تقديم :
لقد فسحت «جمالية التلقي» الألمانية مساحة كبيرة لتأمل ومساءلة مهمة المؤرخ الأدبي، فكان اقتراحها لبدائل منهجية أرادت من خلالها أن تجدد النظر في مناهج تاريخ الأدب و تلقيه.ومن ثم ، إظهار الأدب في صيرورته ووظيفته التحررية التي ألغتها المناهج الأخرى. فقامت بمحاولة ردم الهوة الفاصلة بين المعرفة التاريخية والجمالية، بين التاريخ والأدب .وهذا لن يتم إلا بالتخلي عن فكرة الربط الآلي بين الأعمال الأدبية والمنتجين والمبدعين. مع مايعني ذلك من إقصاء القراء والتلقين الفعليين والافتراضيين لهذه الأعمال. ذلك أن تاريخية الأدب تنهض على تمرس هؤلاء القراء وخبرتهم الجمالية، انطلاقا من أفق توقع خاص بهم. وهكذا سيتم تقديم تاريخ الأدب بوصفه تطورا أدبيا بغاية رصد التمفصلات والتحولات التاريخية من حقبة إلى أخرى. ترى ماهي البدائل التي قدمها هانس روبيرت ياوصHans Robert Jauss في رصد المهمة الجديدة للتأريخ الأدبي ولمؤرخ الأدب ؟ وما هي خلفيات هذا التصور الجديد ؟
1-التاريخ الأدبي: التوجهات الجديدة
لقد أصبحت مهمة المؤرخ الأدبي مع جمالية التلقي جديدة بكل المقاييس، تختلف عن تلك التي كانت سائدة في التصور الوصفي التقليدي. مهمة أصبحت ترتبط بالتأريخ للتلقي، أي بناء أفق توقع القارئ. يقدم الناقد رشيد بنحدو مثالا موضحا لذلك بقوله «فإذا تعلق الأمر مثلا بظاهرة التكسب أو الشعوبية في التراث العربي، فإن المؤرخ الأدبي الراهن، أي «هنا والآن» لن يؤرخ لذلك الشعر الذي اتخذ موضوعا له غرض المديح أو حركة الشعوبية في العصر العباسي، بل سيؤرخ للحساسية الجمالية المعاصرة لهذا الشعر، بحيث سيستند إلى النصوص ذاتها وإلى ما أنتج حولها من خطابات واصفة معاصرة لها بهدف تقدير المسافة الجمالية بين تلك النصوص والآفاق الفكرية والأدبية التي صدرت عنها هذه الخطابات، ويمكن للمؤرخ ألا يتقيد بالخطابات المعاصرة وحدها، بل أن يدرج في نطاق اهتمامه التلقيات اللاحقة كذلك حتى يستطيع إدراك اختلافات التذوق والتأويل بين آفاق انتظار متباعدة في الزمن» (1).
على ضوء هذا التصور يسعى هانس روبيرت ياوس HANS ROBERT JAUSS إلى وضع العمل الأدبي في أفقه التاريخي وفي سياق المعاني الثقافية التي أنتج فيها. ثم بعدها سيكتشف العلاقات المتغيرة لقرائه التاريخيين. والغاية من هذا العمل هو إنتاج ضرب جديد من تاريخ الأدب : تاريخ يركز على المؤلفين والمؤثرات والاتجاهات الأدبية، وكذا على الأدب كما حددته وأولته لحظات تلقيه التاريخية المختلفة. ومن ثم» لم يعد التاريخ الأدبي كما يقول «هـ.ر.ياوس» نوعا من الحوار الذاتي يعبر فيه معنى موجود سلفا عن نفسه بشكل تطوري في صفائه وامتلائه الأصليين، بل أصبح نوعا من الحوار [..] عبر تاريخ يمتد من الجواب إلى السؤال يصل إلى الإنسان والعالم، وهذا ينتج عنه صياغة جديدة للسؤال عن جواب يمكن أن يكون له أيضا معنى آخر، وهوما نسميه بـ«حوار المؤلفين» يكون المؤلف السابق واللاحق [..] فالتقليد الأدبي ليس حوارا عائما بين نصوص ومؤلفين، من هنا لا يستعيد الحوار المتخيل متغيرات أمكنة الزمن إلا إذا تدخل مؤلف لاحق من جديد يعترف بالمؤلف السابق ويجد السؤال الذي اختص به ويضعه خارج الجواب الذي يحتويه مسبقا» (2).
لقد كانت رغبة (ياوس) في إعادة الاعتبار لمفهوم التواصل -الذي يتم بواسطة اللغة والفن- بالنسبة له، غاية منهجية أراد بها أن يجعل من هذا المفهوم عنصر تحرير وإبداع للمعايير بالنسبة للفعل المعيش، كما يقول (جان ستاروبنسكي) في مقدمته للترجمة الفرنسية للكتاب «وعيا منه بالانتماء الزمني لعمله الخاص به، فإنه يقيس جيدا المسافة التي تفصله عن ماضٍ مختلف، ذلك الماضي الذي لا تكف مرسلته عن سعيها في الوصول إليه، ذلك أن تأريخية اللحظة الحاضرة تفرض نفسها عليه بقوة، لدرجة أن الإرجاع التاريخي يشغل اهتمامه إلى أعلى درجة: إن رهانات العالم الراهن لا يمكن أن تكون قابلة للإدراك تماما إلا عن طريق وعي قائم مسبقا بقياس الانزياحات والتعارضات والانحراف، ويهتم بالإحاطة بمجموع التقاليد الذي لم يكن استمرارها ممكنا إلا بواسطة الانتقالات [التحولات] وإعادة البناء» (3).
لا شك أن المسؤولية كبرى ملقاة على عاتق /هـ.ر.ياوس اعتبرها ستاروبنسكي [أي مسؤولية ياوس (4) تجاه الحاضر تمنعه في أن يتخلى عن أن يكون مؤرخا (أي مؤرخا للأدب)، وذلك في الوقت الذي كان فيه تاريخ الأدب في مواصفاته التقليدية، يبدو كأنه فقد من فاعليته وجاذبيته.
ولذلك يبدو مشروع ياوس في شقه الأول (5) دفاعا عن التاريخ الأدبي وتوضيحا لمهماته، وفي شقه الثاني: فحصا نقديا ومراجعة أساسية لنظامه عبر تحويل موضع الاهتمام، وذلك عن طريق (6) تثبيت مواضيع جديدة، تحمل مسؤولية إضافية جديدة، وذلك عن طريق دعوة النظرية الأدبية إلى تحمل مسؤولية الاضطلاع بالبعد التاريخي للغة والعمل الأدبي (7).
