تتوزع على جوانب المحيط الهندي جلّ العرقيات واللغات والأديان في العالم ولذا شدت الباحثين المعاصرين في جوانب تخصصاتهم المتعددة عن دراسة كيفية وسائل التواصل بين الشعوب الأوروبية والآسيوية والإفريقية التي تمت آنذاك، وبما كشفت عنه الوثائق البرتغالية حديثاً فكثرت الدراسات المتعددة للبحث عن الترجمة وقضايا المترجمين بما يمكنهم أن يجدوه من نتف وأخبار بما ذكر في الوثائق أو روايات المؤرخين والقصاصين والمغامرين فتراكمت أبحاثا جادة خلال العقود الثلاثة الأخيرة عن قضية الترجمة والمترجمين في عصر الكشوفات الجغرافية ولا تزال تشحذ بهمة في اخلادهم للكشف عن هذا التواصل، ولذا نحن نحاول نسلط الضوء على عملية الترجمة في هذا التلاقح الإنساني بين الشرق وأوروبا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. فقبل وصول الأوروبيين كانت الهيمنة للغتين العربية والفارسية على جلّ معاملات التواصل بين ضفاف المحيط الهندي فحينها كانت اللغة العربية تمتد من الجزيرة العربية حتى الشواطئ الجنوبية لشرق أفريقيا بينما كانت اللغة الفارسية بعد التغلب المغولي تتحكم على جلّ شبه القارة الهندية من إيران وحتى سواحل الملايو في جنوب شرق آسيا، وكان المترجمون القادمون من أوروبا يأتون من المغامرين والمجرمين والسكان المحليين والأسرى المنشقين والعبيد الذين أُجبروا على التنصير والذين تم توظيفهم خلال الحملات والعمليات العسكرية، حيث كانت الضرورة المتسارعة في التوسع للإمبراطورية البرتغالية تجبر الكثير منهم للخضوع والانتظام في العمل البيروقراطي للإمبراطورية وهذه النظم هي التي تقرر عملية تشكل جماعة من المترجمين مكونةً بذلك عائلة منظمة كامل التنظيم الإداري من المترجمين في ضمن المؤسسة الحكومية. حينها كوَّنَ المتمردون السابقون والأسرى والسكان المحليون والعبيد المنتصرون واليهود والمسيحيون الجدد والمغامرون والمجرمون فرقة مهمة تكونت بصورة ملفتة كفئة معينة يشار إليها داخل المجتمع الحدودي التابع للإمبراطورية البرتغالية فيما وراء البحار؛ ألا وهو ما يمكن أن يطلق عليه مجتمع المترجمين أو “الألسن”، فقد كان باستطاعة من كانوا بعيداً عن هامش الأجور القيام بأعمال المترجمين باحترافهم ازدواجية اللسان. إلا أن المتطلبات المشروطة لهذه الوظائف تقف حائلاً أحياناً ومنها مهارة الانفتاح أمام عدة عوالم، الصفة التي لم تكن متوفرة لدى بيئة الأشخاص القادمين من المجتمعات الأخرى، علاوة على ذلك كانت هناك العديد من المشكلات الفنية؛ فالأفراد ذوو الكفاءة في اللغات الشرقية كانوا نادري الوجود في البرتغال ماعدا بعض التجار والأدباء ورجال الدين الذين جابوا العالم ويمكن الاستعانة بهم بين الفينة والأخرى للترجمة، كما أن اللغات المتداولة في هذه البيئات كانت محدودة. فكانت اللغة العربية هي اللغة الثانية المتداولة بين القادمين الجدد، وجلّ المترجمين كانوا يستعملون اللغة دارجة، وكذا اللغة العبرية كانت متداولة أيضاً على نحو ضئيل في المقارنة، ذلك نتيجة أن اللغة العربية كانت أكثر شعبية من اللغات الأخرى بسب أن بعض الجند والأسرى السابقين في الأندلس والبعض من الحاميات المغربية كانوا يتحدثون بها ويتم مباشرة بالترجمة الشفوية وفي المقابل