أحمد هلالي
دَبِيبُ الرُّوحِ
هَذَا الدَّبِيبُ الْمُقِيمُ فِي هَشِيمِ الرُّوحِ كَأَنَّهُ لِحَيَاةٍ، لِحُلْمٍ يَتَلَمَّسُ طَرِيقًا مُحْتَمَلًا، يَشُقُّ ظِلِّيَ الْوَشِيكَ فِي الْمِرْآةِ. ثَلَاثُونَ وَأَكْثَرُ قَدْ مَضَيْنَ خَلْفَ تَكْتَكَاتِ السَّاعَةِ فِي الْجِدَارِ… مَا تَبَقَّى سَيَبْلَعُهُ الْعَدَمُ السَّحِيقُ تِرْيَاقًا لِزَهْرَةِ رَغْبَتِهِ الذَّابِلَةِ!
أَمِنَ اللَّازِمِ أَنْ تَجْرِي أَنْهَارُ الدَّمِ حَمْرَاءَ كَيْ نُؤْمِنَ بِالْمَذْبَحَةِ. اَلْكَلِمَاتُ أَحَدُّ مِنْ سَيْفِ طَاغِيَةٍ فِي افْتِضَاضِ سِيرَةِ عَفِيفٍ… سَيَمُرُّ هَذَا الْقِطَارُ السَّرِيعُ بِجُثَثِ الْأَحْبَابِ فَوْقَ رِقَابِنَا، لَنْ يُؤاخِذَهُ أَحَدٌ عَلَى سَطْرِ الدَّمِ الْمُمْتَدِّ خَلْفَهُ. لَنْ يُعْوِزَنَا جَلِيدُ الصَّمْتِ فِي تَحْرِيرِ حَمَامِ الْمَعْنَى لَحْظَةَ يَنْطَلِقُ حَثِيثًا حَدِيثُ الْعُيُونِ.
لَحْظَــةٌ
كَانَ عُمْرُهَا ثَانِيَةً لَا أَكْثَرَ!
تِلْكَ اللَّحْظَةُ الْأَكْثَرُ تَرْكِيزًا مِنْ رَحِيقِ زَهْرَةٍ.
شَرِبْتُهَا بِلَهْفَةِ عَطْشَانٍ.
غَرَسْتُ حُلْمًا قَدِيمًا فِي ضَجِيجِ وُجُودِهَا.
لَمْلَمْتُ كُلَّ مَا تَبَقَّى فِي ذَاكِرَتِي
مِنْ رِيشِ الْعَصَافِيرِ،
أَلْقَيْتُ بِي فِي لَهِيبِ النِّسْيَانِ.
الْيَوْمَ،
كُلَّمَا جَنَحَتْ بِي الذَّاكِرَةُ لِقَبْرِ احْتِمَالَاتِهَا،
أَقْرَأْتُهَا سَلَامًا خَفِيفًا
وَأَشْعَلْتُ ﺷَﻤْﻌَﺔً عِنْدَ رُخَامِ غِيَابِهَا.
تَوْصِيفُ الْعَدَمِ
مِثْلَ عَجُوزٍ ثَرِيٍّ
يَرْعَى كَلْبَهُ الْمُدَلَّلَ
بَيْنَ أَشْجَارِ الْحَدِيقَةِ يَوْمَ الْأَحَدِ
أَخَذَتْنِي فِكْرَتِي
وَسَرَحَتْ بِي بَيْنَ مَمَرَّاتِ الْوَقْتِ
طَبْطَبَتْ عَلَى جِلْدِي حَتَّى اسْتَرْخَيْتُ
وَخَرَقَتْ صَمْتِي بِأَنْفَاسٍ مُرْتَبِكَةٍ
لَكِنِّي مِثْلَ ذِئْبٍ فِي مُنْتَصَفِ لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ
تَرَكْتُهَا وَحِيدَةً
وَعُدْتُ لِأَحْرَاشِ الْمَعْنَى
أُنَقِّبُ عَنْ احْتِمَالٍ أَخِيرٍ.