تقوم جمالية التلقي كما هو معلوم على فحص الأثر الذي يحدثه العمل الأدبي في القارئ، بحيث تتكون تاريخية الأدب من هذه العلاقة الحوارية بين المتلقي والعمل، ولذلك «كان تاريخ الأدب والفن على العموم ولمدة طويلة جدا تاريخا للمؤلفين والأعمال، لقد قمع أو تم المرور بصمت (نسيان) من اعتبروا مجرد سوقة Tiers état: القارئ، المستمع أو المشاهد المتأمل من النادر الحديث عن الوظيفة التاريخية للمرسل إليه، رغم ما يبدو من ضروريتها على الدوام، ذلك أن الأدب والفن لا يصيران صيرورة تاريخية ملموسة، إلا بواسطة تمرس أولئك الذين يتلقون الأعمال، ويتمتعون بها، ويحكمون عليها –وبذلك يعترفون بها أو يرفضونها يختارونها أو يهملونها- فيشيدون تبعا لذلك تقاليد، بل إنهم يستطيعون بصفة خاصة أن يتبينوا بدورهم النشيط المتمثل الذي يقتضي الاستجابة لتقليد ما وذلك عن طريق إنتاج مؤلفات جديدة» (8). بهذا الطرح الجديد الذي تفحص فيه العلاقة المفترضة بين القارئ والعمل تمكن هـ.ر.ياوس «من توسيع دينامية علاقة اللغة بالكلام تلك العلاقة التي عبر عنها سوسور أو ياكسبون، أو العلاقة بين المعيار والانزياح الأسلوبي تلك العلاقة التي لم يجعل منها فقط سبيتزر إجراءا استكشافيا من أجل التحليل الداخلي للمؤلفات، بل جعل منها فضلا عن ذلك قرينة ملائمة، تضيء تاريخ العقليات والانتقالات (التحولات) التي تنتج عناه، وذلك لتشمل بعد المعيش التاريخي بمنظور لا يريد أن يترك أي عنصر من العناصر المكونة للمعنى الشامل يفلت من قبضته» (9). يعتبر من هذا المنظور «اتحاد الآفاق» الذي يربط به حاضر المؤلف المتلقى بماضيه وسيلة لتملك الماضي في العمق، لذلك تعتبر أطروحة ياوس المتعلقة بمشروع التأريخ الأدبي محاولة لضرب البنيوية والإبقاء عليها كما يقول الدكتور (محمد مفتاح) (10) في آن واحد: ضربها من حيث إقرارها بفلسفة الحضور، والإبقاء عليها من حيث تقسيم التاريخ إلى مراحل كبرى ذات عناصر متعددة ومتفاعلة لذلك حاولت جمالية التلقي تنظر إلى تاريخ الأدب من منظور نسقي بدأه (هـ.ر.ياوس) بفحص نقدي لشكل تعامل النظرية الأدبية مع التأريخ الأدبي الذي أصبح كما يقول ياوس (11) يعيش بصعوبة على هامش النشاط الفكري الراهن، منتقدا النزعة (12) التراتبية المكرسة التي أصبحت (13) تعرض المؤلفين حسب التتابع الزمني. حياتهم ومؤلفاتهم، فيتم ترتيب المادة على نحو خطي بحسب كرونولوجيا (التعاقب الزمني) لبعض مشاهير المؤلفين مع أن «قيمة العمل ومرتبته لا تستنبطان من الظروف البيوغرافية أو التاريخية لولادته ولا من المكانة الوحيدة التي يحتلها في تطور الجنس الذي ينتسب إليه، بل من معايير يعتبر التحكم فيها صعبا وتتعلق بأثر هذا العمل المنتوج و«تلقيه» وتأثيره الذي يمارسه، وقيمته التي تعترف له بها الأجيال اللاحقة» (14) فعن طريق فكرة فلهلم فون هومبولد 15 Wilhem von Humboldt التي تسند لمؤرخ الأدب مهمة اكتشاف الفكرة الجوهرية الوحيدة التي تتخلل بالضبط مجموع الظواهر الذي يأخذها كموضوع لبحثه، ويربطها بوقائع التاريخ الكوني، لتتطور هذه الفكرة إلى شكل (16) «فكرة الشخصية القومية». أما كرفنوس Gervinus الذي يعتمد مبدأ «تفسير التاريخ بالفكرة» في القرن التاسع عشر ليجسد من خلال هذا الطرح افتراضات منهاجية تم ترهينها في ميدان التأريخ الأدبي حسب /كرفنوس/ «لا يمكن للمؤرخ إلا أن يعرض إلا متواليات مكتملة من الأحداث لأنه لا يستطيع أن يصدر حكما على حدث ما قبل أن يرى (نهايته) فك عقدته أمام عينيه» (17).
وإذا كانت مهمة التاريخ وصف حقب محددة، فقد كانت (18) الموضوعية الصارمة التي تقتضي استبعاد المؤرخ وجهة نظر حقبته الخاصة، كما يجب أن يكون ممكنا إدراك معنى حقبة ماضية وقيمتها بشكل مستقل عن المسار اللاحق للتاريخ (19). فالربط بين الماضي والحاضر لم يكن بإمكان المدرسة التاريخية (شيلر) أن تتخلص من هذه الصيغة المعرفية. لكن فكرة توالي الأعمال الأدبية كأي موضوع آخر من شانه أن يبرز «شكل التاريخ» من خلال الفكرة ستضعف وستنقطع الصلة بين الوقائع لتصبح مسألة تصنيف الظواهر الأدبية إشكالية. وكذا تعريفها والحكم عليها. لهذا ظهر ما يسمى بالتأريخ الوضعي (20) المستند إلى التفسير السببي الخالص الذي استحوذ عليه ما يسمى بتاريخ الفكر.
لذلك كان هاجس (21) الكشف عن الاستمرار من خلال ما لا يكف عن التحول يعفي من السعي إلى فهم الظواهر فهما تاريخيا.فالفجوة كبيرة بين المقاربة التاريخية والمقاربة الجمالية (22)عمقتها المقاربات السوسيولوجية ومنهج التأويل «المحايث». ترى ما هي الخلفية التي سيقوم عليها تصور هـ.ر.ياوس للتأريخ الأدبي لإقامة علاقة جديدة بين المقاربتين الجمالية والتاريخية؟ تعددت المهام فأصبحت كالتالي: (23) كتابة التواريخ الأدبية الوطنية، وإصلاح سلم القيم التي كرسته، وإظهار الأدب الكوني في صيرورته وفي (24) وظيفته التحريرية بالنسبة للمجتمع الذي تسهم في تغييره أو في الفرد الذي تشحذ إدراكه. فلا يمكن للتنظير الماركسي أن يحافظ على استقلالية تاريخ الأدب، فعلة وجوده قائمة على نظريات المحاكاة، التي انتقل بها تصوره لوظيفة الأدب في تصوير الواقع إلى خلقه أيضا. لقد ظهرت بعد ذلك محاولات (25) فرنر كراوس Verner Kraussروجي جارودي Roger Graudy كاريل كزيك Karel Kozik ليستعد الأدب والفن الطابع الخاص بالممارسة التاريخية، فكانت النتيجة «الاعتراف بأن تاريخية العمل الفني لا تكمن في وظيفته التصويرية أو التعبيرية، بل كذلك وبالضرورة في الأثر الذي يحدثه» (26).
لذلك يستنتج هـ.ر.ياوس ضرورة إقامة قواعد جديدة، أولها «إذا كانت حياة العمل ناتجة «ليس عن وجوده في ذاته بل من التفاعل الحاصل ليس بين وجوده نفسه، بل من التفاعل القائم بينه وبين البشرية»(Karel Kozil). هذا الاشتغال الدائم بين الفهم وإعادة الإنتاج الحيوي الذي تركه لنا الماضي لا يجب أن يظل بالأحرى محصورا في الأعمال منظورا إليها معزولة كل منها عن الآخر. بل يجب أيضا بالأحرى إدماج العلاقة بين هذه الأعمال ضمن هذا التفاعل الذي يربط العمل بالإنسانية، وموقعة العلاقة التاريخية بين الأعمال ضمن مركب العلائق المتبادلة بين الإنتاج والتلقي» (27)، أصبحت وظيفة الفن من منظور/ياوس/ تقتضي التعريف بالدور النوعي للشكل الفني لا من حيث هو عملية محاكاتية Mimesis ولكن كجدلية، أي بمعنى كأداة لخلق الإدراك وتحويله (28).
