تمثّلات الأنا والآخر
في القصة العُمَانيّة المعاصرة
يشكل الجيل الجديد من كتّاب القصة العُمانية المعاصرة ما يمكن تسميته بـ«الحساسية الجديدة»
1- مهاد نظري:
1-1
«الآخَر» هو تلك الكينونة المغايرة عموما لكينونة «الأنا»؛ وهو أي شخص له وجود مستقلّ عن وجود الأنا(1). لقد بزغ هذا المفهوم مع الاشتغال على دراسات ما بعد الكولونيالية، وتحديدا في سياق علاقة المستعمِر colonizer بالمستعمَر colonized اللذين يحدّد كل منهما الآخر، فيستدعي وجود أحدهما وجود الآخر، ضمنا أو صراحة. ومن قبل، استُعمِل المفهوم أيضا في إطار الفلسفة الوجودية من لدن جان بول سارتر Jean-Paul Sartre (1905-1980) في سياق حديثه عن «الوجود والعدم»، كما استعمله المشتغلون بنظرية ما بعد الكولونيالية الذين أقاموا أفكارهم على التحليل الفرويدي وما بعد الفرويدي لمفهوم «الذاتية subjectivity»؛ أعني تحديدا عمل المحلّل النفسي والمنظِّر الثقافي الشهير جاك لاكان JacquesLacan (1901-1981).
ومن جهة مقابلة، فإن دراسات ما بعد الكولونيالية قد أنتجت مصطلح Othering الذي يمكن ترجمته بـ«الآخرية» أو الغيرية»، أو هو -حسب تعريف جياتري تشكرافورتي سبيفاك GayatriChakravortySpivak صاحبة الفضل في صكّ هذا المصطلح- العملية التي يُنشأ من خلالها الخطاب الإمبريالي «آخر[يه]». فالآخرية عملية تصف الطرق المختلفة التي يُنتج، عبرها، كل خطاب كولونيالي موضوعات اشتغاله وممارساته. وحسب تفسير سبيفاك للمصطلح(2)، فالآخرية عملية جدلية بين طرفين؛ لأن استعمار «الآخر» مؤسَّس في الوقت نفسه على اعتبار أن هذا الآخر «المستعمَر» قد أُنتِج باعتباره موضوعا للدراسة وممارسة الهيمنة من لدن «المستعمِر».
بصفة عامة، «الآخَر» أو «الآخَرِيّة» أو «الغَيْرِيّة» هو تلك الكينونة المغايرة لكينونة «الأنا» أو «الأنوية» أو «الهوية»، سواء تمثّلت تلك المغايرة أو ذلك الاختلاف في مكوِّن أو أكثر من المكوّنات التي تنشأ عندها الهويّات الإنسانية وتتجمَّع، وعلى رأسها اللغة (كأن نفكّر مثلا بـ [ومن خلال] لغة الأنا العربيةبوصفها مقابلا للإنجليزية أو الفرنسية ..، والسامية مقابلا للأفروآسيوية أو الهندوأوروبية،..)، والدين (كأن نتبنّى وجهة نظر المسلم في مقابل المسيحي أو اليهودي أو البوذي أو الهندوسي، ..)، والعرق (كأن نضع ذاتنا العرقية في خانة «النقيّ» في مقابل الآخر المهجّن، الآري في مقابل السامي، الإفريقي في مقابل الأوروبي،..). وتأتي بعد ذلك مكوّنات أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، لكنها لا تحتلّ صدارة المشهد كغيرها، مثل: الوضعية الاجتماعية (السيد فوق العبد، المواطن أولَى من المقيم، الأصيل أرقَى من الوافد، الغنيّ أسمَى من الفقير،..)، والوضعية الجنسية gender (الذكورة فوق الأنوثة، وكلاهما أرقى من الخنوثة)، والأيديولوجيا (الأصولي في مقابل الليبرالي أو العلماني أو الماركسي،.. )، والوضعية الثقافية والحضارية (العرب في مقابل الأجانب، الشرق ضدّ الغرب، الحضارة الإسلامية ضدّ الحضارة الغربية..).
لقد نتجت إشكالية الأنا والآخر عن سوء فهم متصاعد ومواجهات سياسية وعسكرية متلاحقة بين الأنا أو الهوية (العربية/ الإسلامية/ الشرقية) والآخر أو الغيرية (الغربية/ الأوروبية/ المادّية). ومع ذلك، فتفاعل الذات مع الآخر، على الأقل من النواحي الثقافية والاقتصادية والمعرفية(3)، ضرورة حتمية لا يمكن التغاضي عنها؛ لأن ملامح هوية الأنا، أو الذات، لا تتضح من دون الالتقاء أو الاحتكاك المستمر مع الآخر الذي يمنحها أبعادا مركّبة ويضفي عليها قدرا من الموضوعية ورحابةً في الرؤية وانفتاحًا على العالم المحيط بها.
وفي الظرف الراهن، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، لم تنشأ الكثير من الصور النمطية السلبية stereotypes، العدائية، العنصرية، الشائعة،لدى الأنا عن الآخر ولدى الآخر عن الأنا بتأثير حلقات العدوان المتصل الذي تعرّضت له الأنا العربية فحسب، بل هي صورة كرّستها حروب الماضي وصراعاته القديمة؛ ممّا أنتج صورا مشوّهة ومتبادلة بين عالمي أو كينونتي الأنا والآخر، وهي صورة أسهمت في تسويقها وسائل الإعلام والإعلان المتعددة. إن من شأن هذه النزعة المنحازة سلفا إلى أيٍّ من وجهتي النظر ، التي تنتجها الكثير من الخطابات الإعلامية والإعلانية المعاصرة،أن تدفع بالهويّة (العربية [إلى حد بعيد] والغربية [إلى حد ما]) نحو السقوط في مضيق التحزّب والعنصرية واللاتسامح الذي يدفع أبناء هذا الطرف أو ذاك إلى إذكاء عوامل الرغبة في إقصاء الآخر ، ومن ثم ينتفي خطاب المنهجية العلمية التي يجب أن تُتّبع في حالة تعرّف كل من الهويتين إلى الأخرى، فتسود الغوغائية والديماجوجية وأحادية النظرة والانغلاق على الذات واجترار الماضي.وهذا تقريبا ما تعانيه ثقافتنا العربية منذ أحداث أيلول (سبتمبر) الكئيب.
2- سرديّات «الآخر»: من التمثّل إلى التمثيل:
2-1
إن المهمة الجديدة التي كرّسها الفيلسوف الفرنسي الجنسية، الليتواني الأصل، إيمانويل Emmanuel Levinas ليفيناس (1906-1995) تتمثل، تحديدا، في ضرورة تغيير نظرتنا إلى «الآخر»، وفي مراجعة فهمنا لذواتنا وإعادة طرحنا مفهومَ الهوية طرحا تاريخيا؛ أي ضرورة أن نتخّذ موقفا صارما، هو أقرب إلى القطيعة الإبستمولوجية، مع كل مفهوم مفارق وميتافيزيقي وثابت للهوية؛ إذ لا توجد هوية عمياء تقوم في غياب كلّي أو تغييب تام للآخر، كما أنه لم يعد من المقبول أو المعقول في عالم اليوم إقصاء الآخر أو تهميشه أو دمجه وابتلاعه في دائرة الأنا:
«إن اكتشاف الآخر هو أهم ما عرفه الإنسان لأنه تعرّف على حقيقة لا تحوزها الأنا أو الذات بلغة الفلسفة، وإدراك لكائن مماثل يحتل مساحة وجود لا يمكن للأنا أن تتمدد في فضائها. الآخر هو اللا-أنا الذي يحدّها ويعرّفها، إنه مدى الحياة المتنوعة وصور الوجود المتعددة، وحقل إمكانات خصبة ومحطة توليد خيارات لا متناهية»(4).
الآخر هو مصدر تحرّر «الأنا» من كل أنا نهائية وحتمية، فضلا عن كونه ساحة اكتشاف وتعرّف إلى ميدان انتشار الأنا وتحقّقها؛ أي أن يكون الآخر وسيطَ خروج من الذات وطريقًا للعودة إليها، وكذلك مجالا لاكتشاف مناطق النقصان فيها وطريقا لامتلائها في الوقت ذاته. الآخر اكتشاف لخارطة وجود الأنا التي لا ترسمها الذات منفردةً، بل يرسمها وضع الذات ضمن نسيج متشعّب ومتعدّد من «آخرين». الآخر، باختصار، مشروع الأنا نفسها في عالم الوجود والتحقّق.
2-2
تطبيقًا على الواقع العربي، يمكن القول إن الانتقال من مرحلة «تمثّل» Realization الأنا العربيّ للآخر الغربي، ومحاولة فهمه وتحليل ملابسات الظرف الاجتماعي والثقافي والحضاري الذي كان الآخر الغربي يُنتِج فيه مقولاته وأدواته وتقنياته، إلى مرحلة «تمثيلــه)» Representation سرديا وثقافيا، هو انتقال من مرحلة الاحتكاك الحضاري بالآخر التي قامت على كتّاب النهضة العربية منذ القرن التاسع عشر حتى المشهد الثقافي الراهن الذي يمكن أن يرصد فيه الباحث أشكالا مختلفة من الوعي بالآخر ومحاولات عدّة تسعى إلى تمثيله ثقافيا وفنيا، بقدر غير قليل من الموضوعية، بعيدا عن تنميطه أو قولبته أو إلقاء التّهم والأوصاف والعبارات الجاهزة سلفا عليه.
إن التسارع في حركة الاستنارة العربية، بما انطوت عليه أو تجسّدت فيه من وعي مديني محدثٍ تشكّل نتيجة علاقة «الأنا» العربي بـ«الآخر» (الفرنسي والإنجليزي غالبا)، هو ما أدّى إلى تأسيس فن الرواية، بوصفه فن المدينة المحدثة التي يبحث عقلها النوعي عن معادله الإبداعي، على مستوى الأجناس الأدبية، وأداته الفنية المائزة التي يعبّر بها عن هواجس التحوّل وهموم التغير وأحلام التقدم(5).
لقد ظهرت نصوص عدّة مثل «علم الدين» لعلي باشا مبارك (1823-1893)، و«غابة الحق» و«الساق على الساق» لفرنسيس مرّاش (1836-1873)، و«حديث عيسى بن هشام» لمحمد المويلحي (1868-1930)، و«شيطان بنتاءور» لأحمد شوقي (1868-1932)، وغيرها، جسّدت قيم المدينة العربية التي راحت تحاكي المدن الغربية، كلندن وباريس وغيرهما من مدن الحداثة الغربية. وقد ترتّب على علاقة المدينة بالرواية، أمران: أولهما تعدد صور المدينة نفسها وتنوعها في عقول أبنائها حسب موضع كل طائفة منهم في هذا الجزء أو ذاك من علاقات التراتب الرأسي أو الأفقي في خطط المدينة وحسب مكونات أنساقهم الثقافية الموازية في انفتاحها أو انغلاقها في كل خطة من خطط المكان أو العمران المديني. وثانيهما: النزعة الحوارية التي تتجلى في رواية النهضة بأكثر من علامة(6). لقد أثّر الوعي المديني في عقول أبناء الطبقة المتعلّمة ممّن مارسوا الكتابة الإبداعية، رجالا ونساء، كما تأثّروا بسماحة المدينة المتعددة التي لا تنطوي على أية نظرة طبقية سوف تفضي بدورها إلى تأكيد أن التعليم المدني عاملٌ حاسمٌ للانتقال على سلّم التراتب الاجتماعي من حيثُ ما يؤدي إليه من رفع أبناء الطبقات الدنيا درجات(7)، كما حدث مع الروّاد الذين اهتموا بثقافة الآخر وعلومه (كرفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873)، وعلي باشا مبارك (1823-1893)، وجمال الدين الأفغاني (1838-1897)،.. وغيرهم)، ونمت بداخلهم رغبة جامحة في تمثّل المنجز الحضاري الغربي. وعلى الرغم من محاولة الأنا العربي تمثّل المنجز الروائي الغربي، فإن الشخصيات الروائية التي جسّدتها روايات النهضة العربية لم تكن شخصياتٍ ناميةً بالمعنى الذي نعرفه في روايات هذه الأيام وإنما كانت بمثابة أقنعة متباينة ينطق من ورائها صوت واحد، هو غالبا صوت الراوي المعلّق والمتدخّل في السرد، كليّ المعرفة والوجود، الذي تتعدد نبراته وتختلف طبقاته لكن بما يبقيه في مجال غواية التحديث التي أصبحت قرينة الإيمان بمبدأ التغيّر في الكون والتطلّع إلى وعود المستقبل الذي حلم به مبدعو النهضة العربية منذ أن خايلتهم غواية التحديث الأوروبي.
