مارجريت أتوود*-كاتبة كندية
ترجمة عبد السلام إبراهيم-روائي ومترجم مصري
أشعرُ بتحسن. فجأة وعلى غير المتوقع يهبُّ نسيمٌ بارد، أسير خلال الفراغات والمناظر المتناسقة في المتنَّزه. تقف الأشجار فوق الأرض بثبات كما لو كانت تنتمي لذلك المكان، لا شيء يهتز. لديّ ثقة في الحشائش والمباني البعيدة، فيمكنها الاهتمام بنفسها، لا تحتاج لاهتمامي بها كي تبقى متجاورة، عيناي تربت عليها.
البخار غطَّى الأمهات والصرخات، والصغار، الذين يعانون من فرط نشاط بالدرقية والذين ذهبوا في رحلة إلى حديقة الحيوان بالأمس، بعيدون جدا. الآثار التي تركوها بداخلي بهتت كبقعٍ دهنية وخدوش أغصان شجر على ألواح النافذة الزجاجية. لقد كانت مخاطرة ما كان يجب أن آخذها، كان من الممكن أن أكون أكثر فطنة لو أنني انتظرت، لكنني تمكَّنت منها. حتى أنني جعلتها تدخل في خيمة يضيئها القمر وأنفاق معتمة تتعالى فيها الصرخات وقوارض مُحملقة وقرود لها رؤوس جنينية منكمشة يخدعها الضوء الرمادي بأنه يدخل حياتها، علنًا، خلف الألواح العازلة للصوت. أنا أتمتع بمعرفة أن بإمكاني القيام بذلك بدون مساعدة أي شخص.
أجتازُ الصوبة الزجاجية رقم 7-ب: تتوهج وتغري بالدخول. بداخلها توجد النباتات التي تشبه الأحجار، مقاس أوراقها ذات الفلقات الطازجة متوسط، مبرقشة لذا فهي تندمج تمامًا مع الحصى. في البداية كنت مغتبطة لاكتشافها. أظن، بقدر الرعب الذي استقر في وجداني عن الساعات التي أمضيتها أراقبها، أن جميعنا ما نزال نتمسك بالهدوء. لكن، اليوم، الصوبة الزجاجية ليس لها جاذبية: أنا أسير على قدمين وأرتدي ملابس.
أخرج للتسوق في الشارع الموجود خارج المحطة. كما لو أنهما شُفيتا تمامًا، تتموج ساقاي كما لو أنني نهضت لتوي من كرسي متحرك. أشتري طرودًا من الورق البُني الصغير وأضعها بداخل حقيبتي السوداء المتينة التي بها مقبض كحقيبة الطبيب. الخبز والزبدة والعنب والبرقوق الأخضر الذي من المحتمل أنه لم يتذوقه من قبل، لكن يجب أن نكتسب جميعًا خبرات مختلفة. قبل أن أغلق الحقيبة قمت بإعادة ترتيب الطرود لكي أحمي الوردة المغلَّفة في غطاء بلاستيكيّ ينبثق منها جذر ملفوف في ورق تواليت مبتّل. شيء فائض عن الحاجة. إنها هدية برغم أنني فخورة بنفسي لكوني بارعة، فنحن لا نقوم بذلك كثيرًا. أقطعها في الحديقة، تلك التي ليست ملكي. أنا أُعجب بالورود لكنني لم أكن أرغب في أن أكون وردة، ربما لهذا السبب لستُ منزعجة كثيرًا عما اذا كان الجذر يؤلم.
أي جزء من غصن الوردة يكون الجسد؟ الليلة الماضية حلمتُ بأنني أنجبت طفلًا بالحجم المناسب واللون المناسب. إنها بشارة خير، ككل النساء ربما أكون قادرة على الإنجاب بالرغم من كل شيء. حينما أحلم، عادة، بالأطفال يكونون هزيلين كالهريرات، شاحبين لدرجة الاخضرار وأذكياء جدا؛ يتحدثون بكلمات متقطعة وأكتشف أنهم ليسوا أبنائي لكنهم مخلوقات من كوكب آخر بُعثوا ليستولوا على الأرض وإلا ماتوا. أحيانا يغطيهم الفراء. لكن طفل الليلة الماضية كان لونه ورديًا وأميَّا على نحوٍ مؤكد؛ انتحب. كان يجب أن يعتبر ذلك مبشِّرًا، هو يتمنى أن ينجب أبناء. أنا فكرت في ذلك، حتى بلغ بي الأمر أن أقرأ كتابين عن التمرينات وما يطلقون عليه ولادة طبيعية، برغم أن امتلاك قرع عسلي أو طماطم سيكون بالتأكيد أكثر بهجة وأكثر نفعًا، تلك الأيام، من إنجاب طفل، فالعالم لم يعد محتاجًا لجيناتي. برغم أن هذا يُعتبر عذرًا.