رغم الأهمية الحيوية للنظرية الشكلانية في التعريف بهذه الجدلية، فإنها بقيت من منظور هـ. ر.ياوس عاجزة عن الوفاء (29) ببعده المتعلق بالأثر الذي ينتجه العمل الأدبي، والمعنى الذي يمنحه له جمهور ما أي بمعنى تلقيه. لذلك اعترف ياوس بالدور المحدود للغاية للجمهور كعامل نوعي، فالإدراك الجمالي التي منحت له الشكلانية الروسية دورا مهما في التحفيز الفني، عبر التغريب لم تحتج معه إلى القارئ إلا كموضوع للإدراك والذي عليه تبعا لتحفيزات نصية، أن يحيط بالشكل أو يكشف الإجراء التقني (30). فمقولة الجدة التجديد L’innovation التي تختزل فيه النظرية الشكلانية الطاقة الدلالية لعمل أدبي ما باعتبارها كما يقول هـ.ر.ياوس المعيار الوحيد لقيمة العمل الفنية. فإن مسألة قابليتها للإدراك بالضرورة لا تتم مند لحظة ظهور ذلك العمل، وفقا للأفق الأدبي لتلك اللحظة، ولا يمكن قياسها بالتعارض الوحيد بين الشكل الجديد والشكل القديم (31). لذلك يعتبر /ياوس/ «إن المسافة بين إدراك الجمهور الأول للعمل الأول ودلالاته اللاحقة أو بعبارة أخرى، مقاومة العمل الجديد تعارض توقع جمهوره الأول يمكن أن تكون مقاومة شديدة، بحيث لا بد من وجود سيرورة تلق طويلة قبل أن يتم استيعاب ما كان في الأصل غير متوقع وغير قابل للاستيعاب، كما قد يحدث فضلا عن ذلك
أن تظل الدلالة المحتملة مجهولة إلى اللحظة التي يضع فيها التطور الأدبي شعرية جديدة بعد أن وصل إلى الأفق الأدبي الذي تصبح فيه حينئذ الشعرية المجهولة قابلة للفهم» (32).
لقد أصبح ممكنا الآن بعد مشروع ياوس (33 )أن الماضي لا يتحول إلى الراهن إلا إذا عاد به تلق جديد، وإما لأن يقول ياوس (34) لأن الحاضر الذي يغير توجهه الجمالي، يلتفت إليه عمدا من أجل استيعابه مرة أخرى، وإما لأن مرحلة جديدة في التطور الأدبي تلقي ضوءا غير متوقع على أدب منسي فتكشف فيه عن أشياء لم يكن ممكنا البحث عنها من قبل (35) ومن ثم ينتهي ياوس إلى اعتبار الجدة ليست مقولة جمالية فحسب بل أيضا مقولة تاريخية، تساءل العوامل التاريخية التي تجعل المتلقي (36) يقر بجدة ظاهرة أدبية ما، ولإدراكها في اللحظة التاريخية التي صدرت فيها والفسحة الزمنية والمسار، ومنعطفات الفهم التي تطلبها مسار استيعاب مضمونها، وعن مدى إحداث هذه الجدة في لحظة ترهينها الكامل الأثر قوي جدا أتاح تعديل تصورات المنظورات السائدة حتى ذلك الوقت للأعمال السابقة، ومن ثم سمح بتغيير القيم المكرسة للماضي الأدبي (37).
1.1- التطور الأدبي:
يكشف هذا المفهوم الشكلاني أحد أهم عوامل التجديد بالنسبة لتاريخ الأدب من منظور جمالية التلقي، ترى ما هي مقوماته؟ وكيف ثم التعبير عنه في جمالية التلقي؟
يقول تينيانوف «حينما نتحدث عن التقاليد أو عن التعاقب الأدبي، فإننا نتخيل –بصفة عامة– وجود خط مستقيم يصل فرع أدبي ما بسلفه. ومع ذلك فإن الوضعية هي أكثر تعقيدا، فليس الخط المستقيم هو الذي يستطيل، كما نشاهد عملية انطلاق تنتظم بدءا من نقطة معينة يتم دحضها. إن كل تعاقب أدبي هو قبل كل شيء معركة تحطيم كل موجود سلفا، وإقامة بناء جديد انطلاقا من عناصر قديمة» (38).
يكشف مفهوم التطور الأدبي عند هذه المدرسة عمق تصور مشروعها للتأريخ الأدبي، بما هو تاريخ دينامي، تتصارع فيه الأشكال والمدارس يشير شكلوفسكي إلى ذلك بقوله: «إن كل حقبة أدبية تتضمن مدارس متعددة، وليس مدرسة أدبية واحدة. وهذه المدارس تتواجد في نفس الوقت داخل الأدب، غير أن واحدة منها تستولي على الصدارة فيقع تقنينها، وتبقى المدارس الأخرى غير مقننة في الخفاء: هذا ما حصل في زمن بوشكين» (39). وهكذا تتبادل الأجناس مواقع الهيمنة وبذلك يكشف تحليل مفهوم التطور الأدبي في تاريخ الأدب عن «تعاقب جدلي للأشكال» (40)، إنها القضية المركزية للتاريخ الأدبي عند الشكلانيين، بها يفحصون مسألة تكون الأجناس، واستبدال مواقع هيمنتها. فليس التأريخ الأدبي من هذا المنظور هو مجرد حشد ميكانيكي للظواهر، بل هو نسق يجد مشروعيته في هذا التطور المستمر للأشكال من حيث تحولها من مستوى معين إلى ظهور أشكال جديدة تحل محل الأشكال القديمة (41).
لقد أولت الشكلانية الروسية لمفهوم التطور الأدبي عناية خاصة بوصفه مستقلا في ذاته، فلم يعد صيرورة وحيدة الخط، إنه طريق متعرج مليء بالالتواءات (42). كل اتجاه أدبي يمثل تقاطعا وتعالقا معقدا، بين عناصر التراث والتجديد. وبهذا ينفصل مفهوم التطور عن مدلوله التقليدي الذي يفيد به المعنى الغائي الذاتي والعضوي (43). ليصبح دالا على سيرورة التحول الدائمة للأشكال والأجناس الأدبية، باعتبارها الفعل المؤسس لتاريخ الأدب، وعليه فالتطور والديناميكية كما يقول تينيانوف «خارج الزمن، كحركة خالصة: فالفن يتغذى من هذا التفاعل ومن هذا الصراع. إن الواقعة الفنية لا توجد منفصلة عن إحساس كل العوامل بالخضوع والتبدل تحت تأثير العامل الباني […] ولكن تلاشي الإحساس بتفاعل العوامل (ذلك الإحساس الذي يفترض الحضور الضروري لعنصرين هما: المسيطر والمسيطر عليه)، فإن الواقعة الفنية تمحي ويغدو الفن آلية Automatisme» (44).