وغير بعيد عن هذا السياق ما قامت به المرأة العربية عموما، والشامية على وجه الخصوص؛ إذ لعبت دورا بارزا في نشأة الرواية العربية، في تلك الفترة الباكرة، خصوصا لدى كل من أليس بطرس البستاني (1870-1926) ولبيبة هاشم (1880-1947) وزينب فواز (1860-1914)، جنبا إلى جنب رائدة الاتجاه النسوي عائشة التيمورية (1840-1902)، حيث قامت الترجمة، في هذا السياق، بدور كبير في إنطاق المسكوت عنه من حياة المجتمع العربي. وأنّى لذلك أن يكون متاحا إلا في فضاء مديني مغوٍ، يقوم على احترام خصوصية المرأة وتعزيز حركة الطباعة وانتشار الصحف والمجلات وترجمة نصوص الآخر الإبداعية (القصصية تحديدا في هذا السياق الباكر)؛ الأمر الذي جعل من حركة ترجمة فنون القص الحديثة على صفحات الجرائد والمجلات، آنذاك، بمثابة لازمة مفصلية من لوازم التحديث الذي انشغلت به المدينة وقامت عليه بالأساس. ولم تكن موجة الترجمة، عبر هذا الفهم، بعيدة بحال عن «إشكال الهوية». ولذلك، فإذا كانت بعض السرديات الرجالية قد تناولت إشكال الهوية من زوايا متباينة (مثل سردية مرّاش التي انشغلت بالدعوة إلى أولوية العقل والعدل والتمدّن، وسردية الشدياق التي اهتمت بضرورة مقاومة أشكال التعصب الديني الغاشم، و سردية الطهطاوي التي احتفت بمبادئ الحكم وأنظمة الدساتير (الفرنسية تحديدا)، و سردية فرح أنطون التي ركّزت على قيم التسامح والدولة المدنية، وسردية خليل الخوري التي شيَّدها على قضية الهوية مباشرة)؛ فإن السرديات النسائية لتلك الحقبة الباكرة (مثل أليس بطرس البستاني، ولبيبة هاشم، وزينب فواز، وعائشة التيمورية) قد تقاطعت بكل تأكيد عند نقطة بعينها تتمثّل في الإعلاء من شأن الهوية العربية بما يمايزها عن غيرها من هويّات الآخر، وبما يحفظ خصوصيتها التي هي خصوصية الانفتاح والتلاقح والتثاقف والحوار، لا الانغلاق أو التقوقع أو الصدام أو الصراع.
3- تمثّلات الأنا والآخر:
يشكّل الجيل الجديد من كتّاب القصة العمانية المعاصرة ما يمكن تسميته بـ«الحساسية الجديدة»؛ أقصد إلى تضافر عدد من الكتابات والنصوص (بدأت في الظهور منذ عام 2000م)، في إطار جنس إبداعي ما، في ثقافة ما، حول جُمْلة من الخصائص الجمالية والاجتماعية والثقافية التي يصدرون عنها في كتاباتهم، بحيث تشكّل إجمالا رؤيتهم للعالم، في إطار فهم خاص بنظرية الفن، سواء من حيث الماهية أوالأداة أوالوظيفة.وتلفت مثل هذه الظاهرة نظر الباحث المشتغل بدراسة السرد العماني للنظر النقدي في مدوّنة عدد كبير من الكتّاب؛ من بينهم: عبدالعزيز الفارسي، سليمان المعمري، مازن حبيب، يحيى سلام المنذري، محمود الرحبي، بشرى خلفان الوهيبية، هدى الجهورية، فاطمة الشيدية، بدرية الشحية، جوخة الحارثية، أزهار أحمد، معاوية الرواحي، ماهر الزدجالي، أمل المغيزوية، حنان المنذرية، محمد العريمي، عبد الله حبيب، يعقوب الخنبشي، حمود الشكيلي، .. وغيرهم.
وفي هذا الإطار، تحاول القصة القصيرة العمانية، عبر كتَّابها وكاتباتها الجدد، بلورة قيم ثقافية وتشكيليةتحاول أن ترسّخ أقدامها في أرض الكتابة القصصية العربية. ولأن فنّ القصة القصيرة فن بالغ التعقيد والاختزال والتكثيف، فضلا عن عدم استجابته لشكل جمالي بعينه أو قيود نوعية بعينها، فإن كل قصة قصيرة متميزة في حد ذاتها تستطيع أن تخلق شكلا متفرّدا يمثّل مدخلا جيدا للناقد أو الباحث. من هنا، تحاول هذه الدراسة بحث علاقة تمثّلات «الأنا» بتمثّلات «الآخر» في بعض نصوص القصة العمانية، في محاولة منها لفهم طبيعة هذه العلاقة، وحدودها، ومظاهرها، ومدى استبطانها للرؤية الجمالية أو الثقافية الكامنة في البِنَى النصية للقصة العمانية.
وكما تعدّدت المكوّنات التي تنهض عليها عناصر الاختلاف والمغايرة بين الأنا والآخر، سوف تتعدّد صور الآخر التي تُمثّلها نصوص القصة القصيرة في عمان. ففي مقابل حضور الآخر الاجتماعي والآخر الثقافي والآخر الأيديولوجي والآخر اللغوي والآخر الرمزي (الذي تخلقه الهوية وتُسقِط عليه من تصوراتها للآخر الحقيقي، مستعينةً في ذلك ببعض التقنيات والاستراتيجيات والثيمات السردية، كالحلم والموت والذاكرة والقهر والمرآة،.. وغيرها)، هناك غياب -أو تغييب- للآخر الديني أو المذهبي!
3- 1 الآخر الاجتماعي:
تتمثّل مغايرة الآخر الاجتماعي للأنا في الوضعية الاجتماعية التي يقارِن من خلالها الراوي بين بعض الشخصيات، أو بين وضعيته هو ووضعية شخصية أخرى أو أكثر، مقارنةً تكشف عن بعض الإشكالات أو الملامح التي يمتاز بها النسيج الطبقي للمجتمع العماني، كالسيّد والخادم، أو المواطن والمقيم، أو الأصيل والوافد، أو الغنيّ والفقير، أو الأبيض والأسود،..إلخ.
في قصة «فنجان عند سوق مطرح» لخليفة العبري، يسرد الراوي قصة القهوجي الذي يسعى إلى كسب قوت يومه من صبّ القهوة للناس في فناجين. وما إن يسرد القصة الرئيسة حتى يخرج عنها إلى قصة أخرى وثانية وثالثة، مفكّكا الزمن الأول. يقول العبري:
«يذرع أغلب أزقة السوق، لكنه نادرا ما يميل إلى سوق الظلام. وإذا حدث، وانعطف ناحية تلك السكة التي تمثل سوقا داخل السوق، تغيَّر وجهه وتذمَّر، وغدا صدره أضيق من ذلك الزقاق الذي تطبق الحوانيت على ضفتيه الملتويتين كسمكتي علص فوق حصيرة ضيقة (…). لم يكن قد تجاوز العشرين يوم جاء سالم من قريته صياء، فعمل لفترة قصيرة حمّالا في الميناء القريب، وما لبث أن هجر تلك المهنة استجابةً لغَزَل دلّة القهوة التي لم يحدّد سعراً معيناً لفنجانها، بل كثيرا ما كان يقول «ما يحتاج». بعفوية يردّد هذه العبارة لمن يسأله عن ثمن الفنجان فيخال إليك بأن ما يقوم به ليس سوى واجب يمليه عليه العرف. لكن سالم يقسم على أنه صاحب أغلى فنجان قهوة في العالم. فقد وصل سعر فنجانه في يوم من الأيام الخمسين ريالا»(8).
أما قصة «إمبااااع»(9) لسليمان المعمري في مجموعته (عبدالفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل)، فتتناول وجها آخر من وجوه الآخر الاجتماعي الذي يتمثّل في سطوة الأب والقبيلة:
«قبل ثلاث سنوات فقط بات المنغلق يتشاءم من العيد..تحديدا مذ قال له أبوه:
– فضحتنا قدّام الخلق.
قالها أبوه في ثالث أيام العيد عندما كان أهل القرية مجتمعين لتناول وجبة الشواء في سبلة الشيخ سعدون بن خويطر. قال الشيخ «ما شاء الله شواكم لذيذ ! باين عليه التّيس اللي ذبحه عبدالفتاح كان كبير». قال الأب: أنا اللي ذبحت التيس. لم يفهم الأب مغزى تعليق الشيخ إلا حين سمع ردّ هذا الأخير على طلبه الذي طلبه قبل أسبوع من العيد. أثناء شرب الشاي وعلى مرأى ومسمع كل من كان في المجلس قال الشيخ:
– الظاهر ما في نصيب يا بو عبد الفتاح.
ذُهِل الأب من ردّ الشيخ الذي لم يتوقّعه عبدالفتاح من نفس فخيذة قبيلة الشيخ وقليلون من شباب القبيلة الذين يستلمون راتبا كراتبه:
– أيش فيه ولدي يا شيخ؟
ردّ الشيخ بصرامة.
– اللي ف حياته ما ذبح هايشه كيف أستأمنه على بنتي؟!!
اسودّ وجه والد المنغلق واعتزل الناس ستة أشهر بعد تلك الفضيحة. وقال لولده بصوت متهدّج:
– قلبي ما راضي عليك لين أشوفك تذبح» (10).
في قصة حنان المنذرية «العارض»(11)، تتحدث الراوية عن عارض أزياء، أو «موديل»، يقوم بدور تمثيلي بسيط في إعلان تلفزيوني عن مسابقة تنظّمها إحدى شركات المياه الغازية العالمية. ويقوم شخص، ممثل -يبدو من خلال ملابسه المتواضعة وسيارته المتهالكة التي تنمّ عن تدنّي طبقته الاجتماعية- بأداء دور تمثيلي يعبّر عن شخصية مرفّهة تبدو عليها سيماء الثراء من خلال الملابس الفخمة والسيارة الفارهة. وعلى حافة هذا التناقض الحادّ بين واقع الممثِّل وواقع الممثَّل، بين الأنا الحقيقي والآخر التمثيلي، بين الشخص الواقعي والدور المتخيَّل، يقف العارض أو الموديل في عرض الشارع وسط النهار، حيث الازدحام الخانق في مدينة كبيرة، هي مسقط غالبا، والشمس تدنو من الرؤوس، يقف بسيارته ليستقبل مكالمة تلفونية يبدو أنها بالغة الأهمية، فترتسم على وجهه انفعالات شتّى تجعله يقف بسيارته مشدوها وسط الزحام. وإذ به فجأة ينزل من سيارته وجميع العربات تصدر صفارات إنذارها له بينما هو في عالم آخر تماما، حتى إنه ينسى قواعد المرور؛ لأنه تلقَّى خبر فوزه بالجائزة الكبرى.على الرغم من بساطة القصة وبساطة بنائها السردي فإنها تضرب على أكثر من قيمة اجتماعية، منها التباين الطبقي الحادّ بين أفراد المجتمعات العربية، خصوصا الخليجية منها. فالعارض، أو الممثل، أو الموديل، متواضع الحال والأجر والطموح في مقابل الشخص الذي يمثله العارض فنيا من حيث هو ابن طبقة مميزة اجتماعيا، ومن ثمَّ فهو الأحق في الفوز بالجائزة الكبرى، من وجهة نظر الراوي وحسب قانون المجتمعات المعاصرة التي لا تعرف سوى لغة رأس المال التي سوف تزيد بالطبع من وضعيات «التشيّؤreification» الذي تعانيه مجتمعاتنا الآن.