أضع الحقيبة على ركبتيّ وأظل ممسكة بالمقبض. إنه منزل اللهو، كلانا يعلم أنني لا أستطيع أن أطهو له شيئًا حتى يقوم بإصلاح الموقد، ذلك الأمر الذي قام بتأجيله إلى حد ما: ما يزال الشيء المنزلي الأول الذي قمت به من أجله. كان عليه أن يبرهن، هو مُرغم بتقديم البرهان، سوف يرى أن الأمور تتحسن. أشعر بأنني بأفضل حالًا لدرجة أنني أنظر الى بقية الركاب في القطار، إلى وجوههم وملابسهم، ألحظهم، ينتابني الفضول بشأن حياتهم. أنظر كم أنا عطوفة، يا له من رمز للنماء.
تفوحُ من السلم الإسمنتي النازل حتى بابه رائحة بول ومُعقِّم؛ أكتم أنفاسي كالمعتاد. أنظر من خلال غطاء الخطابات المرتد: إنه غير موجود، بإمكاني الدخول بمفتاحي. شقته التي تتكون من غرفتين غير مرتبتين أكثر من المرة الأخيرة لكنها كانت أسوأ. اليوم لا يقربني التراب والاتساخ. أضع حقيبتي السوداء على المنضدة ثم أدخل غرفة النوم.
فوق الفراش مستلقٍ، نائمٌ تحت مجموعة من البطانيات المتشابكة، على ظهره رافعًا ركبتيه. أخشى دائما من أن أوقظه: أتذكر القصص التي تتناول رجالًا يرتكبون جرائم قتل في نومهم وأعينهم مفتوحة، معتقدين أن المرأة لصٌ أو جندي من جنود الأعداء. لا يمكن أن يقنعك أحد بذلك. ألمسه في ركبته وأنتحى جانبًا، مستعدٌة للركض، لكنه يستيقظ في الحال ويلف رأسه نحوي.
يقول: «أهلا، أنا منزعج»
من الوقاحة منه أن ينزعج حينما أقطع كل تلك المسافة لرؤيته. «أحضرت لك وردة» أقول وأنا عازمة على أن أكون هادئة وترتسم على وجهي البهجة.
أخرج متجهة صوب الغرفة الأخرى وأقوم بفض الوردة من ورق الحمام الملفوفة فيه، باحثة عن شيء أضعها فيه. توجد كومة من الأطباق التي لم يسبق استخدامها في خزانته، وبقية المساحة موضوع فيها كتب وأوراق. أعثر على كأس ثم أقوم بملئه بالماء حتى آخره. شوكات وسكاكين، لم تُستخدم أيضا، تتآكل بالصدأ في المصفاة. أقوم بعمل قائمة بالأشياء التي يحتاجها لنفسي: زهرية، المزيد من الكؤوس وفوطة أطباق.
أحمل الوردة إليه ثم يقوم بشمها بشكل مطيع، ثم أقوم بوضع الكأس بجوار المنبة الموجود فوق المنضدة المتنقلة، وبجوارها كرسيان ولوح خشبي. ربما يود حقيقة لو يعود للنوم، لكنه يتوصل إلى تسوية بأن يجذبني للأسفل بجواره ويشركني معه في الغطاء بالبطانيات. رأسه يبحث عن التجويف الموجود بين كتفي والترقوة ثم يغمض عينيه.
«لقد افتقدتك» يقول. لماذا يتحتم عليه أن يفتقدني، لقد غِبتُ خمسة أيام فقط. المرة الأخيرة لم تكن موفقة، فقد كنتُ عصبية، كان ورق الجدران يُزعجني وكذلك الضوء اللامع المُنعكِس من فوق الفراشات التي تُزِّين الدولاب، ليس دولابه بل قبله. يُقبِّلني: ما يزال يعاني من صداع إثر إسرافه في احتساء الكحول، تفوحُ من فمه رائحة نبيذ ومادة التبغ الصمغيِّة ونتانة في الأسنان. لا يبغي أن يُقيم معي علاقة حميمية، استنتجتُ ذلك، مررتُ بيدي على رأسه أُلاطفه فاستكان. أتخيّل مجددًا الخيمة المُقامة تحت ضوء القمر، يزحف فيها حيوان اللوريس البطيء بحذر خلال عالمه الزائف، الأطباق المائية، والفروع المخيفة، تتسع عيناه خشية شرٍ مُرتقب، مولوده الصغير يتشبثٌ بفرائه.
يقول: «هل تريدين تناول الغذاء؟» تلك هي طريقته لإخباري بأنه عديم الشكل.
«أحضرته. أو بأي حال معظم مكوناته. سوف أذهب نحو الزاوية وأُحضر البقية. إنه صحيّ أكثر من الهامبورجر الدسم ورقائق البطاطس المقلية.»