كانت هذه القدرات اللغوية للترجمة المكتوبة نادرة إلى حد كبير ويصعب الكشف عنها بين النصوص والوثائق. فالاختلافات اللغوية وتنوع الألسن نتجت عنها عقبات أخرى فلم تكن اللغة العربية الدارجة في شمال أفريقا سهلت الفهم لدى المصريين أو السوريين، كما كانت لغة التجارة والتبادل السلعي هي المهيمنة في عالم الإبحار. فعلى سبيل المثال ذلك كان العرب من أهل المشرق يستخدمون بجانب لغتهم اللغة الفارسية والهندية أو لغة مزيجة من العربية والفارسية والمطعمة بالمصطلحات المالاوية والسواحلية واللغات الهندية المختلفة لتكون كلغة مشتركة للتفاهم بين أطياف المجتمع الواحد في المحيط الهندي. بينما اللغة المشتركة لدول البحر المتوسط هي عبارة عن مزيج من اللغات الإيطالية والكاستالية والعربية والتركية. وبتوظيف الأشخاص ذوي الأصول والثقافات غير المتجانسة تماماً كان أمل البرتغاليين المتمثل في أنه بالإمكان التحدث بعدة لغات في المحيط الإداري للدولة وفي ذات الوقت الاحتفاظ باللغة الرسمية البرتغالية كلغة البلاط وتوظيفها المستمر كسب القوة لها في الجانب القومي والوطني في الانتشار، حينها كانت أوروبا في مخاضها الأوسع في إثبات اللغات كواجهة قومية منذ أن وضع دانتي الكوميديا الإلهية باللغة الايطالية. فالاختلاط في طاقم السفينة كان أمراً حتمياً للتواصل فعلى سبيل المثال عثر على وثيقة برتغالية كتبت في عام 1528م لطاقم سفينة مبحرة من جوا مرورا بقلهات ومن ثم مسقط متجهة نحو هرمز والوثيقة في قائمتها تشمل اسماء البحارة وهم ما يقارب الستين من مختلف الأعراق والأديان وتضم فيها عرب من الخليج وعرب من شمال افريقية (الموروسكيين) وفرس وهنود ومن غوجورات وهنود من المليبار وأفارقة وبرتغاليين، وتوضح رواتبهم ومهنهم بدءا من الطباخ والطبال والمغني ورافعي الأشرعة وحتى النوخذة أو الكابتن، كانت هذه الوثيقة المدهشة أجريت عليها أبحاث عدة لمعرفة ماهية لغة التواصل بينهم.
كان لهذا التوظيف مشكلات من نوع آخر فالمترجمون يعيشون حينها في حالة خاصة بين تهميش ماضيهم لتمتعهم بثقافة مزدوجة بإجادتهم لغات مختلفة بل يلزم هذا الأمر التخلي عن الماضي كلياً لأجل الصعود في المهمة القادمة، وفي المقابل دمجتهم وظيفتهم كمترجمين في مجتمع «محترم» وصولاً إلى المراتب العليا، وإذا كانوا من ذوي المواهب فإن الوظيفة تمكنهم أن يرتادوا أروقة البلاط والسلطة ويتقاسمون أسرار الدولة ويقومون بدور فاعل فعلى سبيل المثال يعرف عند وصول البرتعاليين إلى الهند بالمترجم جاسبر دا غاما والمعروف أيضاً بجاسبر الهندي وعرف في الهند بمسمى محمد أو مهميت وهو يهودي من أصل اشكنازي جاء إلى الهند مترجماً لفاسكو دا جاما ودي منويل ومن بعد عمل لدى بيدرو الفارس كبرال وكذلك عند نائب الملك في الهند دي فرنسيسكو دي ألميدا، وأمثاله كثر خصوصاً من اليهود فقد شهر كثيراً عن فرنسيسكو دي البوكيرك (ومن قبل كان يدعى يوسف) والأسكندر دي أتايد وهما من اليهود السفارديم الأندلسيين واللذين اعتنقا المسيحية وعرفا بعد ذلك بهذين الاسمين وعملا كمترجمين وكانا يجيدان العربية والفارسية والتركية والغوجراتية (نسبة الى ولاية غوجرات الهندية)وأصبحا لهما حظوة عند الفونسو دي البوكيرك ورافقاه في رحلاته الاستكشافية