لا تبتعد قصة ماهر الزدجالي التي تحمل عنوان «علبة.. علبتان.. ثلاث»(12) كثيرا عن ذلك المنظور القصصي المستخدم في قصة حنان المنذرية. فالفقير المتسوّل الذي يجمع علب المياه الغازية من أكوام القمامة، ويبيعها كل أسبوع ببعض الريالات التي تعينه على تحمّل أعباء الحياة، هو نموذج لشخص هامشي آخر يحيا على الحافة من مجتمعاتنا العربية؛ إذ يحلم هذا الشخص الهامشي، أو المهمَّش، بتناول زجاجة بيرة حقيقية مثلجة بدلا من ارتشاف بعض ما يتبقَّى من قطرات ساخنة بفعل شمس الصحراء، حيث يتخيل نفسه في حوار أشبه بحوار السكارى مع إحدى الزجاجات التي تبوح له بأسرارها، وهي صورة نمطية نراها كثيرا في الأعمال الدرامية العربية:
«إنني أعيش مرحلتين من حياتي. المرحلة الأولى أعيش معززة مكرّمة يتهافت عليّ الجميع ويعاملونني معاملة الملوك. المرحلة الثانية بعد أن يفرغ الشخص محتويات جوفه في جوفي عندها أصبح قمامة لا قيمة لي لتأخذني أنت وتبيعني بأرخص الأثمان، ولكن دعني أسرّ في أذنك أن الحانة الموجودة في هذا الفندق من أفضل الحانات الموجودة في المنطقة. وفي هذه الحانة راقصات عربيات… لا تفتح فمك هكذا.. نعم عربيات وجميلات ويمكنك ببعض النقود أن تنام معهن بعد السهرة الغنائية الراقصة…».
لكنّ حلم هذا الشخص المهمَّش يذهب أدراج الرياح، حين ينوي أن يدخل أحد الفنادق ويطلب زجاجة بيرة مثلّجة ويستمتع بمشهد الراقصات العربيات، فينتهي به الأمر صريع الغواني في سيارة إسعاف وهو يهذي قائلا: «علبة.. علبتان.. ثلاث علب»؛ لأنه لم يكن ينتمي بالفعل إلى هذه الطبقة الاجتماعية بكل ممارساتها الحياتية. لذلك يسقط صريع اللذّة بفعل الصدمة الأولى له في حياته. فقانون اللذّة الذي تنطلق منه أيديولوجيا الراوي هو الوجه الآخر من القانون الطبقي الذي لا يعرف المهادنة مع المتطفّلين ممن يحاولون تسلّق الجدران الشاهقة التي تشبه جدران الزنازين والسجون الخانقة.
3-2 الآخر اللغوي:
يتمثّل الآخر اللغوي في تباين الخطابات اللغوية المتلفّظ بها من قِبَل بعض الشخصيات التي تنتمي إلى ثقافات ومجتمعات متباينة لغويا أو إثنيا أو حضاريا. وهنا، يتجلّى لنا شكل من أشكال الحوار الذي يعبّر عن صراع لغوي هو في الأساس صراع ثقافي وحضاري. وبناء على ذلك، تتعدّد مستويات الحوار الذي يزاوج بين العامية العمانية والعامية الإفريقية الخاصة بسكان الساحل الشرقي لأفريقيا (زنجبار)، حيث تتمثّل مرتكزات البعد الثقافي للحضارة العمانية القديمة. فقصة «رسالة من PAMPA «لسالم آل تويه تتلفّظ بعض الشخصيات بالعامية الإفريقيةالتي كان يُتقنها كل من الرواي وأسرته، في الوقت الذي لم يكن والده يعرف غير التحدّث بالعربية فحسب. تبدأ القصة منذ اللقاء الأول بين الابن والأب الفارّ، حيث يواجه الابن والده بجفاءٍ يدفع خاله إلى أن يهبّ من مكانه موجّها خطابه إليه بالأفريقية نفسها، قائلا: «أين تذهب؟ هذا أبوك.
UNAKWENDA WAPI? HUYU BABA YAKO (13).
يتّخذ الحوار هنا أسلوبا من الهُجْنة اللغوية التي يُدخل فيها الكاتب العامية الأفريقية مكتوبةً بحروفٍ إنجليزيةٍ، ثم يتتابع حديث الراوي فيقترب الابن من والده ليهبّ الوالد فرحا مسرورا:
«ألم تحدّثك أمك عني؟
MAMA YAKO HAKUKWAMBA CHOCHOTE) (14)
تتوالى الطريقة نفسها في نسج الحوار القصصي المطّعم بألفاظ وعبارات عامية أفريقية يوظّفها سالم آل تويه في كثير من قصص مجموعته (حدّ الشوف)، كما في قصة «البيت» على سبيل المثال لا الحصر. هكذا، يصبح الصراع اللغوي، أو صراع الخطابات والتلفّظات، وجهاً من وجوه القصة العمانية التي يشتغل رواتها على تمثيل الآخر والدخول معه في علاقة تثاقف، دون سعي إلى نفيه أو إلغائه أو محوه.
3-3 الآخر الثقافي أو الحضاري:
تتمثّل مغايرة الآخر الثقافي أو الحضاري للأنا في تناول ملمح أو أكثر من ملامح علاقة الشرق بالغرب أو ما عُرِف باسم مرويّات صراع الحضارات أو صدام الحضارات. وبحكم اكتناز الحيز النصّي للقصة القصيرة التي لا تتجاوز بضع صفحات في الغالب الأعمّ، فإن الأمر لا يعدو بعض المشاهد القصصية هنا أو هناك التي تتعرّض لطبيعة علاقة العربي بالأجنبيّ أو الشرقي بالغربي من زاوية أو أخرى ..إلخ. وهو ما يرسم لنا ملمحا كاشفا عن طبيعة النسيج المجتمعي في عمان.
في قصته القصيرة «تَيْمَه»(15)، يتناول محمد العريمي علاقة الشرق بالغرب، أو الأنا بالآخر، بطريقة مكثّفة ودالّة، تذكّرنا بنصوص عربية كثيرة اشتغلت على الثيمة ذاتها،كنصوص الطيب صالح أوسهيل إدريس أوبهاء طاهر أوغيرهم، مع مراعاة الفروق الجمالية والتاريخية. فمسعود هاشم، بطل القصة العريمي، شاب عماني من أسرة متواضعة تعمل في زراعة النخيل والمانجو، وقد تمّ ابتعاثه -نظرا لتفوقه- لاستكمال دراسة البكالوريوس في منحة دراسية في الجنوب الأمريكي. وهناك يلتقي مسعود بفتاة بيضاء من أسرة بالغة الثراء تدعى «جينفر لى هيز». وهنا، يمكن ملاحظة التقابلات أو التوازيات التي يعقدها الراوي-المؤلف بين عالمي الأنا والآخر، وكيث يصنع السرد تمثّلاتهما، أو تمثيلاتهما، عبر منظورات المكان أو الطبقة الاجتماعية أو اللون،..إلخ. إن اسم جنيفر يحيلنا، بطريقة أو بأخرى، إلى شخصية جنيفر في رواية بهاء طاهر «الحب في المنفى». يتعرف مسعود على جنيفر ولا يتركها لحظة، في إطار من علاقة تشوبها انتهازية أو مصلحة ما:
«مثلما كان يفعل طلاب دول العالم الثالث الذين كانوا يأتون إلى أمريكا هربا من الفقر والجوع وبهدف الحصول على الجنسية الأمريكية… في «أرض الفرص والأحلام»».
ففي الوقت الذي يقرر مسعود الزواج من جنيفر والعودة بها إلى بلدته العمانية «تيمه»، يُفاجَأ بصعوبة تجاوز الصدمة الحضارية التي تحول بينه وبين إمكان العيش في وطنه الشرقي مرة أخرى أو التكيف مع ظرفه ومواضعاته الاجتماعية والثقافية، فيقرر سريعا الذهاب إلى مدينة مسقط الكبيرة بوصفها محطة انتقالية سوف ينتقل منها إلى أمريكا مرة أخرى، ولفترة طويلة من الزمن، يعود بعدها بسنوات وسنوات إلى بلدته النائية «تيمه»، وحيدا، كالعائد من منفى إلى منفى:
«عاد وحيدا يحمل شهادة ماجستير ويحتفظ في جيبه بصورة طفلة صغيرة: سمراء البشرة.. زرقاء العينين واسمها «تيمه».
هكذا، تطرح قصة العريمي عددا من المفاهيم التي تنهض على إحداث نوع من التناص الحضاري مع بعض سرديات الأنا والآخر العربية؛ لعلنا نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر، قصة الطيب صالح القصيرة جدا «سوزان وعلي»، أقصد تحديدا إلى الشابين اللذين لم يستطيعا الزواج أو الالتقاء عند نقطة ما رغم حبهما الشديد لبعضهما البعض بحكم الظرف الجغرافي والثقافي المختلف (علي ابن الخرطوم، سوزان ابنة لندن). يقول راوي قصة الطيب صالح:
«عاد علي إلى بلده. أخذا يتراسلان:
«لكنني أحبك يا علي».
«وأنا أحبك يا سوزان، لكن…».
ستة أشهر. كتبت تقول: «قابلت رجلا. سأتزوجه».
كتب يقول: «لكنني أحبك يا سوزان».
وانقطعت الرسائل.
يفكر بها في غالب الأحيان. وتفكر به من حين لآخر.
لكن… »(16).
في واقع الأمر، تطرح قصة العريمي أنموذجا مختلفا عن أنموذج الطيب صالح، لكننا أردنا الإشارة إلى الفكرة الرئيسة التي يؤكد عليها نص العريمي، وهي أنه ما تزال ثمة مفاهيم ثقافية متجذّرة في وعي العربي، من قبيل أن زواج الشرقي بغربية أمر تشوبه بعض الإشكالات ما لم ينصهرا في نسيج واحد. من هنا، لا يبقى لمسعود، بوصفه امتدادا لعلي، سوى محض صورة لفتاة صغيرة سمراء اسمها «تيمه» هي ابنته غالبا، حيث يعود مسعود منفردا إلى وطنه تاركا زوجته جنيفر، بوصفها امتداد السوزان، وابنته «تيمه» هناك في أرض الفرص والأحلام مكتفيا بصورة، محض صورة صغيرة، مثلما يفعل الذاهبون أو العائدون من الحروب حين يكتفون ببعض صور ونتفٍ من الأوراق والذكريات، يحتفظون بها في جيوب ستراتهم على سبيل المحاولة المجازية في اختزال تفصيلات مترعة بالحياة، مضغوطة مثل جنّي «ألف ليلة وليلة» في قمقم أو مصباح قابل للفتح في أية لحظة.
في هذا السياق، تمثّل بعض المدن العربية المنفتحة على الحداثة ومجتمعات التكنولوجيا وعاءً معرفيا يجمع بين الأضداد من منظور حضاري وثقافي. لقد تفتّح وعي القاص العماني على مدينة دبي التي شكّلت حلماً لدى الصغار والكبار على السواء. هكذا، يستطرد القاص العماني في وصف الحلم الكائن في ذهن الفتاة (زينب) في قصة «نقوش» التي تحمل المجموعة عنوانها ليونس الأخزمي، ليشمل زميلاتها الصغيرات في المدرسة، حيث يعقدون مقارنة بين مطرح بتقاليدها وإرثها العربي القديم، ودبي بحداثتها ومبانيها الشاهقة وحدائقها ومتنزّهاتها. يقول الأخزمي في قصته «بين مطرح ودبي»:
«في أيام كثيرة مضت حدّثت أمها برغبتها في الذهاب إلى دبي، صديقاتها في المدرسة حدثنها عن دبي وأسواقها، وشوارعها الواسعة المضاءة والألعاب الكثيرة والحدائق المكتظّة بالناس والتسالي، فملأ الكلام نفسها بالرغبة إلى رؤية دبي الجميلة. جدّتها كانت قد سافرت أكثر من مرة إلى دبي، فقررت أن تقضي بقية ساعات اليوم تستمع لجدّتها وحكاياتها عن دبي. لن تبرح بيت جدّتها إلا وهي تعرف عن دبي كل ما تعرفه الجدة .