«عظيم» يقول، لكنه لم يقم بأي حركة لكي ينهض.
«هل كنت تأخذ أقراص الفيتامين؟» الفيتامينات كانت فكرتي، كنت أخشى أن يُصاب بداء الإسقربوط، بسبب طريقته في تناول الطعام. أنا دائما آخذها لنفسي. أشعر بأنه يهز رأسه كأنه يؤدي طقوسًا.
لا أستطيع أن أستوعب إذا ما كان يقول الحقيقة. تقلبتُ على الفراش حتى صرت أنظر اليه من علٍ. «مع من كنت تحتسي الشراب؟ هل خرجت بعد أن حرَّكت الأثاث؟»
«الأثاث كان قد تم تحريكه حينما وصلت إلى هناك. لم تستطع الاتصال كي تخبرني.» هذا حقيقي، فليس لديه هاتف؛ فأحاديثنا تتم عن طريق كبائن الهواتف. «بدلًا من ذلك هي رَغبتْ أن تخرج وتحتسي الشراب.سكبتُ طبق طعام صيني على نفسي.» يقول وهو يشعر بالأسى على نفسه.
أنا التي يُفترض أن تشعر بالتعاطف معه. «هل تم هضمها أم لم تُهضم؟» أوجِّه سؤالًا.
«لم أذق قضمة صغيرة منه.»
أنا مندهشة منها بسبب وضوحها الشديد، لكن يبدو أنها، وقتئذ، كانت دائما واضحة، منعدمة الإحساس، صادقة، قائدة فريق السلة للسيدات، لا، بل مدرسة الجمنازيوم في مدرسة ثانوية تضع في فمها صفِّارة. صديقة قديمة. ليس هراء. كنتُ أرتدي البنطلونات ولدي ساقان نحيلتان وأُطلق النكات عن ما أطلقت هي عليه تشنج العضلات بطريقة توحي بأنه ما كان يُفترض أن يكون لدينا تلك السيقان. الترامبولين، إعوجاج الجسد، هُيِّئ للأداء، العقل يقشر التعليمات.
«كانت تحاول إغواءك منذ شهور»، أقول وأنا مبتسمة، الفِكر يسليني، هي تشبه حيوان المرموط1، عندئذ يحاول أن يهز كتفيه، لكنني جعلته يتسمر في مكانه، أضع ذراعًا واحدًا حول الرقبة. «هل نَجَحتْ؟»
«في الوقت الذي خرجنا فيه من الحانة كان مترو الأنفاق قد توقف.»
لم أكن جادة، لكن هذا اعتراف مفاجئ يصدر عنه. أريد أن أتجاهل ذلك، لكنني استطردتُ. «تقصد أنها أمضت الليلة هنا؟»
«على العكس وهي تحاول أن تعود إلى سكنها» يقول، ثم يضيف «نعم» ربما يكون سببًا شبيها بذلك.
منطقيٌّ كما يقول الكتاب.
ماذا تظن نفسك؟ جمعية الفتيات المسيحيات، أريد أن أقول، لكنني بدلًا من ذلك أضع الفرضية الأكثر وضوحًا. «أفترض أنك أقمت معها علاقة.» صوتي مستكين، وأنا مستكينة أيضًا، لن أدع ذلك يسكتني.
«لقد كانت فكرتها، كنتُ ثملًا.» يظن أن كلا السببين عذران وجيهان.
«لماذا أخبرتني؟» لو أنه لم يخبرني واكتشفت الأمر لسألت، لماذا لم تخبرني؛ أعرف هذا أثناء توجيهي للسؤال.
«لكنت اكتشفت الأمر بنفسك، فالمنبه كان مضبوطًا على الساعة الثامنة.»
«ماذا يعني ذلك؟» أقول؛ لا أستطيع التواصل. أشعر بالبرد، أنهض من الفراش وأبدأ في الذهاب والمجيء نحو المدخل.
أنا جالسة في صرحٍ جديدٍ للهامبورجر ذي العلامة التجارية؛ على المنضدة التي تجاورني يتناول رجلٌ هامبورجر بالجبن. المطاعم هي الأماكن الوحيدة التي يجب أن أراقبه فيها: ما تبقى من وقتٍ أنظر عبر الضباب إلى نوافذ سيارات الأجرة أو أتعقب تصميمات ورق الجدران غير المألوف. لون وجهه يشبه أسطح المناضد الفورمايكا: بمعنى أبيض يميل قليلًا الى الأصفر أو الرمادي. على المناضد الأخرى يجلس رجال آخرون، يتناولون أيضا هامبورجر بالجبن وتراقبهن نساء أخريات. كلنا نرتدي معاطفنا. يومض الهواء مع دوي الموسيقى ورائحة رقائق البطاطس المحمَّرة. برغم أنه فصل الشتاء إلا أن الغرفة تذكِّرني بشاطئ ما، حتى بالنسبة للمنسحق. مناديل ورقية وزجاجات المياه الغازية مُلقاة هنا وهناك وشرائح الهامبورجر بالجبن الرقيقة ذات الملمس الخشن.
