مصطفى محمد الصاوي
باحث سوداني
تسعى هذه الدراسة إلى بحث تجليات الرق في بعض النصوص الروائية السودانية، وتبيان تمظهراته عبر أشكاله الفنية، والحق أن الرواية السودانية استطاعت إبراز المسكوت عنه في المجتمع وغطت فجوات سكت التاريخ عنها أو أبرزها سطحيًا دون النفاذ للوقائع والتفاصيل ولكن الرواية استطاعت تسريد التعدد العرقي، والثقافي وتداعياته في متخيلها وفي ذلك الصدد أشار هاشم ميرغني إلى هذه الأمر الذي: ((يتلبس بالهوية، والأيديولوجيا، والعرق والدين والتاريخ))(1).
((عُرف نظام العبودية والرق في العالم وفي تاريخ البشرية حيث كانت فيها طبقات متناحرة وفي هذه المرحلة كان استغلال الإنسان للإنسان يتم في صورة سافرة وكان مُلاك العبيد يحتكرون وسائل الإنتاج، وأدوات العمل ويملكون مُنتجي الخيرات أنفسهم(2). وتدثر هذا البعد الاقتصادي للعبودية والرق بالقهر، والعسف و(التعدي على إنسانية المُسترقين بحرمانهم من كافة حقوقهم ووصلت حد امتلاك أجسادهم)(3). (ولقد شهد السودان حقبًا متعددة من تجارة الرق وكان رأس الرمح فيها توسيع الإمبراطورية المصرية في أفريقيا الاستوائية، وكانت تلك التجارة محور النشاط الاقتصادي بالنسبة للتجار الأوروبيين والمصريين، والشاميين وبعض الجلابة السودانيين)(4).
إلاَّ أن هذه الظاهرة –تجارة الرقيق- انحصرت في العناصر الزنجية.. واشتملت معاهدة البقط التي أبرمت بين المسلمين والنوبة عام 651م على إرسال رقيق لمصر(5)، وعندما فكر محمد علي باشا في غزو السودان 1821، كان أهم أسباب الغزو الرق والذهب. ازدهرت هذه التجارة، وزاد الطلب على الرقيق داخليًا وخارجيًا ونظمت هجمات الاسترقاق في مناطق عديدة من السودان بواسطة النهاضة، وتجار الرق الشوام، والسودانيين لأغراض متعددة مثل العمل في المنازل، والعمل بالزراعة واستغلالهم جنسيًا واستمر الحال في التركية والمهدية وبأثر الحروب التي شهدتها المهدية (الأمر الذي دفع بدوره إلى الاستفادة من سوق الرق الرابح سواء بسن قوانين تجوز عتق المقاتلين أو بتجنيد الرجال قسرًا كغنيمة حرب.. وانتهج الخليفة أسلوبًا صارمًا في متابعة وحصر أدق تفاصيل تجارة الرق(6).
(شهدت الفترة يونيو 1878-1879 توقيع معاهدة الرق في أغسطس 1877… ومن أهم نصوصها أن كل من يضبط متلبسًا بالتجارة في الرقيق سيدان بتهمة السرقة مع القتل حتى البيع والشراء للرقيق بين العائلات)(7) ويبدو أن الإنجليز عملوا على محاربة العبودية وتصفية مؤسسة الرق. مما سبق يتضح أن الرق باعتباره تجارة مشروعة قد اضمحل لكن علاقات الرق والاسترقاق ظلت لفترات طويلة ماثلة على المستوى الاجتماعي، وهذا ما سوف تعبر عنه نصوص الدراسة التي اختيرت. ويجد الباحث في إشارة يوشيكو كورينا النابهة استمرار لفظة العبيد وفسرتها: (العبيد السابقون الذين ترجع أصولهم إلى قبائل الجنوب، أو جبال النوبة لكنهم استقروا في المجتمع السوداني الشمالي وفقدوا بالتالي أي صلة بقبائلهم الأصلية، ولم يكن لهم في الشمال أي مكان في النظام الاجتماعي ولا رابط، ولا تقاليد أو مهن يعودون إليها)(8) والخلاصة من هذا العرض الموجز للرق والاسترقاق في إطاره التاريخي أن هذه الممارسة غير الإنسانية، أضرت كثيرًا بالبناء الاجتماعي من التصورات عن وجود الآخر، وأفسدت التواصل الاجتماعي بين المجموعات منطلقين من أوهام السيادة، والتميز عن الآخر وهذا ما أطلق عليه الراحل منصور خالد (محنة السودانيين الحقيقية ليست فيما يقال، وإنما في المسكوت عنه، ومن ذلك رواسب ثقافة الاسترقاق التي تفترض الدونية من ذوي الأصول الزنجية)(9). ولم يكن السرد بعيدًا عن هذه المُعضلة منذ بداياتها وتفشيها ووجدت لها مكانًا في متخيلهم الروائي باختلاف رؤاهم، وأشكالهم الفنية التي اجترحوها، وتجلت في العديد من النصوص السردية، وقبل الولوج إلى النصوص تشير الدراسة التي تجلي (موضوعة) الرق والاسترقاق في نص قصصي لعلي المك (حدثونا عن رجل اسمه سالم صريع العشق تُسومع بأمره فصار إلى كل أحياء أم درمان، دقوا لسالم الزار، قالوا ليشفى من مَرضه الكعب.. لن ينفعه الطب ولا الزار لأن لون سالم أسود، وقالوا نسبه غير نظيف حبوبته يعني… فعلها الأوغاد)(10). وإن كانت إشارة علي المك قد وردت على استحياء فإن العديد من النصوص الروائية السودانية أولت الموضوعة (الثيمة) اهتمامها خاصة شراء العبيد، وبيعهم لاستغلالهم للغوص في أعماق هذه الممارسة وتداعياتها الإنسانية. ومن تلك الروايات رواية عرس الزين التي أبرزت مجموعة من المُسترقين: بخيت الأعرج، عشمانة الطرشاء، وبيوت الواحة، وتمايز حضور (الثيمة) من حضور جزئي كما في عرس الزين، ورواية مروان الرشيد الموسومة بـ (مندكورو) جسدت العلاقات بين الشمال والجنوب وما تجاورها من رؤية الآخر في ظل علاقات متأثرة بمرارات التاريخ، وعدم الثقافة، إضافة لرواية عاطف عبدالله الموسومة بقصة آدم التي استقت رؤيتها في تناول الرق والاسترقاق، ولابد من الإشارة إلى روايات أخرى مضت في ذات الاتجاه مثل زهرة الصبار التي تناولت قصة أجيال من الأرقاء (أحفاد العبيد) في المجتمع المعاصر، ورواية فركة بسمتها التاريخي التي أظهرت مرارات الرق وعَسفه وحملات النهاضة والجلابة، وأسواق العبيد، وأيضًا رواية حمور زيادة (شوق الدرويش) التي ارتكزت على خلفية تاريخية اشتملت التركية، والثورة المهدية، والحكم الثنائي (الإنجليزي/ المصري)، ورواية أبكر آدم إسماعيل (الطريق إلى المدن المستحيلة). (وتجلت فصول الاسترقاق والعبودية في تلك النصوص وفي كل ما سبق وعلى اختلاف المستويات الإبداعية وجدت ظاهرة الاسترقاق والعبودية مجلىً فنيًا فيها فنبشت في الظاهرة، واجترحت المواقف، والشخصيات في أعمال مختلفة كاشفة الستار عن الظاهرة في المتخيل الروائي، رافضة نقاء عنصر على آخر أو عرق على عرق، أو هوية على أخرى، كما حدث للعُتقاء في رواية «عرس الزين» الذين (سقطوا من خلال التركيبة الاجتماعية المُبعثرة وقضوا ما بقى لهم من أيام في هذه الحياة على هامش المجتمع وعند حافته)(11).