– ما الفرق بين دبي ومطرح؟ تسأل زينب جدتها.
– لا فرق . تجيب الجدة.
– سوى البنايات الكبيرة والشوارع الواسعة. تضيف:
-والحدائق؟ تسأل زينب.
-صحيح الحدائق. تستطرد الجدة ثم تكمل.
-نعم لديهم حدائق كثيرة، لكنني لم أدخل أيا منها.
-لماذا؟
– لم نكن نذهب لزيارة الحدائق، معظم ذهابنا للأسواق فقط.
-وهل أسواقهم كبيرة أكبر من سوق الظلام؟!
– كبيرة جدا بنيتي.. أكبر من سوق الظلام»(17).
تتقاطع صور المدن العربية في مخيّلة القاص العماني، فيتناول بالسرد والوصف الكثير من المدن بالقدر نفسه من الغواية والافتتان، دون فارق كبير؛ ليخلق بذلك أثرا كبيرا في نفوس قرّائه. فعلى الرغم من أن القاسم المشترك بين الإسكندرية ودبي، وغيرهما من المدن العربية الكبرى كالقاهرة وبيروت ودمشق وبغداد والرياض، قد يكمن في أشياء كثيرة، منها الكثافة السكانية والعمارات الشاهقة، وتكنولوجيا الحداثة، فضلا عن ما تتميز به أي مدينة كبيرة من تلوّث هوائي وتنوع فكري وتباين ديموجرافي واجتماعي وديني، فإن القاص العماني يجمع بين كولاجات المدن العربية المتباينة في فضاء واحدة يتناول «المدينة» باعتبارها مدينةً مغويةً جاذبةً لأحلام الشباب وراغبي الثراء السريع وتحقيق الطموحات.
من جهة مقابلة، يكشف لنا القاص سمير العريمي في قصته «الميكروباص»ما يتعرض له المواطن الخليجي الذي يستقل سيارة أجرة في مدينة كبيرة مثل القاهرة، حيث يتعرّض للكثير من المواقف الطريفة والغريبة:
«لم أكن أتوقّع أن مغامرتي بركوب ميكروباص شعبي في مصر ستجرّ هذا الكمّ الكبير من المواقف.في البداية نظر إليَّ الجميع، وأعني بالجميع هنا السائق والركّاب والمارّة في الشارع بشيءمن الريبة والاستغراب، فالعرب – يعني الخليجيين بلغة العوام في مصر – يستقلون السيارات الخاصة أو المؤجرة (التاكسي) عادة ولا يحشرون أنفسهم في أتوبيسات النقل العام المزدحمة فضلا عن الميكروباصات الضيقة، بينما ملامحي ولكنتي وملابسي كلها (عربية) فما اللغز؟»(18).
نلاحظ هنا اندهاش العامّة في مصر من كون أحد الخليجيين يركب ميكروباصا، وقد اعتادوا أن يروه في سيارة فارهة، وهي نظرة نالت حظّها من الرصد في مدونة القصة العمانية المعاصرة، فضلا عن رصد بعض مشاهد الحياة اليومية والعادات المصرية. لم تستطع الشخصية الرئيسة في القصة (شخصية الخليجي) مجاراتها الناس في العودة إلى ركوبه مرة أخرى، حيث وجد نفسه في الشارع وسط البشر والزحام، دون أن يصل إلى بغيته. ورغم تعدد استخدام الراوي العماني للمدن العربية، وما فيها من مفردات الحياة ومظاهرها، وزخم المعيشة وتقلّبات الدنيا ومصارع البشر فيها، فقد استطاع القاص العماني الخروج من دائرته المحلية والعربية إلى دائرتي أخريين: إحداهما أفريقية، والأخرى غربية أوروبية، وذلك في قصتين اثنتين من ضمن مدونة القصة العمانية.
فمن زاوية الآخر (الإفريقي)، تتعرّض قصة «رسالة من « PEMBAلسالم آل تويه، لجزيرة تابعة لزنجبار تُدعَى بالجزيرة الخضراء، بكل ما كانت تمثله زنجبار وجزرها في المهجر الأفريقي من مكانة لدى العمانيين منذ الأزل. لقد مثّلت زنجبار المكان (المأوى) الذي يلجأ إليه كل ذي حاجة، سواء هاجر خائفا على نفسه من جرم فعل ما، أو تهديد بات يهدد حياته، أو حتى عندما تضيق به سبل الحياة:
«كان يعاقر الخمر ويثير الذعر، كثيرا ما بحثنا عنه في أواخر الليل فوجدناه طريحا بين بيوت الجيران من شدّة السُّكْر.. وبعد ولادتك – تبكي أمي – امتنع عشرة أيام عن الخمر، وفي اليوم الحادي عشر لم يطق صبرا، سكر وتعارك مع أفريقي وطعنه بسكين.. وعند الفجر مات الأفريقي وهرب خالك بأبيك إلى ممباسا» (19).
يظهر القاص العماني، هنا، تمكّنه من المزاوجة بين اللغتين العربية والسواحيلية المستخدمة في الساحل الشرقي لأفريقيا من خلال حوار يدور بين البطل ووالده، كاشفا عن صورة الآخر الثقافي أو الحضاري:
«في المرة الثانية أصابني الذهول. كنت عائدا للتوّ من المدرسة حين وجدت في البيت رجلا غريبا يحادث خالي بالسواحيلية، حالما رآني انتصب واقفا وتهلَّل وجهه، وفيما بعد بكى وذابت دموعه على ملابسي، ومسحها على وجهه حتى إن كمّه رطّب عنقي. ركضت بحقيبتي داخل البيت، وما لبث خالي أن أعادني: UNAKWENDA WAPI? HUYU BABA YAKO (20). «هذا هو أبي إذن !».(21)
أما من زاوية الآخر (الغربي)، فتتحدّث راوية ليلى البلوشية، في قصتها «رنين الساعة»، عن الشتاء القارص في أوروبا عامةً وفي مدينة مانشستر في المملكة المتحدة على وجه الخصوص، واصفةً برد مانشستر بأسلوب أدبي يستعين بالكثير من العبارات المرصّعة ببلاغة الاستعارة والتشبيهات، كـقولها:
«هزّني هذا الشتاء الممتد منذ أشهر.. إلا أنه بسكون صقيعه بعث في نفسي الحنين إلى الأيام التي تعود فيها الطبيعة إلى نضارتها وجمالها.. وتبدو الشمس دافئة سافرت في سماوات أنفسنا.. يخال إليَّ وهو عنيف مزمجر برجل غادره الحبمنذ زمن» (22).
ثم تعود الراوية إلى وصف التغيّر الثقافي الحاصل في مانشستر، من حيث حرية التعبير المتاحة للكتّاب العرب في أوروبا، والحملة التي تُشَنّ عليهم من قِبَل الأوروبيين، لكونهم يغرّدون خارج السرب غالبا،كما تعبّر الراوية عن ذلك قائلةً:
«على أي حال قانون منع التجوّل كان كفيلا بإلغاء فكرة معايشة الليل وهو يتعارك مع العواصف، وهي اتفاقية فرضتُها على نفسي منذ شهور عدة، حتى أنتهي من كتابة الرواية التي وعدت بها زميليرئيس تحرير إحدى المجلات الثقافية في مدينة (مانشستر).. البارحة قرأت مقالا في ملحق الأدب عن الحملة التي شُنَّت ضد الكتّاب العرب بسبب تغريدهم خارج السرب _ أدمغة عربية تعبر خارج حدودها _ عنوان مثير يصلح لرواية أخرى تشقّ طريقها إلى عقلي!(23)».
استطاع القاص العماني أن يصوّر طبيعة الحياة في أوروبا، بمناخها وتباينها الثقافي والحضاري المغاير لما عليه الحال في بلاده؛ فضلا عن طول الشتاء وتتابع الفصول وطبيعة الحياة القاسية التي يشعر بها المغتربون عن أوطانهم، أو من خلال تصوير الغرب للكتّاب العرب المغتربين، مستعينا في ذلك بأسلوب سردي ووصفي ينحو منحى واقعيا في رصد تفصيلات الحياة ومستوياتها الاجتماعية والثقافية.
3-4 الآخر الرمزي:
تتمثّل مغايرة الآخر الرمزي للأنا في قدرة الراوي على خلق موازيات أو معادلات موضوعية للآخر الاجتماعي أو اللغوي أو الثقافي أو الديني ، وإسقاط رغبات الأول ونزواته (وربما حنقه أيضا) على الثاني، كأننا بصدد راوٍ يلجأ إلى مبدأ التقيّة، فيلمّح ولا يصرّح، يُكني ولا يفصح. من هنا، يلجأ كثير من رواة القصة العمانية المعاصرة إلى تقنيات أو استراتيجيات الحلم والذاكرة والمرآة لسرد ثيمات الفقر والقهر والموت الذي تعانيه الكثير من الشخصيات، من دون أي إشارة إلى الآخر الديني أو المذهبي.
3-4-1 «الآخر» بوصفه حُلْمًا:
في قصته «مكان آخر تملؤه الخضرة»(24)، يتعامل معاوية الرواحي مع الحلم بوصفه عالما آخر موازيا للواقع المعيش، بكل ما يمكن أن يقوم به الحلم من تخفيف من وطأة الواقع الغريب والمتناقض والمؤلم. فالراوي شاب يسكن مع أمه في بيت متواضع، وإلى جواره أرض خلاء هي عبارة عن فناء يحيط به سور، يستخدمه الأطفال لممارسة اللعب، في حين يستخدمها الأهالي مقبرةً لدفن صغار الموتى من الأطفال. يحلم الراوي الشاب بحياة رغدة يصبح فيها مسؤولا عن شركة اتصالات معروفة، ومدرّبا في الوقت نفسه للمنتخب الوطني لكرة القدم. وتكون الأم سببا في إقامة علاقة بين الراوي وفتاة تُدعَى «زينة»، ابنة الجيران، التي أكملت تعليمها وراحت تعمل مدرّسة بإحدى المدارس. لكن زينة تسقط في الخطيئة قبل أن تتزوج من الراوي الذي يجد نفسه مرغما-تحت إلحاح أمه- على حمل المسؤولية عنها بدلا من أبيها الذي كان مسافرا للخارج بحثا عن المتعة والنساء. يكتشف الراوي في نفسه حبا عميقا لزينة ابنة الجيران وتعاطفا معها في الوقت ذاته، كما يكتشف أمر المقبرة العجيبة التي تقع بجوار بيتهم، ولم يكن يعلم عنها شيئا من قبل طوال تلك السنوات؛ لأنه كان يتصورها -كغيره من صبيان المنطقة- مجرد حديقة جرداء لا نفع فيها.
تبدو حبكة القصة عند معاوية الرواحي حبكة بسيطة من الناحية التقنية، لكن إضفاءه بعض اللمسات الغرائبية إلى حد ما بحيث يتداخل الواقع والحلم، في فضاء القصة، أمر من شأنه أن يخفف من ضيق الحيّز أو الفضاء المغلَّف بطعم الموت الذي تتناوله القصة: فالأرض المجاورة للبيت مليئة بالأشجار الخضراء المورقة طوال العام كأنها الجنة التي لا تذبل أبدا، كما تقول أمه:
«سبحان الله. هذه الأرض لا ماء يسقيها ولا مطر يسقط، ولكنّ أشجارها دائمة الخضرة. لابد أن ذلك لطف من ربك بالأطفال المدفونين بها. والله لو لم يكن بها غير الأطفال لما كانت سيحا مقفرا».
تضفي مثل هذه الصورة السرديةالوصفية لمسات غرائبية على أرضٍ هي الجنة والمقبرة في آن، فالأطفال حين يموتون صغارا -في التصور الشعبي عند أغلب المجتمعات العربية- يتحولون إلى عصافير تحلّق في سماوات الجنان:
«قومي فإن الله سيجعل منه طيرا من طيور الجنة. قومي يا امرأة ووحِّدي الله».
