بوشعيب الساوري
باحث مغربي
من بين الأسئلة التي تثير الباحث في إشكالية حضور الفانتاستيك في الأدب العربي عمومًا، وفي الرواية العربية بشكل خاص هناك سؤال مثير وهو؛ هل هذا الحضور نابع من استلهام التراث النثري العربي الغني بالعجيب أم أنه جاء استجابة لحاجة جمالية اقتضاها تطور الرواية العربية في إطار تصاديها مع الرواية الغربية؟ أم أن الفانتاستيك كان مرتبطًا ببنيات ثقافية مغايرة لنظيرتها العربية؟ أم أنه كان وليد واقع الروائي العربي وتحولاته المحبطة والمخيبة للآمال؟ ويترتب عن هذه الأسئلة سؤال آخر وهو: هل يُمكن أن نُدرج التراث النثري العجيب ضمن الفانتاستيك؟ خصوصًا وأن محاولات كثيرة لتأصيل الفانتاستيك تُرجعه إلى قرون سابقة على القرن الميلادي الثامن عشر، وقد اعتبر كثير من الباحثين من بينهم تودوروف وكاستيكس أن ظهور ألف ليلة وليلة كان كميلاد لعالم خاضع لقوانين مختلفة1 عن قوانين العالم الواقعي.
منذ أن صار الفانتاستيك موضوعًا للدراسات الأدبية، تطور التفكير النقدي حوله في ثلاثة اتجاهات أساسية: الأول هو تاريخ الفانتاستيك، الثاني هو حدود الفانتاستيك والثالث معالجته وفق التصور الفرويدي.2
ستحاول هذه الورقة الاندراج ضمن الاتجاه الأول، وتحديدًا الانشغال بالسياق الثقافي والاجتماعي والفكري الذي ظهر فيه الفانتاستيك، والتدقيق في شروط انبثاقه3 انطلاقًا من تصور لتاريخ الأدب يعتبر الأدب نتيجة لروح العصر بلغة مشيل فوكو، وهذا الاتجاه مغيب في جل الدراسات العربية التي تناولت الفانتاستيك، ونعتقد أن هذا الاختيار سيمكننا من الإجابة عن الأسئلة أعلاه.
وما دفعنا إلى السير في هذا الاتجاه هو أن كثيرًا من الدراسات العربية التي انشغلت بالفانتاستيك لم تراع الخلفيات التاريخية والفكرية والنظرية المؤطرة لسياق ظهوره ولم تعرها الاهتمام الكافي، بل غضت الطرف عنها متناسية الخصوصية الأساسية للفانتاستيك وهي القلق الذي يبقى وليد العقلانية الصارمة. الأمر الذي يؤدي إلى فصل المفهوم عن سياق ظهوره، وتجريده من حمولته المعرفية والتاريخية ويقود إلى تشويهه، وهو أمر غير مقبول؛ لأنه من غير الممكن إخراج النص الأدبي عن سياق إنتاجه وشروط إمكانه. وسيكون الإقدام على هذا العمل نوعا من الإسقاط الفج.
-1 بذور الفانتاستيك في الرومانسية
بات من المعلوم أن ظهور الفانتاستيك ارتبط بالحقبة التاريخية للرومانسية. ويقود التأمل في الحركة الرومانسية وعلاقتها المتوترة مع فكر الأنوار إلى وجود قواسم مشتركة بينها وبين الفانتاستيك، بل إن الرومانسية احتضنت بذورًا للفانتاستيك، انطلاقًا من الحمولة المفهومية لمصطلح الرومانسية، وصولًا إلى الرؤى والتصورات الفكرية والجمالية الحاضنة لها.
وتؤكد دلالة كلمة الرومانسية ذلك؛ إذ إن معنى الصفة الإنجليزية (Romantic) الذي أُلبس إليها في النصف الثاني من القرن الميلادي الـ 17 معنى قريب جدًا من تقبلات الفانتاستيك. فعلًا كانت الرومانتيك مرتبطة غالبًا بما هو خاطئ وفانتاستيكي ولا عقلي، وتحديدًا مثل القصص التي كانت تُحكى في الرومانس القديم، ومن هذه الصفة اشتق. وكانت الرومانتيك في القرن الميلادي السابع عشر مرادفة لكل ما هو خيالي وما هو سخيف وما هو غير طبيعي ومُنمق. وكل ما كان يشبه منتوجًا فانتازيًا غير منتظم كان يسمى رومانتيك.4 وكما يقول شليجل إن الرومانسية هي بالضبط من يتمثل ذاتًا شعورية داخل شكل فانتاستيكي.5 وحسب فيخته الوعي بالذات ممكن فقط إذا عرف الأنا ما ليس أنا الذي يتطابق مع الواقع خارج الذات، فإذا لم يفترض الأنا اللاأنا لن يتعرف على حدوده.6 وتعتبر الرومانسية العالم مركزًا للمختلف والمتعدد، حيث تتعايش المتعارضات، والعالم وعاء لتمظهرات مختلفة للإلهي. ويسعى الروح الشعري لفهم هذا التعدد بتنظيم الأجزاء داخل مجموع منسجم، ليخلق التناغم انطلاقًا من العماء.7 ففي الواقع هناك دائمًا شيء لا يمكن معرفته، والذات لا تدرك سوى تمظهره الخارجي، دون أن تصل أبدًا إلى فهم ماهيته. والروح الشعري يمتلك القدرة على إدراك أجزاء الماهية الروحية للأشياء.8