يزيح طبق سلطة الكرنب الخاص به.
«لابد أن تتناوله.»
«لا لا؛ لا أستطيع تناول الخضراوات» يقول. خبير التغذية المكبوت بداخلي يلاحظ أنه ربما يعاني من نقصٍ حادٍ في الفيتامينات. كان يجب أن أكون مفتشًا للصحة، أو ربما فلاحًا عضويًا.
«سوف أقايضك» أقول. «سوف أتناول طبق سلطة الكرنب الخاص بك لو تستطيع تناول طبق الهامبورجر بالجبن الخاص بي.»
هو يظن أن هناك شَرَك في مكان ما لكنه يقرر بأن يخوض المخاطرة.
تم التبديل ويختبر كلانا نصفي الصفقة. خلف بللور مرايا النافذة الكبيرة تندفع الثلوج الذائبة من السماء بالليل، برغم أننا كنا بالداخل ننعم بالضوء والأمان والدفء، نُنقِّي الموسيقى خلال خياشيمنا كما لو كانت أكسجين.
ينتهى من تناول ما تبقَّى من الهامبورجر بالجبن الخاص بي ثم يشعل سيجارة. أنا متضايقة منه لسببٍ ما، برغم أنني لا أستطيع تذكر أي سبب. أقلَّب ملف البيانات الخاص بالملحوظات المُقرفة، اختر واحدة : أن تُمارس العلاقة الحميمية كراعِي بقر يغتصب نعجة. كنتُ أنتظر الوقت المناسب كي أقول ذلك، لكن ربما يكون السلام أكثر أهمية..
ليس من أجله؛ الجوع تم إشباعه، يعود الى نقاشٍ سابق. «أنتِ تحاولين أن تفهمي كم من هراءٍ سآخذ، صحيح؟» يقول ثم يستطرد «كُفِّي عن معاملتي كأنني في التاسعة من عمري.»
«هناك سبيلٌ واحد يمنعني من معاملتك كواحدٍ.» أقول. ما أعنيه هو أنه يجب أن يكّف عن التصرف كواحدٍ، لكنه لا يعض. في الواقع ربما لا يكون قد سَمِع : صوت الموسيقى يعلو.
«لنفترق.» يقول، ومن ثم ننهض. أدفع الحساب لموظفة الخزينة ونحن خارجان: موظفو الخزينة يصيبونني بالرعب، أتمنى لهم السعادة لكنها لا تتحقق لهم أبدا. هذه الموظفة مشبَّعة بالمياه، منتفخة، مُتخمة بأحبالٍ صوتية قوية ورقائق البطاطس المحمرة. لديها لا مبالاة أكثر من كونها عابسة الوجه. أوقِفي الهجوم، أقول لها في صمت.
نمزَّق الهواء ونحن خارجان، غير متلامسين. لا أستطيع تذكّر ما فعل لكنه لن يفلت بها. يرتدي معطف كاكي طويل من بقايا الجيش بأزرار نحاسية؛ إنه جميل، لكنه يُذكِّرني الآن فقط بخوفي من البوابين وسائقي الأوتوبيس وموظفي البريد، أولئك الذين يستخدمون زيّهم كأعذار. وأنا أشق طريقي سيكون عليه أن يخوض في كل تلك البرِك. اذا لم يحالفني الفوز، حينئذ أقول له، لن يحالفك الفوز أنت أيضا. حينئذٍ كنتُ أكثر تعقلًا، كانت لديّ دفاعات.
«أنا لا أستيقظ في الثامنة أبدا. كانت مضطرة أن تذهب الى العمل.» الآن هو يُضمر في ذاته أنني لن أضحك معه على هذا الموقف كما ضحِكت على بقية المواقف. «لو كنتِ موجودة هنا فما كان ذلك قد حدث.» يقول، محاولًا أن يُلقي عليّ اللَّوم.