لكنَّ الراوي سوف يتحوّل بدوره، في نهاية المطاف، إلى حفّاَر للقبور أو إلى «دافن موتى»:
«غرستُ أصابعي في قطعة اللحم. أمسكتُ قطعة اللحم واحتضنتها بهدوء. رجوت الله أن ينقذني وأن يسامحني. قرأت سورتين فسكنت قليلا».
يذهب الراوي إلى المقبرة ليدفن الجنين، ابن الخطيئة، وابن زينة أيضا، في باطن الأرض، خلاصا من العار الذي سوف يلحق بمحبوبته زينة:
«بدأت أحفر بهستيرية وجَلَد. لدغتني عقرب صفراء وانسلت هاربة وببطنها عقارب صغيرة . مررت بجوار أفعى هرست رأسها بحجر وعدت للحفر (…) انفجرت الأسئلة في رأسي ولم أعد أعرف ما الذي ينبغي أن يُفعل بالميت. وهل هو ميت ؟ أم أن روحه لم تخلق بعد ؟ وهل أضع رأسه باتجاه القبلة أم العكس؟ طوفان من الأسئلة قاطعه بكاء ضئيل (…) رأيت يدًا بضة صغيرة تخرج من اللفافة وتزيح الملاءة بغضب، علا الصراخ. شعرت بالصمم من علوه. سمعت الطفل يصرخ، ويشير إليَّ ببنانه».
لم يكن ثمة سبيل أمام الراوي الشاب سوى دفن الجنين ودفن صوته معه، في مشهد تراجيدي ينـزّ كآبة ومرارة. يضفي مثل هذا الفعل الذي يقوم به الراوي على القصة أبعادا واقعية تؤكّد على ضرورة أن يواجه البشر مشكلات الواقع وآلامه ومعوقاته بحزم وصلابة مهما كان الثمن، كأن لدغة العقرب الصفراء للراوي (لاحظ تضاد دلالة اللون الأصفر مع هيمنة اللون الأخضر في فضاء القصة) ردّ لاعتبار هذا الجنين الذي لا ذنب له في دخول الحياة لثوان معدودات ثم الخروج منها بهذه الطريقة المأساوية. لذلك، كانت أشجار المقبرة تخضرّ مع تردّد صوت المؤذّن، بينما جثة الطفل قد أينعت أوراقا خُضْراء، تجاوبا مع الطقس الجنائزي الذي أودى بحياة الصغير داخل التراب:
«مع تصاعد صوت أذان المغرب كنت أحدّق في المقبرة المواجهة للبيت … مع صوت إقامة الصلاة كانت أشجار المقبرة تخضرّ وتخضرّ، وعشب رائع يغطي القبور الصغيرة بهدوء وتؤدة».
هكذا، تنهض سردية القصة القصيرة عند معاوية الرواحي على ذلك التضافر الشفيف بين الحلم والواقع، واقع الأنا المحبطة وحلم بعالم آخر ، فسيح، رحابته بلا حدود. فما حدث كله لم يكن إلا في ذهن الراوي ومخيلته فحسب، كأننا كنا بصدد قصة بين قوسين كبيرين، يصبح فيها الحلم تمثيلا سرديا لعالم آخر يواجه من خلاله الراوي إحباطات الواقع المقفر وغرائبيته التي تضع هذا الشاب، الحالِم، في طريق زينة ابنة الجيران كأنها قدره المقدور.
في مجموعة يحيى سلام المنذري (بيت وحيد في الصحراء)(25)، يعتبر حلم الراوي والشخصيات بممارسات جنسية حرة في عالم لا قيود فيه بين الإنسان ورغباته الطبيعية هو أحد أشكال مناهضة الواقع الضاغط الذي يحياه راوي المنذري، وتعانيه شخصياته، وهي رغبات أنتجها لاوعي الراوي، فانسربت في ثنايا المشاهد والمقاطع، وكانت بذلك تجسيدا لهذه الرغبات الدفينة. من هنا، تعدّدت الأحلام الشبقية، فكان حلم الراوي بفتاة حقيقية وليس مجرد صورة في مرآة، كما في قصة: «بيت وحيد في الصحراء»، أوحلمه بفتاة يرسلها له الليل كي تهديه صدرها، كما في قصة: «شارع يغوص في الظلام»، أوحلم الراوي-الشخصية أو العامل الهندي بامرأة تنحني أمامه صباح مساء فيمارس الجنس معها دون خوف من العقاب أو السجن، كما في قصة: «لهاث باتجاه السماء»، أوحلم الجبل (معادل الذَّكَر) بخراف (معادل الأنثى) تهرش له ظهره بمتعة وسعادة، كما في قصة: «خسارة الجبل»، ..إلخ.
3-4-2 الآخر بوصفه الموت:
في قصتها القصيرة «تفاصيل»(26)، تتناول أمل المغيزوية ثيمة الموت من وجهة نظر طفلة صغيرة يموت أحد أقاربها، فتصوّر لنا وقع فعل الموت على الطفلة-الراوية خلال أحداث يوم كامل:
«تذكّرتُ ساعات ذلك اليوم بكل وضوح، وبرزت كل التفاصيل دفعة واحدة في تدفّق مستمر لم أستطع إيقافه..».
وما نريد التأكيد عليه في هذه القصة، رغم كونها قصة عادية، ليس الحديث عن الموت، بل الحديث عن تأثير وجهة نظر السارد في اللغة السردية، ومن ثم التأثير في المتلقّي:
«بيت خالتي يكتظّ بأجساد عديدة، حاولتُ المرور من بينها بصعوبة. توقَّفْتُ كثيرا وأنا أرى قطعة قماش بيضاء يتشبّث بها أحد الرجال بإصرار غريب وامرأة تناوله عدة زجاجات من عطور مختلفة تشبه العطور التي تضعها جدتي على جسدها الهزيل..».
سوف يتحول هذا اللون الأبيض في ذاكرة الفتاة إلى رمز للموت بسطوته وهيمنته وثقله على النفوس:
«لم أنم في تلك الليلة. حاولت تذكّر وجه «خميس» مرارا، لكن اللون الأبيض طغى على معالمه (…). كرهت الآن الموت. بدأتُ أمقت اللون الأبيض وزجاجات العطر..».
إذا كانت «تفاصيل» أمل المغيزوي تتعامل مع الموت بوصفه قدرا مقدورا لا فكاك من أسره، وترسم ملامحه من وجهة نظر ساردة هي طفلة لا حول لها أو قوة إزاء هذا الحدث الجَلَل، فإن نص «موتٌ حدثَ قبلَ بدايتِهِ»(27) لعبدالله حبيب يسعى إلى مقاومة الموت أيضا ومناهضته بشتّى الطرق من وجهة نظر الكبار، ولو على سبيل السرد. فقد حاول «المغدور» -كما يصفه راوي القصة- أن يتخلص من سطوة الأب، لكنه وقع في سَطْوات أُخَر: فشل في التدريب العسكري، وأخذ ينتقل في رحلة الحياة اليومية القاسية من مدينة إلى مدينة، ومن عاصمة إلى أخرى. لقد عاش، باختصار، حياة المنفِيّ حتى استقرّ به المقام في غرفة بائسة مظلمة عديمة التكييف وذات دخان أصفر كثيف وغبار يخترق الصدر، حتى نال منه المرض لدرجة لا بُرْءَ منها، وانتقل به الأهل من مستشفى إلى آخر دون جدوى. عندئذ، لم يكن أمامه سوى الحكي عن كل شيء، عن الحياة والمرأة والجنس والممرضات البدينات، فتشبّثت مخيّلته بمقوّمات الحياة وأعراضها، في الوقت الذي كان جسده يمضي بخطى حثيثة في الاتجاه المعاكس، نحو القبر. هكذا يحدّثنا الراوي مستخدما ضمير المخاطَب، بكل ما يحمله من حميمية ومساءلة للذات ومكاشفة ترفع الحجب ما بين الراوي والمروي عليه:
«كنتَ سعيدا معه وله لدرجة أنكَ كنتَ تحسد مخيلته الخلاقة على المهرجان الجنسي الروماني الذي يقيمه بكل هذه الزندقة والمجون والجنون في غرفته البيضاء الصغيرة في بيت الموت والمرض من دون أن يعلم أو يحسّ أحد بما في ذلك ممرضته البضّة. لقد نسي كل شيء، واغترب عن كل شيء إلا الجنس. فمَرْحَى لذاكرته ألف مَرْحَى».
وفي السياق نفسه، حيث الحديث عن الآخر بوصف الموت، يمكن الوقوف على بعض قصص محمود الرحبي في مجموعته (أرجوحة بين زمنين)(28)، وتحديدا مع قصص «السيح الأحمر»، «فعل الأسماء القديمة»، «لحم الكلب»، حيث تتعامل القصص الثلاث مع ثيمة الموت من حيث هو فعل قدري لا يمكن للإنسان مقاومته إلا عبر بوابة الحكي أو السخرية. ففي «السيح الأحمر» ينسج لنا الراوي مرويته على لسان الجماعة الشعبية التي تحيا على جانبي الشارع الذي التهم الكثير من البشر، على سبيل القربان، قديما وحديثا، حيث يقول:
«حاكوا حول الشارع أساطير ربطوها بالجن والسحرة، وقالوا إن رهطا من هؤلاء نصبوا خيامهم الخفية منذ زمن على جانبي الشارع، يصطادون ضحاياهم في أطراف الليل،مباغتين هجعة النفوس وغفلة العيون ونعاسها (…). كان أجداد هؤلاء السحرة فيما مضى يقطعون طرق قوافل الجمال والحمير، خصوصا تلك التي تأخذ مسلكها في أطراف الجبل، ولكنهم نادرا ما كانوا يظفرون بضحية كاملة، حيث إن السقوط من على ظهور تلك الدواب لا يؤدي بالضرورة إلى الموت (…). ومع انتشار الوحوش المعدنية، تعامل معها السائقون بعقلية قديمة متناسخة، فعوض أن تُجَرَ الركيبة من خطامها أو تُسَاط على ظهرها لإيصالها إلى أقصى قوتها وُضِعت لها دواسات وفرامل لإيصالها إلى أقصى سرعتها (…) لا يوجد بيت لم يُشرَخ حلقه على قريب ميت أو جار منكوب في حربٍ أحد طرفيها لا يظهر، لتتجلى بقوة لعبة الساحر في الضحية…» (ص 12-13).
تتولد الأسطورة على لسان الجماعة الشعبية، وتتناقلها الألسنة في البداية كمادة للتسلية، لكنها سرعان ما تتحول إلى أسطورة تامة تهيمن على العقل الجمعي بالنسبة إلى مَنْ أنتجوا مادة الأسطورة وقاموا بتصديرها خارج جغرافيتهم.وقد تبدأ الأسطورة هنامن مجرد إشاعة تننشر بين الناس انتشار النار في الهشيم (انظر قصة: «صباح الإشاعات»).
ولا يبتعد كثيرا عن هذه الغرائبية التي نسجها العقل الجمعي حول شارع «السيح الأحمر» عن ما يقوم به راوي قصة «فعل الأسماء القديمة»، ذلك الذي يضفي على الحدث والشخصيات بعض الملامح المفارقة للواقع، بهدف تشكيل جمالية «الغريب». فأبو يحيى رجل غريب الأطوار. وبعد أن كان يتباهى بابنه الذي كان سببا مباشرا من أسباب مصالحته مع العالم وتغيير اسمه من «تاعب»، بكل ما يحمله من معاني الشقاء والدونية، إلى «أبو يحيى»، بكل ما ينطوي عليه الاسم من دلالات الحياة والبقاء والحلم، خطف الموت ابنه يحيى في حادثة ملعونة تركت الأب بعدها فريسة للموت والزوال والكوابيس؛ الأمر الذي حار معه الجيران فلم يعرفوا كيف ينادونه بعد موت ابنه، حتى نصحتهم واحدة من أرباب البصيرة ممن تعمل في جزّ الأعشاب وتنظيف الحقول منها وبيعها لملاّك المواشي:
«- سمّوه يحيى على اسم ابنه، سيحلّ مع الوقت شيء من سعادة في قلبه، وسيحيا الغائب في داخله وينمو.