أَلْفُ كَلِمَةٍ جَرَّبْتُ
فِي تَوْصِيفِ هَذَا الْعَدَمِ
لَكِنِّي كُلَّ مَرَّةٍ أَسْقُطُ مِنْ عَيْنِ الْمُمْكِنِ
وَرَقَةَ خَرِيفٍ
ذَلَّلَتْهَا رِيَاحُ الشُّكُوكِ.
تَحَدٍّ
بِمَا فَضُلَ مِنْ قِطَعِ نُحَاسِيَّةٍ
فِي حَافِظَةِ نُقُودِي
وَإِمْعَانًا فِي تَحَدِّي عَيْنِ الْوَقْتِ
الَّتِي تُغَازِلُنِي
اشْتَرَيْتُ دِيوَانَ شِعْرٍ
وَجَلَسْتُ فِي الْحَدِيقَةِ
أَقْرَأُ لِلْأَشْجَارِ الْعَارِيَةِ
إِلَّا مِنْ مَجَازِ وُجُودِهَا
الْقَصِيدَةَ تِلْوَ الْقَصِيدَةِ.
«فَـاطِمَةُ»
سَاقِيَةُ الْعَطْشَى
فِي صَحْرَاءِ الْمَسَاءِ
لَهَا فِي وَجْهِ كُلِّ زَبُونٍ ابْتِسَامَةٌ.
لِلْوَقْتِ تُدِيرُ ظَهْرَ سَاعَتِهَا
حِينَ يَبْكِي طِفْلُهَا الرَّضِيعُ
بَيْنَ شُقُوقِ عُزْلَتِهَا
وَهِيَ تُلَمِّعُ وَاجِهَةَ الْعَالَمِ
لِيَوْمٍ جَدِيدٍ.
عَدَّاؤُونَ
يَجْرُونَ مِثْلَ عَدَّائِينَ فِي سِبَاقٍ مَحْمُومٍ
لَكِنَّهُمْ لَمْ يَصِلُوا.
يَجْرُونَ هَكَذَا ضِدًّا عَلَى دِكْتَاتُورِيَّةِ الْمَسَافَةِ.
طَالَمَا وَخَزَ سُؤَالُ الْأَيْنِ عَقِيدَتَهُمْ.
أَمَّا الْأَشْجَارُ الْمَصْفُوفَةُ عَلَى طُولِ طُفُولَتِهِمْ
هَاتِفَةً بِالنَّصْرِ الْقَرِيبِ،
تِلْكَ تَسْتَحِقُّ مِنْهُمْ كُلَّ الثَّنَاءِ.
غَيْمَةٌ فَوْقَ حَدِيقَةٍ
اَلْآنَ وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ
سُدُولَهُ عَلَى الْعَالَمِ:
كَيْفَ لِلسَّمَاءِ أَنْ تُغْمِضَ عَيْنَيْهَا
عَلَى جُثَّةِ طِفْلٍ
يَتَوَسَّدُ حُلْمًا سَاخِنًا
بَعِيدًا عَنْ وَطَنِ تَنَاهَبَتْهُ النُّسُورُ
يُمَنِّي النَّفْسَ بِغَيْمَةٍ
تَحْمِلُ رُوحَهُ مَطَرًا
وَتَرُشُّهَا رَذَاذًا فَوْقَ حَدِيقَةٍ.
مُحَقِّقُونَ
بِالْأَمْسِ جَاؤُوا مُسْتَعْجَلِينَ
بِمَعَاوِلِهِمْ الرُّومَانْسِيَّةِ
وَمَنَاظِيرِهِمْ الْحَدِيثَةِ
حَفَرُوا عَمِيقًا فِي كُلِّ أَرْجَاءِ الْقَلْبِ
قَشَّرُوا جُدْرَانَهُ
فَتَحُوا خَزَائِنَهُ
تَاهُوا طَوِيلًا فِي عُرُوقِهِ
بِكِلَابِهِمْ الْمَلْسَاءِ
عَثَرُوا عَلَى نُقُوشٍ غَرِيبَةٍ
فَوْقَ أَوْرَاقٍ بَيْضَاءَ
تَنَاثَرَتْ قَصَائِدَ فِي الْهَوَاءِ
وَهُمْ يُصْفِقُونَ الْبَابَ خَائِبينَ!