أرى ذلك بوضوحٍ شديدٍ، في هَدْي ضوءٍ عادي، أعرف ما اقترفه، كيف تحرَّك، حتى ما قاله، جسدٌ دافئ يغوي جسدًا آخر، إنها الطريقة التي يتصرف بها البشر وأريد أن أخرّ صريعة المرض. علاوة على ذلك، أريد أن آخذ رزم الورق البنيّ الخاصة بي المُختارة بعناية وأزجّ بها في مِرحاضه الذي لم ينظفه أحد أبدا، حتى أنا، التي أتربع على عرش الحماقة، قد فكّرت في تنظيفه له، أمرٌ مؤسف، لم يُعلِّمه أحدٌ من قبل كيف ينظفه. حيثما ينتميان. لذا هذا ما يُمكن أن يكون عليه الأمر، أن أجمع جواربه القذرة وأعقاب سجائرة بطريقتي المتمرِّسة، فرحة المرأة العُظمى، ثمانية شهور حمل مرَّت بأمان وبالتالي لا يمكن أن تتبرأ منها الآن، يعبث عند تمرينات المخاض الطبيعي بينما كان هو بعيدًا يتلوّى مهما تلقّى من دعمٍ حينما يُصيب العدد الغامض لمرات الشراب. علاقة روحية معكِ، قال، ومجرد علاقات جسدية مع الأخريات. ادفع ذلك. ماذا يظن أنني رأيت فيه في المقام الأول، روحه الرائعة؟
«سوف أخرج للتسوق.» أقول. أنا ظاهرة للعيان هنا، فئران صحراوية تركض من جحورها مُنهكة القوى صوب الجانب الزجاجي، أي تدخُّل فكرت فيه في ذلك الوقت. «هل تريدني أن أعود؟»
هذا نداء من أجل التوبة، يومئ برأسه دون أن ينطق بكلمة، هو، حقيقة، غير سعيد، لكن ليس لديّ وقتٌ للتفكير في ذلك، لابد أن أخرج حيث يلتفّ حولي الكثيرون، خِداع. أحرصُ ألا أغلق الباب بعنف، أترجل إلى شارع السوق وأشق طريقي بين جموع المُتسوقين.
إنها غرفة، بها سرير، تسريحة تعلوها مرآة، منضدة السهرة فوقها مصباح إضافي وهاتف، ستائر على نمط مشمع الأرضية تُسدل على النوافذ والتي، بدورها، تحجب عتمة الليل ومسقط من عشر درجات لتقليل إضاءة المصابيح ولإخفاء الأجزاء المعدنية، ردهة ملحق بها حمام يحتوي على مغطس، مخصص له صنبوران، للماء الساخن وللماء البارد، وباب يُوصد. خارج الباب توجد ردهة أخرى وصفّ من أبواب مغلقة مشابهة. كل شيء مستقيم، كل شيء في المكان، برغم أن به اعوجاج طفيف عند الحوّاف. كنتُ أحاول النوم على السرير، لكن دون جدوى. أذرع الغرفة جيئة وذهابا، تتصاعد من السجادة رائحة مُنظِّف تنجيد موجودة في مطار. في وقتٍ سابق كانت هناك صينية موضوع فوقها قشور شرائح لحم وشذرات من سلطة قديمة، لكنني وضعتهم في الردهة منذ وقتٍ طويل.
من وقتٍ لآخر أقوم بفتح النوافذ فتغمر الغرفة ضوضاء المرور كما لو كانت جزءًا من مُحرِّك بحجم المدينة، ثم أوصد النوافذ فتسخن الغرفة مرة ثانية كما لو كان فيها مُحرِّك اشتعال داخلي.
في بعض الأحيان أدخل الحمام وأفتح الحنفيات وأغلقها، أشرب منها رشفات وكذلك أقراص النوم، يمنحني الإيهام بالحركة. أيضا أنظر الى ساعتي. يحل الربيع مبكرًا، فلا توجد أوراق شجر أو ثلوج؛ تسطع الشمس بقوة في النهارات، فتُظهِر التراب على كل شيء، وتؤلم عينيك. منذ ثلاث ساعات قام بالاتصال هاتفيًا لكي يقول إنه من المحتمل أن يعود إلى المنزل خلال نصف ساعة. يتحدث عن هذه الغرفة كما لو لم نعش فيها من قبل ولن نعيش فيها مجددا كونها منزلًا، أعتقد لأنني أعيش فيها. أعيش فيها ولا أستطيع الخروج منها، معه المفتاح، أينما أولي وجهي، إنها مدينة أجنبية. أقوم بوضع الخِطط: سوف أحزم حقائبي الآن، وأرحل، سوف يعود بعد أن… أين يكون؟ ربما تعرَّض لحادث، وهو راقد الآن في المستشفى، يحتضر، لا، لن يقوم بهذا حرفيًا. ستكون الغرفة خالية. الغرفة خالية الآن، فأنا مكان ولستُ إنسانًا. سوف أدخل الحمام، وأوصد بابه، أتمدد في البانيو وذراعاي متقاطعين في وضع زهرة الزنبق، وذهني مُثقلٌ ببنسات غير مرئية. سوف أتجرع بقية الحبوب المنومة ويُعثر عليّ مُلقاة فوق شيء، مثل المكتب أو الهاتف، في غيبوبة. تُوصف أنفاسهم دائمًا في ألغاز جرائم القتل بأنها غطيط، لم أعرف مطلقًا ماذا كان ذلك يعني. سوف يدخل في الوقت الذي أكون فيه على وشك الطيران، أطل من خلال النافذة على العاصفة القوية الموجودة تحتي، وردائي ينبسط حولي كأنه طائرة ورقية ضخمة مصنوعة من النايلون. أتشبثُ بالخيط، فهو مربوط في رأسي.