ثم أضافت وهي تتقدم رافعة مجزّها الذي سطعت سنّته:
– جميعكم لا يعلم بأن لكل اسم روحا تلاحقه ولا يمكن إخفاؤها حتى بالموت» (ص 28).
هكذا، أصبح أبو يحيى رجلا غريب الأطوار، يخرج في أكثر أوقاته أرقا، يذرع الوادي ذهابا وإيابا، ثم يصعد الجبل ويبدأ في الحفر والصخب دون كلل، حتى تتلاشى أوجاعه هربا أمام الضجيج الأكثر قوة في داخله. غير أن الكثيرين من أهل البلدة «غدوا مع الوقت يدركون، بصبر، سر التعب وسر الأسماء القديمة وأفعالها» (ص 30).الموت، إذن، يطال الجميع في مجموعة الرحبي، حتى إن الكلب لا ينجو من هذا الأمر. ففي قصة «لحم الكلب»، يتعامل الرواي مع حادثة ارتطام الكلب بإحدى السيارات على الأسفلت بطريقة كوميدية تشبه أفلام «توم وجيري»، حيث يتحول الكلب في نهاية «القصة-اللوحة» إلى ما يشبه الفطيرة أو الرسم الكارتوني على الأسفلت الذي لا يراه أحد حتى الطفل صاحبه:
«عندما جاء الصباح لم يبق شيء من الكلب، سوى إشارات عظام مكسرة، وبقايا دم متيبس، عبرت فوقها سيارة الوالدين والطفل جيئة وذهابا، وهم يبحثون عن كلبهم المدلَّل المفقود» (ص 47).
3-4-3 الآخر بوصفه الذاكرة:
يبدو اشتغال عدد غير قليل من نصوص مدوّنة القصة العمانية على الذاكرة بوصفها صفحةً ترتسم عليها ملامح الآخر اشتغالا لافتا للنظر، لكنه يظلّ اشتغالا يندرج تحت مفهوم الآخر المجازي. ففي قصة مازن حبيب «الكابتن حمدان»، ضمن مجموعته (الذاكرة ممتلئة تقريبا)، يستهل الراوي نصه القصصي باستعراض أحداثيتوقّع حدوثها الليلة وويترقّبها في حذَر:
«هي حكايتي، ولن يحكيها غيري ليس لأني بطلها المخلص. لا أدّعي البطولة والإخلاص، لكن كما قلت، سأحكيها لك لأن غيري لن ينبس ببنت شفة. سيطبّلون، ويصفّقون، ويقبّلونك الليلة، وهم لا يعلمون. تلك الأيام التي تقرّعني على ذنب ربما اقترفته، وتخنقني بما أُوتيت حتى أتكلم الآن» (29).
تتشابه التقنية ذاتها مع راوي قصة»عالم صغير بدأ في تمزيق أشيائه الجميلة»، ضمن مجموعة (قلق آخر) لعبدالله بني عُرابة، الذي يتوقّع الراوي حدوث أمر ما، يوحي سير الأحداث بأنه سيكون سلبيا. وإن لم يحدث فعدم حدوثه هو في حد ذاته حدث من نوع جديد:
«ذهابي إلى السوق صباح كل خميس حدث، ولو لم أصادف شيئا غير عادي (عدم وجود سمك مثلا) لكن تبقى له روعة الحدوث، وتلتصق به صفة الوقوع (هل يوجد حدث لم يقع يا أعزائي؟ لا أظن).
اتجاهي إلى عملي اثنتي عشرة مرة في الأسبوع هو الآخر حدث. إنذاري الشفوي من قبل مديري حدث، وأي حدث، حتى دخولي الحمام فور صحوي من الموت حدث»(30).
في قصته «مطر صباحي»(31)، يستعين عبد العزيز الفارسي باستدعاءات الذاكرة الطفولية التي تستدعي مشاهد الصبا، حيث تلاميذ المدارس يحتفلون بسقوط الأمطار من أجل أن يعودوا مبكرا إلى بيوتهم، وقد يتغيبون يوما أو يومين دون تقريع إدراة المدرسة بحجة الشوارع والطين. في قصة الفارسي راويان: راوٍ أول هو من يفتتح القصة وينهيها، يجلس على مقهى ألطاف، مغترب من أجل الدراسة أو العمل في بلد عربي (دبي غالبا). يقول الراوي الأول:
«كان المطر الهادئ يغسل الشارع كما تفعل الدموع بالروح المتعبة، والقطرات المتساقطة على واجهة مطعم ألطاف تجعل كل شيء متماهيا أمام الجالسين بالداخل، كذاكرة حب قديم لم يفقد لذته رغم الجروح التي خلفها (…) رأيتني طالبا في الابتدائية».
الذاكرة، إذن هي الضابط الذي يضبط إيقاع السرد في قصة «مطر صباحي». أما الراوي الثاني فهو صبي يحكي لنا بطزاجة موقفه مع سائق الباص «خليفوه»، حين تركه بالمدرسة ذلك اليوم المطير، فعزم الصبي على مغامرة العودة وحيدا وسط برك الأمطار ومخلفاته. يبدأ الراوي الثاني في سرد تفاصيل حكايته منذ جملة «رأيتني طالبا في الابتدائية…» حتى يتوقف سيلان الذاكرة الذي يقطعه صوت ألطاف، صبي المقهى، هنا-الآن، حين يقول:
«- أرباب.. تريد شاي زيادة؟» .
«- تمام يا ألطاف.. جيب شاي زيادة دام المطر بعده ينـزل».
إذا كانت سردية الذاكرة في قصة الفارسي تحتفي باستدعاءات ذاكرة طفولية، فإن سردية محمود الرحبي، في قصته «فعل الأسماء القديمة»(32)، تنحو منحى مختلفا، يقترب من بعض الملامح الغرائبية التي يضفيها راويه على الحدث وعلى الشخصيات. فأبو يحيى شخصية تستحق أن تكون شخصية روائية بحق، رغم قصر القصة وتكثيفها. فبعد أن كان يتباهى بابنه الذي كان سببا مباشرا من أسباب مصالحته مع العالم وتغيير اسمه من «تاعب»، بكل ما يحمله من معاني الشقاء والدونية، إلى «أبو يحيى»، بكل ما ينطوي عليه الاسم من دلالات الحياة والبقاء والحلم، خطف الموت ابنه. هكذا، بغتة، اقتنص الموت يحيى-الابن في حادثة ملعونة تترك الأب بعدها فريسة للموت والزوال والكوابيس، الأمر الذي احتار معه الجيران فلم يعرفوا كيف ينادونه بعد موت ابنه، حتى نصحتهم واحدة من أرباب البصيرة ممن تعمل في جزّ الأعشاب وتنظيف الحقول منها وبيعها لملاّك المواشي:
«سمّوه يحيى على اسم ابنه، سيحل مع الوقت شيء من سعادة في قلبه، وسيحيا الغائب في داخله وينمو. ثم أضافت وهي تتقدم رافعة مجزّها الذي سطعت سنّته: جميعكم لا يعلم بأن لكل اسم روحا تلاحقه ولا يمكن إخفاؤها حتى بالموت».
من هنا، أصبح أبو يحيى رجلا غريب الأطوار، يخرج في أكثر أوقاته أرقا، يذرع الوادي ذهابا وإيابا، ثم يصعد الجبل ويبدأ في الحفر والصخب دون كلل، حتى تتلاشى أوجاعه هربا أمام الضجيج الأكثر قوة في داخله. غير أن الكثيرين من أهل البلدةغدوا مع الوقت يدركون، بصبر، سر التعب وسر الأسماء القديمة وأفعالها.
3-4-4 «الآخر» مُنْتِجا للقهر:
لقد انشغل السارد العماني برصد الكثير من مظاهر الشقاء في حياة المدن، فراح منتصر الحراصي، في قصة «بريال واحد فقط»، يصوّر لنا ما أصاب المواطنين والمقيمين على حد، حيث يُلقي راويه الضوءَ على أسرةٍواقعةٍ تحت سطوة القهر الاجتماعي، فتُضطرّ إلى تشغيل ابنها الصغير الذي يضحّي بطفولته من أجل الأسرة؛فيذهب إلى محطات تعبئة الوقود ويعرض على مرتادي المحطة شراء ما معه من بخور:
«نقر خفيف على نافذة السيارة.. أخرجتُ الخمسة ريالات الأخيرة.. وبقي ريـال وحيد أحكمتُ طيّه جيدا وحشرَه في حلق محفظتي.. ألتفت يساري.. لم يكن رجل البنزين كما حسبت.. كان صبيّا لا أظنه تجاوز الخمسة أو الستة أعوام من عمره.. أسرعت، فتحت النافذة حين العرق قد نال من جلده الضعيف..
– خير؟ هل تريد شيئا؟
– اشتري مني البخور.. بريال واحد فقط..
– شكرا.. لا أريد البخور..
– بريال واحد فقط!
– قلت لك لا أريد! ثم لماذا لستَ في المدرسة؟!
– السنة القادمة.. ولكن اشتري مني البخور بريال واحد فقط..
– أين والدك؟
– في المحطة المقابلة هناك.. ولكن اشتري مني البخور بريال واحد فقط!
وألقى عليَّ نظرةً دامعةً (…).
– ما اسمك؟
– محمد.
– نعم يا محمد .. لماذا لا نعقد صفقة أعطيك ريالا ولا تعطيني بخورا..
– لا!
– لماذا لا ؟! من قال لك هذا يا محمد؟!
– أبي.
– إذاً خُذْ الريال ولا تخبر أباك.
– لا..لا يجوز.
– اسمعني محمد .. خذ الر..
– أرجوك.. اشتري مني البخور.. بريال واحد فقط !!(33).
لم يكتف راوي القصة بوصف الحالة الاجتماعية التي عليها بعض سكّان المدينة من بؤس وحرمان من التعليم، بل تعدّاه إلى أن يقوم بدور المصلح الاجتماعي الذي يتناول الحدث من منظور أخلاقي واجتماعي واضح الدلالة.
من جهة مقابلة يمكن ان نعثر على مجموعة قصصية تتمثّل الآخر بوصفه منتِجا للقهر، كما في كتاب يحيى سلام المنذري (بيت وحيد في الصحراء) الذي يضمّ مجموعتين من القصص؛ أولاهما بعنوان «غرف»، تتضمّن ثماني قصص، وثانيتهما بعنوان «زارعو غابة الأسمنت»، تضمّ خمس عشرة قصة.يطرح عنوان الكتاب مفهوم «البيت»، وتتباين نصوصهما بين الطول والقصر، وكذلك الحديث عن الراوي الطفل وتبنّي السرد وجهة نظره في نقل العالم القصصي إلينا عبر حواسّه وأحاسيسه البريئة والطازجة، ورصد بعض ملامح القهر الاجتماعي للفقراء والمهمّشين، والحديث عن حنين الهنود إلى وطنهم حين يصطدمون بشقاوة الأطفال العمانيين، وتفجير بعض المشاعر الجنسية والعاطفية الخبيئة في قرارة القرار من نفوس الأطفال والمراهقين، وتعرية بعض الأفكار التي قد تحمل منظورا طبقيا في التعامل مع البشر،.. إلخ. يضعنا مفهوم البيت، بمثل هذه التجليات التي ينتجها كتاب المنذري، وسط حزمة من المفاهيم النقدية والثقافية التي تتعامل مع البيت بوصفه الوطن، والبيت بوصفه الجنّة، والبيت بوصفه الذاكرة والمخيّلة، .. إلخ.
اللافت للنظر في مجموعة المنذري هو اعتمادها ضمير المخاطَب أداةً للسرد منذ القصة الأولى «سندباد صغير يمتطي غيمة»؛ الأمر الذي يتيح للراوي مساحات شاسعة من البوح والمكاشفة ومساءلة الذات، ويشيّد بدرجة أو بأخرى جسرا بين المتخيَّل والسير ذاتي، فتبدو القصص وكأنها وجوه مختلفة لعالم الراوي/الطفل (يحيى المنذري) الذي يقدّم لنا في كتابه صورا متعدّدة تمّ التقاطها من زوايا نظر متباينة من خلال عدسة طفل عماني يحيا حياة الأطفال العاديين الذين تنتابهم شقاوة الأطفال فيفعلون أفعالا غريبة يستغربها الكبار ويستنكرونها عليهم رغم أنهم هم أيضا لم يكونوا يختلفون عنهم كثيرا في طفولتهم، فمنطق الأطفال واحد وخيالهم متشابه وعفوية سلوكهم تكاد تتطابق مهما اختلف الزمان أو المكان أو الجنس.