عَاطِلُونَ
لِحَاهُمْ الشَّعْثَاءُ الطَّوِيلَةُ
تَأْخُذُكَ لِتَارِيخٍ بَعِيدٍ
لِبَاسُهُمْ خَلِيطٌ مِنْ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ
يَعْشَقُونَ بِجُنُونٍ
كُرَةُ الْقَدَمِ الْإِسْبَانِيَّةِ
يَسْرَحُونَ بَيْنَ حَدَائِقِ الْغَرْبِ الْفَسِيحَةِ
وَعُيُونُهُمْ عَلَى الرُّبْعِ الْخَالِي
حَيْثُ لِلْقَتْلِ نُصُوصٌ يَجْتَهِدُونَ فِي تَسْفِيرِهَا
قَبْلَ تَفْسِيرِهَا
عَلَى إِيقَاعِ أَنِينِ الضَّحَايَا!
أَيْلاَنْ
صَبَاحُ الْخَيْرِ يَا مَامَا
لَقَدْ خَرَجْتُ مِنْ جَسَدِي الضَّيِّقِ
إِلَى الْأُفُقِ الْفَسِيحِ
قَمِيصِي الْأَحْمَرُ تَرَكْتُهُ لَكِ
فَاعْتَنِ بِأَزْرَارِهِ اللَّامِعَةِ
اغْسِلِيهِ مِنْ حِينٍ لِآخَرَ
وَارْفَعِيهِ فَوْقَ سَطْحِ بَيْتِنَا رَايَةً
تَنْكَأُ ضَمِيرَ الْعَالَمِ الْبَارِدِ.
…..
مِنْ فَرْطِ الْأَلَمِ أَدَارَ لِمَكَّةَ ظَهْرَهُ
وَارْتَمَى فِي الْحضْنِ الْمَالِحِ.
خَيْبَةٌ
فِي الطَّرِيقِ إِلَى الْقِمَّةِ
حَيْثُ شَمْسُ الْكَلِمَاتِ
تُذِيبُ الْحَدِيدَ
اكْتَشَفَتْ أَنَّ الْمَفَاتِيحَ الَّتِي خَبَّأَتُ بِعِنَايَةٍ
تَحْتَ قُطْنِ الْأَوْهَامِ،
كَانَتْ مِنْ شَمْعٍ.
فِي انْتِظَارِ الشَّقْرَاءِ
عِنْدَ بَابِ الْبَنْكِ بِزُجَاجِهِ اللَّامِعِ
جَلَسَ يُفَلِّي تَلَافِيفَ أَسْمَالِهِ
بَحْثًا عَنْ سِيجَارَةٍ
يَنْفُثُ دُخَّانَهَا فِي سَمَاءِ اللَّهِ
فِي انْتِظَارِ أَنْ تُطِلَّ الشَّقْرَاءُ
مُتَطَوِّعَةُ الصَّلِيبِ الأَحْمَرِ
لِتَرْكُلَ صَمْتَهُ بِكَلِمَاتٍ مُسْتَعْجَلَةٍ
وَقِطْعَةِ خُبْزٍ لُمَّتْ عَلَى شَطَائِرَ جُبْنٍ رَخِيصٍ.
الغَجَرِيُّ الثَمْلاَنُ
غَجَرٌ فِي بَهْوِ الْمَحَطَّةِ
يَهْجُونَ الْمَكَانَ بِالنَّشِيدِ
وَيَسْلَخُونَ جِلْدَ الزَّمَنِ
بِقِيثَارَةٍ نَاقِصَةِ الْأَوْتَارِ
فِيمَا النَّاسُ مُسْرِعَةً تَمُرُّ
فِي خَلَلِ سَرَادِيبَ لَا مُتَنَاهِيَةٍ
نَحْوُ جِهَاتٍ مَجْهُولَةٍ.
مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِكُلِّ هَذَا الْفَرَحِ
أَيُّهَا الْغَجَرِيُّ الثَّمْلَانُ، النَّائِمُ عَلَى بَابِ أُورُوبَّا…
تَأْكُلُ وَكَلْبُكَ فِي صَحْنٍ وَاحِدٍ
تَأْكُلُ رَقَائِقَ الْبَطَاطَا
وَتَعْزِفُ…
مِنْ أَجْلِ وَجْبَتِكَ الْقَادِمَةِ
لِأَجْلِ كَلْبِكَ الْمُتْعَبِ
عِنْدَ بَابِ الْمَتْجَرِ اللَّيْلِيِّ
ثُمَّ تَنَامُ بَيْنَ نَشِيدٍ وَآخَرَ
مِثْلَ جُنْدِيٍّ ضَاعَتْ مِنْهُ الْجِهَاتُ
فِي أَرْضِ الْمَعْرَكَةِ.
تَاجِرُ سِلَاحٍ
ثَمَّةَ تَاجِرُ سِلَاحٍ
فِي مَكَانٍ مَا مِنْ الْعَالَمِ
بِقِطْعَةِ حَجَرٍ مَكَانَ الْقَلْبِ
يَتَحَسَّسُ قِطَعَهُ النَّقْدِيَّةَ بِكَثِيرٍ مِنْ الزَّهْوِ
وَهُوَ يَعُدُّ الْجُثَثَ فِي نَشَرَاتِ الْأَخْبَارِ
ثُمَّ يَقُولُ: ثَمَّةَ مُتَّسَعٌ مِنْ الْوَقْتِ
لِأَشْرَبَ كَأْسًا أُخْرَى أَيُّهَا الْعَالَمُ!
قَلْبُ الْجُثَّةِ الرَّقِيقِ
أَمْسُ رَأَيْتُ جُثَّةً
تَشْرَبُ كَأْسَهَا عَلَى الرَّصِيفِ
بِلَذَّةٍ تَلْعَقُ مَا انْدَلَقَ خَارِجَ الْكَأْسِ
مِنْ قَطَرَاتِ الدَّمِ الشَّهِيَّةِ
وَتَنْظُرُ بِرِيبَةٍ لِلْأَحْيَاءِ الْعَابِرِينَ
فِي شُرْفَةِ عَيْنَيْهَا نَحْوَ الْمَسَاءِ.
لِلْجُثَّةِ قَلْبٌ يُشْفِقُ عَلَى الْأَحْيَاءِ
تَبْكِي مِنْ أَجْلِهِمْ
وَتَرْجُو السَّمَاءَ بِكُلِّ طَوَابِقِهَا
أَنْ تُخَلِّصَهُمْ مِنْ عَنَاءِ الْحَيَاةِ.
يَا لِفَصَاحَةِ نَظْرَتِهَا
وَهِيَ تَنْظُرُ مِلْءَ مَجَازِهَا
إِلَى الْعَابِرِينَ فِي دُخَّانِ الْأَيَّامِ.
مَا يُؤْلِمُ الْجُثَّةَ
لَيْسَ الْجُرْحُ
وَلَيْسَتْ الطَّلَقَاتُ الَّتِي تُزَيِّنُهَا:
الصَّمْتُ الْمُقِيمُ فِي عُيُونِ الْعَابِرِينَ
وَالْأَسْئِلَةُ الْمَخْنُوقَةُ فِي دَهَالِيزِ حَدَقَاتِهِمْ.
زَهْرَةُ عَدَمٍ أَخِيرَةٍ
ثَمَّةَ جُثَّةٌ فِي الْقَلْبِ تَتَعَفَّنُ، جُثَّةُ حُلْمٍ، بِدَافِعٍ مِنْ الْيَأْسِ الشَّدِيدِ وَانْسِدَادِ أُفُقِ الْأَلَمِ،
أَلْقَى بِنَفْسِهِ مِنْ أَعْلَى قِمَّةِ الْوَاقِعِ.
صَفٌّ مِنْ أَحْلَامٍ غَيْرِ مُكْتَمِلَةٍ
شَحَنْتُهَا عَلَى مَتْنِ عَرَبَةِ الْفَرَاغْ
لِيُلْقَى بِهَا فِي خَلَاءٍ بَعِيدٍ،
حَيْثُ لِلْوَاقِعِ رَائِحَةٌ تَزْكُمُ الْأُفُقَ.