تستمر آليات الغرفة في النقر والبقبقة، بشكل مختلف. قمت بفتح كل مفاتيح تشغيل وحدة التدفئة لكن لم يحدث شيء، ربما لستُ موجودة بشكل حقيقي هنا. كان يجب أن يكون هنا، ليس لديه الحق في ألا يكون هنا، فتلك الآلة من خَلْقِه. أعود إلى الفراش لخامس أو سادس مرة وأحاول أن أركِّز في الأشكال التي تتحرك فوق جفنيّ المغمضين. الشمس، التراب، الألوان اللامعة، الأضواء الأمامية، سجادة عجمية. توجد صور الآن، بطٌ كافٍ موجود بشكل غريب، امرأة جالسة على كرسي، بستان يتخلله منزل ريفي، رواق إغريقي وكل الساعات مصنوعة من الزهور، وصف من فئران الكرتون الراقصة، من وضعها هنا؟ مهما كنت، فأخرجني وأقطع على نفسي وعدًا بأنني لن ولن أعود مطلقًا. في المرة القادمة ستبدأ من الرقبة للأسفل، سوف أترك دوافعه وشأنها.
كان الأمر بسيطًا جدا في البداية، كان يجب أن تحتفظي به بتلك الطريقة، إنه الشيء الوحيد الذي يمكنك التعامل معه. اهدئي، قال الطبيب، محاولًا أن يتواصل لكنه يقتحم مثل فريد مكموراي2 في فيلم سينمائي اجتماعي من إنتاج والت ديزني، وخذي أقراصًا. ربما يؤكِّد على حريته الآن، أنتِ لديك رغبة شديدة في التملك. إنه يهرب، لقد قمتِ بدفعه لفعل ذلك، إلى كشك الهاتف، فخرج منه رجلٌ وسيمٌ جدا. عضو ذكري يتحرك تلقائيًا ملتصق به عقل صغير كعقل النملة، كأسان من الخمر ويلتصق بأي شيء. كالثعابين التي تصيد فرائسها ليلًا لديها جهاز استشعار به أشعة تحت الحمراء في الطرف الأمامي، في العتمة يصطدم بأي شيء دافئ. حينما أُضيئت الأنوار كان يضاجع موجِّه الهواء الشبكيّ الذي يصدر منه هواء ساخن.
هذا غير عادل. ما يُضايقكِ حقًا هو أنها حصلت عليه البارحة ولم يتبقّ لكِ شيء. لماذا لم يستطع اختيار وقت آخر؟ كان يعرف أنني سأكون هنا هذا الصباح. لم يختر الوقت، لقد حدث وحسب. لماذا لا تنظرين إليه ككائن بشري حائر يعاني من مشكلات؟ هل بإمكاني فعل شيء آخر؟ لا يمكن أن أخبرك إذا ما كان هو عشيقي أم مريضًا في عيادة خارجية. تظنين نفسك ساحرة، فيمكنك علاج أي شيء. ألا تعترفين بأنك فشلتِ؟
ربما لستُ كائنًا بشريًا مثقلًا بالمشكلات، ربما أكون شيئًا مختلفًا كليَّة، خرشوف… لا شيء من ذلك.
حقيقة هي من صنفه، من المؤكد أنهما استمتعا بوقتهما معا، كلاهما يتمتع بجسدٍ رياضيّ، ربما هي تحافظ على الوقت في وجود الصفير، بيب! إنهما خارج…
بطريقة ما أنا معجبة بها، هي تصل الى ما ترنو إليه بمرور الأيام.
حينما عدتُ كان قد ارتدى ملابسه وصار بائسًا. تحركتُ في الغرفة في محاكاة للحياة العائلية، أُحوِّل الخبز إلى ساندوتشات بقسوة بسكينه الرديء، أخضخض الماء فوق الفاكهة. افتح زجاجة البيبسي التي أحضرتها له.
«هل لديكَ أكثر من كأس؟»
يهز رأسه. «يوجد كأسٌ واحد فقط.»
أُخرِج الوردة الذابلة، وأُلقيها في سلة الملابس التي يستخدمها للقمامة، أقوم بغسل الكأس وأصّبُ نصف البيبسي الدافئ لنفسي. هذا هو أقرب ما يمكن أن أجلبه لنفسي من هياجٍ جسدي. يبدأ هو في تناول الطعام، أنا لا أستطيع. أنا أرتجف؛ أُنزل مِعطفه من الشماعة وألُفُّ نفسي فيه.
«لا تنظري إليّ هكذا.» يقول.
«مثل ماذا؟» أقول.