يتجلَّى هذا الأمر بوضوح في قصص الجزء الأول؛ إذ ان راوي «سندباد صغير..» يعاني من قهر يمارسه عليه طفل آخر، أكبر منه وأطول، طفل بأسنان مسوَّسة، ينتظره في الحارة ليشاكسه أينما ذهب أو جاء ليمارس عليه شقاوته وفتوّته، حتى إن الطفل، راوي القصة، يدفعه هذا الضغط النفسي إلى التمرّد على الولد الطويل ذي الأسنان المسوَّسة فيفاجئه بلكمة قوية في وجهه يسمع بعدها اصطكاك أسنانه، ويعود إلى بيته مسرعا ليغلق الباب وراءه، ثم يدخل غرفته ويغلق بابها، ثم يدخل خزانة الملابس ويغلق بابها أيضا، بينما كانت أمه تنتظر عودته وتنتظر معه الخبز الطازج الذي كانت قد أرسلته خارج البيت من أجل إحضاره. أما راوي قصة «أين الذبابة؟» فتنتابه شقاوة الأطفال هو الآخر فيضع قدمه فجأة، ودون مقدمات، في طريق أحد أشبال المدرسة أثناء فترة الاستراحة فيسقط الشبل ويصطدم جسده بالأرضية الأسمنتية. تنتاب الراوي حالة من الفزع، فيركض دون أن يراه أحد ثم يُستأنف اليوم الدراسي، وراوينا في قمة ذعره عندما يستدعيه فرَّاش المدرسة بناء على طلب المدير فيظنّ الراوي (أحمد) أنه يوم العقاب، فيحمل حقيبته مستعدا لتناول العقاب، فإذا به يعرف أن أباه لم يأتِ إلى المدرسة إلا لنقل أوراقه إلى مدرسة أخرى؛ لأنهم قد انتقلوا إلى بيت جديد دون أن يعرف الأب أو المدير شيئا عن فعلة أحمد الحمقاء. عندئذ، لا يلبث الراوي إلا أن يتأمّل ذبابة صغيرة كانت تقف على صلعة المدير متسائلا:
«ربما هربت من النافذة!» (ص: 17).
تتناول مجموعة المنذري القصصية كثيرا من أساليب القمع أو القهر الذي يعانيه الأطفال من قِبل الكبار. فعلى سبيل المثال، تصور لنا قصة «الشمس لا تجد من تقدِّم له دفئها» إحساس الطفل الراوي بيوم الختان الذي يجتمع فيه الأهل استبشارا بقدوم فارس جديد، الأمر الذي يذكّرنا بمولود العصر الجاهلي حيث كانت تقام الأعراس والولائم والمزاهر وتدق الدفوف. ورغم تنبيهات الأب لابنه وتحذيراته المستمرة أن يتماسك ويرقص وسط الحضور بسيفه بعد انتهاء عملية الختان وإلا سوف يجلب العار على القبيلة كلها، فإن الراوي الطفل يتصبَّب عرقا وهو يدور حول الدائرة البشرية الملتفّة حوله رافعا وخافضا سيفه الحاد والثقيل على طفولته الغضّة دون أن يظهر أي ألم. وفجأة يخونه جسده ويدخل في غيمة سوداء لا يستيقظ منها إلا على آلام سياط أبيه؛ لأنه من وجهة نظر الأب، ومن ورائه القبيلة كلها، قد جلب عليهم العار والخزي. حتى وإن أصبح شاعرا فيما بعد يرتاد مجالس الشعر والشعراء وأرباب الكلام.
تنمو ملامح هذا القهر الإنساني وتتنامى لتشمل الكبار أيضا، ففي قصة «رعشة الصوت الثالث» تنهض المرأة الشابة زوينة بنت حامد كل يوم بمهمة غسل ظهر زوجها المسنّ والمجعّد بفعل الزمن كأنها تغسل طفلا عجوزا بلغ السبعين من عمره، جنبا إلى جنب طفلها الفعلي؛ لأن زوجها لم يكن يجيد الاغتسال ودائما ما يرتطم بالحوض ورغوة الصابون الحمراء تطفو على السطح وتغوص بسرعة في ثقب الحوض. أي أنها تنهض بدور الأم والممرضة في آن. هكذا، أدركت هذه المرأة المقهورة أن شبابها قد أخذ يضيع منها يوما فيوما، بينما هي لا تزال تتذكّر ليلة زفافها إلى هذا العجوز الذي لم يكن يرغب يوما في مداعبة أحفاده أبدا، وتستدعي من ذاكرتها بعيدة المدى نظرات ابن الجيران التي كانت تأتيها مملوءة حبا وشوقا مع أنه لم يكن يجسر يوما على محادثتها.
حاولت قصص المنذري «تمثيل علاقة الأنا بالآخر» من خلال تفكيك صورة الآخر بوصفه منتجا للقهر الذي يقع على الصغار والأطفال في مجتمعاتنا دون أن ندري، وذلك عبر عدد من الاستراتيجيات، منها الرغبة العارمة في التحليق والمجاوزة، وخلق عالم افتراضي بديل للعالم الأرضي الضاغط الذي كاد يقتل الإنسان المعاصر، فضلا عن توزّع عدد كبير من الاستعارات في ثنايا القصص، من قبيل «صورة الطائر» بوصفهاتمثيلا مجازيا أثيرا لفكرة التجاوز والانفلات والحرية، ومنها أيضا صورة السهم الذي يخرق السماء فيخترقها (ص: 24)، واستعارة الطفل/النحلة (ص: 61)، وصورة الرجل/الطائر الكبير القادم من الهند فتقرّر إحدى النساء ضمّه إلى صندوق أسرارها بمجرد رؤيتها شفتيه الحمراوين (ص: 65)، ..إلخ.
وليس بعيدا عن فضاء القهر الذي رسمته قصص المنذري ما يمكن أن تجسّده قصص محمود الرحبي في مجموعته (أرجوحة بين زمنين)، وخصوصا قصص «هواء»، «مكنسة الغروب»، «ليلة العسل». القهر حاضر في مجموعة الرحبي بثقل لا يقل عن حضور الموت. فالقهر و القمع أحد تجليات الموت عند الرحبي. يخرج ثلاث شبان عند الفجر، يعيثون في شوارع المدينة فسادا.، بما يكشف سوءة المجتمع ولا يواري عورته أبدا، حيث يتجه الثلاثة قاصدين أحد أبواب المحلات المغلقة، وفي يد أحدهم، أو كبيرهم، مطرقة ضخمة يخبط بها على القفل ثلاث خبطات، كمن يدقّ جمجمة العقل الجمعي، فينكسر القفل، وتكون المفاجأة حين لا يجدون شيئا سوى بعض علب الأصباغ الفارغة. وعندما ينهرهم أحد المطلّين من إحدى نوافذ الحيّ لا يردّون سوى بجملة واحدة، بينما هم يعبرون بثقة بحثا عن هدف آخر:
«نريد أن نأكل» (ص 23).
وفي قصتي «مكنسة الغروب» وليلة العسل» تنال المرأة قدرا كبيرا من بطش القهر الذي لا يترك أحدا بعيدا عن متناوله. فامرأة «مكنسة الغروب» متزوجة من رجل له ثلاثة أبناء ماتت أمهم. ولأنها الزوجة الثانية فليس لها سوى الطعام والشراب، وعليها خدمة الزوج ورعاية الأبناء والبحث عنهم وجلبهم من الشارع مع غروب شمس كل يوم. أما امرأة «ليلة العسل» فهي امرأة تزوجت حديثا بعد أن أقنعها أبوها بالزواج من سائق تاكسي، لا يملك شيئا، حتى التاكسي الذي يعمل عليه ليس ملكا له، بل هو مستأجر. يدور حوار قصير بين الأب والأم والبنت زوجة السائق، السائق منتظر أمام عتبة الباب يسمع الحوار كاملا وعيناه تغوصان بعمق في الأرض. الجميع قد مورس عليه القهر لسنوات. الأب يريد أن يزوّج ابنته مبكرا ويرفع العبء عن كاهله المثقل. والأم ترفض هذه الزيجة بسبب فقر الزوج وتحلم مع ابنتها بقفزة اجتماعية واعدة. والبنت ترى أنها الضحية الوحيدة في علاقة غير متكافئة، فضلا عن كونها تشعر بالخجل الشديد كلما رأتها واحدة من ربيعاتها وهي تستقل التاكسي الذي يعمل عليه زوجها الذي كان يقلّها معه أينما غدا أو راح في أيام الزواج الأولى، بينما هناك دائما من يركب في الخلف، وهم أناس، حسب وصف البنت، المرأة:
«عرقهم يفوح، ورايحتهم خايسة، وشي منهم سكران..» (ص 39-40).
3-4-5 «الآخر» مرآةً للذات:
المقصود، هنا، من كون الآخر مرآةً للذات هو نمط القصّ أو السرد الذي يستعين فيه الراوي بالتبئير الذاتي، بمصطلح جيرار جينيت، حيث العالم يتجلّى من خلال الأنا وحدها، ولا يمكن تمثيل الآخر دون تمثيل الأنا في المقام الأول. إن مثل هذه التقنية السردية نجدها حاضرةً في قصة «فستان» التي تدور أحداثها السردية حول فتاة مزهوة بجمالها الساحر؛ فتنتهز العطلات الأسبوعية لتتجوَّل في المجمّعات التجارية بحثا عن متعها الخاصة، بينما تدور الأحداث الأخرى كلها حول الفستان الذي ترتديه فيجمع أَلَقَها ويضيء للناظرين جمالها المستور خلفه:
«تبدو فاتنة، وهي تنساق مع طراوة الوقت، كل الأشياء من حولها تدوخ بالرقص والغناء، يعجبها أن تخرج في عطلة نهاية الأسبوع لتجوب المراكز التجارية وحدها، تجرّ خلفها رائحة البخور والعود اللذين أثقلا عباءتها الضيقة الآخذة في الانفراج بين الحين والآخر على الكثير من الفتنة» (34).
وتأثر القاص هنا ليس مقصورا على ذلك فقط، بل هو متزامن مع التأثر النفسي من خلال تخيله وجود الفتاة التي تتراءى له في المرايا التي تنتشر في أرجاء البيت، خصوصا تلك التي كانت تتراءى له في دورات المياه، وهي خيالات تشبه السراب الذي يحسبه الظمآن ماء؛ لينتهي بعد ذلك بنتيجة مفادها أنه يعيش في وهم من الخيال نسجته مخيلته التي تستلهم روافدها من آفاق الصحراء، لينهي قصته كما بدأها حين تعرّف على فتاة من خلال انعكاسها في صورة المرآة في أثناء غسله يديه من رائحة السمك. وهنا، يلمح القاص إلى أنه ليس الوحيد الذي يتعايش مع هذا الوهم بل هناك الكثيرون من أمثاله:
«بعد أن انتهيتَ من السمكة اتجهتَ لتغسل يديكَ من الدهون العالقة بهما، ورائحة السمك التي ستظل حتى الغد. كانت الحنفية تسكب الماء بغزارة، والصابون يهرب من الماء، وعندما نظرتَ في المرآة وجدت الفتاة ساهمة بداخلها (…) وعندما أدرتَ رأسك جانبا وجدت مئات من الجدران معلّق عليها مئات من المرايا ..
كل مرآة يقف أمامها رجل،
وكل مرآة بداخلها فتاة جميلة،
وبداخل كل فتاة قصة لا تنتهي»(35).
ينهي المنذري قصته بالطريقة ذاتها التي بدأها بها، حيث مثّل المكان في قصصه أهميةتجسّدت في اعتباره وعاء فكريا يلعب دورا فاعلا في تشكيل الذاكرة الجماعية للمنتمين إليه.