على ضوء ما سبق ،وفي إطار الشكلاني للشكل، والمهيمنة، يغدو مفهوم التطور في الشكل الشعري (45) «غير متعلق بزوال بعض العناصر وانبعات عناصر أخرى بقدر ما يتعلق بانزلاقات في العلاقات المتبادلة لمختلف عناصر النظام، وبعبارة أخرى: بتبدل في المهيمنة لذلك ظهر مفهوم جديد للعمل الشعري كنظام (46) «مبنين أي: مجموعة من الأنساق الفنية مرتبة بانتظام وذات سلمية Hiérarchie إن التطور الأدبي يغدو إذ ذاك تبدلا في هذه السلمية. ومن ثم أصبح التطور الأدبي من منظور تينيانوف «استبدالا للأنساق» (47) ومن ثم يصبح التتابع في التاريخ الأدبي استبدالا مستمرا لمجموعة واحدة من العناصر المسيطرة (المهيمنة) La dominante بمجموعة أخرى، غير أن هذه العناصر لا تزاول من النسق تماما، بل إنها تختفي في الأرضية الخلفية لتظهر فيما بعد في شكل جديد (48).
لقد ساهم هذا المبدأ الدينامي كما نعته هـ.ر.ياوس في تكوين مشروع جديد للتأريخ الأدبي قوامه التخلي عن الخطوة المنهجية التي كانت تقتضي منهجا خطيا ومستمرا، لتسمح في تاريخ الأدب بظهور «إبداع ذاتي جدلي للأشكال الجديدة» (49) يعتمد قانون الصراع والتحولات والثورات التي تقوم بها (وعليها) المدارس والأجناس. فيكون المسار نشوء الأجناس تكرسها وانحلالها.
لقد أخذ ياوس على عاتقه وهو يعيد بناء تصور مشروعه الجديد للتاريخ الأدبي انتقاد هذا التصور الذي يختزل تاريخية الأدب (50) في توالي أنساق الأشكال والجماليات، فتطور اللغة مثلها مثل تطور الأدب لا يمكن تحديده من الداخل ، بل بالعلاقة مع صيرورة التاريخ العامة. فإذا كان التطور يعني ببساطة من منظور الشكلانيين الروس «تتابع أنساق» يطرح ياوس سؤالا يكشف عن مأزق النظرية الشكلانية في حيرتها الكبرى وهي تغفل إقامة الصلة بين «السلسلة الأدبية» والسلسلة غير الأدبية والتي قد تكون محددا للعلاقات بين التاريخ والأدب دون تجريد هذا الأخير من خصوصيته الجمالية.
بعد أن عرض ياوس مفهوم «التطور الأدبي» بمرجعيته النظرية . ومن أجل تحليل ووصف حقبة أدبية، نجد ياوس يشيد بقدرة هذا المفهوم على (51) تخليص تاريخ الأدب من تقليديته، وإقامة علاقات بين المتواليات المختلفة: كمتوالية أعمال مؤلف معين، أو مدرسة أدبية، وتطور ظاهرة أسلوبية، وتسلسلات أجناس أدبية مختلفة. مما يتيح معه الكشف بعبارة تينيانوف علاقة التطور الجدلي بين الوظائف والأشكال، وهكذا تبدو الروائع الأدبية بصلاتها المشتركة، وبعلاقة التتابع التي تميزها؛ تظهر وكأنها مرحلة من مراحل عملية لن يكون بعد ضروريا إعادة تشييدها انطلاقا من نقطة وصول محددة مسبقا: لأنها ستكون «إنتاجا جدليا للأشكال الجديدة انطلاقا من ذاتها» ولن تكون في حاجة لأية غائية ذاتية.
وعليه ستلغى من هذا المنظور حسب هـ.ر.ياوس إشكالية معايير الانتقاء، بحيث لن يتم اعتبار إلا العمل الذي يجدد في سلسلة الأشكال الأدبية، وليس ذلك العمل الذي يكتفي بإعادة إنتاج الشكل والأسلوب والجنس التي أصبحت منحطة، مقصاة إلى الظل من منظور الشكلانية مرحلة جديدة من التطور لكي تصبح قابلة للإدراك من جديد (52).
يتيح مفهوم «التطور الأدبي» (53) ضمن تأريخ أدبي شكلاني إلغاء مفهوم الغائية والمطابقة بين تاريخية العمل وطابعه الفني المخصوص. فما يحدد الطابع «التطوري» والأهمية التاريخية لظاهرة أدبية ما، هو بالأساس نسبة التجديد فيها (54). غير أن هذا التجديد من منظور الشكلانية الروسية يتم ضمن نسق معين يقضي بتطور الأدب من لحظة الإبداع الأصلي إلى تشكيل آليات تكرارية، تحدتث عنها الشكلانية الروسية. غير أن هـ.ر.ياوس شكك في قدرة هذا النموذج رغم الإشارة إلى مكتسباته، (55) فلا يكفي المجرد التعارض الشكلي والتغير الجمالي أن يفسر لوحدهما تطور الأدب، فتوجيه صيرورة الأشكال الأدبية ظل سؤالا بدون جواب، كما أن التجديد l’innovation لا يكفي لوحده ليصنع القيمة الجمالية، أما إنكار العلاقة بين التطور الأدبي والتحول الاجتماعي يعني أن هذه العلاقة غير موجودة، ولهذا يقترح هـ.ر.ياوس تطعيم هذه النظرية بما ينقصها ألا وهو التجربة التاريخية (56)، دون إسقاط الوضع التاريخي للملاحظ الراهن أي مؤرخ الأدب (57).كما أن الصراع بين القديم والجديد المحدد للتطور الأدبي يعتبره ياوس اختزالا لتاريخية الأدب في المظهر السطحي لتحولاته، وقصر الفهم التاريخي على هذه التحولات. بينما أن هذه الأخيرة لا تحدث في السلسلة الأدبية ولا تشكل في تعاقب تاريخي إلا حين يسمح نقيض الشكل الجديد للشكل القديم بإدراك علاقة الاستمرارية التي تجمعها. هذا الاستمرار (58) الذي يعني بالنسبة ياوس (59) الانتقال من الشكل القديم إلى الشكل الجديد في إطار تفاعل العمل والمتلقي (الجمهور، الناقد، أو المؤلف الجديد) أي في إطار تفاعل الحدث الواقع والتلقي الذي يعقبه، ولتحديد الوظيفة التي تقوم بها التجربة التاريخية (60) يقترح ياوس أن يستخدم المؤرخ تجربته الخاصة، لأن الأفق الذي كان منخرطا فيه سابقا بخصوص كل من الشكل القديم والشكل الجديد، المسألة وحلها لا يمكن معرفته إلا باستمراريته في الأفق الراهن (61).
ولذلك يتعين على جمالية التلقي من خلال (62) جدلية التلقي والإنتاج الجماليين أن يتواصل استمرارها إلى اللحظة التي يكتب فيها المؤرخ. وهذا هو المعنى الذي يعطيه ياوس لهذه الاستمرارية بحيث يصبح وضع المؤرخ ضمن التاريخ نقطة وصول للسيرورة التطورية، كما يتيح هذا المفهوم أيضا الكشف عن عمق الحقل الزمني تجري فيه التجربة الأدبية، وذلك بإظهار التغيرات التاريخية للانزياح بين الأدلة الراهنة والدلالة الاحتمالية للعمل.