نصوص المتن:
أما النصوص التي اشتغلت الدراسة عليها باعتبارها المتن الأساس فقد اختيرت لما احتوته من معالجة فنية وقفًا لقالب سردي مقنع، تبدت فيها (ثيمة) الرق والعبودية وحضورها حضورًا أساسيًا في النص وإن تفاوتت درجة هذا الحضور بين النصوص، إضافة لتباين أشكالها الفنية وطرق معالجتها، والنصوص هي:
الكاتب الرواية دار النشر، سنة النشر
صلاح البشير الإنداية قصة الأقنان والعبيد أوراق للنشر والتوزيع، القاهرة 2018
2. أحمد حسب الله فشودة دار مدارك للنشر، الخرطوم 2018
3. حمور زيادة الغرق، حكايات القهر والونس دار العين، القاهرة 2018
4. طارق أحمد خالد الظمآن والسراب وقائع مشوار هاشم عبد المنعم دار مدارك، الخرطوم 2012
5. أسامة الشيخ إدريس النهر يعرف أكثر مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، أم درمان 2022
تجليات الرق/ العبودية في المتن
الإنداية، قصة الأقنان والعبيد:
تكشف رواية الإنداية لصلاح البشير من عنوانها عن محكي سردها إذ احتفى العنوان بإبراز قصة العبيد، فالعمدة (ود إبراهيم) يمثل الشخصية (النواة) المحورية التي تقوم بدور مركزي، إذ تحيط بشخصيته مجموعة من الشخصيات الروائية ترتبط وتدور في فلكه.
تلك الشبكة المتداخلة من العلاقات نهض النص عليها، وباتت مركزًا لتوليد الحكايات، وإبراز الصراعات داخل حوش العمدة. وفي خضم هذه الأجواء تنمو الأحداث في نسق تصاعدي وتتسع بصراع الشخصيات بين العمدة وولده الطيب الذي يرفض تجارة الرق وينحاز إلى المستضعفين (الاسترقاق لا يجوز… هي ليست تجارة ينشط فيها بعض من تجار الرقيق الجلابة والنهاضة التابعين لهم فيسلبون حريات البعض)(12).
ويبدو الطيب هنا بطلًا يناهض الرق والاستعباد، وهو السيد بل يحض على تحريرهم مما أغضب والده (العمدة)، ومن طرف ثانٍ يعج النص بالشخصيات المسترقة مثل تاج الملوك التي أعتقها الطيب بعد شرائها ويود أن يتزوجها، قال العمدة (بتدور تحط وشي في التراب وتعرس ليك خادم)(13) إضافة إلى الرضية (عشيقة العمدة) وود مرسال وباب الله الذين (كانوا يسمعون أحاديث ود العمدة عن الحرية والإنسانية والمساواة بين الناس فيصعب عليهم فهمها أول الأمر حتى إذا فهموها جعلوا يرددونها في إعجاب، وزهو وأدركوا أنهم أحرار)(14).
أبرزت الرواية سوق الرقيق بالمدينة، وعمليات البيع والشراء، (تقام سوق الرقيق على أرض يمتلكها العمدة ود إبراهيم نفسه وهو الذي أحاطها بسور عظيم وقسمها لأربع زرائب… ويسمح لكل تجار الرقيق باستخدامها ولا يباع عبد، ولا جارية خارجها. وقد اختفى عبد الله ود علي ود جاد الكريم، وسالم ود الجاغريو بزريبة طرفية….)، ولقد احتوت الأمكنة أحداث الرواية وزمنها ونسقها التصاعدي ما عدا قليل من الاسترجاع، فكانت الأمكنة الدالة في حوش العمدة (الأسرة وصراعاتها)، والمسجد، بين ست النساء زوجة العمدة، السجن حيث سجن الطبيب، وقوز السحاحير وسوق الرقيق، التنقلات بين هذه الأمكنة خففت كثيرًا من سطوة الراوي العليم.
تبدت على فضاء الرواية حساسية اللون ودلالاته في حوار الطيب مع والدته (ما في زول يبقى رقيق عشان لونه أسود… نحن ذاتنا ما سود زي الفحمة)(15) وترد الأم: (بري يا يابه، نبرا ونستبرا… خدرتنا دي يها ما في لا نحن حلب متوركين… ولا خدم زرق)(16) انطلقت صيحات الطيب ضد الرق من مفاهيم إنسانية ووعي وسم شخصيته وهو السيد وابن العمدة، (سؤال تاني أبوي العمدة نحن منو عشان نستعبد الناس الولدوهم أمهاتهم أحرارًا، سؤال ثاني.. ليش ما في عبيد مِن أولاد العرب؟ وليه لما يبقى فيه بنرجعهم لأهلهم وبنمسك أولاد الزرق… وليه بنسمي الأزرق عبدًا وبنسمي الأحمر مملوكًا ولا مولى؟… ليه بنفرق بينهم في العبودية درجات)(17).
هذا الوعي تنامى عند المسترقين خاصة عند الرضية عشيقة العمدة التي واجهته (أنا ياني الماسكة شغلك، وشغل أهلك أولاد العرب بالدس… أسكرهم ليك، وأشربهم المريسة والعرقي والعسلية.. لغاية ما يكبو مويتهم في عرانين خدمك البتجيبوم لي في الإنداية حقتك.. كل شيء في الإنداية حقك حتى أنا… وبعدين تأخد كل القروش وفوقه فرش السرية الرضية يعني بتشيل القروش وهي مبلولة بي موية العران)(18)، وهنا يمنح السارد العليم مساحة محدودة للشخصية (الرضية) للتعبير عن ذاتها وتكسير حدة الهيمنة.
وظفت الرواية أكثر من تقنية مثل تقنية الحلم ((شفت أبوي العمدة نايم تحت شجرة قنقليز كبيرة، وحولينه شياطين بترقص، وبعاين لي شوية يضاك معاي ويد أيده)(19)، إضافة لتقنية الإرهاب (أنا البسويهو بتعرفوا قريب… الدنيا كلها بتسمع بيهو.. أصبرن بس)(20).
دلالات أسماء الرقيق في الرواية:
أشار يوسف فضل(21) في سياق دراسة لأسماء الرقيق ومُسمياتهم مُستعينًا بما أورده (ابن دريد محمد الحسن) في كتابه الإشفاق (يسمون الأبناء بأسماء تدل على القوة لإخافة الأعداء) وسمّت عبيدها بأسماء مُستحسنة (سمّت عبيدها لنفسها)(22) وهذا ما وسم تسمية شخصيات الرقيق في الرواية مثل الرضية، مُرسال، باب الله، ود مرسال، الجاز، وجلها أطلقها السادة ليس للمسمى بالاسم ولكن لنفسها وهكذا تجيء التسميات، صافي النية، بحر العاشم، سالمين، ريحان، العجب، باب الله، عجب سيدو، الصبر وفي هذا الصدد قهر آخر بتحويل أسمائهم إلى أسماء أخرى، إضافة للاستغلال الجسدي، وإرغامهم على العمل في بيوت الدعارة، وفي ذلك سلب لإرادتهم، وثقافتهم وحط من إنسانيتهم. وتضمنت الأسماء أيضًا في الرواية (الكجور) و(السحاحير)، وناس السحر الأسود وارتبط ما سبق بالمعتقدات، ورؤية الكون لدى بعض شخصيات النص والإيمان بها (لكن كجور الطبيب سحر أبيض، ده كان شرطي للكجور الشيخ.. كنت داير أحفظه من كيد السرة بت عوج الدرب)(23).
وتجلت بطولة الطيب في النص في وقوفه ضد العمدة في تجارة الرقيق وكونه ملهمًا للأرقاء حينما ناهض والده الذي يملك ((كل شيء وارتباطه بفريق العبيد، والفريق كلهو بالفيهو من ناس وخيل وأبل وضان وبقر حق العمدة، إن بطولة الطيب نابعة من سماته، ومميزاته فهو:
صاحب قيم نبيلة في زمن (حقبة) امتهنت كرامة الإنسان.
وقف بقوة وصلابة ضد تجار الرقيق، وراعيهم والده (العمدة).
اشترى تاج الملوك، وأعتقها، وذهب لأهلها وخطبها منهم.
حرر والده من الشيخ الكجور.
ومن علامات البطولة نقي، بسطة في الجسم.