والشعر الرومانسي شعر كوني وتقدمي يريد مزج الشعر بالنثر، والعبقرية بالنقد، وشعر الفن بشعر الطبيعة، إنه لا يفهم إلا ما هو شعري. ويروم تمثل الماهية الشعرية لكل مظهر من مظاهر الواقع ليصل به الأمر إلى رؤية الشعر فيما يظهر أنه ليس شعرًا. انطلاقًا من كون أن لا حدود للشعر، تتطابق فيه المتقابلات؛ كتطابق الأجزاء والكل، هو ما يخلق الشعر.9
ومن أجل أن يتمكن الروح من التعبير عن نفسه بحرية تامة يجب تأسيس العلاقة الأصلية بين الإنسان والطبيعة.10 ويبحث هوفمان بدوره عن تأسيس علاقة أصلية بين الإنسان والطبيعة، بين الإنسان والفن، انطلاقًا من نقد عصر الأنوار ومنطلقاته الفكرية. ويحدد هوفمان الهدف الحقيقي من الفن والمتمثل في تحرير الإنسان من كل آلام هذه الدنيا ومن كل الضغوطات الساحقة للحياة اليومية.11 إذ ينبغي أن يكشف اليومي عن المعنى النبيل الذي يخفيه، بشكل مفارق، وأن ما هو عام يكشف عن الطابع الغامض الملغز وأن المعروف يتلقى مقام اللامعروف/ والمحدود هو مظهر اللامحدود.12 فانطلاقًا من الظاهر البسيط للأشياء المألوفة جدًا يصل الروح الشعري إلى القبض على قدسية الطبيعة وجلالها وسرها الذي تخفيه.13
وتتطابق سيرورة الرومانسية مع عمل الروح الشعري، لأنه هو تعبيرها الخاص، وهو يتغذى من الإلهي الذي يتجلى في الواقعي.14 فإذا كانت وحدة الأنا قد دمرت بواسطة العقل، فقد تم إعادة تأسيسها بواسطة الشعر بفضل الفن التوليفي الذي خلق روابط جديدة باستعمال ما تم تكسيره.15
وتبقى السخرية لدى الرومانسية أداة لبلوغ اللامحدود انطلاقًا من المحدود. وهي وسيلة أو أداة الروح الشعري الذي يخلق انطلاقًا من الكاوس، لأنه لا يمكن أن نخلق الحياة انطلاقًا من النظام العقلاني. والسخرية هي أداة المفارقة لكنها أيضًا جمال لأنها تذهب إلى ما وراء المنطق.16
كما يعبر الشعر عن ذاته عبر الجنون الذي هو نتيجة للخيال، ويتعلق الأمر بتعبير مفارق لشيء ما يوجد داخل الطبيعة، والذي يعطي للشاعر نوعًا من التعويض.17 والرومانسي هو مترجم للواقع اللامحدود الذي يغنيه بواسطة توسطه، فيتمثل، بطريقة ذاتية، ما هو موضوعي.18 وتريد الروح الرومانسية التفكير في السر الروحي المختبئ داخل كل مظاهر الواقع.19 لتتعايش في الشعر الرومانسي المتضادات؛ الحقيقة /المظهر، الجد/اللعب… فالرومانسية تتغذى من مبدأ روحي وترتكز في الآن ذاته على أسس تاريخية وهو ما يجعلها قريبة من الفانتاستيك.
وقد جاء ميلاد النصوص الفانتاستيكية في أعقاب الرومانسية التي كانت بدورها بمثابة رد فعل على التحول الجذري الموسوم بالقطيعة مع البراديغم الرمزي السابق20 أي القروسطي، وبطريقة أقل مثالية.
وإذا كانت الرومانسية قد سعت إلى إيجاد أجوبة فإن الفانتاستيك انشغل بطرح أسئلة قلقة أمام الإشكالات اللامتعددة للاعقلاني المشاهد والمحسوس به والموجود في كل مكان، لكنه متوارٍ داخل ما سُمّي بالعقلانية الجديدة.21 لذلك نجد محكيات الفانتاستيك تتأسس على المفارقات والمشكلات العويصة التي تُغذي الشعور بالغرابة والقلق وعدم الشعور بالأمان أمام واقع رمزي فقد انسجامه القديم. ومن أجل الهروب إلى اللامعقول أو الجنون، أخذ الخيال بعين الاعتبار واقع القطيعة القديمة وضرورة إيجاد وحدة داخل التعدد بتدخل الروح الشعري.22 وبذلك تشير الرومانسية والفانتاستيك إلى ظهور لا معقول غير مؤطر برمزية دينية واضحة، وإنما يعطي لهذا اللامعقول أجوبة مختلفة.23
-2 نحو علاقة رمزية
جديدة مع العالم
عرفت أوروبا مع الثورة الصناعية تحولات وجدانية كبيرة وعميقة، تمثلت في التدشين لصيغة جديدة من العلاقة الرمزية مع العالم، بعد أن كان نظام العالم، ما قبل الحداثة، منتظمًا بواسطة حضور فوق الطبيعي والذي كان يمنحه توازنه وانسجامه، إذ كان يتم ربط الأشكال فوق الطبيعية باللامعقول تحت إطار رمزية دينية،24 ونشأ الشعور الفانتاستيكي انطلاقًا من البون بين خطاب العقلانية الجديدة (الاقتصادي والسياسي والشعري) والمعيش اليومي.25 بعد أن تمت خلخلة الانسجام القروسطي، على مستوى المعتقدات والمؤسسات وعلاقات الأفراد، بوضع قطيعة مع الإبستمي السابق والانتقال إلى إبستمي جديد، أي الانتقال إلى الحداثة والعقلانية التي حاولت القطيعة مع فكر القرون الوسطى الذي كان يضفي على العالم طابعًا سحريًا، وهو ما حاولت الحداثة مواجهته بنزع الطابع السحري عنه، وتضييق الخناق على الخيال وعلى كل ما اعتبر معارضًا أو مخالفًا للعقل. وهو ما أدى إلى نشوء أزمة في المعنى، وأتاح الفرصة لظهور الفانتاستيك الذي كان كمحاولة لتأسيس رمزية جديدة في غياب سند مذهبي مفسر أو ميتافيزيقي.26