نحو ملقا عام 1511م، وإلى عدن عام 1513م، وفي عام 1535م شارك هذان الرجلان في مهمة استطلاعية كان الهدف منها مدينة ملقا. وكذلك يذكر عن الارمني جسبار دي جما بأنه كان يجيد العربية والأرمينية إلى جانب اللغة العبرية كما أنه يتحدث اللغة الإيطالية الممزوجة باللغة الأسبانية، وهذا بعض من الأمثلة المشهورة للمترجمين الموهوبين. بيد أن وضع المترجم المتناقض كان في معاناة يفسرها انعدام الثقة الذي يولده عند العامة سواء ممن ارتبط معهم في العمل المؤسسي أو الطرف الآخر المترجم له أو مع عامة الناس، وقد تفاقم هذا الوضع لأن وظيفة اللغة لم تكن منفصلة عملياً عن المهام الجاسوسية أو المفاوضات السرية وبما أن الأمثلة كثيرة جداً في الوثائق المتفرقة حتماً فيمكن الاستشهاد بالقليل من تلك الوثائق فيذكر المؤرخ البرتغالي فارنو لوبيز كستهيدا روايات منها بأن جاسبار الهندي المذكور آنفاً قام بإعداد نجله بلتسار للخدمة في المجال اللغوي أو الترجمة ودفعه لدراسة اللغة العربية وهذا الأخير تم تكليفه بالتجسس على قوات المماليك بقيادة الأميرال أمير حسين الكردي عام 1508م بعد انتصاره عليهم في المحيط الهندي، وكذلك في عام 1515م بعث الفونسو دي البوكيرك وفداً إلى الشاه إسماعيل برئاسة جاسبار رودريجيز متنكراً في زي خبير لغوي وذلك للسماع إلى ما يقوله المغاربة عنه الذين صاحبوا الوفد. وأما المؤرخ البرتغالي أوبين Aubin في روايته عن دي مسكويتا الذي كان سجيناً في مدينة كامبي ( إقليم غوجرات الهندية) واستطاع حينها تعلم اللغة الغوجراتية من خلال مخالطة الحراس ويذكر عنه أنه اعتنق الإسلام وبعد إطلاق سراحه شغل وظيفة المترجم والمراسل والجاسوس والمفوض للحوار بين البرتغاليين وسلطنة غوجرات في عام 1535.
ومن ناحية أخرى كانت تواجه المؤسسات البرتعالية صعوبة في تصنيف هذه الشخصيات أو التأكد من جذورها الثقافية التي كانت تنتمي إليها أو أصولها الدينية، وكانت هذه مصدر إزعاج نظراً لأن المترجمين كانوا يُجيدون لغات مختلفة ولذا كان المترجم مشكوكاً في نزاهته أو متهماً في إيمانه وعقيدته أو يتهم بأنه مُلَوَّثٌ من قبل “الطرف الآخر”؛ لأن عملية استخدام اللغات الأخرى اشتملت على استخدام آليات الفكر للعالم الآسيوي الذي كان يعد وثنياً في نظرهم حتى المسيحيين في الهند عانوا من عمل في الترجمة من هذا الأمر كونهم في درجة أدنى من البرتغاليين؛ لذا كان المترجم يسهل لديه تكوين كونه وعالمه الخاص ينظر بعينين مزدوجتين وهو أمر لا يتوفر لدى سيده الذي يتلقى منه الأوامر. فيروي المؤرخ بوشون بأن الفونسو دي البوكيرك كان حذراً من المترجمين ويراقب مترجميه عن كثب، ففي عام 1512م أصدر أمره بسجن مترجمه خمسة أشهر بتهمة نشر أسرار الدولة، والمعلوم بأن البوكيرك كان بحق ذا كفاءة عالية ورجل دولة من الطراز الأول فعندما أوفد البوكيرك في عام 1510م مبعوثه روري جوميس دي كارفلهوسا إلى الشاه إسماعيل في إصفهان أعلمه بتعليمات محددة ومثيرة للاهتمام عليه تبليغها، وفي الوقت ذاته أعطى تعليماته بأن يمنع المترجم من إضافة كلمة واحدة على تصريح السفير أثناء المقابلة، وأن يظل إلى جانبه دائماً وأن يُوَفَّرْ له مسكناً في مبنى منفصل طيلة فترة المهمة يمنعه من المخالطة.