وظهرت عليه علامات منذ طفولته (سيدك الطيب بركة، وعلامات البركة ظهرت فيهو من ما شافع)(24).
أضف إلى ذلك التفاف شخصيات الرواية حوله (رأوا في الطيب ود العمدة مُخلصًا أو مصلحًا فهو بهم رحيم وقد أعتق الكثير من العبيد والخدم، وهو لا يسيء إليهم، ويستخدمهم استخدام السواد، بل يحسن إليهم)(25).
حفلت رواية الإنداية بالعديد من الإستشرافات بداية بعنوانها الواضح والدال والمباشر دلالة على أهمية (الثيمة) وكذلك لجذب انتباه القارئ وأنه (جزء من نصها- أول جزء يصادفه القارئ في الواقع ولذلك فله قدرة مهمة على أن يجذب انتباهه ويشكله)(26) وتوظيف تقنيات الإرهاص، والحلم، والموازنة بين السارد العليم الذي يحكي أحداثًا من زاوية رؤيته (راوٍ خارج النص)، (وأحيانًا محدودة حيث سمح للشخصيات بعضها بتقديم نفسها وتقديم الأحداث التي شاركت فيها، وهنا تتبدى شخصية الرضية عشيقة العمدة ود إبراهيم وكاتمة أسراره لذا كلما تطورت أحداث النص جاء حضورها متألقًا باعتبارها (ساردا حاضرا بصفة شخصية في القصة التي ترويها وأدت وظيفة البينة أو الشهادة(27).
وتمكن القارئ بهذا النمط السردي من إدراك صوت الرقيق وصوت الأسياد، وصوت السلطة المطلقة (العمدة ود إبراهيم) وفوق ذلك كله تعبيرها القوي والواضح عن (ثيمة) الرق والاستعباد عن محنة الرق وتداعياته وبشكل كلي.
2. رواية فشودة:
توسلت رواية فشودة بشكل رواية تكوين الشخصية لما اشتملت عليه من وصف دقيق للأطوار التي مرَّ بها (علي جفون) بطل الرواية من الطفولة إلى النضج موضحة معاناته في عوالم الاسترقاق، وقد ارتكزت على راو عليم باعتباره (أداة تقنية تستخدم في تقدم العالم المصور)(28) وذلك لإبراز تجربة شديدة الخصوصية، وقد ألقى الإهداء ظلالًا على العمل وتحفيز توقعات المتلقي لإدراك ما بداخل النص (إلى الرحل دينق أجاك سليل العبيد.. عاش مقاتلًا ومات حرًا)(29). حرص الكاتب في استهلال رواية فشودة على استخدام أسلوب الحوار الداخلي بعد وصف عام للمكان، والسفينة الحربية (وكأنه يحدث شخصًا إلى جانبه خرجت الكلمات من بين شفتي علي جفون: اليوم السبت العاشر من سبتمبر 1898 بدأت رحلة العودة إلى فشودة بعد أن انتزعت منها انتزاعًا قبل ما يقارب الخمسين سنة)(30).
وهكذا وضع القارئ في قلب الحدث بهذا المعطى، من انتزعه؟ ومتى انتزعه مما يحفزه ويدفعه على مواصلة القراءة وفي ذات السياق (ثم أضاف محدثًا نفسه بوضوح هذه المرة: ها أنت تعود بعد غياب فُرض عليك فرضًا سنوات مرت والأحداث تأخذك من مكان إلى مكان… يكفيك أنك ستعود إليها آمرًا ناهيًا، بعد أن خرجت منها صغيرًا ذليلًا صاغرًا)(31) القارئ إزاء مرحلة ما قبل النص، والسارد يسرد أحداثًا هي في طور الوقوع ذاكرة علي جفون تتكئ على أحداث استرقاقه وهو طفل بعد غارة (كانت شول تحمله على ظهرها، وظلت تمضي به وناداها باسمها فسمعت ما تقوله عليك أن تتعافى سريعًا، أستطيع أن أحملك ليومين أو ثلاثة ولكن ليس أكثر، لو لم تستطع المشي فسيتركونك لتموت في العراء)(32). وللمفارقة فإن اسمه الحقيقي (نيابو).. أي على الدرب ولأن المسترقة معه (شول) تنبأت (أن الدرب سيذهب بك بعيدًا)(33) لقد شاهد في رحلة الاسترقاق بشاعات كثيرة على مدى مراحل نضجه وهو طفل وصبي وهو شاب كما شاهد آخرين تعرضوا للاستعباد والاسترقاق وذلك في أماكن مختلفة شرقًا وغربًا وجنوبًا ووصولًا لأم درمان (في مساء اليوم الخامس وصلت القافلة إلى أول محطاتها كانت قرية كبيرة خرج أهلها لاستقبال فرسانها العائدين من الغزو)(34). بعد شرائه وضع في مكان منفصل وفي العراء عاريا، أطلق عليه اسم جديد وألبس قميص دمُّور وختن وبدأ العمل في جلب الماء وسقايه البهائم ((كان وحيدًا وجائعًا وحزينًا وخائفًا وعاريًا كان المرة الأولى التي يشعر فيها بالعري وسط أناس يلبسون الجلابيب والقمصان والسروايل والطواقي)(35) تضرب تداعيات الاسترقاق في هويته الثقافية إضافة لقهر الأعمال الشاقة وهو طفل لتصل الكلمات القاسية والجارحة وهو صبي (بحبها هل نسيت من تكون هي حرة وأنت عبد، هي سيدتك وأنت عبد لأهلها… لو عرف أبوها أنها تهتم بهذا العبد لذبحها ذبح الشاة ولعلقه من خصيته على شجرة التبلدي وسط القرية)(36). ويتصل بما سبق التصرف في مصائر المسترقين كما بدت معالمه في الرواية عبر أكثر من شيء منها الأسماء (لقد عرفت مئات الرجال عاشوا بأسماء غير تلك التي ولدوا بها، بعضها اختارها لهم غيرهم وبعضها اختاروها لأنفسهم أرادوا أن يقولوا شيئًا ويثبتوا أمرًا آخر… فرج، عزازي، فرج الدين كتعويذة تطرد عنهم ذل الغبن، وتطرد عنهم هوان الاسترقاق…. كما أحاط الاسترقاق أعناقهم وأرجلهم بأغلاله)(37). تعددت أشكاله طوال رحلة نيابو وانتقل من الأسرة التي اشترته في تلودي إلى الحكومة مرة ثانية يمضي على الدرب.
(ناداه سيده الحاج وأخبره بأنه سيذهب مع الحكومة لأنه أصبح ملكها كتسوية لبعض الأمور… وجاءت زينب السيسبان لوداعه- كان على يقين أن رحيله سيطلقه ولو بعد حين مٍن ربقة العبودية)(38). وفي هذه المرحلة من استرقاقه تعرف على نسوة أحسنَّ معاملته وأشعرنه بإنسانيته، روضة التي أحبها وبادلته الحب أُخذت بعيدًا عنه وزُوجت لابن عمها، وزينب السيسبان (التي عبرت إلى عوالم جديدة)(39)، ومضى شمالًا صوب الجندية التي عمل بها وسافر بعد عدة سفرات داخلية إلى مصر، وتعود ذاكرة الاسترقاق، هل هو مسترق أم عبد حررته الجندية، وفي سوق النخاسة بمصر اشترى مسترقة (شلكاوية) ومنحها حريتها ثم حدث نفسه (هل اشترى لوال أم اشترى حريتها، لقد عرف الإجابة على ذلك السؤال، عرف أنه لم يشترها في ذلك اليوم، ولم يشتر حريتها، لقد اشترى حريته عندما دَفع ثمنًا لحريتها واسترد إنسانيته)(40). وتتجلى مظاهر البطولة بمعناها الفني في كل أفعاله متمثلة بشكل موضوعي في سياق زمان وأحداث غير إنسانية (تجارة الرق) والاستعباد بكل ويلاته ومكافحة عدوه الحقيقي (الرق) طبقًا لمراحل حياته وتحولاته إنه: (الشخص الذي تنمو شخصيته من داخل نفسه فيحس بخطرها يتهدده فيسعى من داخله لاكتشاف ماهية هذا الخطر وعلاقته بمصيره)(41) لم تكن لوال فقط بل أخريات في مدينة أم درمان، ومن موقع وعي بقضية الرق فكانت صيحته: (إن الاستعباد ليس ظلمًا يلحق بفرد وإنما هو خراب يلحق بمجتمع كامل)(42) وتتبدى على فضاء النص الصورة النمطية السائدة عن الآخر الأسود (علي جفون) الذي (كانت النساء الأوروبيات يجدن سحرًا وجاذبية في ذلك المتوحش الجميل)(43) وفي موضع ثانٍ (وكم أريدك يا فارس الأسود)(44).