ولهذه الخاصية الجديدة علاقة مع الانقلاب الاقتصادي والسياسي والسوسيورمزي. فبدافع من الضرورة التاريخية، تم الانتقال من تصور تيولوجي للعالم إلى نموذج مغاير وإلى نموذج اقتصادي وسياسي جديدين تمثل في التغيرات الاقتصادية والسياسية التي عرفتها الثورات البورجوازية والتي توجت بالدمقرطة ومجيء النموذج الصناعي لإنتاج الثروات، وذلك في علاقة بانقلاب النظام الذي كان حتى ذلك الحين الوحيد القابل للإدراك، وكان يبدو أنه مؤسس من طبيعة الأشياء، لم يتم هذا الانقلاب دون قفزات فجائية ودون خسائر ودون فتن.27 لكن باسم العقلانية، وبحكم فعاليتها، تم فرض هذا النظام شيئا فشيئًا. وهو ما سجل مفارقة وهي أن هذا النظام الجديد الذي أراد أن يؤسس على العقل لا يمكنه أن يفرض إلا بواسطة نقيضه ألا وهو العنف. ولهذا العنف، دون شك، علاقة مع استحالة الأخذ بعين الاعتبار كسر الروابط القديمة التي تمت صياغتها من قبل التاريخ، وإرجاعها بحكم العادة إلى بعد مقدس، حين تم الإحساس بها فقط على أساس أنها لا عقلانية غير ضرورية.28 يتعلق الأمر بفرض تمثل عن العالم كشمولية.29 وفرض إبدال فكري وروحي بعنف. وكانت لذلك انعكاسات سلبية على ما هو نفسي واجتماعي بسبب تضييق الخناق على ما كان يعتقد أنه يتعارض مع العقل والعلم ألا وهو الخيال. هكذا تم الانتقال من نموذج إلى نموذج جديد يحاول فرض نفسه بعنف على جميع المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والأدبية.
ارتبط ظهور الفانتاستيك، إذن، بالدور الأساس للقطيعة الإبستمولوجية المتمثلة عمومًا في الانتقال في القرنين الميلاديين السابع عشر والثامن عشر، من عالم كان يُهيمن عليه الاعتقاد إلى آخر غزته بشكل تدريجي العقلانية العلمانية، وهي لحظة مفصلية حيث لم يصبح فيها اللاهوت قادرًا على تفسير الظواهر، وحيث إن المحاولات لإعداد معرفة علمية عن العالم لا تصل إلى حدوث يقينيات جديدة.30 ويؤكد بوزوتو31 أن الفانتاستيك تأسس في حقبة لتطور الفكر الغربي، حين ادعى الخطاب المهيمن أنه عقلاني، بسعيه إلى حبس كلية الواقع في خطاب العقلانية، بصيغة أخرى حاول العقل التفكير بمسح الطاولة عن كل ما كان سائدًا قبله، بالانقطاع عن كل ما هو سابق له من أجل تأسيس صورة العالم، صورة قادته إلى رفض كل ما لا يدخل في قوانينه. وبالتالي فالفانتاستيك غير منفصل عن فشل النموذج الأدبي الذي كان مهيمناً لعدة قرون، ألا وهو التصور المحاكاتي للخلق الفني الذي يقصي فوق الطبيعي من مجال الأدب. أصبح هذا النموذج غير متوافق وغير ملائم كثيرًا لحقبة شهدت تحولات مستمرة وعنيفة ستغير البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للعالم الغربي.32 وسيكون لها تأثير على نفسية أفراد المجتمع، من خلال ما خلفته من أزمات روحية.
يرجع الفانتاستيك، بداية، إلى طريقة في الكينونة لها صلة بالخيال.33 كما أن تمثل العالم الذي يقيمه الفانتاستيك غير منفصل عن الأزمات والمآزق السياسية والاجتماعية والعلمية والفلسفية التي حدثت بشكل فجائي في نهاية القرن الميلادي الثامن عشر، إذ حلت أزمة قيم عميقة دفعت الإنسان إلى خلق أخلاقه وقيمه الخاصة. وهو ما يفسر قيام الفانتاستيك على رؤية للعالم خاصة به وعلى منظور لعلاقة الإنسان بذاته وبالعالم، إذ تذهب التجربة الفانتاستيكية إلى إخراج القلق الأساسي للإنسان والمحروم من أي تبرير، وتسمح له بإعطاء معنى لوجوده ورؤية الواقع بعيون أخرى، إنه أيضًا فضاء لتشخيص الدواخل الإنسانية وما يعتريها من خوف وما يعتمل فيها انطلاقًا من قلق المعيش والأمل في الخلاص.
كانت لهذا الحصار ردود أفعال تتعارض مع ما كان يسعى إليه النظام العقلاني، إذ أخرج مجيء نظام العقل، إذن، إلى الوجود حضور اللاعقلاني الذي كان محاصرًا وممنوعًا، وسط العالم الذي شيده العقل ولم تكن حينذاك أي لغة تعبر عنه. سيعطي هذا الإكراه اللامحتمل مكانًا لسلوك انعطافي، سيحاول تصويره، والذي سيتمثل في ميلاد نمط جديد من السرد التخييلي أو فوق الطبيعي يبتلعه اللاعقلاني.34 ألا وهو الفانتاستيك.