فعالم المترجم يكمن في كيفية إبراز براعته ولباقته فهما سحره الخاص وهذا ما يدركه الأسياد لذا يتعمدون التقليل من أهميته بعد انجاز المهمة، فالوثائق الموجودة لدينا وكذلك ما أكدته المصادر البحثية قلما تفيد باسم المترجم فلم يكن يُذكر ونادراً ما كان يتم الإشارة إليه، وأن تم ذلك فيتم بشيء من التحريف، وحتى بمواصلة المترجم طموحاته يعاد إلى تقييم حالته الأصلية وجذوره المتواضعة التي قدم منها فلذا كانت طموحاته معرضة للقمع، وقلما من شهد له وعلا شأنه نحو “ماركو فرننديس” المترجم الذي حضر مراسم التوقيع على معاهدة السلام لعام 1534-1535م، والتي تم بمقتضاها الاتفاق على استيطان البرتغاليين في ميناء بسين في الهند، ومن هؤلاء المترجمين من خدموا لفترة طويلة مثل “جواو جرشيس”، الذي هو هندي من كيرلا أُخِذَ أسيراً من جنوب الهند برأس قمرين مقابل سريلانكا وعمل لدى البرتغاليين مترجما في الهند لمدة 25 سنة، جلها متنقلا رحالاً في مختلف الأساطيل والقلاع على ساحل المليبار لم يعرف الاستقرار طوال خدمته. ومن أشهر العرب المترجمين كان رجل يسمى محمد بن سعيد/ سعد والذي ترجم قانون الرسوم الجمركية في مسقط اكتوبر 1620م. وهذا القانون ينظم أحوال جميع القاطنين من السكان سواء المستوطنين أو المهاجرين أكانوا عربا أو برتغاليين أو هنودا أو فرساً، والمميز في هذا القانون أن المترجم نقل الوثيقة المحررة بالأصل العربي إلى اللغة البرتغالية حرفيا.
إن لشبكة الترجمة عالمها الواسع تفرض على ممتهنها التنقل بين الأقاليم والإحاطة بالمعلومات ومراقبة الأسواق ولعل اليهودي إسحاق القاهري أو كما يعرف دو كايرو نسبة إلى القاهرة فهو ممن برع حينها في القرن السادس عشر وقد أشاد به البرتغالي جارشيا دي أورتا قائلاً: إن إسحاق رجل حصيف وفطن ويجيد عدة لغات وقد أشير إليه في كتاب (اللغات الدارجة في الهند). وقد أدى إسحاق دو كايرو خدمة جليلة بوصفه مبعوثاً ومخبراً للتاج البرتغالي؛ ففي الفترة العصيبة التي هدد فيها الأتراك الوجود البرتغالي في المحيط الهندي يُنْسبُ إلى إسحاق أنه هو الذي نشر نبأ وفاة بهادور شاه سلطان ولاية غوجرات الهندية عام 1537م الأمر الذي ادى الى زعزعة الوجود العثماني بفقدانهم حليفا مهما في شبه القارة الهندية، وكذلك عمل إسحاق بجد للكشف للبرتغاليين عن تحركات أحلاف العثمانيين في المنطقة ما بعد بهادور شاه، وإلى جانب مهام أخرى قام بها إسحاق خلال فترة خدمته الطويلة للبرتغاليين وحظي على ذلك جزاءً لما قدمه من خدمات بأن أنعم عليه ملك البرتغال بلقب مترجم لمدينة ديو (مدينة ساحلية هندية)، وبهذا المنصب أجزي بمائة وستين ألف ريال برازيلي يُدْفَعْ له لفترة أربعة أشهر. كما طالبهُ الملك بتعيين نائب له لأداء نفس المهام في حالة غيابه أو عجزه عن تنفيذ ما أنيط به من مهام. وكان هنالك شخصية يهودية أخرى من القاهرة اسمه صموئيل، واستخدمه الفونسو دي البوكيرك مترجما له، وقد تم استدعاؤه ليترجم الرسالة التي بعثت إليه من ملك الحبشة. ولعل اتصال هاتين الشخصيتين اللتين ذكرناهما أنفاً مع البرتغاليين والعمل في الحكومة البرتغالية تم عن طريق البوكيرك فقد عرفنا هاتين الشخصيتين اليهوديتين مقربتين من البوكيرك ويضعهما في محل الثقة، ولذا امتازكل من إسحاق وصموئيل بين المترجمين اليهود عند البوكيرك بأن بقوا على دينهم عكس الذين قدموا من الأندلس إذ أن يهوديتهم كانت ميزة لأبعادهم عن التاج البرتغالي وإبقائهم لولائه الشخصي والاتصال المباشر به شخصيا دون المؤسسي. وبهذه الطريقة استطاع البرتغاليون الحفاظ على اتصالاتهم مع مختلف المجتمعات اليهودية دون مجازفة نبذهم من قبل المحافظين اليهود. ويلحظ بشكل عام أن عملية التنصير لم تكن عملية فورية فالمترجم اليهودي الخاص للفونسو البوكيرك ـ كان يدعى يوسف- وافق على اعتناق الديانة المسيحية تحت اسم الكسندر أتايد فقط وذلك في عام 1515 في حين أنه كان يخدم في التاج البرتغالي منذ عام 1510م.