إن كل رواية (ترتكز على معرفة ما، تكون هي العنصر المحدد لخلفية النص، ومقاصده وعلاقته نصوع الرؤية للعالم)(45) وهذه المجالات تتوزع بين مجالات النفس، والسلوك، والذاكرة… والتاريخ فالرواية تتركز على التاريخ عبر متخيلها السردي ومن هذا ما أشار إليه الرحالة، والمُستشرق السويسري بيركهارد الذي زار مصر والسودان عام 1813-1814 (إن عمليات إخصاء الصبية كانت تجري في مكانين أحدهما وأقلهما أهمية غرب دارفور، أما المركز لخصي المُسترقين فقد كان في زاوية الديار وهي قرية مصرية في صعيد مصر.. وتتم فيها نحو 150 عملية إخصاء كل عام)(46).
وجدت هذه البشاعة مكانها في تسريد الرق عبر حوار بين جفون وأحد الرهبان (تأتي القوافل من سنار وكردفان ودارفور بالأولاد ما بين السادسة والتاسعة في فصل الخريف هو الفصل الأكثر مناسبة لإجراء العملية بقطع العضو بأكمله وكذلك الخصيتين ونصب الزيت المغلي المخلوط بمسحوق الحناء وندفن النصف الأسفل من جسم الولد ما فوق البطن في الرمال ونتركه لمدة يوم، ثم نخرجه ونمسح مكان الجرح بالطين)(47).
تنفتح رواية فشودة باعتبارها رواية تكوين الشخصية، وبسمتها التاريخي في تعرية تجارة الرق، وعمليات الاسترقاق من غزوات، وإخصاء للفتيان واستخدامهم رعاة للفضيلة في القصور الفاخرة وعبر لغة إدانة سردية (ترجل عن جواده وأخذ يتقيأ)(48).
جاء السرد في نهاية رواية فشودة متماثلًا مع نظيره في البداية على مستوى (الثيمة) وعلى مستوى الشخصية التي استهلت بها الرواية، شخصية علي جفون (وقف علي جفون عند مقدمة الباخرة وهو يشخص ببصره للأمام)(49)، وفي النهاية (أحنى علي جفون رأسه فألبسه الرث الفروة التي غطى بعضها كتفيه وصدره وانسدل بعضها الآخر على ظهره ثم أحاط الرث عنق علي بقلادة من ذيل الزراف. لقد بلغ نيابو أخيرًا سن الرشد لقد اكتملت الدائرة ووصل الدرب إلى نهايته بدأ من فشودة وعاد إليها)(50) مما يشير إلى بنية السرد الدائرية إذ نُزع من فشودة مسترقًا وعاد إليها حرًا.
3. الغرق، وحكايات القهر والونس:
اتكأت رواية حمور على المحكي الشفهي، حكايات الونس، وميزها تداخل الحكايات والانتقال من حكاية إلى أخرى مما مهد على مستوى السرد على الإمتاع والحد من سطوة الراوي المهيمن (تكدس الأهالي أمام العبادة رجالًا ونساء وأطفالًا، ستعيش هذه الحكاية طويلًا، وتمتزج بالونسة ليلة حنة عبد الحفيظ البدري ترنح عبد الباري… ستبدل الحكاية وتتغير، تزاوجها تفاصيل متخيلة، وتفارقها حقائق حدثت في الونس)(51) اشتغلت المتواليات السردية الحكائية على سردية الرق عبر حكايات:
حكاية عز القوم
حكاية فايت ندو
حكاية عبير
وذلك من خلال أسره مسترقة لثلاثة أجيال تبدأ بعز القوم التي عمرت طويلًا (جُلبت عز القوم رضيعة مع أمها من أقصى جنوب البلاد، اشترتها العافية الجدة الأسطورية لآل البدري.. نشأت عز القوم ولا تعرف بلادًا غير حجر ناري تتحدث العربية بلكنة الشمال، بينما ظلَّت أمها المجلوبة تتعلم العربية بلكنة أعجمية حتى ماتت على أعتاب المئة.. أدركت الإلغاء الرسمي للرق قوانين الإنجليز التي كسرت ظهر المجتمع المحلي، ظلت تدعو الله على مَسمع أسيادها الإنجليز “يباركوهم الشيوخ السادة والعرب ينقصوا ما يلقوا الزيادة”)(52).
توضح الرواية عبر متخيلها صنوف امتهان كرامتهم، وازدرائهم، واستباحة أجسادهم باعتبارهم متاعًا وأدوات للإمتاع، دخل عبد الرازق (إلى حجرة أُمها عز القوم سكرانًا، صبي يضع قدمًا في عالم الطفولة وقدمًا في ملاعب الطفولة، شرب مع رفاقه الخمر البلدية حتى ظن نفسه ملك الإنجليز، عربدت في صبوته الشياطين فهاج جوعه للنساء… دخل الصبي يطلب عز القوم وهي على عتبات الستين من العمر انقضت كل سنواتها رقيقًا في بيت العمدة، تخدم في المَطبخ، وتَصنع العَرقي وتُشبع الرجال.. رمى نفسه عليها حتى سقطا أرضًا.. لم تُعنه العجوز على نفسها فألقى نفسه تائهًا لا يعرف أين يلج… اختل توازنه فسقط جوار فايت ندو التي تحفر في البيت هَربًا تبكي بلا صوت.. بلا دموع وجوارها عبدالرازق.. مد يده فلمست ساق فايت ندو… دفع عضوه في الجسد الصبي الناعم لم ….. عرف سبيله فولج، صرخت فايت ندو كأنها تنشطر نصفين(53).
تظل في النص أزمة الرق والعبودية قائمة على الرغم من تحريرهم، هكذا يتبدى صوت الراوي واصفًا فايت ندو (والدتها، وعائلتها قبلها كانوا ملكًا لأسرة حاج بشير، إلغاء الرق لا يجعلها حرة، هي فقط لم تَعُد أمة رسمية)(54).
وتوغل الرواية في سرد مصائر الرقيق من عز القوم ((مات أطفالها، مات بعضهم ولهم أسماء، ومات بعضهم بلا أسماء، ما نجا من الموت إلا وزين الدّهب، وعبد التام، وفايت ندو)(55) حيث تزوجت دَهب عبدًا من رقيق أعيان مدينة الدبة، وفر عبد التام إلى الخرطوم وبقيت (فايت ندو أصغر المواليد وآخر الناجين تحت قدمي أمها تلعب، وتخدم وتتعلم الولاء لبيت العمدة والطاعة للرجال فقط، ما عاد العمدة سعيد الناير يدعى سيدها إنما خالها(56).
إن المحكي والمتداول والأخبار وحتى مجالس النميمة في هذا النص ترصد قصة أسرة وقعت في الاسترقاق من لدن الجدة عز القوم وصولًا إلى الحفيدة عبير وتنبش في حيواتهم ومصائرهم ومعاناتهم حتى بعد تحريرهم، والمحكي يتوسع في مصائر السادة (أسرة سعيد البدري)، وما يأتي به النهر من جثث الغرقى، والممرض بالقرية (أحمد شقريب) وفايت ندو (خلف المطبخ يقف عبدالحفيظ ينتظر، شدّ يده على ساعد فايت ندو وجرها خلفه همهمت له: لا يمكن أن أتأخر، تفوح منه رائحة الخمر… أسندها إلى حائط رفع ثوبها لمس فخذها العاري بأصابعه الخشنة تراه على ضوء القمر تلك الليلة وهبتها عبير)(57).