وللإشارة فإن تينيانوف يقر بأن دراسة التطور الأدبي ليس ممكنا إلا حينما نعتبره سلسلة ونسقا مرتبطا مع السلسلات أو الأنساق الأخرى ومشروطا بها (63). إن البحث يجب أن ينطلق من الوظيفة البنيوية في اتجاه الوظيفة الأدبية، ومن الوظيفة الأدبية في اتجاه الوظيفة الشفهية. كما عليه أن يضيء التفاعل ذي الطبيعة التطورية للوظائف والأشكال. إن الدراسة التطورية عليها أن تسير في السلسلة الأدبية في اتجاه السلسلات المترابطة والمتجاورة، وليس البعيدة جدا على الرغم من كونها أساسية.
ولهذا يأخذ التطور مع تنيانوف شكل معركة تحطيم كل ما هو موجود سلفا، وإقامة كل ما هو موجود سلفا ولإقامة بناء جديد انطلاقا من عناصر قديمة (64)، وهكذا فإن الشكل الجديد لا يظهر لكي يعبر عن مضمون جديد، ولكن ليحل محل الشكل القديم (65).
إن منهج التأريخ الأدبي وهو يسعى إلى دراسة التطور الأدبي يضع مجموعة من الطرق إما أن يدرس الأدب كتعاقب زمني لأنساق معينة، ودراسة نقط الانفصال والاتصال بين الأعمال الأدبية لتمييز لحظاته القوية وتوقعاته الحاسمة.
2.1- الديكارونية/السانكرونية:
لقد وسع هـ.ر.ياوس العلاقة بما هو تاريخي، ولذلك أصبح الانزياح المسجل في المؤلف، وبقدر ما يعترف به التلقي (66)، ويسجل ضمن التقليد فقد أصبح عنصرا من الحركية «الديكارونية» (67) والذي لا يمكن تقويمه إلا انطلاقا من الأخذ بعين الاعتبار لنسق المعايير والقيم والسانكرونية. بل إنه حتى حين لا يخرق المؤلف في شيء القواعد «السانكرونية» لسنن موجودة قبليا؛ فإن التلقي يفرض من عصر لعصر «تحققات» متغيرة فيحرك نتيجة لذلك إذن تاريخا «دياكرونيا». وهكذا يضفي مشروع ياوس على تلقي الأعمال الأدبية حركية خاصة يصبح بموجبها فعل التلقي «تملك نشيط (حيوي) تعدل قيمتها ومعناها عبر الأجيال إلى حدود اللحظة الحاضرة التي نوجد فيها، وجها لوجه أمام أعمال (أو مؤلفات) في أفقنا الخاص، وفي موقع قراء (أو مؤرخين)، ولذلك دائما وانطلاقا من حاضرنا فإننا سنحاول إعادة بناء العلاقات بين المؤلف ومتلقيه المتعاقبين» (68).
فالشكلانية الروسية (69) وهي تراجع مفهومها للتاريخ الأدبي وصلت إلى أن «ما يجعل الأدب أدبا (أي الأدبية)، لا يتحدد فقط سانكرونيا بل بالتعارض بين اللغة الشعرية واللغة العلمية ولكن أيضا دياكرونيا، ومن خلال التعرض الشكلي المتجدد باستمرار بين الأعمال الجديدة، وتلك التي سبقتها في «السلسلة الأدبية» وكذلك القياس الجاهز من جهة أخرى» (70).
لقد اعتبر هـ.ر.ياوس أن الشكلانية الروسية ستمهد السبيل لحقيقة ستوظفها اللسانيات لحسابها الخاص: وهي أن السانكرونية الخالصة وهم. مادام أن «كل نسق يتمظهر بالضرورة كتطور: وأن هذا التطور من جهة أخرى يتخذ بالضرورة خاصيات هذا النسق» (71) حسب تعبير كل من رومان جاكبسون ويوري تينيانوف.
لقد خضع برنامجهم (أي الشكلانيون الروس) لانتقاد عميق من طرف رائد جمالية التلقي هـ.ر. ياوس فلا يعني فهم العمل الفني في إطار التاريخ «كسلسلة متوالية من الأنساق» (72) إدراكه في إطار التاريخ، حسب الأفق التاريخي لولادته، وفي وظيفته الاجتماعية وفي الأثر الذي أحدثه في التاريخ. لا يتحدد من هذا المنظور تطور الأدب واللغة فقط بالداخل، أي بالعلاقة النوعية التي تقوم داخلها بين الديكارونية والسانكرونية، بل كذلك بعلاقته بسيرورة التاريخ العامة. يقتضي المشروع الجديد لتاريخ الأدب عند ياوس إبراز البعد الجديد الذي تكتسبه الديكارونية للأدب، حين لا تكتفي بحشد الوقائع الأدبية على امتداد كرونولوجي (تتابع زمني) لتتصور نفسها بعد ذلك قد أدركت مسبقا تاريخية الأدب النوعية الجذابة (73).
ولاغرو أن نجد ياوس يدمج سلسلتي الدياكرونية والسانكرونية ما دامت تاريخية الأدب تظهر أساسا في هذا التقاطع بين السكوني والتطوري.
3.1- المنظور النسقي:
لقد كانت الرغبة الأولى للشكلانيين استخلاص النسق اعتمادا على مواد متنوعة: يمكن أن تميز فعلهم داخل الحقل الثقافي الروسي(74). كتب تينيانوف مقالة سنة 1917 «التطور الأدبي» (75) حدد فيه النسق بوصفه مجموعا مركبا موسوما بالترابط والتوتر الدينامي بين مكوناته المفردة وتدعمه وحدة الوظيفة الاستيطيقية الكامنة، فاهتمامهم بنسق الروابط وأسبقية البناء على الموضوعاتية، تجلى في الخطاطات التي من شأنها أن تبعد العوامل النفسية والاجتماعية وإحالتها إلى مجرد حوافز الأدوات البنائية المكونة في نهاية المطاف للشعرية الشكلانية، بل إن (76) الجنس بالنسبة لهم مسألة معمار أساسا وحشدا من الأدوات البنائية. ولعل الدينامية الأدبية التي وقف فكتور إرليخ في خطابات الشكلانيين النقدية تبرز خاصة عند تينيانوف حينما (77) أعاد تجديد الأثر الأدبي بوصفه نسقا إستطيقيا أكثر مما هو مجموع الأدوات الأدبية، فإن مفهوم التعايش الخالص لمجموعة من العناصر في مجموع أدبي قد أدى التكامل الدينامي. لذلك يقول تينيانوف «فالتغيرات مستمرة في الوظيفة الاستيطيقية للأدوات الأدبية» (78) وما على المؤرخ إلا أن يتذكر أن التغيرات التي يهتم بدراستها تحدث في نسق (79).