أما بالنسبة للمسلم فقد كانت عملية التنصير ضرورية وقتذاك كخطوة أولى لتثاقف الفرد واندماجه في المجتمع الجديد وعلى أمل أنه سيثبت إخلاصه للتاج فكثير ما تشير الوثائق إلى المسلمين بالمورو وعلى الرغم من انجازاتهم فإن الشكوك بقيت على ما كانت عليه.
حينها خلقت هرمز مركزاً تعدديا ومحطة للتواصل بين عرقيات وثقافات وأديان مختلفة آنذاك و كان بها مجتمع يهودي هام لا يستهان به وكانوا على تواصل مع يهود العراق وكما كانت أحد موانئ الاتصال الضرورية للمسيحيين الجدد من ذوي أصول شبه الجزيرة الأندلسية والذين توجهوا إلى الهند والعلاقة بين فارس والهند والبرتغال والعرب، فبحسب وثيقة دونت 1626م للمتنصرين الجدد بحسب الطريقة الكاثوليكية الاوغسطنطينية من العمل التبشيري كانت تضم عربا وأرمن ويهودا وهنودا من مليبار و ديو وغوجرات وجوا وبنغال وأتراكا وفرسا وهندوسا، وهذا أدى إلى تشكيل خليط واسع من التعددية وفي عام 1636م صدر المرسوم الملكي في لشبونة بتنظيم الأعراق والأديان الثمانية في مسقط بين البرتغاليين، واليهود والأرمن والعرب والهندوس والفرس. ولذا شكل المترجمون المسلمون كتلة منفصلة؛ فالبعض اعتنق المسيحية والبعض الآخر لم يعتنق، فمن المترجمين المتحولين الذين ذكروا في مسقط وهرمز “جاسبر مارتنز” و”جاسبر رودريجيز” و”سلفادور رودريجيز”؛ ولكن لا يعرف ما إذا كانوا قد استقدموا من الأندلس أو المغرب أو هم من المجتمع المحلي ومما يحكى عن احد المترجمين ويدعى خواجة بيركولي (كوجا بركلم) وهو فارسي وكان حاضراً أثناء التوقيع على معاهدة التنازل عن بسين بمعية مترجم الدولة “ماركو فرنانديس” يوم 23/ديسمبر/1534م وكانت لغة المعاهدة مشتركة بين الفارسية والبرتغالية، وهو لم يعتنق المسيحية، وكثير ممن كان يخدم السلطات البرتغالية في جوا الهندية كانوا من المسلمين ولم يرغموا عكس المناطق الأخرى ولعل ذلك كان سببه سمو حالته الاجتماعية هنالك، وكان خواجة الفارسي تاجراً محترماً إلى جانب كونه مترجماً وذكر في عدة مصادر تاريخية تشيد به. لكن في المقابل هنالك شخصيات مسلمة مهمة ذكرها المؤرخ أوبين نحو المترجم الشخصي للوبو سواري شجي الباجاريا في جوا (1515- 1518)، والذي كان يدعى “ميجويل نونيس” وهو كان تاجرا مسلما ثم اعتنق المسيحية. وكذلك جرشيا دي نورونها كان جاسوساً ومترجما لدى نائب الملك في الهند دي. جرشيا دي نورونها وقد اعتنق المسيحية وهو تركي الأصل. أما أشهر شخصيات الترجمة من المسلمين فهو المدعو سيدي علي المشهور بـ”الملتوي”( The Twisted” (O Torto وهي الكنية التي أطلقت عليه نظراً لأنه كان أحول- ومسلماً من غرناطة وارتحل مع البرتغاليين وأقام في غوجرات بالهند، فقصته حكاية خاصة أشبه بالرواية القصصية؛ امتاز بالذكاء الحاد والفطنة فهو لم يكن مترجماً بوظيفة دائمة للبرتغاليين بل استغل فطنته في عملية التواصل مع جميع الأطراف حوله فبدأ عمله مترجماً كخدمة لمجموعة من السجناء البرتغاليين في مدينة شاول (وهي مدينة هندية تقع على بعد 60 كيلومترا جنوب