تفردُ مجلة نزوى محورًا خاصًا حول تجربة الكاتب العُماني يونس الأخزمي، يتناولُ ثلاثيته الروائية حول بحر العرب، المكونة من ثلاث روايات، كُتبت مُسوداتها الأولى في نهاية التسعينيات، لكنها صدرت مُتعاقبة بين عامي 2016 وحتى عام 2022، وهي: “برّ الحكمان” و”غبّة حشيش”، و”رأس مدركة” .
ولد الأخزمي في قريته “العريانة” بولاية مطرح، ومنذ طفولة باكرة تغذى بصريا بصورة البحر المحاذي للجبال الصلدة. عاش سنوات حياته الأولى مُتنقلا بين مدينة مطرح وقرية صياء؛ مدينة مطرح في أشهر الدراسة متنقلا فوق الدرَّاجات الهوائية، وصياء في أشهر القيظ الحارق مُتنقلا فوق الحمير كما ذكر في إحدى شهاداته. وكان ضمن أول دفعة تدخل جامعة السلطان قابوس، حيث تولّد الشغف الأولي بالكتابة، فشكّل برفقة أصدقائه جماعة الخليل بن أحمد الفراهيدي بمشاركة الأساتذة في كلية التربية، فعُقدت الأمسيات واستقبل الكُتاب كضيوف، وقُرئت الكتب. وبعد تخرجه أصدر أول مجموعة قصصية بعنوان: “النذير”، تلتها عدّة مجموعات قصصية، ثم صدرت روايته الأولى بعنوان “الصوت” عام 2012.
وقد تحدث في أحد حواراته عن أنّ انتقاله للرواية حدث عندما لم تعد القصة القصيرة قادرة على التعبير عن التجارب الإنسانية الأكثر اتساعا، “فالرواية تحتضن شتى مظاهر الحياة والأفكار داخل قالبها السردي”، وهذا ما أنجزه عبر ثلاثيته الروائية بعد فترة من التوقف.
وُلدت فكرة الثلاثية بينما كان يكتب “بر الحكمان”، فقد وجد أنّ لعُمان “تاريخًا جيولوجيًا ضاربًا في القدم، تاريخًا هائلًا يمتد إلى حوالي مليار سنة”. ولم تكن هذه الثلاثية تسعى لأن تصير توثيقا اجتماعيا لمنطقة غابت عنها الروايات، بل أن ينبضُ فيها اشتغالٌ يقبضُ تلابيب الحبكة، عن البحارة البدو، الذين تتقاطع مصائرهم بجغرافيا عُمانية مُعقدة تجمع الصحراء بالبحر.
كما أنّ الثلاثية تحاول تدوين الحكاية التاريخية التي عُبث بها من قبل من كتبوا التاريخ، عبر منحه للشخصيات صوتها الخاص كما يمنح القراء الحكاية المُضادة، مُنتصرا للمهمشين لتخليصهم من صور نمطية.
فعبر عوالمه الروائية يقتنص صراعات الجغرافيا وفضاءاتها الغرائبية، مُقتفيا أثر الحكايات الشعبية التي تداولها الرواة، مُجازفا بالدخول إلى منطقة وعرة ومُلهمة، ومتطلبة للكثير من البحث والاشتغال.
“لا يذهب الأخزمي لأسطرة المكان لأنّ مكنونات المكان مُحملة أصلا بالغرائبي”، ذلك المكان الذي تنمو فيه المؤامرات والحيل لصنع تاريخ ما، فجيولوجيا عُمان الفريدة لا تنفصل عن فرادة الإنسان الذي قطنها، كما لا تنفصل عن التحولات في العلاقات الاجتماعية، لا تنفصل حتى في لحظة اندثار حياة “البحارة البدو” عند تحولهم لسياق متمدن.
هذه الثلاثية ليست سلسلة مرتبطة ببعضها بعضًا من حيث الأحداث، “فكل جزء هو رواية مستقلة، أحداثها تنتهي بانتهاء الجزء، لا يوجد رابط سوى الامتداد الزماني وانعكاس التغيّر في حياة البدو عليهم وعلى عاداتهم وممارساتهم”.
ويُحسب ليونس الأخزمي عبر هذه الثلاثية، الكشف عن مجتمعات مخفية عنا، ليمنحها حياة جديدة.
يشارك في هذا المحور كل من الباحث السوري إبراهيم محمود الذي يدرس تحولات الرؤوس في رواية “رأس مدركة”، وتشارك الأكاديمية بدرية الشحي بشهادة عامّة حول الثلاثية التي ترى فيها ثمرة مشروع يمتلك كلّ مقومات النجاح ليتحول لسلسلة من الأفلام الروائية. بينما يتناول الكاتب محمود الرحبي، عذوبة السرد وتفكيك خطاب الهيمنة في رواية “رأس مدركة”.