(1)
إلهي
لا تحزن على هديتها
أعطها كما سمحت للغيمة
أن تعبر فوق سماء الحزن
امنحها العطر
الذي شمته في طفولة الوردة
لا تقسو كثيرا
حتى لا تفتقدك في السماء
اجعل من الظل مساحة
لطوابير المفقودين في الأرض
إلهي
اجعلها هديتك.
هذه الروح
كل صباح أول من يحجز
في قاطرة ضياعها إليك
ربما تأثمت بقليل من الغناء
نحو الزهد والفقد والغياب
فامنحها قليلا من الفرحة
في طريقها المختصر
حتى
لا تكون آخر ضحاياك.
إلهي
بين الدعاء والوصول
جزيرة من العشق إليك
هي من يعدّ سلالمها
موسيقى صوفية قطعت عنها
هواء الحياة .
إلهي
امنحها موسيقى الخطوات
أو ترأف لها
بجناحين لتنظر إلى جسدها
المسجى على اللذة
يتلو الظل
الذي نسيه في جزيرة الحلم.
(2)
المدينة الغامضة
خيوط شمسها
تشبه الفضة في لمعانها
والحديد في صلابته
فتقيد أرواح أبنائها
المسافرين دوما
في رحلة الضياع
مغيبين مفاتيح الاتجاهات
سفنهم كالغيم
تشدّها الرياح
في أزمنتهم الملتفة
حول أعناقهم .
كل ليل يتسامرون
مع الغرقى
وفي النهار
تحرسهم التوابيت
تلف أجسادهم البالية
خشية قسوة الظلام .
( 3)
على الشفاه تبنى حدائقهم
فتنطلق السهام الماكرة
من الأغصان
في الصباحات الباكرة.
إلا أن قلبي
لا يزال يعيش
أحلام المساءات الأولى
لم تلونه أناملهم
تلك الأفاعي الملتوية
لذا
وبالرغم من كل الانكسارات
يولد كل يوم ملاك
يحمل من ليالي الخوف
ومن عشب البراءة
أغاني سافرت معه
منذ أزمان هجرها التاريخ
فينير بها
عتمات المعذبين بأديم
الخارطة العوجاء
علّ الحياة تعود إليها
في العشاء الأخير من اللعبة.
كلّ نهار أحمل نعشي
مدفونا صوب البحر
كما لو أنه
كأس الخلاص وحكمة الغرقى.
( 4)
اهدئي أيتها الأوراق
خففي من أنينك
فعويل الريح
ينبح بين هذه الأطواد .
ارحلي إلى بلاد أخرى
علّ مياهها وشموسها الحنونة
تذيب الضباب الداكن
وتلبسك قلادة الحياة.
لا تدمعي كثيرا
فهنا يغسلون بها
أجساد ضحاياهم المضرجة بالدماء
ويتلون عليها
صلوات العشق الأخيرة.
فليرفرف قلبك
صوب الأصقاع البعيدة
قبل أن يجف
بسرطان اليأس والقنوط.
اختاري من الغيم
مراكبا لأحلامك
لتزهر عليها تلك الروح
المحمولة على ورق النار
واجعلي من الأمواج
النبع الذي تغرّد عليه أنفاسك
لا تستسلمي للخسرانات والنعوش
حتى لا تتناثر قلادتك الوضاءة
فتتشتت أنوارها في هشيم الظلام
أبقها
كما هي نهارات سلالاتك
التي لن تعود.
(5)
كمن يتعثر بزهرة
هكذا هي البلاد
تقتلك بحب.