نشأ الفانتاستيك وسط حقبة هيمنت عليها فلسفة الأنوار، لكنه لم يتقيد بها كنوع من الارتداد على العقل الأنواري الصارم والتمرد عليه. وذلك بإعادة استعمال التيمات العجائبية القائمة على العجيب الأسود الذي نشأ في عصر قمع مذهب الحيوية والسحر التي كانت في فترة النهضة.35 وبالتالي لأول مرة في تاريخ الفكر الغربي سيتشكل جنس تخييلي في علاقة نقدية مع الخطابين الموجودين: الفلسفي/العلمي والديني، دون أن يجد إبدالًا خطابيًا يبقى ضمن النظام التصويري.36 وبما أنّ التخييلات السردية للقرن الميلادي الثامن عشر لم تطرح للنقاش الأشياء وإنما صيغ تمثل وخطابات الحقيقية، سيحدد الفانتاستيك ليس كجنس أدبي، وإنما كسجل مميز بالمسافة بين الخطاب وموضوعه، مسافة ترسم على عمق القلق الميتافيزيقي الذي يثيره.37
هكذا لم يكن تمثل العالم، الذي افتتحه الفانتاستيك، منفصلًا عن الأزمات والمآزق السياسية والاجتماعية والعلمية والفلسفية والأدبية التي برزت في نهاية القرن الميلادي الثامن عشر، وبطريقة أكثر بداهة على طول القرن اللاحق، حين سادت أزمة قيم عميقة دفعت الإنسان إلى خلق أخلاقه الخاصة، لعدم وجود قانون أخلاقي كوني، بعد أن أصبحت يقينياته القديمة غير قادرة على خدمة الاستقرار النفسي للإنسان.38 فتم رفض الاعتقاد في الطابع المتعالي والثابت للقيم الأخلاقية والسياسية التي تتحكم في الحياة الإنسانية، وأصبحت كل الحقائق ترى من حينها متأرجحة وبالتالي أصبحت نسبية، لأنها وجدت نفسها فجأة موضوعاً للارتياب.39
-3 نحو إمكانات جديدة للعقل
انبثق الفانتاستيك في سياق ثقافي وفكري كانت فيه سيادة للعقل الذي حث عليه فلاسفة الأنوار، وقد تجسد ذلك من خلال الرغبة في عقلنة كل شيء من جهة، ومن جهة أخرى كانت هناك حاجة الطبيعة الإنسانية للبحث عن حدود جديدة لقدراتها، وذلك في تنسيق مع الرغبة في الهرب إلى عالم غير معقول في خلقه.40
يبدو أن الفانتاستيك مرتبط، في تقبله الواسع، بلحظات أزمة الفكر داخل تحقيب دوري في نهاية العصور التي كانت تعتقد في القدرة على إبداع تعبير مليء بالحياة، سواء أكان دينيًا أو علميًا.41 وبذلك يعبر الفانتاستيك عن الارتيابية وخيبة الأمل التي أدت إليها الهيمنة الثقافية والفكرية لنسق فكري معطى.42 تمثل في العقلانية كإبدال معرفي، والواقعية كإبدال أدبي والتي حصرت الإبداع في محاكاة الواقع، وسيّجت الخيال، وحرمت القارئ من الأشكال البطولية والغريبة العامرة بمغامرات الفروسية وبعوالمها العجيبة، التي كانت تنعش خياله خلال القرون الوسطى.43
ارتبط ظهور الفانتاستيك الأدبي، إذن، بتقدم العقلانية العلمانية، إذ هو ثمرة ثغرات وتناقضات تفسير الظواهر.44 بعد الانتقال من ذهنية كان يهيمن عليها الاعتقاد وخاضعة لمنطق ما قبل عقلاني إلى ذهنية حديثة علامتها المميزة هي العقلانية.45 وما ترتب عنها من أزمة في المعنى وخلل في التوازن الوجداني.
وتجدر الإشارة إلى أن الفانتاستيك ليس مجرد ردة فعل على تصلب الخطاب العقلاني، وإنما هو ينطلق من فتح مجاهل جديدة تتوارى على العقل ولا يمكن النفاذ إليها عبر أطر العقل الحداثي والأنواري. وبذلك طرح الفانتاستيك سؤال الرغبة في المعرفة كرغبة خالصة وكنقص مستحيل تحقيقه، بالرغم من أن المعرفة التي يطرحها للتساؤل موجودة، لكنها مثيرة للاشمئزاز ولا أساس لها ولا أصالة.46 وهو ما حاصرته العقلانية.
لقد وجد كُتاب الفانتاستيك في هذه التيمة بمثابة إله جديد يحتمون به من عماء الواقع وتقييد الحداثة له، فخلقوا أعمالًا إبداعية جديدة يمتزج فيها الواقعي والعقلي باللاعقلي والمعيش بالخيالي، جاءت كبديل للعماء الذي أصبح يلف الوجود الإنساني، نتيجة محاصرة العقلانية لكل ما يعارضها، في إطار سعيهم إلى إيجاد معنى من خلال اللامعنى، بتحرير الخيال وتحرير الإنسان من أسر الواقعية، وإعطاء اللغة القدرة على منح الوجود لما ليس موجودًا، بعرض العلاقة الملتبسة بين الواقع واللغة، كما يتيح للخيال الإنساني إمكانات وآفاقًا جديدة للإنتاج الإبداعي والخلق الفني.