ممباي وهي الآن على شكل أطلال) والذين قبض عليهم بعد معركة شاول في عام 1508م حين هزمهم المماليك والغوجراتيين، وبعد مضي عام تمكن البرتغاليون وانتصروا في معركة ديو البحرية 1509 وجزاءً لما قدمه من خدمات كافأه دي. فرنسسكو. دي الميدا بأربعمائة كروزادو (عملة قديمة ظلت مستخدمة حتى عام 1989م من قبل البرازيل)، ونشط سيدي علي مع البرتغاليين وأبرز هو تضامنه الجيو-ثقافي خلال الحرب بين المماليك والبرتغاليين، ولذا عمل شخصياً بالاستفادة من ثقافته المزدوجة في اللغات أو الدين وقام بحماية الأسرى البرتغاليين وأقنع سلطان غوجرات، تجنباً بذلك من إرسالهم إلى القاهرة ضد رغبات أميرال المماليك ووالي جدة أمير حسين الكردي. والقضية الأغرب واشد طرافة من قضية سيدي علي هي قضية خواو دي سنتياغو فقد عرف بدماثة الأخلاق وكان مغامراً ومترجماً وكان مسلماً من شمال أفريقيا، وعرف بهذا الاسم لما اعتنق المسيحية وكان حينها حدثاً صغير السن وأخذ كعبد حيث اشتراه معلماً في لشبونة يعمل في مهنة سدّ شقوق السفن وعلمهُ صنعته وبرع فيها، وعندما غادر سيدي علي لشبونة على متن إحدى السفن الأولى التي أُرسلتْ إلى الهند وكان برفقته خواو دي سنتياغو، وبوفاة سيده وبناء على وصيته حرر من العبودية في جوا وأخذ يزاول تجارة الأحجار الكريمة في مدينة كننور بالهند وذلك بفضل ما استطاع أن يوفر من مال؛ ثم اعتنق الهندوسية وأصبح شخصية مؤثرة في أروقة السلطات المحلية بالمدينة. وانقلبت حاله وكثرت المؤامرات ضده فقد عرف بذكائه وفطنته ولكنه شهر بغطرسته وكبريائه مما اضطره إلى السفر واللجوء إلى مدينة جوا، ومن هناك غادرها إلى مدينة هرمز حيث انضم إلى خدمة سلطان هرمز واعتنق الإسلام ثانية وواصل نشاطاته بهوية تاجر مسلم وزجّته دينامكية المدينة إلى معمعة المنافسات التجارية بالمدينة ولكونه شخصية مقربة من الملك كان مستهدفا، وهذا ما أرغمه على اتخاذ ملجأ بين صفوف البرتغاليين من جديد رغم الحماية التي حظي بها من ملك هرمز، ودون إرغامه على اعتناق المسيحية أرسله الحاكم البرتغالي نائب الملك “نونو داكونها” إلى كامبي في الهند ليعمل مترجماً هناك برفقة أمين السر سيماو فاريرا، وذلك للتوقيع على معاهدة السلام القاضية بالتنازل عن مدينة بسين (من اقليم مهارا شترا الهندية). ولعل هذه المهمة كانت مبرراً لمواصلة حياته مسلماً بمعنى أن الإسلام دينه الوحيد وامتاز هو بمهارة الحديث وببراعته الدبلوماسية في الإدارة بين الطرفين وهذا ما سهل له عملية فض المحادثات، ووفقاً بما ذكره عنه المؤرخ “ديوجو دو كوتو” بأن مهمة سيماو فاريرا انتهت بنجاح غير متوقع ولذا قدم فاريرا على إكرام خواو دي سنتياغو بأن زكّاه وعرفه على شاه غوجرات بهادور شاه والذي أصبح محبوباً ومقرباً لديه وحصل منه على عشرين ألف كروازادو من إيرادات الضرائب؛ لكن خدمته لسيده الجديد لم تدم طويلاً فبعد وفاة بهادور شاه في مطلع عام 1537م أنهى البرتغاليون حياته برجمه بالحجارة خلال أعمال الشغب التي وقعت في عرض البحر قبالة ساحل ديو.