غير مسموح لي بأن أغضب، هو يظن بأنه ليس عدلًا. في الواقع أنا لستُ غاضبة، أقلِّبُ في صوري محاولة أن أجد صورة تنقذني من الكلام الذي لا يغتفر، الكلمات التي لا يمكن تذكرها.
السلاحف في مقصورات إسمنتية، وكلاب الماء في حمام سباحة ذي رغاوٍ خضراء، كانت تأكل، عظامًا ورأس شيء ما، لا، وماذا عن الثعالب؛ كانت تنبح، لا يمكنك سماعها لكن يمكنك رؤية ما بداخل أفواهها. القنافذ تتهادى خلال نشارة الخشب كامرأة مجنونة ترتدي معطفًا ذا فرو، هذا غير مريح. عودة إلى النباتات، منزل الزنبق المائي، وفي الصوبة الزجاجية الخضراء رقم 12، فيكتوريا أمازونيكا، بأوراقها الضخمة التي تشبه الطبق وعرضها ستة أقدام، وزهرتها الشوكية، تطفو في بركتها، مينائها، لا تفعل شيئًا مطلقًا.
«انظري، لا أحتمل فترات الصمت تلك.» يقول.
“اذن، قُلْ شيئًا.»
«مهما قلت فسوف تظنين أنني منحوس.»
«لا أظن أنك منحوس.» أقول. «يخطر لي للتو أنك عديم الفِكر وغبي. أي شخص عاقل يمكنه الانتظار حتى بعد انتقال المرأة لتعيش معه قبل أن يبدأ ذلك.» بداخله، أعرف، لا يريدني أن أنتقل لأعيش معه مطلقًا، الموقد يظل مُعطّلًا، أن تلجئي لدفاعاتك، أظن؛ بدونها سوف تغرقين.
«ظننتُ أنه كان من الأفضل قول الحقيقة دون مواربة.»
أنظر إليه؛ إنه يتألم فعلًا، لكنني أريد استعادة لحمي، احتاج لاستعادة دمي المهدر. برغم أنه تعيس جدًا وليس ذلك خطأه، إنها الطريقة التي يحيا بها، اقبليني، اقبلي تشنجاتي العصبية، هو يظن أن هذا هو كل الأمر، نوع من التشنج العضلي اللاإرادي.
أريد أن أخبره الآن ما لم يعلِّمه أحدٌ من قبل، كيف يتصرَّف زوجان يحب كل منهما الآخر، كيف يتجنبان تدمير بعضهما بعضا، لكنني غير متأكدة. عشق امرأة مخلصة. لكنني لا أشعر بأنني امرأة مخلصة الآن. جلدي فقد الحِسْ، لا تسري فيه الدماء كعيش الغراب. كان خطئي أن أظن أن بإمكاني التكيف؛ إنه يفوق قدرة البشر. «سأسير معك حتى المترو.» لا يمكنه التعامل مع الأمر، هو لا يؤمن بأن يشرح ما حدث بالتفاصيل، هو يريد أن يزيحني عن الطريق. لن يقترب مني، أو يلمسني، ألا يعرف أن هذا هو كل ما يحتاج أن يفعله؟ سوف ينتظرني حتى أهدأ، كما يقول بالضبط. لكن لو أنني رحلت بتلك الطريقة فلن أعود.
في الخارج أضع نظارتي برغم أن الشمس قد غابت. أسير بتثاقل، دون أن أنظر إليه، لا أطيق ذلك. المعالم تنهار ثانية، إنه لمُجهِد أن تضغط على الرصيف، يتموج تحت قدميّ كأنه مرتبة. هو حقيقة سيأخذني إلى المترو وسيجعلني أختفي بدون أن يبذل جهدًا ليمنعني. أضع يدي على ذراعه.
«هل تريد أن تتكلم عن الأمر؟»
«أنتِ رغبتِ توًا الخروج من الموضوع.» يقول. «وتستخدمين هذا كعذر.»
«هذا غير صحيح.» أقول. «لو أنني أردتُ هذا العذر لكنت استخدمته من قبل هذا.» ننعطف صوب المتنزه الصغير حيث يوجد تمثال فوق صهوة جواد يعتليه بعض الحمام.
«أنتِ تعطين الأمر أهمية كبيرة.» يقول. «أنتِ دائمًا تبالغين.»
«آه، أزعم أنني أعرف ما حدث سواء زاد أو قلّ. أنت احتسيت القليل من كؤوس الثمالة وشعرت بالهياج، تلك هي الخلاصة.»
«هذا منظورٌ خاص جدا بك.» يقول. هو لا يسخر، هو يظن أنني أتحلّى بالرأي الصادق من خلال بصيرة نادرة.
يميل للأمام ويخلع نظارتي حتى يستطيع رؤيتي.
«لا يمكنك الاختباء وراء تلك النظارة.» يقول.