يعتبر إلحاح الشكلانيين على الوظيفية والسياق عاملا أساسيا قد جنبهم مغبة الوقوع في التأويلات العميقة، والربط المباشر بين الحوافز والظواهر دون التيقن من موقعها في النسق الجمالي المعطى. ويبرز ذلك من خلال اهتمامهم بالخصائص البنيوية للأثر الأدبي بمعنى البحث داخل المميزات العامة للمواد الأدبية. من هذا المنطلق ، يعتبر التنظير الشكلاني ذا أهمية خاصة بالنسبة للتفكير النسقي ،فلم يعد الحديث مع هذا التفكير عن القدرات الخارقة والعقلية للشاعر أو المبدع وعن الخيال والحدس والعبقرية المعروفة في تاريخ النظرية الأدبية. فالأدب يجب ألا ينظر إليه من منظور نفس المؤلف psyché أو القارئ، ولكن من منظور العمل نفسه (80). وذلك لتجنب السقوط في التحليلات النفسية أو الميتافيزيقية للأدب؛ وهذا ما يفسر احتفاء الشكلانيين بالمادة اللغوية للنص وبأنساقه التقنية وبالوظيفية الشعرية للغة (81). ولهذا جاءت فكرة النسق كمرادف لكلمة الفن عند /تينيانوف/ أصبح العمل الأدبي «نظاما» (82) مكونا من الأنساق التي تتميز وظائفها سانكرونيا ودياكرونيا ، ولم يكن لهذا التمييز أي شأن عند معاصريهما. يقول شكلوفسكي «هكذا تولد الأنساق، تعيش، تشيخ ثم تموت، وتبعا لتطبيقها، فإنها تغدو آلية، فتفقد وظيفتها ولا تعود فعالة. وسعيا لقهر آلية النسق، فإنه يجدد بفضل وظيفة جديدة أو معنى جديد. إن تجديد النسق هو شبيه بالاستشهاد بقول كاتب قديم في سياق جديد وبدلالة جديدة» (83).
لقد طور تينيانوف في مقاله المهم «التطور الأدبي» (1929) ما طرحه شكلوفسكي فاستطاع أن يثبت (84) الخاصية النسقية والوظيفية للأدب بقوله «لتحليل هذه المشكلة الأساسية (التطور الأدبي) يجدر الاعتراف مسبقا بأن العمل الأدبي هو نسق، وأن الأدب هو أيضا كذلك، وعلى قاعدة هذا الاتفاق وحسب يمكننا بناء علم أدبي» (85) على أساس منحه استقلاليته وفقا للبحث عن السمات المخصوصة لمادة التأليف الأدبي، سيتضح من خلال تحليل الشكلانيين أن الخصوصية الأدبية لا وجود لها (86) إلا في إطار تاريخي وثقافي محدد، لذلك «فما هو في مرحلة من واقعة أدبية يصبح في مرحلة أخرى واقعة عادية من الكلام الشائع وبالعكس، وذلك في علاقة مع مجمل النسق الأدبي الذي تتطور فيه الواقعة المعنية» (87).
لقد أصبح المجال الآن مفتوحا للتعامل مع الأدب من منظور «النسق» بعد أبحاث كل من تينيانوف، إيخنباوم، جاكبسون، ليتطور في حقول أخرى كعلم الاجتماع، وسيتم توسيع التعامل معه ليشمل الظواهر والأنساق المركزية والهامشية.
لقد حدد الدرس الشكلاني من خلال مفهوم «التطور الأدبي» بالنسبة للأدب مكان التحولات التي تتم فيه ضمن (88) نسق معين، وهذا ما جعل جمالية التلقي تتبنى هذه الأطروحة بفعل اهتمامها بممكنات النص اللغوية والجمالية، وقدرتها النسقية في اعتبار (89) تلقي العمل داخل إطار التمايز بين اللغة الشعرية واللغة العملية بالأساس هو إدراك لشكله في ذاته واستكشافا لنسقه الفني ،وليس مجرد متعة ساذجة بجماله، ذلك أن ما يميز الأدب في خصوصيته هو «قابلية الإحساس بالشكل» كما أدى نفس التمايز إلى تبلور مفهوم الإدراك الجمالي أي «الإحساس بالنص كرؤيا لا كمعرفة» (CHKLOVSKI) بحيث يصبح الأدب في نهاية المطاف أداة تكسير لآلية الإدراك اليومي. وعليه فما «يطبع الأدب هو كونه نسقا متطورا لا يمكن تحليله إلا من زاوية وظيفية ودينامية» (90).
لم تعد مع الشكلانيين الروس، وخاصة تينيانوف قضية نسق وسلسلة من التطورات البنيوية والوظيفية التي تلحق الأدب في ذاته قبل كل شيء، فما يتغير في الأدب هي الإجراءات الأدبية (91)، رغم ما يكتنف هذا المصطلح من غموض حسب ت. تودوروف باعتبار أن «قاعدة الوحدات» (92) والنهاية السعيدة أو المأساوية للمسرحيات الكوميدية أو التراجيدية أشكالا لا تتغير، أما الجواب المقنع فقد قدمه تينيانوف الذي يسمي هذه الطرائق (93) بالأشكال التي يميزها عن الوظائف، فبالنسبة له تقتضي التغيرية الأدبية إعادة توزيع الأشكال والوظائف. فالشكل يتغير إلى وظيفة، والوظيفة تتغير إلى شكل فالمهمة العاجلة للتاريخ الأدبي تمكن عنده في دراسة «تغيرية وظيفة عنصر شكلي أو ذاك، وظهور وظيفة ما أو تلك داخل عنصر شكلي وارتباطه بها» (94)، ويطرح شكلاني آخر فينوغرادوف Vinogradov مقابلا لمصطلح التغيرية مصطلح الترعة الدينامية الذي ينبغي أن يقدم إما تعويضا أو استبدال لنسق بنسق آخر، وإما كتحويل جزئي لنسق فريد تظل وظائفه المركزية ثابتة نسبيا ، الشيء الذي جعل تينيانوف يذهب الى التأكيد على أن الموضوع الحقيقي للتأريخ الأدبي (95) يتمثل في استبدال الأنساق، فالتغيرات داخل الخطاب أصبحت غير معزولة، فكل واحدة منها تؤثر في النسق بكامله، ليحدث بالتالي استبدالا لنسق بآخر.
تعود فكرة النسق في أصولها إلى سوسور، فاقترح ياوس فرضيته التي تتضمن صوغ التاريخ بوصفه نسقا. ومن ثم يتضح تأثير سوسور على برنامج ياوس؛ خصوصا وأن سوسور يعتبر اللسان نسقا تصبح فيه جميع الكلمات متلازمة بحيث لا تنجم قيمة إحداها إلا عبر الحضور المتزامن للكلمات الأخرى، فالعناصر متعالقة تشكل كلا من مجموعا منظما، وبالتالي تسمح بصياغة مفهومية في بناء نسق خاص بالتاريخ الأدبي، وهذا ما يطمح إليه مشروع ياوس وتستهدفه النظرية النسقية، في اعتبارها الأدب نسقا فرعيا نستطيع تحديد مكوناته الداخلية بطريقة بنيوية، وتحديد علاقة هذه المكونات بعضها ببعض، وعلاقة النسق برمته بأنساق أخرى.