يبرز الفانتاستيك حدود العقل.47 ويتيح للإنسان التفكير خارج أسوار العقل في كل مخاوفه ووساوسه، وهو ما يجعله (الفانتاستيك) متسمًا بحمولة فلسفية، وبالدهشة التي هي أساس التفلسف كما أكد أرسطو، وهي قلب الفانتاستيك، بالسعي إلى إيقاظ العقول. على الرغم من كونه يستدعي اللامعقول بإثارة قدرتنا على التفكير فيما وراء الحدود المرسومة لتفكيرنا، فإنه يدشن لتفكير داخل عقلانية مرنة، تتيح التفكير بطرق أخرى.48 نظراً لكونه دعوة لتجاوز حدود العقل؛ إذ إنه يُبنى تحت حماية عقلانية مرنة وعامة تتضمن العقلانية الأولى. بعد أن وجهت العقلانية الخلق الفني وإلى نقد التقاليد الأدبية ورفض معاييرها الجامدة إلى البحث عن تجديد الشكل والمعنى في الإنتاج الأدبي، وهو ما فتح الطريق أمام الانفجار الرومانسي بشكل خاص في ألمانيا ولاحقا بفرنسا.49 لتتلوها وتولد من رحمها نصوص الفانتاستيك التي لم تكن بالضرورة ضد الأنوار، إذ إنها تحاول مقاربة الحقيقة العقلانية، بإبراز صعوباتها وشكوكها.50
لم يعتبر الفانتاستيك، في بداية القرن الميلادي التاسع عشر، شكلًا جديدًا لإدراك العالم فقط، وإنما هو شكل جديد لتمثله.51 ولم يعد الواقع مسيطرًا عليه ولا يتمثل أبدًا تحت منظور شمولي عقلاني، وإنما تحت منظور مزدوج ملتبس عقلاني ولا عقلاني في الآن ذاته.52 يتعلق الأمر بنظام جديد يتأسس على التناقض، فرض نفسه ابتداء من نهاية القرن الميلادي الثامن عشر، بشكل خاص، عبْر عُنف تحول اجتماعي سياسي واقتصادي اشتمل على فقدان الفرد لكل المعالم التي كانت تقوده. فلم يعد أمامه منظور وحيد آمن، عقلاني للأشياء.53 وبذلك تمّ تحويل النقاش الثقافي حول طبيعة أشياء الواقع المتصور أو فقط المتخيل إلى محكي.54 إذ وجد الكائن الإنساني نفسه مخترقًا بحالات نفسية متعارضة، تنطلق من الانتشاء إلى اليأس، من الاكتئاب إلى الغبطة. وتوقف عن أن يُحَدد بوظيفته الاجتماعية البسيطة، وبدأ يتصور نفسه ككائن فريد يصارع ضد رغبات يعجز عن كبحها.55 والفانتاستيك يسمح بالجمع بين المتناقضات التي صار يحبل بها الواقع، ويشخص قلق الإنسان وما يعتريه من مشاعر الخوف.
-4 الفانتاستيك وفردنة الخوف
الفانتاستيك مزدوج المعنى متناقض وملتبس وهو مفارق.56 ويتأسس على ظهور فوق الطبيعي في عالمنا المعتاد، وأيضاً تكمن مقصدية كاتبه في خلق مضايقة للقارئ وتخويفه أمام الفوضى التي يخلقها، بتسليطه الضوء على مختلف تصورات العلاقة الموجودة بين المتمثل في التخييل وعالم القارئ، في استقلال تام عن التيمات والوضعيات أو البنيات التي تدخل في إنتاجه. فلا يتوقف دور القارئ عند الشفقة على الضحية بل يصبح هو الضحية، حيث ينقل المحكي الفانتاستيكي الخوف والقلق المعاشين مِن قِبَل السارد والشخصية إلى القارئ. وذلك بانبنائه على مواجهة شخصية معزولة مع ظاهرة فوق طبيعية؛ وهو ما يخلق تناقضًا عميقًا بين أطر فكر وحياة الشخصية التي تزعزعها بشكل كلي ودائم. وهذا التناقض لا أساس له إلا حين ينتج مِن قِبَل القارئ أو المشاهد. ويظهر في محاولة الكاتب تسجيل كل تناقضات فترة تاريخية معينة داخل النص، انطلاقًا من كون الفانتاستيك ترجمة للتناقض الأساسي الذي يعيشه الإنسان في علاقته بواقعه وتناقضاته الناتجة عن الأزمات الفكرية والوجدانية، مثل التي خلقتها الحداثة للإنسان الأوروبي ابتداء من نهاية القرن الميلادي الثامن عشر.
وهو ما دفع بعض الباحثين إلى ربط ظهور الفانتاستيك بتطور مفهوم الخوف، من بينهم لويس فاكس الذي يؤكد أن الخوف هو لب الفانتاستيك عبر مشاركة انفعالية تجعلنا نتقهقر من الروحي إلى النفسي.57 وذلك بفردنة مشاعر الخوف. فعلى خلاف القرون التي هيمن عليها الإيمان الديني والتي جعلت من الخوف علامة على الضعف الإنساني، وعلى الخضوع الضروري لله، وكان الخوف أداة في النسق التيولوجي (إذ إن الخوف يهيئ الروح للوحي، ويجعلها ترغب وتطلب أخيرًا اختيار المؤمن ربه بالخوف من قوته). وعلى خلاف الحقبة الحديثة المتخلصة من هيمنة التيولوجيا على كل مرافق الحياة الإنسانية، وعلى خلاف التيولوجيا المسيحية التي بأرت الخوف حول مفاهيم وصور: الشر والشيطان، الموت وجهنم، الغير والسحر، الأمراض وعقابها الإلهي، الحوادث والسحر الأسود إلى آخره. وما زعزعته العقلانية خلال القرنين الكلاسيكيين هو العدة السيميولوجية للخوف وبناء عليه حررت المتخيل.58 ترك الفانتاستيك للخوف عتمته بصفته شعورًا فرديًا، دون الاعتداد بالأشياء التي يحدثها. وقد ارتبط التقبل الحديث للفانتاستيك، بالضرورة، تاريخيًا بفردنة مشاعر الخوف بتناظر مع إضعاف الرموز والعلامات التي كانت تسمح للفرد، في الإبستمي القروسطي، في الإطار الديني بالتسامي على خوفه الحميمي بمخاوف اجتماعية التي تجد تهدئة في أمل مسيحي كانت تقتسمه الجماعة.59
كانت في الخطاب التيولوجي للعامل فوق الطبيعي وظيفة رمزية، باعتباره لغة تقول العالم وتشكل الألغاز. في حين أن الخطاب العقلاني دفع التيولوجيين والمتنبئين إلى تطوير الوظيفة الوصفية والتحليلية للحوافز على حساب دلالتها الرمزية. أما الفانتاستيك فينسل إلى ثغرات الخطاب العقلاني الذي يبحث في إعادة بناء شرعية النسق التيولوجي على أساس عقلاني استجابة للإكراهات العلمية الجديدة.60 فيُحاول الإنسان البحث عن الفهم وهذا المجهود هو ما يغذي قلقه، والفهم ليس بالضرورة امتلاك المعرفة وإنما التخلص من الحيرة أمام الظواهر وأن لا يكون تحت هيمنتها.61 فقلق الإنسان هو الذي يدفعه إلى التطير وإلى التخيلات الفانتاستيكية.62 التي كانت بمثابة انفعال مثقف والذي تحقق، انطلاقًا من نفسه، على اعتبار أن الحل العقلاني لتساؤلاته لا يهدئ ولا يخفف من قلقه63 ووساوسه. وليس تأثير القلق الفانتاستيكي مرتبطًا، إذن، هنا بزيادة ستكون في غزو فوق الطبيعي الذي تحدث عنه كاستيس في القرن الميلادي التاسع عشر، وإنما في فقدان اليقينيات وفي فقدان الأوهام أيضًا، وفي فقدان الإحساس بالسيطرة على العالم وعلى الغير وعلى الذات.64 على عكس ما كانت تعتقد العقلانية الحداثية.