المراجع:
1- Bouchon, Geneviève (1985). L’interprète portugais en Inde au début du XVIe siècle. Simpósio
Interdisciplinar de Estudos Portugueses, As Dimensões da Alteridade nas Culturas de
Língua Portuguesa – o Outro, II. Lisboa: Universidade Nova de Lisboa.
2- Aubin, Jean (1974). «Francisco de Albuquerque, un Juif castillan au service de l’Inde
portugaise (1510-1515)». Arquivos do Centro Cultural Português, VII. Lisboa/Paris.
3- Aubin, Jean (1988). «Un voyage d’Ormuz à Goa». Asian Studies in Honour of Professor Charles
R. Boxer, Modern Asian Studies, 22,2. London :Cambridge University Press.
4- Aubin, Jean (1993). «Ormuz au jour le jour à travers un registre de Luis Figueira, 1516-1518».
Arquivos do Centro Cultural Português. Paris: Fundação Calouste Gulbenkian
5- Cooper S.J. (1994). Rodrigues, o Intérprete, um Jesuíta no Japão e na China. Lisboa: Quetzal.
6- Portugal in the Sea of Oman- Religion and Politics, ed. Abdulrahman al-Salimi and Michael Jansen, Philipp von Zabern, 2012, (16 volumes); with translation see Portugal in the Sea of Oman: Religion and Politics. Research on Documents.: Part 2: Volumes 1-10. Transcription, English Translation, Arabic Translation, ed. Abdulrahman al-Salimi and Michael Jansen, Georg OlmsVerlag, 2016.
7 – Tavim, José Alberto Rodrigues da Silva (1994). «Os Judeus e a Expansão Portuguesa na Índia
durante o Século XVI. O Exemplo de Isaac do Cairo: Espião, «Língua» e «Judeu de
Cochim de Cima». Arquivos do Centro Cultural Calouste Gulbenkian, XXXIII, Paris: Fundação Calouste Gulbenkian
** تسعى هذه الدراسة كذلك الى الكشف عن كوديكس كازاناتا Códice Casanatense والدي يمكن أن يُعد أقدم كتاب تصويري شامل عن المحيط الهندي بأقاليمه المتعددة. فهو رصد ثقافي تصويري عن ثقافة المحيط الهندي في القرن السادس عشر، من ست وستين صورة توضيحية بالألوان المائية، واحدة منها أضيفت لاحقاً، وتعرض الصور مع وصف قصير وتشمل رسومًا توضيحية لأشخاصٍ من شرق إفريقيا، والجزيرة العربية، وبلاد فارس، وأفغانستان، والهند، وسيلان، وماليزيا، واندونيسيا، والصين، وملقا، بالإضافة إلى رسومات لتلك المناطق عن الحيوانات والنباتات وتقاليد الشعوب والانتثروبولوجيا، ونحوها بيد أنه لم يتعرف على مصنف ورسام محتوى المجموعة لكن العديد من رسومها تقدم معلومات قيمة عن التاريخ الذي تم رسمها أو الإشارة إليه، وأكثر الاحتمالات أنها كتبت في 1540م، وذكر بأن مالكها الأول مسجلٌ باسم ” جواو دا كوستا” من كلية سانت بول في غوا/ الهند والذي أرسلها في عام 1627 إلى لشبونة، وفقا للمعلومات الواردة في المخطوط وحصل عليها من بعد الكاردينال جيرولامو كازاناتا والذي قام بجمعها وترتيبها وعرفت باسمه وقرب وفاته في عام 1700 وبتوجيهه أرسلت مع مجموعته الخاصة إلى النظام الدومينيكي في روما حيث تم الاحتفاظ بها هنالك حتى الآن، وتم طرحها لأول مرة للعناية العامة من قبل الباحث جورج شورهامر والذي نشر عدة صور في المجلة التاريخية البرتغالية غارسيا دا هورتا في الخمسينات من القرن الماضي.
انظر
http://opac.casanatense.it/ListRecord.htm?searchtype=thm&list=link&link=2201&xRecord=19921818146917490909
عبدالرحمن السالمي *