إعداد وتقديم :سليم باب الله أوغلو- إمام ويردي حميدوف
باحثان من أذربيجان
يتمتع الشعب الأذربيجاني بأدبٍ يمتدّ تاريخه عبر قرون، وقد نبع هذا الأدب من الإبداع الفني للشعب، وتنوعت النماذج الأدبية والفنيّة التي أبدعها الكتاب والشعراء الموهوبون في مختلف المراحل التاريخية.
لقد استقرتْ شعوبٌ أخرى أيضًا على أرض أذربيجان، التي كانت تعيش فيها الشعوب الناطقة بالتركية؛ ونتيجة لذلك أُتيحت الفرصة لتنمية التعددية الثقافية هناك. فقد كان الإيمان بالله -الذي عرفه الأتراك القدماء كإله واحد – قريبًا منهم أيضًا، وذلك بجانب عبادة النار قبل ظهور الإسلام.
وبعد انتشار الإسلام في أذربيجان، تجلّى تأثير الإسلام في الأنشطة الأدبية والثقافية، كما كان الحال في المجالات الروحية والأخلاقية. إنَّ الشِّعْرَ العربي الذي نشأ حتى قبل الإسلام، وقد أُثرِيَ بالأخلاق الإسلامية والإنسانية؛ ونتيجة لذلك أثَّر انتشار الأدب العربي في أذربيجان تأثيرًا إيجابيًا، كما أثر في الكثير من الدول الشرقية المسلمة.
لقد أتقن الأذربيجانيون -الذين عاشوا في ظل الخلافة العربية الإسلامية الموحدة- اللغةَ العربيةَ إتقانًا جيدًا منذ الأيام الأولى لانتشار الإسلام، لدرجة أنهم انخرطوا في الإبداع الأدبي والفني بهذه اللغة، في الوقت نفسه، كان نشاط المَوالي يلفت الانتباه.
ذكر «ابن قتيبة الدينوري» في القرن التاسع في كتابه «الشعر والشعراء» أنَّ الشعراء الموالي الأذربيجانيين نظموا الشِّعر في المدينة المنورة في القرن الثامن، وكان جميع الشعراء الموالي في ذلك الوقت في المدينة المنورة من أذربيجان. كما ذكر «ابن قتيبة» بعد ذلك أنَّ أشهر هؤلاء الشعراء، هم: «موسى شهاوت»، و«إسماعيل بن يسار»، و«أبو العباس الأمان»، وأفرد لهم في كتابه جزءًا للحديث عنهم، وعرض نماذجَ من أشعارهم.
واستمر بعد ذلك تقليد الكتابة والإبداع باللغة العربية في المراكز الثقافية الأخرى للخلافة العربية الإسلامية من غير الموالي، وكذلك في أذربيجان. وحافظ اللغويون وكُتَّاب التذاكر الأدبية على تراث هؤلاء الشعراء؛ مثل: «كتاب الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني، وكتاب «يتيمة الدهر» لأبي منصور الثعالبي، و«دمية القصر» للباخرزي، وكتاب «معجم الأدباء» لياقوت الحموي.
تلقى بعض الأذربيجانيين تعليمهم في بغداد ودمشق والقاهرة وحلب وغيرها من عواصم الخلافة العربية الإسلامية، وعاشوا في تلك المدن، وواصلوا أنشطتهم الإبداعية.
حظيت القصائد العربية التي نظمها «الخطيب التبريزي» مدرس المدرسة النظامية ببغداد (القرن الحادي عشر)، بتقدير كبير من قبل الشعراء وكُتَّاب التذاكر الأدبية في ذلك الوقت. وأهم ما يميز هذا العالم أنَّه قام بشرح الأشعار العربية. ومن بين هذه الشروح شرح ديوان «الحَماسة» لأبي تمام، وشرح «رسالة الغفران» و«رسالة الملائكة» لأبي العلاء المعري. ويعترف علماء اللغة المعاصرون والمستشرقون المشاهير بأنَّ «الخطيب التبريزي» في شروحه كان على دراية تامة بدقائق اللغة العربية، كما أنَّه أدخل بعض التجديدات على علم الشروح. وقد بَيَّنَ العالِم الأذربيجاني «الخطيب التبريزي» في شروحه أنَّه على دراية بالأدب وعلم اللغويات والتاريخ والأثنوجرافيا.