حوّل فقدان مقروئية وفعالية النسق الرمزي المُعد خلال القرون الماضية المعنية بالقلق البدائي، والخوف من الموت ومن الشر ومن الجوع ومن الغير ومن الطبيعة …إلخ، الحافز الأدبي إلى موضوع ملتبس. وفي المحاولات المتعثرة لتحققه وفي الإخفاق في الرمزية تمت ولادة الفانتاستيك.65
ما دام الفانتاستيك تمثيلًا لأشكال الخوف اللاشعوري والقلق الميتافيزيقي لدى الإنسان، فإنه يطرح أسئلة ميتافيزيقية حول حدود الوجود الإنساني، ليعانق الميتافيزيقا التي ليست سوى جزءٍ من أدب الفانتاستيك كما قال بورخيس. ليحاول الفانتاستيك حمل أمل للإنسان باستدعاء إمكانات القوى فوق الطبيعية، وإحداث استثناءات وخرق في القوانين الطبيعية، وذلك في التفكير من خلال اللعب في كثير من القضايا التي تظل مستعصية على الإنسان، ومحاولة تحريره من الوثوقيات والأفكار المسبقة التي كانت تكبل تفكيره. وبصورة منتظمة، أظهر هذيانُ التفسير المنطقي الذي ميز الخطاب الشيطاني العالم نهاية القرن الـ 17 قلقَ الخطاب الشيطاني المهووس بفقدان المعنى الوحيد بواسطة كذب العلامات.66 وهو ما جعل الفانتاستيك بمثابة جواب استطيقي عن أزمة التمثل.
-5 الفانتاستيك كجواب استطيقي عن أزمة التمثل
يترجم الفانتاستيك حنينًا إلى المقدس قوّته صرامة العقلانية التي حصرت مجال التفكير الإنساني فيما هو واقعي بتكريس جهودها للسيطرة عليه والتحكم فيه، وتجلى ذلك في تركيز الفانتاستيك على الحدث، وطرحه لأسئلة حول طبيعة الواقع بالجمع بين الحلم والواقع اليومي وفوق الطبيعي. نظرًا لارتباطه بأزمة معنى عميقة هزت كيان الإنسان الأوربي، إذ نبع الفانتاستيك من المفارقة بين خطاب العقلانية الجديدة الاقتصادية والسياسية والشعرية وبين المعيش اليومي ظهر الفانتاستيك حينها كجواب استطيقي عن الوعي بالانقطاع، بالإحساس بالتجزؤ والمفارقات التي كانت حملًا ثقيلًا على الأفكار الكبرى التي هيمنت على قرن الأنوار والتي هي أساس الاضطراب الذي اجتاز قرن الرومانسية، وعلى معرفة العقل والخيال، الحقيقة والكذب، الطبيعة وما فوق الطبيعة.67 مما جعل الفانتاستيك يعبر عن القلق الذي صار يعتري الإنسان، وأخذ يحاول الانفلات من سطوة العقل وحدوده.68 ويذهب نوديي إلى اعتبار ظهور الفانتاستيك حينها كتعويض عن العماء المتبث في المجتمع.69 خصوصًا وأن براديغم الواقعية أصبح عاجزًا عن ترجمة الواقع المتعدد اللامنتهي وفقد مصداقيته.70 باعتبار أن العامل المهيمن في الفانتاستيك هو مفهوم القطيعة مع العقلانية.71 وهو ما دفع التجربة الفانتاستيكية إلى إخراج القلق الأساسي للإنسان والمحروم من أي تبرير يسمح له بأن يمنح لوجوده معنى.72 ويتجاوز أزمة المعنى وتناقضات واقعه، ويتسامى على قلقه وخوفه باستثمارهما في العملية الإبداعية.