شكلت تلك الحكايات قوام الرواية خصوصًا ما يتعلق بتسريد الرق وذلك عبر محكي الراوي في السرد الذي استند فيه إلى تلك الحكايات الواقع المزري للمسترقين في سرد لواقعية مرة ومريرة متجاوزًا السكوت عنه بغرض إبرازها، وهذا المحكي (على مستوى من المستويات أشبه بالجملة ومبدئها يمكن تمطيط جملة إلى ما لا نهاية)(58) أي توسيع المحكي، وبالتالي توسيع السرد، وفي جانب من جوانبه تسريد حكايات الرق وصولًا لحكايات الحفيدة عبير (بعين مساعد طبيب مدرب نظر إليها متفحصًا وراهن نفسه بالشهور التي درسها كتومرجي على أن عمرها لا يتجاوز ثلاثة عشر عامًا لكنها ممتلئة بأنوثة ثلاث عشرة امرأة، أشار إليها فاقتربت، مشت نحوه دون كلمة، لما تبقت بينهما خطوات أفلتت طرف ثوبها الذي جمعت فيه الدوم الذي تناثر حولها في كل مكان، لم تهتم. مشت نحوه في صمت حتى غابت فيه)(59). ومن أبشع مظاهر العسف والظلم والاستعباد في النص ساوية زوج العافية الذي لا يتهيأ لملاقاة زوجته إلا بعد تعنيفها وضربها بالسوط فما كان منها إلا أن أقنعت إحدى الغجريات على تحمل ضرب زوجها لها بالسوط ومن ثم يُستثار (في الليلة الثالثة كان هناك ثلاثة في الحجرة: محمد الحسن يحمل سوطه، والعافية في قرمصيصها يلمح جَسدها بالدلكة وبهية ببرودها وعينيها الخضراوين… ساعدته على جلد الغجرية، حملت منه السوط مرات، داعبته وهو يركل بهية بقسوة، نهرتها، تأمرها أن تتوجع وأجبرتها على الصراخ)(60). وظل محمد الحسن (يتشارك المرأتين واحدة تنعشه وواحدة تطفئ شوقه وتمنع وصوله)(61). هذه الرواية تكشف بُعدا آخر عن الاستعباد ومعاناة المجموعات المهمشة (الغجر) متمثلة في بهية التي أغرتها العافية للقيام بهذا الدور، خاضت مسيرة العسف والذل والاستغلال من أجل دريهمات لترضي سعيدًا، ولحقت لعنة الاسترقاق بعبير حيث (تكبر بطن عبير وتكبر معها الفضيحة))(62) ((وتستمر دائرة الهوان بهم والاستعطاف، تقول الرضية: أقصى مشاعر الكراهية والاستعباد، وتأخذ المولود لا حملته الرضية متقززة، صرخت عبير، سالت دموع فايت ندو… مدت العجوز الطفل إلى مرافقها الغجري)(63). وتبقى وصمة الرق ماثلة تحيط بمصائرهم حتى أسماء من ينجبون تنتظر موافقة السادة، ليبرز صوت فايت ندو ليس راضيًا عن الحال والمآل بل إدراكًا لمرارات الاستعباد (ليست الرضية من يحتقرنا وَحدها، نحن المتناسلون من اللامكان في قرية تتفاخر بالأنساب، لا يحترمنا أحد إلا بمقدار ما يحتاجون إلينا وما تظهر لهم من أدب وطاعة، أنت لست البدري ولا من بيت الناير….. أنتي بت فايت ندو؟؟ لماذا تظنين خالك عبد التام فر من القرية، لقد نجا بنفسه لم يعد رقيقًا، لكن مهما فعل سيظل عبد التام ولد عز القوم لن ينسى أحد أصله في قرية لا تنسى)(64) لم يبق لعبير سوى أن تتوجه صوب النهر، صوب الغرق (يسير الأثر نحو المحتوم.. درب واضح يترك علاماته على التراب يمشي نحو القيف… دوت صرخة فايت ندو من جوف محترق عبير)(65). إن اشتغال موضوعة (الرق) في هذا النص وإن ورد جزئيًا عبر العديد من الحكايات ومجالس النميمة والأخبار المتواترة ولكنه جاء مُكثفًا لسيرة عائلة مسترقة عبر أجيال ثلاثة، تآزرت الحكايات في نسق متنامٍ ومتسع وفي قالب سردي مُتماسك، وعبر شخصيات تم رسمها بعناية من وصف جسدي، وأفعال وردود أفعال، إضافة إلى أسماء ومسميات الشخصيات المسترقة وذلك في إطار العلاقة بين السيد والمسود والترابط بين الأفعال والأحداث وشروخ الشخصيات المسترقة (عز القوم/ فايت ندو/ عبير) الجدة، والأم، والحفيدة في قرية لا تنسى ومصائر عجزت شخصياتها بعد أن سلبها الرق حقها في أن تكون مثل الآخرين.
4. رواية «النهر يعرف أكثر»:
تناولت هذه الرواية (الرق) تناولًا جُزيئًا وباتت الثيمة جزءًا من وقائع وأحداث أخرى في الرواية وتم تسريدها في إطار نسق روائي تتضمن العديد من الأحداث، والأفعال وردودها وصراع الشخصيات ومقاومة الغزو التركي، هذه الخلفية كان الرق أحد عوالمها (عطا المنان رقيق الحاج الكارم ود محجوب وكبير تجار العليفون كان قد اعتاد على هذا الأمر وهو يفضل مرافقة سعيد الكارم)(66).
تبرز صورة الاسترقاق في هذه الرواية (حالة تاريخية تسترعي صورة للتعايش السلمي بين المسترق والسيد وتنفي إحساس الغبن لدى المُسترقين، وضح صورة مثالية لـ (السيد) الشهم ذي المبادئ)(67)، لكن صوت عطا المنان على الرغم من علاقته المتوازنة مع سيده، وصداقتهما في نفسه شيء من حتى (خادم، فرخه، حمامة، عبده… من أين تأتون بهذه الألفاظ وهمهم (عطا المنان)، وهو يشغل نفسه بالتأكد من شد الحبل جيدًا على خواصر الجمال)(68). وإذا كانت شخصية (عطا المنان) قد تصالحت مع الاستعباد فإنها قد بررت لذلك (لا يعرف له مكانًا ينتمي إليه سوى (آل الكارم)… لا خيار له.. خير له من أن ينتقل مباعًا من سيد لسيد.؟. كان يدري أنه لا يملك سوى خنوعه، يعترف في قرارة نفسه بمرارة تعوده، لا يعرف له أصل ولا من أين أتى)(69). تقدم الرواية شخصية خانغة أذعنت لواقع الاستعباد لكن ذاكرته تستبطن ما حدث وبشكل مُشوش، تلك الغارة حينما أخذهم عنوة جلابة الرقيق، ماتت أمه (ستأخذه معنا.. سيكون وفيًا لسيده الذي سيشتريه طالما لا يزال طفلًا لن يكلفنا طعامًا كثيرًا إن مات نلقي به في الطريق، عبد ومات)(70).
بنى كاتب النص أطروحته على خلفية تاريخية، غزو محمد علي باشا للسودان من أجل الذهب والعبيد عام 1821، وإن نفى ذلك (أنا لا أكتب تاريخًا… فقط أروي أحداثًا إنسانية.. أنا أكتب رواية)(71).