2- هانس روبيرت ياوس: إعادة كتابة تاريخ الأدب :
يكشف مشروع «هانس روبيرت ياوس» عن رغبة عميقة لتشييد أسس جديدة للتاريخ الأدبي (96) غير تلك التي كان يقوم عليها، من منظور التلقي والعمل والجمهور. «إذا كانت حياة العمل تنتج ليس من وجوده في حد ذاته فحسب، بل من التفاعل الحاصل بينه وبين البشرية». فإن هذا الاشتغال الدائم للفهم وإعادة الإنتاج الإيجابية لما تركه لنا الماضي لا يجب أن يظل محصورا في الأعمال منظورا إليها وكأنها منعزلة، الواحد منها عن الآخر. من الملائم بالأحرى إدراج العلاقة بين هذه الأعمال ضمن ذلك التفاعل الذي يربط العمل بالإنسانية، وموضعة العلاقة التاريخية بين الأعمال ضمن مركبية العلائق المتبادلة بين الإنتاج والتلقي. وبعبارات أخرى: لا ينتظم كل من الأدب والفن في شكل تاريخ نسقي إلا إذا أحيلت سلسلة متتالية من الأعمال لا إلى الذات المنتجة وحدها لكن إلى الذات المستهلكة أيضا، أي إلى التفاعل بين المؤلف والجمهور». (97) على المؤرخ إذن أن يولي اهتمامه بتجربة القراء لأنها تؤسس جدوى استمرار العلاقة. بين الماضي والحاضر. والمنطقي بالنسبة لـ ياوس هو تأسيس تاريخ أدبي باعتبار المتلقي منتجا للنص، وعنصرا أساسيا في سيرورة تكون العملية الإبداعية.
لقد أخذ ياوس على عاتقه تشييد مفهوم جديد للتاريخ الأدبي (98) الذي عليه أن يتوسع ليشمل المر سل إليه، ويتجاوز تلك «الدائرة الضيقة المشكلة من طرف المؤلف وفعله» (99). ضدا على النزعة المثالية الموضوعية. إنه إبدال يلوح في الأفق بالنسبة لـ ياوس، طريقة جديدة تفصح بها توقعات وتوافقات تجنيسية، في الأسلوب والشكل، قد تتعارض بها آفاق توقعات بين الماضي والحاضر (التجربة الجديدة). فمبدأ التوسيط الجمالي داخل سيرورة التاريخ الأدبي، هو المبدأ المفسر لتحول المعايير وإعادة تجديد رؤيتنا لكل أعمال الماضي (100).
3-خاتمة
لقد طرح هانس روبيرت ياوس أسئلته في سياق ابستيمي جاء تتو يجا لبذخ ثقافة واسعة، أبرزها الثقافة الفيلولولجية التي عرف بها الألمان (101) في تتبعهم لتاريخ اللغة وآدابها من أصولها إلى الوقت الراهن. بل (102) كما يقول جان ستاروبنسكي في سياق حديثه عن هذه الوضعية، «إن كل ناقد أو مؤرخ يتحدث انطلاقامن موقعه الراهن، غير أنه نادراما نجد من بينهم من يأخذ هذا الموقع بعين الاعتبار ليجعل منه موضوعا لتأملاته» (103)، أسئلة كبيرة شغلت ياوس وشكلت مشروعه النظري: 104ما وظيفة الأدب اليوم؟ ما هي الدلالة التي يمكن للبحث الراهن أن يأخذها عن تناوله للعصور الماضية؟ لذلك تندرج أغلب مقترحات ياوس في إعادة الاعتبار لمفهوم التواصل (105) الذي يتم بواسطة اللغة والفن عامة، باعتباره عنصر ا للتحرير وإلابداع معا للمعايير بالنسبة للفعل المعيش.
هوامش :
1- رشيد بنحدو: القوام الابستمولوجي لجمالية التلقي مجلة علامات عدد 36 مجلد 9 السنة 2000 ص 398-399.
2- تيري إيجلتون: الظاهراتية والهيمينوطيقا ونظرية التلقي ترجمة محمد خطابي علامات ع 3- 1995 ص 29.
3Hans Robert Jauss : une Esthétique de la réception (préface) edition Gallimard 1978p 10.
4- Idem (préface) opcité p 10.
5- Idem p 10.
6- Idem p 10.
7- Idem p 10.
8- Idem p 11-12.
9- Idem p 11-12.
10- محمد مفتاح: من أجل تلق نسقي ضمن كتاب: نظرية التلقي إشكالات وتطبيقات، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط، سلسلة ندوات ومناظرات ص 24.
11- Hans Robert Jauss : Pour une Esthétique… opcité p.
12- Idem p 23.
13- Idem p 23.
14- Idem p 24.
15- Idem p 25.
16- Idem p 26.
17- Idem p 27.
18- Idem p 27.
19- Idem p 27.
20- عرف التأريخ الوضعي الأدبي باختزاله خصوصية العمل الأدبي في مجموعة من المؤثرات غير المتناهية، نقلا عن: Idem p 29.
21- idem p 30.
22- Idem p 30.
23- Idem p 31.
24- يدل على ذلك انتقاد ياوس للجمالية الماركسية من حيث اعتبارها الفن مجرد انعكاس لأشياء سبقت معرفتها،وبالتالي حرمانها من إدراك الخاصية الثورية للفن ومن قدرتها على تحرير الإنسان من الأحكام المسبقة، والتصورات الجاهزة المرتبطة بوضعه التاريخي وفتحه على آفاق إدراك جديد للعالم واستشراق واقع جديد، نقلا عن:
Idem p 38.
25-idem p 39.
26- Idem p 39.
27- Idem p 39.
28- Idem p 39
29- idem p 44.
30 – idem p 44.
31- Idem p 66-67.
32- Idem p 67.
33- Idem p 67.
34- Idem p 67.
35- يعطي ياوس مثالا للحالة الأولى بإعادة تقو يم أندري جيد A.Gide وفاليري Valery لمشروع بوالو Boileau الخاص والشعرية الكلاسيكية للضرورة و يمثل الحالة الثانية بالاكتشاف المتأخر لأناشيد هولدرين Holderlin أو لتصور نوفاليس Novalis للشعر المستقبلي نقلا عنjauss
Idem p 67.
36- Idem p 67.
37- Idem p 67.
38- بوريس إيخنباوم: نظرية المنهج الشكلي ضمن كتاب:نظرية المنهج الشكلي نصوص الشكلانيين الروس ترجمة ابراهيم الخطيب.الشركة المغربية للناشرين المتحدين ط1 بيروت لبنان 1982 المرجع السابق ص 63.
39 – المرجع السابق ص: 63.
40 – المرجع السابق: 63.
41- هذا المبدأ الذي دافعت عنه الشكلانية الروسية، وسمح بإمكانية الحديث كما يسمى ذلك فكتور إرليخ نظرية الاختفاء التاريخي التاريخي لأشكال الفن، يمكنها أن تفسر رد الفعل ضد ما هو قديم، لا أن تفسر طبيعة ما هو جديد كما يمكن أن يفسر ضرورة التغير لا اتجاه التغيير. هذا الاتجاه يتحدد بالمحيط الثقافي الشامل للمرحلة ومزاج العصر الذي يجد تعبيره في الأدب نقلا عن فيكتور إريليخ: الشكلانية الروسية ترجمة محمد الولي المركز الثقافي العربي بيروت الدار البيضاء ط1 2002 ص: 124.
42- المرجع السابق ص 124.
43- Hans Robert Jauss Estétique.. opcité p 42.
44- يوري تينيانوف: مفهوم البناء ضمن كتاب: نظرية المنهج الشكلي نصوص الشكلانيين الروس. يشدد تينيانوف على أن النمو التاريخي لا يعمل على بلبلة الأوراق، ولا يدمر الخلاف فيما بين المبدأ الباني والمادة. بل على العكس من ذلك يشدد عليه. المرجع السابق ص 78-79
45- رومان جاكبسون: القيمة المهيمنة المرجع السابق ص 84-85.