لَقَدْ صِرْتُ فَارِغًا وَمُتَخَفِّفًا مِنْ مَشَارِيعَ وَأَحْلَامٍ فَاشِلَةٍ
كَانَتْ تُثْقِلُ خُطْوَتِي وَتَجْرَحُ عَيْنَ قَيْلُولَتِي.
مَا تَبَقَّى مِنْ دَمٍ فِي عُرُوقِي
بِالْكَادِ يَكْفِي لِتَتَفَتَّحَ زَهْرَةُ عَدَمٍ أَخِيرَةٍ
قُرْبَ سُورِ يَقَظَتِي الْهَشّ.
أَصَابِعِي سَأُشْعِلُهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً.
مِثْلَ مُهَاجِرٍ يَحْتَفِلُ بِعِيْدِ مِيلَادِهِ
فِي مَحَطَّةِ مِيتْرُو مَعَ حَشْدٍ مِنْ السَّكَارَى
أُعَانِقُ كَأْسَ وَحْدَتِي
وَأَتَلَذَّذُ بِاحْتِرَاقِهَا تَحْتَ عَيْنِ اللَّهِ الْوَاسِعَةِ.
لَسْتُ جَاهِزًا لِلْوَلِيمَةِ
وَأَنَا لَيْسَ لِي
فِيمَا يَشْغَلُ النَّاسَ مِنْ جِدَالٍ
غَيْرَ أَنِينٍ يَقْطُرُ مِنْ ثُقْبٍ فِي السَّمَاءِ.
لَسْتُ جَاهِزًا لِأُشَارِكَ الْقَبِيلَةَ
وَلِيمَتَهَا الْكُبْرَى،
وَالْوَقْتُ بِنَظَّارَتَيْهِ السَّمِيكَتَيْنِ
يُفَتِّشُ فِي جَسَدِي عَنْ مِسَاحَةٍ رَخْوَةٍ
لِيُنَظِّفَ سِكِّينَ شَهْوَتِهِ.
أَنَا الْمُتَعَثِّرُ فِي حُرُوفِ كَلِمَاتِيَ الْقَلِيلَةِ
كُلَّمَا خَطَوْتُ جِهَةَ الْبَابِ الضَّيِّقِ
أَمْسَكَتْنِي الْحَيَاةُ مِنْ نَاصِيَتِي
وَطَوَّحَتْ بِي عَالِيًا هَدِيَّةً لِلرِّيَاحِ وَالظُّنُونِ.
يَمَامَةٌ
صَبَاحًا، وَأَنَا أُوَارِي فِي الْمِرْآةِ
جُثَثَ أَحْلَامٍ رَدِيئَةٍ
عَاجَلَتْنِي يَمَامَةُ الْحَيِّ
بِأُغْنِيَةٍ خَفِيفَةٍ
أَتَتْ عَلَى مَا تَبَقَّى
مِنْ صُدَاعٍ فِي كَأْسِ الْأَمْسِ.
شُرُودٌ
ثَمَّةَ مَنْ يَأْتِي
فِي مُنْتَصَفِ الْحُلْمِ
بَعْدَ أَنْ تَخْلُو شَوَارِعُ الْقَلْبِ
مِنْ الْعَابِرِينَ وَالسَّكَارَى
يَدُقُّ بَابَهُ الْخَلْفِيَّ
بِنِصْفِ قَمَرٍ بَاهِتٍ بَيْنَ ذِرَاعَيْهِ
وَلُعَاب الْخَسَارَةِ
يَتَجَوَّلُ عَلَى ذَقَنِ فِكْرَتِهِ.