يتأسس الفانتاستيك على رؤية خاصة به للعالم وعلى منظور لعلاقة الإنسان بذاته وبالعالم.73 وذلك بإخراجه للتصدعات والتناقضات التي حدثت في حقبة زمنية، بإقامة حوار مع زمن تاريخي محدد، حيث توجد الأسئلة الكبرى على نظام ذلك اليوم هي حينها نسبية ومتموقعة تحت بُعد جديد ينشغل بالتيمات التالية: التسلط، عبث اليومي، فقدان الحرية، واستحالة قيام تواصل حقيقي، وهي تيمات مكرورة في الفنتاستيك الحديث74 وضد استحالة ترجمة الخارج، ارتدى الفانتاستيك والعجائبي المفارقة التاريخية من أجل محاولة إصلاح، نظام عاجز عن القبض على العالم كما هو أو يقود إلى جواب كاف عن العماء الذي يحاول تنظيمه، ولم تعد الآلة العقلانية مطلوبة، وصار مفهوم الواقعي غير كاف لتحليل لا معنى العالم.75 وعاجزًا عن الإمساك بالمتعدد والمختلف المميز للواقع. خصوصًا وأن الفانتاستيك يحكي عن عوالم خاضعة لقوانين أخرى، وتقطنها كائنات ليست بالضرورة من لحم وعظم، وهي موهوبة بقدرات تتجاوز ما نسميه بالواقع المألوف.76
برزت، إذن، في إطار التناقض والمساءلة، فجأة، أولى مظاهر أدب يؤكد على حرية الخيال الخلاق، ويحاول جعل التخييل مرة أخرى بعدًا من أبعاد الحياة الإنسانية التي تم نسيانها بفرض قانون هيمنة الواقعية.77
وتنبغي الإشارة إلى أنه لا يمكن الحديث عن الفانتاستيك في القرون الوسطى لأنه كان هناك اعتقاد بوجود كائنات خارقة فوق طبيعية محايثة للطبيعة، وكان هناك تفسير لما هو غير قابل للتفسير إما بإرادة الله أو إرادة الشيطان. نظرًا للطابع السحري الذي كان يضفى على العالم. ويحدد كاستس الفانتاستيك بأنه داخلي ونفسي، ولا يلتبس مع حبكة المحكيات الميثولوجية أو محكيات الجن التي تتضمن تغريبًا للروح.78 إنه يتميز، بالعكس، بإدخال متعسف للملغز في إطار الحياة العادية.79 ويعرِّفه روجر كايو بأنه إدخال للعجيب في اليومي.80 باعتباره منطقة متقلبة ومتحركة حيث يتواجه الواقعي واللاوقعي ويمتزجان.81 وحسب إرين بيسيير يحضر الفانتاستيك كتسجيل للتجربة الخيالية لحدود العقل باعتباره خلقا للايقين والالتباس والتردد ومجاورة اللامعقول للمعقول والواقعي، إنه عالم الخرق، والانتهاك بإخراج الوساوس العميقة للإنسان حول مشكلة الموت والألم وبؤس الحياة وأزمة القيم، إذ يعمل الكاتب، من خلاله، بواسطة التماهي مع شخصياته الشريرة على تحرير دوافعه، وانتهاك كل القوانين المفروضة عليه من قبل المجتمع. ويعد هذا تنفيسًا يمكن الإنسان من تجنب المرور إلى الفعل في الواقع. كما أن الفانتاستيك يعبر عن حنين إلى أزمنة وعوالم أصيلة يعيش فيها الإنسان متداخلًا مع باقي عناصر الطبيعة متخلصًا من القلق والخوف.
تركيب
وخلاصة القول إن الفانتاستيك في الأدب خاصة وفي الفن عمومًا ارتبط بسياق ثقافي خاص وُلِد مجموعةً من شروط الإمكان.
من الواضح أن الأدب غير قادر على أن يتطور حسب منطق داخلي في شكل مستقل عن الزمن. ويبقى ظهور أي جنس أدبي جديد داخل الحقل الأدبي نتيجة لروح العصر، ويتمظهر من خلال سلسلة من النصوص تتميز بالتشابه العائلي،82 نصوص تحاول التميز عمّا كان سائدًا من الإنتاج الأدبي، نصوص ترتكز على إبدال أدبي جديد، في ارتباط بالسياق الثقافي والمعرفي للمجتمع. وهو أمر ينطبق على الفانتاستيك الذي ارتبط بشروط إمكان موضوعية أدت إلى انبثاقه؛ تمثلت في تحولات فكرية واقتصادية ووجدانية ورمزية وجمالية شهدتها نهاية القرن الميلادي الثامن عشر وبداية القرن الميلادي التاسع عشر في أوروبا. تمثلت في هيمنة الفكر العقلاني على كل مناحي الحياة وتضييقه الخناق على كل محاولة للتفكير خارج أسواره، كما برزت في ظهور أزمة معنى روحية ودينية ونفسية تمثلت في هيمنة القلق على الإنسان وفي فردنة مشاعر الخوف، والتي كانت لها انعكاسات على مستوى الإنتاج الفكري والفني وقد تبلور ذلك في حركة الرومانسية التي حملت بذورًا أولى للفانتاستيك. وقد كانت بداية الفانتاستيك في ألمانيا مع هوفمان وفي فرنسا مع كازوت وفي إنجلترا مع الرواية السوداء والرواية القوطية.
هكذا ولد الفانتاستيك في سياق تاريخي محدد، وكان يُجيب تبنّيه الحماسي في فرنسا عن انتظار، عن انبعاث للباطن، للعجيب لفوق الطبيعي، عن ردة فعل تجاه عقلانية الحقبة.83 إذا كان نجاح هوفمان كبيرًا جدًا بفرنسا لأنه في اللحظة التي اكتشف فيها عمله كان المناخ مهيأً بشكل مسبق لفوق الطبيعي.84 ولتقبل الفانتاستيك وتداوله.
الهوامش
1 – Verónica Murillo chinchilla, “La littérature fantastique : poétique d’un conflit rationnel” in Revista de Lenguas Modernas, N° 13, 2010 / 59-69, p.60.
2 – Eric Lysoe, « pour une théorie générale du fantastique » article paru à l’origine dans Colloquium Helveticum, n° 33, 2002, p.37-66. (p.4 en ligne)
3 – Antoine Faivre, « Genèse d’un genre narratif, le fantastique (essai de périodisation) » in Cahier de l’Hermétisme colloque de Cerisy : La littérature fantastique , Ed. Albin Michel, 1991, p.16.
4 – Tania Collani, “la naissance du Gout fantastique au 19 siècle: Musset Chroniqueur et les Arborscences Romantiques”, Università degli studi di Bologna Publication, Jan 1, 2004 (http://www2.lingue.unibo.it/dese/didactique/travaux/Collani/Collani_Litt%E9raturefantastique.pdf)
5 – Ibid.
6 – Ibid.
7 -Chiara de luca, « les germes du fantastique dans les théorisations des écrivains romantiques allemands » Revue des Littératures de l’Union Européenne, 2004http://www.rilune.org/dese/tesinepdf/De%20Luca/De%20Luca_Histoiredesid%E9es.pdf
8 – Tania Collani, Op. cit
9- Ibid.