الشمس تباغتني وأنا أغمض عينيّ؛ وجهه ينتفخ، يعبس، ورقة وردة سقطت في الماء. ينشر فروعه اللولبية المتعرشة؛ أرقبها وهي تزحف فوق كتفي.
«ليتني لم أقع في غرامك.» أقول.
يبتسم، شعره يومض تحت ضوء المتنزه. ربطة عنقه تزدهر وتتضاءل، وجهه شرقيّ الملامح، غامض كالباذنجان. أتشبث بمقبضَي حقيبتي السوداء، أجبره على التراجع ليصوِّر الأبعاد.
يقبل أصابعي؛ هو يحسب أننا تماثلنا للشفاء جميعًا. هو يؤمن بفقدان الذاكرة، هو لن يذكرها مرة أخرى أبدًا. لابد أنها ستوجع بشكل أقل في كل مرة.
أشعر بأنني أسعد حالًا برغم أنني أهبط السلالم متجهة صوب شباك التذاكر. وظيفة يديّ، تتبدَّل حول المنصّات الفضّية طلبًا للتذكرة المستطيلة. إن هذا يمكن أن يتم، إن كل واحد يعرف ماذا يعني، ربما تكون هناك فرصة. لو أننا نتمكن من القيام بذلك : يمكن أن أعطيه حصاة، وردة، ربما يفهم، ربما يترجم بالضبط. ربما يرد، ربما يعطيني…
أفكر مليّا، مرة أخرى، في رغبته من أجل المزيد من النظارات، وأضع في حسباني أن أشتري له فوطة حمام كبيرة. برغم أنني ذات مرة في القطار، وجدت نفسي أتحرك تلقائيًا بشكل تدريجي، من محطة إلى أخرى، للوراء صوب 7-ب الصوبة الزجاجية الخضراء. بعد وقت قليل سوف أكون هناك؛ بداخلها توجد النباتات التي علَّمت نفسها أن تبدو كالأحجار. أفكر فيها؛ إنها تنمو في صمت، مختبئة في تربة جافة، أحداث ثانوية، أصفار صغيرة، لا تستوعب أي شيء إلا نفسها؛ ليس بها قيمة غذائية، تبدو للعين مستكينة ومستديرة، ثم فجأة يسود العدم. تُرى كم من الوقت ستستغرق، وكيف يفعلونها.
الهوامش
* مارجريت إلينور أتوود (1939-) كاتبة وشاعرة وناقدة كندية معاصرة كما أنها ناشطة في المجال البيئي. حصلت على العديد من الجوائز أهمها جائزة البوكر مرتين؛ الأولي عام 2000، وعام 2019 عن رواية «الوصايا» التي جاءت متمِّمة لروايتها «قصة الخادمة» التي تحوَّلت لمسلسل شهير، مناصفة مع البريطانية برناردين إيفاريستو التي فازت عن رواية «فتاة، امرأة، وآخرون». كما حصلت أتوود على جائزة مجلة «لوس أنجلوس تايمز». تعتبر مارجريت أتوود من أهم كتَّاب الرواية والقصة القصيرة في العصر الحديث. حصلت على جائزة آرثر سي كلارك في الأدب في كندا. وكما كانت روائية معروفة، كانت شاعرة متميزة، فقد كتبت أكثر من خمس عشرة مجموعة شعرية.
وصفتها صحيفة الإيكونومست بأنها كاتبة ومبدعة وخبيرة في النقد الأدبي. ساهمت أتوود في التأصيل النظري لقضية الهوية أو الشخصية الكندية. لأتوود كتاب بعنوان «مفاوضات مع الموتى» تأملات كاتب حول الكتابة.
من أهم رواياتها «امرأة صالحة» 1969، «يطفو فوق السطح»، «امرأة حكيمة» 1976، «الحياة قبل ظهور الإنسان» 1979، «أذى جسديّ» 1981، «عين القطة» 1988، «عام الفيضان» 2009، «الوصايا» 2019.
أما المجموعات القصصية فمنها «فتيات راقصات» 1977، «جريمة قتل في الظلام» 1982، «عظام جيدة» 1992، «الخيمة» 2006، «فوضى أخلاقية» 2006، «وسادة حجرية» 2014. ومن مجموعاتها الشعرية «الحيوانات في هذا البلد» 1968، «صحف سوزانا مودي» 1970، «سياسة القوى» 1971، «قصص حقيقية» 1981، «قصائد الثعبان» 1983.
– حيوان المرموط : هو حيوان صغير جسده مغطى بالفراء وله ذيل طويل، يتسلق الأشجار. (المترجم)
– فريد مكموراي هو ممثل أمريكي ولد في 30 أغسطس 1908 وتوفي في 5 نوفمبر 1991، حصل على جائزة ديزني ليجندز 1987. (المترجم)