46- المرجع السابق ص: 85.
47- رو برت هولاب: نظرية التلقي مقدمة نقدية ترجمة خالد التوزاني والجلالي الكدية منشورات علامات ط 1 السنة 1991 ص 25.
48- المرجع السابق ص 25.
49- Hans Robert Jauss : 1987 opcit p : 42.
50- Idem p 43.
51 – Idem p : 64.
52- IDEM p : 64
53- Idem p : 65.
54- يعود بنا إلى الشكلانية الروسية وبنيوية براغ ومسألة الإدراك الفني للأعمال الذي يتم عن طريق معارضتها لأعمال أخرى.
55- Hans Robert Jauss : 1978 opcit p : 65.
56- Idem p : 65.
57- يقوم هذا المبدأ كما هو معلوم في أدبيات الشكلانية الروسية على إدراك التعارضات أو الخاصيات الاختلافية ضمن استمرار صيرورتها التاريخية.
58- يمكن لهذا الاستمرار أن يدرك الإحساس حسب ياوس من خلال المسألة المتعلقة بالشكل والمضمون والتي حسب قول هانس بلومنيرك يطرحها ويخلقها كل عمل فني وراءه من حيث هو أفق يحدد الحلول التي ستكون ممكنة بعده.
Idem p : 66
59- Idem p: 66.
60- Idem p : 66.
61- Idem p : 66.
أي اكتشاف الأشكال الذي مثل العمل الجديد حلا له في السلسة التاريخية.
62- 62Hans Robert jauss : 1978p : 66.
63- 63Youri Tynianov : L’évolution littéraire in : théorie de la littérature texte formalistes russes réunies et présentés par : Tzvetan Todorov et Roman Jakobson collection tel Quel Seuil Paris 1965 p 136-137.
64- نظرية المنهج الشكلي المرجع السابق ص 63.
65- المرجع السابق ص 60.
66- Hans Robert Jauss: 1978 opcité p: 15.
من مقدمة جان ستاروبنكي للترجمة الفرنسية لكتاب ياوس.
67- هو المحور التعاقبي موضوعه عند سوسور: تطور اللسان على محور التتابعات، إنه يدرس العلاقات التي تربط بين أطراف متتابعة، لا يتبينها وعي جمعي واحد ويحل بعضها محل بعض دون أن يشكل نسقا فيما بينها، إنه التمييز بين وجهة نظر الوضعية ، وبين وجهة نظر التاريخية، بين ما هو آني وما هو متطور، بين الثابت والمتحول.
68- 68Hans Robert Jauss : Pour une Esthétique.. opcité p 15.
69- Idem p 41.
70- يتناول المحور السانكروني عند سوسور «نسق اللسان في لحظة معينة على محور التواقتات، إنه يهتم بالعلاقات المنطقية والنفسية التي تربط بين الأطراف الموجودة والمشكلة للنسق كم يتبينها الوعي الجمعي الواحد نقلا عن:
Ferdinand De Sausure : cours de linguistique générale édition Paris 1980 p 140.
71- hans Robert Jauss : 1978 opcité p 42 –43.
72- Idem p 43.
73- IDEM p : 68.
74- بما يعني ذلك كما يقول بوريس ايخنباوم من تحطيم التقاليد الأكاديمية والتخلص من ميولات العلم الصحفي اعتمادا على الفرق بين العلم الأدبي كواقعة تاريخية معينة ، وبين حرية تأويله من وجهة نظر الحاجات المعاصرة أو الأذواق أو المصالح الأدبية. وهكذا يصرح ي-ايخنباوم بأن منهجهم الرئيسي في التأريخ يجب أن يكون منهج تحطيم ونفي نقلا عن: نظرية المنهج الشكلي: يوريس ايخنباوم، نصوص الشكلانيين الروس المرجع السابق ص 62.
75- يقول تينيانوف: «إن الوظيفة المكونة لكل مكون من النسق ترتبط بباقي المكونات وترتبط بالتالي بالنسق كله»، فكتور إرليخ: الشكلانية الروسية المرجع السابق ص: 52.
76- المرجع السابق ص117.
77 – المرجع السابق ص: 129.
78- نفس المرجع السابق ص 129.
79- المرجع السابق ص 130.
80- أحمد أبو حسن: الشكلانيون الروس والنقد المغربي الحديث مجلة فكر ونقد ع 9-1998 ص.77
81- رشيد بنحدو: النص الأدبي من الانتاج الى التلقي مقاربة مصطلحية اطروحة جامعية مرقونة بجامعة فاس ظهر المهراز فاس ص: 517.
82- أحمد بوحسن: الشكلانيون الروس والنقد المغربي الحديث المرجع السابق ص: 78.
83- توماشفسكي: نظرية الأغراض: ضمن: نظررية المنهج الشكلي المرجع السابق ص: 213.
84- روبرت س. هولاب: نظرية التلقي مقدمة نقدية المرجع السابق ص 25.
85- تزيفتان تودوروف: نقد النقد ترجمة: سامي سويدان مراجعة ليلى سويدان مركز الإنماء القومي بيروت لبنات طبعة 1-1976 ص33.
86- المرجع السابق ص: 36.
87- تزيفتان تودوروف: نقد النقد المرجع السابق ص:36.
88- Hans Robert jauss: 1978 opcité p 65
89 – رشيد بنحدو: النص الأدبي .. المرجع السابق ص 354.
90- المرجع السابق ص: 355.
91- يعرفها طوماشفسكي: «فكل حقبة أدبية وكل مدرسة تتميز بنسق من الإجراءات الخاصة بها والتي تمثل أسلوبا «بالمعنى الواسع» بالمعنى الواسع»للجنس والتيار الأدبي نقلا عن: (
Ducrot Oswald et Todorov Tzvetan : Dictionnaire encyclopédique des sciences du langages SEUIL PARIS p 189-190.
92- Idem p 190.
93- Idem p 190.
94- Idem p 190.
95- Ducrot (Oswald et Todorov Tzvetan) Dctionnaire encyclopédique des sciences du langages opcité p 190.
96- Hans Robert Jauss : 1978 opcit p 39.
97- Idem p 39.
98 -يهدف مشروع جمالية التلقي إلى خلق بدائل جوهرية للنقد التاريخي التقليدي، وهي بدائل مؤسسة على مكونات معرفية ولسانية وسوسيولوجية نفسية وإعلامية. في وقت أصبحت فيه الحاجة ملحة إلى إدراك أطراف التواصل الأدبي المختلفة: الكاتب، النص القارئ، السياق.
Hans Robert Jauss : Pour une Herméneutique LITTERAIRE GALLIMARD PARIS 1988 . p: 429.
99- Idem p 429.
100- Idem p 429.
101- مقدمة جان ستاروبنسكي للترجمة الفرنسية لكتاب ياوس 1978المرجع السابق ص 9.
102- المرجع السابق ص 9.
103- المرجع السابق ص 9.
104- مقدمة جان ستاروبنسكي للترجمة الفرنسية لكتاب ياوس «» المرجع السابق ص 9.
105- المرجع السابق ص 10.
سعيد بن الهاني
باحث ومترجم من المغرب