نظر إسماعيل باشا (إلى ما أصابه من غنائم البشر الذين استرقهم.. هزيلون.. شاحبون.. جياع.. سود.. قبيحون)(72). نحن هنا إزاء حقبة تاريخية ازدهرت فيها تجارة الرق بآلياتها من عسف، وقهر، ونهاضة، وجلابة. إذن نهض تشكيل النص على معرفة تاريخية، وتسريد الرق، وحضوره الجزئي في أحداث الرواية مع باقي مكوناتها. ومن شخصيات النص التي تلفت الانتباه شخصية (كاكا) ذات الجمال الصارخ التي (اختطفها الجلابة من جنتها في أقاصي البلاد البعيدة ورموا بها وسط جحيم الرق)(73)، اشتراها مُستكشف إنجليزي وشغف بها وبقوامها الفارِع وكان يبحث عن منابع النيل والذي توفي وبيعت لأحد تجار الحلفايا وضمها إلى محظياته، وكانت كاكا (المفضلة له من المحظيات)(74)، ((توفيت هي ومولودها الثاني.. كانت الجنة ما تزال طفلة صغيرة ترعرعت وقد ظهر جمالها في بيت والدها لكنها لم تعامل كبناته الشريفات… عُوملت كرقيق في بيت والدها)(75)، هجرت البيت وعملت بإنداية الحلة.
كشفت الرواية عن عدم إدماج الأخت وسط شقيقاتها باعتبارها تنحدر من أم رقيق، ونسج الكاتب علاقة عاطفية بين الجنة التي هربت من جحيم الاسترقاق، ونصر الدين صديق الكارم وعطا المنان وقد عاملها (نصر الدين) كإنسانة وليس كبائعة هوى في الإنداية، بل تزوجها إذ (لم يكن يشرب دمها كالقهوة، ويأكل جسدها كالآخرين بل كان يحتضنها ويبكي.. كان الوحيد الذي يظهر لها ضعفه فتراه قويًا)(76).
إن تجلي التاريخ (المعرفة) التاريخية في رواية «النهر يعرف أكثر» وحضوره اللافت من خلال موضوعة (الرق) وإن جاءت جزئية خضع لعملية تحويل وحقق أدبية الرواية وعمق متخيلها الذي فجر المعرفة التاريخية بعملية التحويل، ومطط الكاتب السرد انفتاحًا على عوالم أخرى، ومكونات نصه جعلها في خدمة النص وتشكله، فمن خلال سقوط سنار، وشندي، ووصول الباشا إلى بقاع مختلفة من السودان بنى الكاتب حكايته مانحًا إياها الإيهام بواقعية الأحداث (مميزات رواية ما تتحدد من خلال تحويل النص السابق -سواء أكان نصًا تاريخيًا أو واقعة تاريخية- إلى نص لاحق يحمل مميزات العمل الأدبي(77)، لتبقى القضية الرئيسة في النص تسريد الرق جزئيًا باستحضار واقع سياسي تاريخي (غزو محمد علي باشا للسودان) وحكايات مقاومة الأتراك، والعلاقات بين شخصيات مسترقة (كاكا، الجنة، بنات الإنداية) والسادة (الكارم، نصر الدين، عطا المنان) تلك الوقائع والأحداث والمصائر اخترقت المعرفة التاريخية ووظفتها إبداعيًا بغية الوصول إلى إنسانية الإنسان، وتجاوزًا للمسكوت عنه في التاريخ السوداني عبر حقبه المختلفة.
5ـ. رواية الظمآن والسراب، وقائع
مشوار عبدالمنعم قاسم(78):
تجسد رواية (طارق أحمد خالد) التي وسمها بـ (الظمآن والسراب) وقائع مشوار عبدالمنعم قاسم الرق في وقتنا الراهن من خلال قصة حب ربطت بين بطل الرواية قاسم والممرضة التي اهتمت به مهنيًا أثناء استشفائه من حادث حركة في المستشفى الذي كان نزيلًا به وأخذت الرواية في الحفر العميق لعلاقات أبناء الرق في زمن محاصر، وهل تغيرت النظرة لهم وتطورت العلاقة بين قاسم وأمل، وقبل الاقتران باحت له بتاريخها الأسري (اكتشفت أنني سليلة أرقاء تم اختطافهم من بين أهلهم وإحضارهم هنا لخدمة الأسياد في مزارعهم، ومنازلهم، بما في ذلك إشباع حاجاتهم في أسرة نومهم، عرفت أن حياة البؤس قد بدأت منذ منتصف القرن الماضي وحتى تحريرنا في العشرينيات من هذا القرن، ثم سكنا في هذا الحي المنزوي)(79). لتتوالى على فضاء النص مظاهر القهر التاريخي وويلاته وآلياته، فقد أخبرها والدها بأن ملاكهم ((كانوا يوسمون الوشم وعليه نقوش دقيقة فتكوي صدورهم بحديد ملتهب لتظل علامة أبدية على مالكهم وتميزهم عمن سواهم من العبيد)(80). تتواتر قصتها وهي تحكي لحبيبها ظلمات الماضي التي استمرت إلى الحاضر (أنت لا تدري معنى أن يقضي الإنسان عمره مستجديًا الآخرين أن يعترفوا فقط بآدميته، وأنه خرج من رحم واحد لأم تسمى حواء وصلب أب يدعى آدم)(81). الأنا السارده (أمل) تدرك جيدًا عدم تقبل المجتمع المعاصر لها مع إدراكها لعشقها لقاسم ووعيها لهذه العلاقة موضحة له (دَعني ألخص لك الأمر.. إذا أردت أنا أمل خير السيد أن أنال اعتراف محمد أحمد فعليّ الذهاب في رحلة تزييف طويلة تبدأ من تفتيح درجة لوني ثم تغيير ملامح وجهي والأهم من ذلك إجراء جراحة تجميل تاريخية لنسبي، ربما بإلحاق شجرة عائلتي بنسب ميمون لأحد أحفاد العباس…. حتى أنال الاعتراف بآدميتي ومساواتي بمحمد أحمد)(82).
احتلت تجليات الرق في هذا النص مكانة كلية وبني النص عليها في قالب حواري بداية باللون، ومرورا بنظرة الآخر، ووصولًا إلى النسب، فاللون والنسب محايدان؛ الأول (إن اللون ظاهرة ثقافية محايدة لا يحددها في الوعي البشرى ولا يعطيها معنى سوى العقل، هو أيضًا ظاهرة ثقافية رمزيتها ليست كونية وإنما نسبية)(83)، وكذلك النسب الذي يرتبط بالهوية، والهويات متعددة، ولا فضل لكل منا على الآخر، كلنا من تراب. لقد حفل هذا النص بالعديد من أشكال العنف اللغوي الذي يقضي في متخيله الآخر، ومن هذا حرمان عليَّ (خادم ولا حلبية ما تدخل بيتي)(84)، العبارة لوالد قاسم، وفي موضع ثانٍ (لابد أن وراء الأمر عمل هؤلاء الفروخ المطاليق لا هم لهم سوى السحر)، وفي المقابل والدة أمل تقول: (مالنا يا بنتي وهؤلاء، لا نحن منهم ، ولا هم منا يكفينا شرهم بعد أن كفانا شر آبائهم)(85).
