منفصل متصل إلى كل ما يتعلق بالصلاة شكلها وأوقاتها، الآذان، الطهارة والوضوء، القبلة، التيمم، الفاتحة في الصلاة، الكلام في الصلاة، صلاة الجمعة، صلاة العيدين، إلى آخره. يرى د.جواد علي في مقدمته أن القرآن الكريم الذي أمر بالصلاة، لا يتعرض للشروح والجزئيات، لذلك لزمت الاستعانة بكتب الحديث والتفسير وأسباب النزول ثم بكتب السير والأخبار.
ومن كتبه؛ «موارد تاريخ الطبري»، وهو بحث موسع نُشر على حلقات في مجلة المجمع العلمي العراقي، وجمع لاحقاً وأصدرته وزارة الثقافة والإعلام السعودية عن إصدارات «المجلة العربية»، ويتناول الكتاب المصادر التي اعتمد عليها الطبري في تاريخه، ومدى وثاقة تلك المصادر من عدمها. ويحدد كذلك مصادر النقل التي استقى منها الطبري سواءً من كتب أو من أشخاص أو بروايات معنعنة. ولا يخفى على الدكتور جواد أن الطبري وقع في بعض المطبّات، مثل: أنه لا يعنعن بعض الروايات مع حاجة العنعنة في بعضها، في حين أنه – الطبري – من العلماء الأجلاء، حيث سبق له وأن ألف كتاباً في التفسير، وله حضوره في علم الحديث كذلك.
وله أيضاً من الكتب؛ التاريخ العام (بغداد 1927 )، أصنام العرب (بغداد 1967)، معجم ألفاظ المسند، و«المهدي المنتظر وسفراؤه الأربعة» وهي رسالته في الدكتوراة (هامبورغ 1938)، وقد كتبت باللغة الألمانية وترجمها إلى العربية الدكتور الجزائري أبو العيد دودو عام 2005م، وطبعها في مدينة كولونيا بألمانيا، وله مع الدكتور احمد سوسة والأستاذ بهجت الأثري خارطة الإدريسي المعروفة بـ (صورة الأرض) وطبعت عام 1951م.
أمنيات جواد علي
يكتب الدكتور جواد علي، مجموعة أمنيات في مقدمة «المفصل»14، توجه فيها إلى العرب، قائلا:
* أرجو أن تنتبه حكومات جزيرة العرب لأهمية موضوع التخصص بتأريخ العرب القديم، وأن تكلف شبانها دراسة علم الآثار ودراسة لهجات العرب قبل الإسلام والأقلام العربية الجاهلية، ليقوموا هم أنفسهم بالبحث والتنقيب في مواطن العاديات المنبثة في مواطن كثيرة من الجزيرة.
* أتمنى على جامعة الدول العربية والدول العربية أن يحققوه، وهو إرسال بعثات من المتخصصين بالآثار وباللهجات والأقلام العربية القديمة إلى مواطن الآثار في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية والمواضع الأخرى من جزيرة العرب للتنقيب عن الآثار، والكشف عن تأريخ الجزيرة المطمور تحت الأتربة والرمال، ونشره نشرًا علميًا، بدلًا من أن يكون اعتمادنا في ذلك على الغربيين. أفلا يكون من العار علينا أن نكون عالة عليهم في كل أمر. حتى في الكشف عن تأريخنا القديم!
* أن تقوم أيضا بتدوين معجم في اللهجات العربية الجاهلية، تستخرجه من الكتابات التي عُثر عليها، وبتأليف كتب في نحوها وصرفها، وترجمة الكتب الأمهات التي وضعها المؤلفون الأجانب في تأريخ الجاهلية، ترجمة دقيقة تنأى عن المسخ الذي وقع في ترجمة بعض تلك المؤلفات فأشاع الغلط ونشر التخريف.
الخاتمة
مقابل هذه الصورة المشرقة لجواد علي، فثمةَ صورةٌ أخرى تصيبنا بالخيبةِ؛ إذ أن مؤرخاً بهذا الحجم، الناقلونَ عنهُ كثرٌ، والمستفدون منه كثرٌ أيضاً، بيدَ أنه، ورغمَ ذلك، لم يحظَ في ذكرى وفاته في العام 2007م بـ «مئويةٍ» احتفاليةٍ تستذكر إرثه، على غرار ما أقيم من قبل في القاهرة لجون بول سارتر في ذكرى وفاته.
يستحق جواد علي بعدَ أن ترك لنا ما ترك، تكريماً يليقُ بهِ، رغم أن الرجل لم يطلب في حياته أمر كهذا، لكن، أرى أن في هذا التكريم، تكريمٌ لنا، ولذاكرتنا، لا سيما وأن منطقتنا العربية اليوم، تمرُّ في حالةٍ من الوهنِ، والضعف، وطمسٍ للهوية، والتاريخ، وكل ما هو مشرق.
المصادر والإحالات
1. حميد المطبعي، مجلة آفاق عربية، حوار، العدد 10، السنة التاسعة، يونيو / حزيران 1984، بغداد، وزارة الثقافة العربية.
2. رشيد الرماحي، مجلة ألف باء، حوار، 1978م، بغداد.
3. الدكتور جواد علي؛ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج 5، ص 102، ط 4، 2001م، دار الساقي – بيروت.
4. المصدر السابق.
5. المكتبة الشاملة على الإنترنت، بطاقة التعريف بجواد علي.
6. الموسوعة الحرة على الإنترنت، «ويكيبيديا»، باب تاريخ اليمن القديم.
7. موسوعة المصادر الإلكترونية، نقلاً عن مجلة الرسالة العراقية (العدد 334)، المنشورة في بغداد في تاريخ: 27 – 11 – 1939م.
8. مجلة آفاق عربية، مصدر سابق.
9. المصدر سابق.
10. المصدر السابق.
11. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ص 5، ج 1، دار الساقي، بيروت، 2001م
12. المصدر السابق.
13. المصدر السابق، ص8.
14. المصدر السابق، ص 9.
محمد محمود البشـتاوي