عَبَّرَ الشعراء والأدباء في أذربيجان في أعمالهم المكتوبة بالعربية عن أفكار المفكرين العرب ووجهوها إلى الاتجاهات الأدبية والفلسفية الجديدة. فقد وضع «يحيى السهروردي» أساس مذهبه الذي عُرِفَ بـ«حكمة الإشراق». كما تم الترنم بحب الوطن في القصائد العربية لـ«عمر الكنجوي» الذي كان معاصرًا للشاعر الأذربيجاني الشهير «نظامي الكنجوي». ويمكن اعتبار رسائل «مسعود بن نمندار البيلاجاني» نموذجًا للنثر الفني.
وقد انتشرت قصائد الشاعر الأذربيجاني العظيم «خاقاني الشيرواني» باللغة العربية في الشرق الإسلامي في القرن الثاني عشر؛ بسبب قيمتها الفنية. وأتقن الشاعر خاقاني الشيرواني دقائق شعر الشعراء العرب أمثال «حسان بن ثابت» و«المتنبي»، ونظم قصيدة جديدة في وصف «المدائن» التي تناولها البحتري في شعره. وذكر العالم المصري عبد العزيز فهمي أنَّ «خاقاني» رسم في هذه القصيدة مشاهد تتعلق بوصف نهر دجلة، لا مثيل لها في الشعر الفارسي.
وشمل أيضًا الأدب الأذربيجاني بداية من القرن الرابع عشر نماذج شعرية باللغة العربية؛ مثل: أشعار الشاعرين الأذربيجانيين «عماد الدين نسيمي»، و«محمد فضولي».
كما انتشر في العصور الوسطى استخدام العروض التي يقوم عليها الشِّعر العربي، وذلك بجانب الوزن المقطعي المستخدم في الشِّعر الأذربيجاني.
كما انتشر في الأدب الأذربيجاني شعر الغزل انتشارًا واسعًا، واشتهر الكثير من الشعراء الأذربيجانيين في القرون الوسطى بقصائد الغزل التي نظموها أمثال الشعراء «نسيمي»، و«فضولي»، و«خطائي»، و«واقف» (القرن الثامن عشر)، و«ناتافان» (القرن الثامن عشر)، و«سيد عظيم شيرواني» (القرن التاسع عشر)، و«صابر»، و«قاصير»، و«شهريار»، و«واحد».
تناول الكتاب الأذربيجانيون العناصر والمواضيع الإسلامية في الأدب العربي، وأبدعوا نماذجَ فنية رائعة؛ إذ تأثر الكاتب الأذربيجاني «عبد الرحيم حقفيردييف» بـ«رسائل المعري» وكتب قصة «رسائل جهنم لمصاص الدماء».
دخلت العلاقات الأدبية الأذربيجانية العربية في القرن العشرين مرحلة جديدة؛ إذ تُرجمت أعمال الكُتَّاب والشعراء العرب إلى اللغة الأذربيجانية، وأبدعت أعمال باللغة الأذربيجانية تتناول الأحداث المتعلقة بالعالم العربي.
كما ترجمت روايات «جرجي زيدان» التاريخية «عروس فرغانة»، و«الأمين والمأمون»، وكذلك أعمال «نجيب محفوظ»، و«يوسف السباعي»، و«عبد الوهاب البياتي»، و«جميل صدقي الزهاوي» إلى اللغة الأذربيجانية. كما نظم الشاعر الأذربيجاني القدير «عثمان صاريفالي» قصيدة حول البطلة الجزائرية «جميلة بو حيرد».
وفي الآونة الأخيرة، بدأ القارئ الأذربيجاني في التعرف على الحياة الأدبية في سلطنة عُمان. وفي هذا الصدد، يجب الإشارة إلى جهود الشاعر الأذربيجاني «سليم بابولا أوغلو»، أمين اتحاد كتاب أذربيجان، والأستاذ الدكتور «إمام ويردي حميدوف»، رئيس قسم بمعهد نظامي الكنجوي للأدب، والدكتورة «عائشة الدرمكي»، رئيسة مجلس إدارة النادي الثقافي- مسقط (سابقا). ونتيجة لتعاونهم المشترك، نُشر في باكو كتاب «مقالات حول عُمان». ويحتوي هذا الكتاب على نماذج لأعمال الكُتَّاب والشعراء العمانيين، ثم نُشِرَ هذا الكتاب أيضًا باللغة الروسية في موسكو.
وفي الختام، نأمل أن تتسع العلاقات الأدبية الأذربيجانية العربية، بما يحقق التقارب بين الشعب الأذربيجاني والشعوب العربية، كما نرجو تنشيط حركة الترجمة بين اللغتين العربية والأذربيجانية؛ من أجل معرفة التطور القائم بين الدول العربية وأذربيجان في المجالات المختلفة.