امتازت رواية الظمآن والسراب ببنية حوارية حيث انبثقت منها دلالات التفاعل والاختلاف، هذه الثنائية أيضًا انعكست على المكان وبنية الشخصيات وكذلك كل من (أمل) وقاسم وقعا في ردود فعل عالمين متناقضين، تجسدت تلك الثنائيات في الجدول التالي:
فريق ورا في الخرطوم مكان
عبد حر الاستعباد
الماضي الماضي الممتد للحاضر زمن
إن عنوان النص الرئيس وعناوين النص الداخلية انطلقت من مفهوم الثنائية (الأقطاب المتنافرة) و(الأقطاب المتشابهة) و(النجم إذا ارتقى) و(النجم إذا هوى). وأما الحوارية على مستوى النص فقد أظهرت أفكار الشخصيات، ووعيها، ومنطلقاتها الاجتماعية والفكرية فجاءت (مختلفة في الرؤى وأنماط الوعي، والمواقف وتتغذى هذه الحوارات من الحوارية العامة للرواية)(86). واحتوى النص على تجليات فنية أخرى منها الإرهاص ((وجدت نفسي نائمًا على سرير ليلة عرس، ترى ماذا تخبئ لنا الأيام)(87)، ولا بد في الإرهاص (من حسبان كفاية القارئ المحتملة باكتشافه البذور لحظة ظهورها- والكاتب يستند إلى هذه الكفاية لتقديم الشخصيات وتسريد الأحداث، وقد يستند إليها ليخدع القارئ بتمرير إرهاصات مزيفة(88). ويبدو الإرهاص الأول صادقًا في أفق توقع الشخصية (قاسم) لتقبل فكرة الزواج من أمل في وسطه، وفي موقع ثانٍ (غدًا تصفو الأيام ويقبل والدي بالأمر الواقع، ويرضخ لأشواق والدتي المسكينة… قد يسلم الجميع بصحة ما فعلت)(89)، والأخير -أي الإرهاص- زائف وربما قصد به المؤلف خداع القارئ أو تقديم الشخصية، فقاسم طليقي، وعضو في منظمة حزبية وملتزم… إلخ رفضت قيادة المنظمة فكرة أن يتزوج أمل، وتعددت مشكلاته في مكان عمله حتى مجتمع فريق ورا لم يستوعبه (قاسم الغريب بضربك الغريب، كسار العناقريب.. قاسم المسخوط من حلتنا يفوت، ملعون الوالدين جيتنا من وين)(90). أصيب بربكة واختلطت الأمور عليه وتداخلت: الحرب، العمل، رفض حي ورا له، فارتبكت أفكاره وارتبك في خياره (حُثالة لم يتبق سوى هذا الخائب ليقف في مواجهتي، مالي وهذا المستنقع… لا داعي لهذا الحديث الجارح… أرجوك لا تقذف بالكلمات في كل اتجاه مهما يكن، فهم أهلي وجيراني أم أنك نسيت أنني من هذا المستنقع)(91).
تباعدت المسافة بينهما، لا المنظمة ولا العمل العام في الحي للقضاء على المظاهر السالبة ولا العشق (صارت المسافة بينهما تتباعد يوما بعد يوم بل لحظة بلحظة…)(92)، فكان تخطي الطلاق وكان موت التجربة التي حاولت تخطى تداعيات الرق على الأجيال المحاصرة. (وصلت قافلتي اللاهثة لآخر محطة من محطات الخيبة فلم يجد الظمآن سوى أرض مجدبة توشحت بالسراب)(93)، بينما فتحت أمل ورقة الطلاق لتختم مشوار قاسم عبدالمنعم وأمل خير السيد (وتفتح في ذات اللحظة صفحة جديدة في كتاب سنواتها القادمات)(94)، وفي نهاية النص تنزلق من بين تضاعيف الفقرة التالية: (أجدادك يا قاسم استلبوا أهلي، صادروا ماضينا مثلما شوهوا مستقبلنا تركوا فينا بصماتهم القاسية جُرحًا غائرًا لم تسعفه خطبكم الرنانة… وأنت يا حبي ووجعي استلبت عقلي وقلبي…. لم تقبل أنانيتك إلا أن تصادر مستقبلي وتضع بصمتك الأبدية في حياتي، طفل يذكرني ما حييت بأحلام موؤودة)(95). متح هذا النص من موضوعة (ثيمة) الرق واحتلت مكانًا مركزيًا في النص وبحضور بارز عبر الحوارات، والأمكنة واختيار زمن معاصر، فالظاهرة موجودة وعبر تجليات جديدة، جذورها في التاريخ وفي وعينا الزائف والمزيف بالقضية.
الخلاصة والاستنتاجات:
1.سعت هذه الدراسة لتبيان تجليات الرق في الرواية السودانية عبر نماذج مختارة.
2.تجلى حضور الرق في الرواية عبر الحضور الكلي والمتماسك والجزئي المكثف، والجزئي ضمن أحداث أخرى النص أما المؤتلف بين هذه النصوص باختلافها فهو تشكيلاتها الفنية التى قبضت على المسكوت عنه وأفصحت في متخيلها الروائي ((تجاه الرق ووسمتها حساسية اللون ودلالات التسمية على مدى مراحل تاريخية (الإنداية قصة العبيد والاقنان) و(فشودة)، و(النهر يعرف أكثر) في مراحل كانت ولا تزال ممارسة الرق قائمة وصولًا إلى (الغرق) ومتخيلها الفني في زمن ما بعد تحرير الرقيق رسميًا، إلا أن الممارسة كانت لا تزال قائمة. واتخذت رواية (الظمآن والسراب) منحى آخر في ديمومة الممارسة (تجارة الرق) في زمن معاصر (فترة جعفر النميري).
3. بصدد النصوص المختارة فإنها قد اندرجت في الأشكال التالية:
(أ) رواية الانداية قصة العبيد والأقنان اتخذت الشكل التقليدي الذي اتسم بالنمو المتصاعد للأحداث وعولت على معالجة الثيمة بشكل كلي.
(ب) رواية فشودة، رواية تكوين الشخصية، لما اشتملت عليه من وصف للأطوار التي مر بها علي جفون ومسار رحلة استرقاقه وعودته لموطنه الأم (فشودة) وميز الرواية المعرفة التاريخية.
(ج) أما رواية الغرق فقد وظفت المحكي الشفهي، والأخبار، والونس وعولت على تبيان قصة ثلاثة أجيال من المسترقين وحكاية عز القوم وحكاية فايت ندو وصولًا إلى عبير، لذا كان تجلي الرق موظفًا جزئيًا في النص الروائي على نسق مكثف.
(د) تناولت رواية «النهر يعرف أكثر» ثيمة الرق جزئيًا، وباتت الثيمة جزءًا من وقائع وأحداث تاريخية كبرى: غزو محمد علي للسودان، ازدهار تجارة الرق، مستثمرًا هذه المعرفة التاريخية وحولها عبر الانفتاح والتوسيع في السرد وقوامها النيل شاهدًا على كل ما جرى وميز الرواية مقارنة مع الروايات الأخرى تجسيد المسافة بين السيد والعبد (علاقة عطا المنان، وسعيد الكارم وإبراز صورة مثالية للعلاقة بين المسترق وسيده وأيضًا الإنداية قصة العبيد والأقنان.
(هـ) عالجت رواية الظمآن والسراب (الثيمة) في إطار معاصر، وترصد في متخيلها الروائي حقبة معاصرة حول قصة حب ثم زواج نشأت بين واحدة من العبيد في (فريق ورا) وقاسم الذي يسكن في (الخرطوم شرق) وتحديا كل الصعوبات لكنهما عانيا من الماضي الممتد في الحاضر إذ أضر تاريخ الأجداد بمستقبل الأجيال الجديدة ووظف الكاتب الحوارات لعكس وجهات النظر المتباينة، وأيضًا تقنية الإرهاص مع توظيف العناوين الداخلية (النجم إذا ارتقى) (والنجم إذا هوى) والعنونة بالأقطاب المتنافرة والمتشابة.
(ز) وسمت نصوص المتن باختلاف تجلي ثيمة الرق بثنائية الشخصيات: مالك مسترق، إضافة إلى أبعاد اجتماعية أخرى (الغجر) واختلفت نمذجتها طبقًا لكل نص، والجدول أدناه يوضح صفات الشخصيات ومصادرها وأفعالها ضمن تواترها الكمي والنوعي.
ويمكن قراءة الجدول على النحو التالي:
تفوق عدد الشخصيات النسوية المسترقة في نصوص المتن على الشخصيات الذكورية.
تمايزت شخصيات المسترقين تجاه الاسترقاق من خنوع (مثل عطا المنان) أو تمرد مثل (الجنة).
بعض السادة في نصوص المتن جسروا علاقتهم مع عبيدهم وفقًا لقيم إنسانية مثل سعيد الكارم، والطيب ابن العمدة الذي تزوج عز القوم بعد تحريرها.
استرعت شخصية (الرضية) الانتباه لكونها مسترقة وهي كاتمة أسرار العمدة وكانت تدير الإنداية لصالحه.
أطلق على جل الشخصيات أسماء اختصت بالمسترقين (نايبو) (أمابيو) حول إلى علي جفون كما خُتن وألبس ملابس خارج إطار هويته الثقافية وحينما تحرر بانتمائه للجندية عمل على تحرير آخرين وأخريات وسار على الدرب من استرقاقه حتى تحرره.