10 – Ibid.
11 – Ibid.
12 – Ibid.
13 – Ibid.
14 – Ibid.
15 – Ibid.
16 – Ibid.
17 – Ibid.
18 – Ibid.
19 – Ibid.
20 – Roger Bozzetto, « l’irrationnel, l’époque romantique et le fantastique ». (lieu de parution initiale inconnu) www.noosfere.com/Bozzetto/article.asp?numarticle=574&pdf=1 14/10/2012.
21 -Ibid.
22 – Ibid.
23 – Ibid.
24 – Ibid.
25 – Ibid.
26 – Antoine Faivre, « Genèse d’un genre narratif, le fantastique (essai de périodisation) » in Cahier de l’Hermétisme colloque de Cerisy : La littérature fantastique , Ed. Albin Michel, 1991, p.28.
27 -Roger Bozzetto, Une (H) histoire (du) fantastique a-t-elle une signification ? Imaginaires et idéologies. Cahiers du CERLI, 1984, p. 15-24.
28 – Ibid.
29 – Ibid.
30 -Emmanuelle Sempère, De la merveille à l’inquiétude : le registre du fantastique dans la fiction narrative au 18 siècle, Ed. Presses Universitaires de Bordeaux, 2009, p.39.
31 -Roger Bozzetto, Une (H) histoire (du) fantastique a-t-elle une signification OP.cit.
32 – Alejo G. Stiemberg, « du gothique au fantastique gothique et à la Ghotic fantasy : parcours du genre au style », 2004, (http://www2.lingue.unibo.it/dese/didactique/travaux/Steinberg/Steimberg_Litt%E9rairefantastique.pdf), p.4.
33 -Anka Clitan, « le fantstique métamorphique de corinna bille » http://www.upm.ro/facultati_departamente/stiinte_litere/conferinte/situl_integrare_europeana/Lucrari3/franceza/Anca%20Clitan.pdf, p.862.
34 -Roger Bozzetto, Une (H)histoire (du) fantastique a-t-elle une signification, Op.cit.
35 -Ibid.
36 – Ibid.
37 -Emmanuelle Sempère, Op. cit, p.103.
38 -Maria Cristina Bathala, Op. cit
39 -Ibid.
40 – Verónica Murillo chinchilla, “La littérature fantastique : poétique d’un conflit rationnel” in Revista de Lenguas ModeRnas, N° 13, 2010 / 59-69, p.60-61.
41 – Emmanuelle Sempère, Op. cit, p.45.
42 – Ibid, p.45.
43 – Maria Cristina Bathala, Op. cit.
44 – Emmanuelle Sempère, Op. cit, p.39.
45 – Ibid, p.40.
46 -Roger Bozzetto, Une (H) histoire (du) fantastique a-t-elle une signification, Op.cit
47 -Anouck Link, « le discours fantastique est-il rationnel ? »in Cahier De Narratologie, 18, 2010
48 -Anouck Link, « le discours fantastique est-il rationnel ? »in Cahier De Narratologie, (en ligne) 18, 2010, mis en ligne le 05 janvier 2011, consulté le 13 octobre 2012. URL : http://narratologie.revues.org/6046.
49 – Maria Cristina Bathala, Op. cit.
50 -Emmanuelle Sempère, Op. cit, p.45.
51 -Ana Pano Alaman, « Goya et le merveilleux inquiétant des Caprichos », 2004 http://www2.lingue.unibo.it/dese/didactique/travaux/Pano/Pano_Artfantastique.pdf
52 -Ibid.
53 -Ibid.
54 -Emmanuelle Sempère, Op. cit, 2009, p.40.
55 – Maria Cristina Bathala, « La fiction fantastique: une littérature de la crise ou la crise de la littérature » in http://www.arabesques-editions.com/fr/articles/058201.html
56 -Irène, le Récit fantastique, Poétique de l’incertain, Ed. Larousse, Paris, 1974, p.23.
57 -Emmanuelle Sempère, Op. Cit, p.42.
58 -Ibid, p.41-42.
59 -Ibid, p.42.
60 – Ibid. p.42.
61 – Ibid. p.59.
62 – Ibid. p.89.
63 – Ibid. p.89.
64 Ibid. p.102.
65 – Ibid. p.42.
66 – Ibid. p.60.
67 – Maria Cristina Bathala, « La fiction fantastique: une littérature de la crise ou la crise de la littérature » in http://www.arabesques-editions.com/fr/articles/058201.html
68 -Ibid.
69 -Ibid.
70 -Ibid.
71 -Ibid.
72 -Ibid.
73 -Ibid.
74 -Ibid.
75 -Ibid.
76 – Verónica Murillo chinchilla, “La littérature fantastique : poétique d’un conflit rationnel” in Revista de Lenguas ModeRnas, N° 13, 2010 / 59-69, p.60.
77 -Maria Cristina Bathala, Op. cit
78 – P.G. Castex, Conte fantastique en France de Nodier à Maupassant, Ed. Librairie José Corti, Paris, I95I, p.10.
79 – Ibid. p.11.
80 – A. W. Raitt, « Villiers de l’isle-adam et le fantastique » Communication faite lors du congrès « Fantastique et structure à l’époque romantique » in C.A. I.LE.F. n° 32, mai 1980, p.225.
81 – Roger Callois, Au cœur du fantastique, Ed. Gallimard, Paris, 1965, p.161.
82 – Roger Bozzetto, « l’irrationnel, l’époque romantique et le fantastique ». (lieu de parution initiale inconnu) www.noosfere.com/Bozzetto/article.asp?numarticle=574&pdf=1 14/10/2012.
83 -Adriana Apostol , « sur l’émergence du fantastique littéraire en France », p.3.(p.4 en ligne)
84 -Ibid. p.3.(p.3 en ligne)