…
بِيَدِي كَأْسٌ هِيَ أَلَذُّ مِنْ حُلْمِ ظَهِيرَةٍ…
مِن الْعَدَمِ السَّحِيقِ
تَأْتِي لَحَظَاتٌ تَفْقِدُ فِيهَا الْأَسْمَاءُ رَنِينَهَا
وَتَخْفُتُ الْجَلَبَةُ فِي الشَّارِعِ الْمَمْلُوءِ بِالْأَحْيَاءِ
يَا هَذَا تَمَسَّكْ بِجَوْهَرِكَ
تَمَسَّكَ بِالنَّارِ فِيهِ وَإِنْ اسْتَعَرَتْ
وَتَجَاوَزْ بِنَظْرَتِكَ حَجَرًا صُفَّ عَالِيًا
فِي غَفْلَةٍ مِنْ حَقِيقَتِكَ
وَاسْتَمِعْ لِصَوْتِ الْحَيَاةِ نَابِعًا مِنْ أَعْمَاقِكَ
رُبَّ شَجَرَةٍ
أَوْ وَرْدَةٍ
أَوْ شُعْلَةٍ
تَنْقَدِحُ فِي يَبَابِ لَحْظَتِكَ
وَيَعُودُ الْإِنْسَانُ فِيكَ مِنْ عَدَمِهِ السَّحِيقِ
مُلْتَمِسًا لِلْأَسْئِلَةِ مَعَانِيهَا!
ضَجِيجٌ
جَالِسًا عَلَى حَافَّةِ فِكْرَةٍ
تَأْخُذُنِي حُمْرَةُ الْأُفُقِ الْمَلِيءِ بِالْخُطُوطِ،
خُطُوطٌ مُتَقَاطِعَةٌ وَ أُخْرَى مُنْحَرِفَةٌ
يَزِيدُ مِنْ حِدَّتِهَا هَذَا الصَّمْتُ الْمُعَشِّشُ فِي الْمَكَانِ.
قَافِلَةُ النَّمْلِ تَعْبُرُ فَوْقَ قَدَمِي فِي انْتِظَامٍ،
هَكَذَا مِثْلَ مَجْنُونٍ فِي مَصَحَّةِ الْعُقَلَاءِ،
يَلِذُّ لِي أَنْ أَمْسِكَ عَنَاصِرَهَا رَغْمَ صِغَرِهَا اللَّامُتَنَاهِي
أَلْوِي أَعْنَاقَهَا بِفَائِقِ السَّعَادَةِ،
طَقْطَقَةُ عِظَامِهَا الافْتِرَاضِيَّةُ أَسْمَعُهَا فِي خَيَالِيٍّ،
يَا لَهُ مِنْ ضَجِيجٍ يَحُزُّ طَبْلَةَ أُذُنِي،
أَسْمَعُهُ بِأَصَابِعِي النَّحِيلَةِ مِثْلَ صَوْتِ حَبَّاتِ الْبَرَدِ مُرْتَطِمَةً بِسَقْفِ وَحْدَتِي.
تَوْضِيحٌ
لَيْسَتْ رُسُومًا وَلَا تَجَاعِيدَ
الْخُطُوطُ الثَّخِينَةُ عَلَى جِدَارِ الرُّوحِ
تِلْكَ آثَارُ سَهْرَةِ الْأَمْسِ
حِين أَمْعَنَ الْوَقْتُ فِي ثَمَالَتِهِ
فَامْتَطَى الْكُنْتوَارَ بِسَفَالَةٍ
مُمْسِكًا بِخِنَاقِ الْحَيَاةِ أَمَامَ الْمَلَأِ.
الرَّاعِي الْمُفْلِسُ
رَبَّاهُ!
قَطِيعُ أَوْهَامِي يَتَعَاظَمُ
وَأَنَا لَسْتُ سِوَى رَاعٍ مُفْلِس
يُضَيِّعُ نِصْفَهَا بَيْنَ أَحْرَاشِ الْحَيَاةِ
وَيُهْدِي النِّصْفَ الْآخَرَ
لِذِئَابِ الْحَقِيقَةِ الْجَائِعَةِ!
سُؤَالْ
أَيُّهَا الْجَبَلُ
مَاذَا سَتَحْكِي عَنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ
عِنْدَمَا يُحْمِلُكَ النَّهْرُ إِلَى الْبَحْرِ ذَرَّاتٍ
تَضُجُّ بِآلَافِ الْأَخْبَارِ؟