تم توظيف حساسية اللون والتسمية في كل نصوص المتن لتأكيد كل ما يتعلق بدلالات الرق، وفي سياق آخر وردت إشارات لمجموعات أخرى مهمشة (الغجر) في رواية (الغرق).
عالجت رواية الظمآن والسراب موضوعة الرق في زمن معاصر، من خلال شخصيتين الأولى سلسلة أرقاء (عتقاء) والثانية تنتمي إلى أسرة ثرية، أمل وقاسم حاولا تخطي مرارات الماضي وتزوجها، فشل الزواج وانفصلا، والشاهد أن قاسم لم يتبلور تمامًا وكان الفراق، ففريق ورا والخرطوم شرق لا يلتقيان كما ورد في النص.
لقد كان منطلق هذه الدراسة تقصي تجليات الرق في نماذج من الرواية السودانية عبر متخيلها الإبداعي، وسعت لتقصي تلك التجليات، وقد غطت نصوص المتن حقبًا مختلفة بداية بازدهار الرق عبر التركية والمهدية والحكم الإنجليزي المصري وصولًا إلى الدولة الوطنية حتى حقبة جعفر نميري، تلك التمظهرات ظلت باقية في متن النصوص بدرجات مختلفة، ويكفي المتن أنه عبّر من المسكوت عنه إلى الإفصاح، وأبرز صوت المستعبدين والمُهمشين.
الهوامش
1 – هاشم ميرغني: الهويات المُركبة في سرد المنفى، دراسة قدمت في مركز عبد الكريم ميرغني بأم رمان.
2 – مادة: العبودية- الرق الموسوعة السوفيتية.؟
3 – نفسه.
4 – محمد سعيد القدال: تاريخ السودان الحديث 1820-1955، مطبعة جامعة الخرطوم، 89.
5 – محمد سعيد القدال: تاريخ السودان الحديث، 1820-1955، مطبعة جامعة الخرطوم، ص 96.
6 – محمد إبراهيم نقد: علاقات الرق في المجتمع السوداني، السمات، النشأة، الاضمحلال، دار عزة للطباعة والنشر، الخرطوم، 2003، ص 90.
7 – أ. ب ثيوبولد، المهدية تاريخ السودان الإنجليزي المصري 1881-1899، ترجمة: محمد المصطفى حسن عبد الكريم، مركز عبد الكريم ميرغني 2010، ص 47.
8 – يوشيكو كورينا: علي عبد اللطيف وثورة 1924، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، ص 45.
9 – منصور خالد: جنوب السودان في المخيلة العربية الصورة الزائفة و
10 – علي المك، الأعمال الكاملة، مجموعة حمى الدريس، قصة مقدمة في قصته، ص 217.
11 – تميز رجي شاركي في كتاب: تاريخ الرق في السودان بأقلام غريبة، ترجمة بدر الدين هاشم، الناشر دار باركود، الخرطوم 2020، ص 141.
12 – صلاح البشير: الإنداية، قصة الأقنان والعبيد ص 24.
13 – الرواية ص 241.
14 – الرواية ص 60.
15 – الرواية ص 52.
16 – الرواية ص 52
17 – الرواية ص 75-67.
18 – الرواية ص 46.
19 – الرواية ص 172.
20 – الرواية ص 152.
21 – يوسف فضل: دراسات في تاريخ السودان وأفريقيا وبلاد العرب، ج3، سودانك المحدودة، 2007، ص 157.
22 – ابن دريد: الإشفاق، تحقيق عبد السلام هارون، القاهر 1958، ص 4.
23 – الرواية ص 95.
24 – الرواية ص 95.
25 – الرواية ص 46.
26 – ينظر ديفيد لودج، الفن الروائي، ترجمة ماهر البطولي، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، ع 288، 2002، ص 218.
27 – ينظر جيرار جنيت، بحث في المنهج، ترجمة محمد معتصم، عمر مي، وعبد الجليل الأزدي، مطبعة النجاح، الدار البيضاء 1996، 265.
28 – عبد الرحيم الكردي: الراوي والنص القصصي، مكتبة الآداب، القاهرة 2006، ص 18.
29 – الرواية ص 5.
30 – الرواية ص 5.
31 – الرواية ص 13.
32 – الرواية ص 156.
33 – الرواية ص 177.
34 – الرواية ص 178.
35 – الرواية ص 179.
36 – الرواية ص 185، 186.
37 – الرواية ص 327.
38 – الرواية ص 190.
39 – الرواية ص 187.
40 – الرواية، ص 29.
41 – ينظر: نبيلة إبراهيم: قَصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية، دار العودة، بيروت، ص 34.
42 – الرواية، ص 190.
43 – الرواية، ص 49.
44 – الرواية، ص 50.
45 – محمد برادة: الرواية العربية ورهان التجديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ص 74.
46 – ينظر: مجموعة من المؤلفين: تاريخ الرق في السودان بأقلام غربية، ترجمة بدر الدين حامد الهاشمي، دار باركود، الخرطوم 2020، ص109.
47 – الرواية، ص 43.
48 – الرواية، ص 43.
49 – الرواية ص 11.
50 – الرواية، 329.
51 – حمور زيادة: الغرق حكايات القهر والونس، ص
52 – الرواية ص 68- ص 69.
53 – الرواية، ص 70، ص 73.
54 – الرواية، ص 19.
55 – الرواية، ص 70.
56 – نفسه.
57 – الرواية ص 42.
58 – رولان بارث: التحليل البنيوي للسرد، ضمن كتاب التحليل النص، منشورات الزمن، ترجمة وتقديم، عبد الكبير الشرقاوي، 2001، ص 41
59 – الرواية، ص 26.
60 – الرواية، ص 67.
61 – الرواية، ص 68.
62 – الرواية، ص 254.
63 – الرواية، ص 63.
64 – الرواية، ص 235
65 – الرواية ص 264.
66 – أسامة الشيخ إدريس: النهر يعرف أكثر (رواية)، مركز عبد الكريم ميرغني، أم درمان، 2022، ص 11.
67 – منصور الصويم: تسريد العبودية في الرواية العربية، مأزق الأسود ثيمة الرق في الرواية السودانية، ورقة علمية قدمت في مؤتمر روائي بتونس.
68 – الرواية ، ص ص 27- ص 28.
69 – الرواية، ص 21.
70 – الرواية، ص 24.
71 – الرواية صفحة المقدمة.
72 – الرواية، ص 32.
73 – الرواية، ص 30
74 – الرواية، ص 21.
75 – الرواية، ص 31.
76 – الرواية، ص 49.
77 – هشام موساوي، سؤال التجنيس في الرواية المغربية بين المناص والنص- بحر نون لعبدالله بن عرفة نموذجًا، مجلة عالم الفكر (كويتية)، العدد 187، يوليو- سبتمبر 2022، ص 124.
78 – طارق أحمد خالد: الظمآن والسراب، وقائع مشوار قاسم عبد المنعم، دار مدارك، 2012.
79 – الرواية، ص 54-55.
80 – الرواية، ص 55.
81 – الرواية، 56.
82 – الرواية، ص 72.
83 – ينظر: مبروك المناعي، شعرية السواد في كافوريات المتنبي، مجلة علامات (سعودية) المجلد التاسع، جزء 33، 298.
84 – الرواية، ص 92.
85 – الرواية، ص 94
86 – الرواية، ص 117
87 – حميد لحمداني: أسلوبية الرواية، مدخل نظري، منشورات دراسات سال الدار البيضاء، المغرب، 989/ ص 900.
88 – الرواية، ص 26.
89 – ينظر: لطيف زيتوني، مُعجم مصطلحات نقد الرواية، مكتبة لبنان ناشرون دار النهار للنشر، بيروت، بيروت لبنان 2002.
90 – الرواية، ص 127.
91 – الرواية، ص 190.
92 – الرواية، ص 191.
93 – الرواية، ص 22.
94 – الرواية نفسه
95 – الرواية، ص 233