ينسج سليمان المعمري فضاءات مجموعته (الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة)(36) وسط غابة من الرموز والدوال التي تراهن على تحقيق مبدأ «اللذة» أو فتنة القراءة، مثل: المرآة، الحلم، النبوءة، الغرائبية، السيريالية، ..إلخ، وإن كان دالّ المرآة هو الدال المركزي في الكتاب(37). فمنذ القصة الأولى في هذا الكتاب، ندرك أن الدّال الأكبر في المجموعة هو «المرآة» أو «المرايا» التي ما كان ينبغي لها – كباقي المرايا – أن تحاكي الأشياء، كما هي في الواقع الفعلي، محاكاة تصويرية تقوم على التسجيل الدقيق؛ لأنها مرآة تنهض بوظائف أخرى.
تهيمن على قصص المعمري تقنية السرد بضمير المتكلم بحيث يتماهى الراوي مع المرويّ ويندمج القارئ مع المرويّ له، فيتعاطف مع كثير من الشخصيات المختلفة، يفرح لفرحها ويعاني لمعاناتها. لكنّ قصص المعمري، في هذه المجموعة، تستنفد إمكانات تقنية السرد بضمير المتكلم إلى أقصى حدّ، فيتخلّق «الغريب» و«العجيب» و«المفارق» إذا استدعينا مصطلحات تزفيتان تودوروف. فمنذ القصة الأولى «الحياة بدون عصافير»، نجد الغرائبية ماثلةً ممتزجةً بالحلم و«الميتامورفوسيس». فالراوي رجل يأتيه دومًا حلم المرأة التي فتنه جمالها، منذ أن التقى بها في القطار مصادفة في طريقه إلى عمله. وعندما رآها للمرة الأولى أحسّ أن ثمة عصافير تزقزق بداخله من فرط نشوته بها. كان الراوي متزوجا قبل أن تأتيه «عصافير»، وله طفلة تدعى «نور». ماتت زوجته في حادث سيارة «عادي جدا» على حد وصف الراوي له، وبعد وفاة ابنتهما «نور» بثلاثة أشهر، وفي أثناء احتضار زوجته تعترف له بأنها هي من دفعت الطفلة كي تسقط من شرفة الدور الرابع. غير أن السبب في كل ما يحدث للراوي من أشياء عجيبة هو لقاؤه بإحدى العرّافات التي ربطت بينه وبين المرأة «عصافير»؛ لأنه سخر من قدرتها على التنبّؤ ذات يوم. وبعد مرور سنتين من ممارسة العشق داخل قطار، يقرر الراوي أن يتتبع عصافير بعد أن تهبط من القطار رغم أنها حذّرته من أنه إذا ما حاول لقاءها في الخارج فسوف يفقدها إلى الأبد. وبالفعل، ينزل خلفها، حتى يقترب منها في إحدى الممرات وينادي عليها. وبمجرد أن تسمعه تدخل في الزحام وتضيع للأبد. ومن ساعتها وهو يحلم بها كل يوم، وكان يودّ تقديم وردة لها يوم عيد ميلادها الذي تصادف مع ثاني أيام اختفائها من حياته ومن الوجود كله:
«منذ ذلك اليوم يا دكتور، ذلك اليوم البعيد الذي مضى عليه سنوات وأنا أخرج من بيتي كل صباح حاملا في يدي وردة حمراء وأستقلّ القطار (حتى بعد أن استقلتُ من عملي) على أمل أن أرى عصافير، ولكنها لا تأتي.. أنا حزين يا دكتور ومتعب، وما عدتُ أقوى على مواصلة الثرثرة.. وإني لأعفيك من الاتفاق الذي بيننا..فهيا، اخرج من صمتك.. قل شيئا» (ص: 20).
يوجّه الراوي حديثه إلى طبيب نفسي غالبا لا يظهر إلا من خلال عبارة «يا دكتور» التي نستطيع أن نتوارى خلفها نحن القراء أيضا، بما أن هذا الدكتور لا وجود فيزيقيًا له داخل فضاء القصة، بل هو مجرد ضمير مخاطب. وفي فضاء حلم الراوي بعصافير تأتيه ابنته وهي تناديه ورقبته مقيّدة في الجبس ولا يستطيع الحركة، ثم يتحول صوتها إلى زئير لبؤة تتخلق معه صورة عصافير وهي تصوّب ناحيته مسدسا وتطلق الرصاص عليه.
يبدو فعل الكتابة عند سليمان المعمري مغامرةً تسعى إلى اكتشاف الذات والعالم. لكنه، من ناحية أخرى، يظل فعلا مشوبا بالمخاطر والمزالق. إنها لعنة الكتابة كما يصفها راوي قصة «لأنها لم ترَ الأرض.. فإنه لم يرَ السماء»، حين يقول في مفتتحها:
«ملعونة هذه الكتابة.. هذا المستحيل الذي نتكسّر على صخوره.. الدوار الذي يجعلنا ندور ولا يدور.. الزئبق الذي نقضي العمر في مطاردته، وحين نظن أننا أمسكنا به نكتشف أننا نمسك بالسراب» (ص 21).
من هنا، تبدو قصص المعمري وكأنها ترسم -أو: «تمثّل»- صورة الآخر بوصفها صورةً للذات، اعتمادا على تقنية المرآة، وما تستدعيه من دلالات الانعكاس، حيث تحيلنا المرآة دائما إلى مقارنة الأصل بالصورة، ومقابلة كل أنا بآخر(يها).
4- خاتمة ونتائج:
خرجت هذه الدراسة بعدد من النتائج النظرية والتطبيقية التي يمكن إجمالها فيما يأتي:
1- ضرورة التفرقة بين مصطلحي «التمثّل» و»التمثيل»، في ضوء النظر إلى تاريخ علاقة الأنا العربي بالآخر الغربي. فـ»تمثّل» Realization الأنا العربيّ للآخر الغربي هو محاولة فهمه وتحليل ملابسات الظرف الاجتماعي والثقافي والحضاري الذي كان الآخر الغربي يُنتِج فيه مقولاته وأدواته وتقنياته منذ القرن التاسع عشر. أما «تمثيلـ (ـه)» Representationسرديا وثقافيا، فهو انتقال من مرحلة الاحتكاك الحضاري بالآخر التي قامت على كتّاب النهضة العربية منذ القرن التاسع عشر إلى فضاء المشهد الثقافي الراهن الذي يمكن أن يرصد فيه الباحث أشكالا مختلفة من الوعي بالآخر ومحاولات عدّة تسعى إلى تمثيله ثقافيا وفنيا، بقدر غير قليل من الموضوعية، بعيدا عن تنميطه أو قولبته أو إلقاء التّهم والأوصاف والعبارات الجاهزة سلفا عليه.
2- حضور الآخر في القصة العمانية بأشكال وصور مختلفة؛ منها الآخر الآجتماعي والآخر اللغوي والآخر الثقافي أو الحضاري والآخر اللغوي والآخر الرمزي.
3- اتساع الرقعة النصّية التي قامت على تمثيل الآخر الرمزي، بحيث تمثّلت مغايرة الآخر الرمزي للأنا في قدرة الراوي على خلق موازيات أو معادلات موضوعية للآخر الاجتماعي أو الثقافي أو الديني، وإسقاط رغبات الأول ونزواته وحنقه على الثاني، كأننا بصدد راوٍ يلجأ إلى مبدأ التقيّة، فيلمّح ولا يصرّح، يُكني ولا يفصح. من هنا، لجأ كثير من رواة القصة العمانية المعاصرة إلى تقنيات أو استراتيجيات الحلم والذاكرة والمرآة لسرد ثيمات الفقر والقهر والموت الذي تعانيه الكثير من الشخصيات.
4- غياب الآخر الدينيأو المذهبي38والآخر الأيديولوجي (السياسي/ الفكري) بصورة لافتة،من دون أي إشارة عابرة إليه. وهو أمر لافت للنظر. ويمكن تتبّع ذلك في مدونة القصة الخليجية للتأكّد من مدى تشابه أو اختلاف بعض بلدان الخليج العربي عن البعض الآخر، فيما يتصل بهذه النتيجة.
هوامش وإحالات:
1 Bill Ashcroft, Gareth Griffiths and Hellen Tiffin; Key Concepts in Post-Colonial Studies, Routledge, 1998, p. 169
2 Bill Ashcroft, Gareth Griffiths and Hellen Tiffin; Key Concepts in Post-Colonial Studies, PP. 171-17
3 ماجدة حمود: إشكالية الأنا والآخر (نماذج روائية عربية)، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 398، مارس 2013م، ص 17.
4عصام عبد الله: الآخر، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2008، ص ص 10-11
5جابر عصفور، الرواية والاستنارة، كتاب دبي الثقافية، نوفمبر 2011م، ص ص 25، 26.
6جابر عصفور، الرواية والاستنارة، ص ص 63، 71.
7جابر عصفور، الرواية والاستنارة، ص 136.
8- خليفة العبري: فنجان عند سوق مطرح ، ص27.
9صوت الغنم عند صياحها.
10 سليمان المعمري : عبدالفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل ، ص25.
11»شرفات»، 3 سبتمبر، 2008م.
12»شرفات»، 3 سبتمبر، 2008م.
13 سالم آل تويه: حد الشوف، ص 74.
14المصدر نفسه، ص 74.
15»شرفات»، 24 سبتمبر، 2008م.
16الطيب صالح، ضو البيت، مريود، دومة ود حامد، سلسلة آفاق الكتابة، عدد 36، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2000، ص280.
17يونس الأخزمي: نقوش، ص 89،90.
18سمير العريمي: سفر هو حتى مطلع الشمس، ص 81.
19سالم آل تويه: حد الشوف، قصص، الانتشار العربي، ط1، 2000م، ص 74.
20الجملة تعني بالعربية كما ترجمها الكاتب: «أين تذهب؟ هذا أبوك».
21المصدر نفسه، ص 74.
22ليلى البلوشي: صمت كالعبث، ص 117.
23المصدر نفسه، ص 118.
24«شرفات»، 3 سبتمبر 2008م.
25 يحيى سلام المنذري: بيت وحيد في الصحراء، كتاب نزوى، مؤسسة عمان للصحافة والأنباء والنشر والإعلان، 2003م,
26«شرفات»، 12 نوفمبر، 2008م.
27«شرفات»، 5 نوفمبر 2008م.
28 محمود الرحبي: «أرجوحة فوق زمنين»، كتاب دبي الثقافية، 2009.
29مازن حبيب: الذاكرة ممتلئة تقريبا، مجموعة قصصية، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عمان، ط1، 2006، ص 31.
30عبدالله بني عرابة: قلق آخر، مجموعة قصصية، الانتشار العربي، ط، 2006م، ص122.
31راجع: «شرفات»، 4 مارس، 2009م.
32راجع «شرفات»، العدد، 18 مارس، 2009م.
33منتصر الحراصي: قمر لا يشبه امرأة ، ص 20.
34المصدر نفسه، ص 57.
35المصدر نفسه، ص 37.
36سليمان المعمري: الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة، دار الانتشار العربي، 2005م.
37 من أشهر الدراسات الغربية التي اشتغلت نقديا على مفهوم «المرآة» كتاب:
Abrams. M. H; The Mirror and The Lamp, Romantic Theory and Critical Tradition, Oxford University Press, New York, 1977.
– ومن أهم الدراسات العربية:
جابر عصفور: المرايا المتجاورة، دراسة في نقد طه حسين، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1998م.
38 رغم أنني لستُ ممن يعتقدون كثيرا في جدوى تفسير الظواهر الأدبية بمبررات أيديولوجية أو سوسيولوجية، فإنني لا أجد تفسيرا لهذه الظاهرةغير الاعتقاد المذهبي؛ فالإباضيّون بطبعهم متسامحون إلى حد بعيد، ومسالمون إلى حد أبعد، لكنهم يميلون كثيرا إلى المواربة وعدم الاصطدام، إمّا إيثارا للتقيّة أوالسرّية أوالخصوصية. والأمريحتاج إلى تفسير آخر مبنيّ على استقراء أشمل لعيّنة كبيرة من مدوّنة القصة العمانية، عبر هذا المنظور.